الحوثي ونقض الاتفاقيات والمواثيق.. تاريخ من الغدر والخيانة

2024-02-28 00:55:48 أخبار اليوم / الإصلاح نت

  

يوما بعد آخر، تكشف ميليشيا الحوثي الإرهابية عن حقيقتها في التنصل من الالتزامات والاتفاقيات، مع مختلف القوى اليمنية، والتي أكدت حقيقة أن هذه الميليشيات أدمنت الغدر والخيانة، ونقض العهود والمواثيق.

تاريخ طويل من نقض العهود والاتفاقيات اتسمت بها الميليشيات الحوثية وباتت صفة ملازمة لها، حيث وقعوا عددا من الاتفاقيات لإنهاء الحرب أو السلم وعدم التصعيد لكنهم لم يلتزموا بواحدة منها؛ بل استغلوا اتفاقيات وقف إطلاق النار لمزيد من التوسع وكسب الأنصار وظلت ممارساتهم تؤسس لتقسيم البلاد على أساس مذهبي وطائفي بدعم من إيران.

منذ أكثر من عقدين ونصف بات ذاكرة اليمنيين تحتفظ بسجل مرير من الخيانات من قِبل الميليشيات الإرهابية التي تتخذ من الهدن والأوضاع الإنسانية والمعاهدات وسيلة لكسب الوقت وترتيب الصفوف، وهكذا دأبت منذ أن خطت أولى خطواتها خارج الكهوف في 2004 وحتى اليوم.

لقد أدمنت الميليشيات الغدر والخيانة ونقض العهد والمواثيق، وتنصلت عن الالتزام بأي منها، متى ما امتلكت القوة وصارت في وضع أفضل، حيث تشير الدلائل الكثيرة والشواهد التي سنتطرق إليها في ثنايا هذا التقرير إلى أن هذه الميليشيات لا ينفع معها إلا القوة لإجبارها على الرضوخ لتنفيذ ما التزمت به.

الاتفاق مع السلفيين

ترصد التقارير الحقوقية نحو 100 اتفاقية وعهد نكثت به ميليشيا الحوثي الإرهابية مع مختلف الشرائح والمكونات اليمنية منذ بدء تنظيمها السري في صعدة وحتى اليوم، وكان القاسم المشترك لكل تلك الاتفاقيات التي وقعتها هي الانقلاب على تلك العهود قبل أن يجف حبر تدوينها.

لقد كان الاتفاق مع السلفيين فاتحة الاتفاقيات التي وقعها (الميليشيات) الحوثيون مع الجماعة السلفية في اليمن أثناء عملهم السري في محافظة صعدة مطلع ثمانيات القرن الماضي. حيث وقعت اتفاقية بين من وصفوا أنفسهم "علماء صعدة" والسلفيين بزعامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي.

رعت تلك الاتفاقية لجنة حكومية حينها برئاسة وزير الأوقاف والإرشاد علي بن علي السمان، وعضوية رئيس الهيئة العامة للمعاهد العلمية يحيى لطف الفسيل، ومدير عام الإرشاد عبدالرحمن العماد، وبمباركة رئيس الوزراء يومها الدكتور عبدالكريم الإرياني رحمه الله.

ظلت هذه الاتفاقية سارية حتى نقضتها الميليشيات الحوثية عندما قويت شوكتها كحركة مسلحة في أول حصار ومن ثم هجوم على السلفيين ومركزهم دار الحديث بدماج في يوم الخميس 22 ذو القعدة 1432هـ الموافق 19/10/2011.

اتفاقيات الحروب الست

نشأت ميليشيا الحوثي في تمرد على الدولة وخصوصا خلال ما عرف بالحروب الست التي شنتها الميليشيات ضد الجيش اليمني خلال الفترة من 2004- 2010، خلال تلك الفترة وقعت الميليشيات مع الدولة ست اتفاقيات، وبين كل فترة وأخرى تقوم بنقضها فتندلع الحرب مرة أخرى.

ويرى باحثون أن مجمل الاتفاقيات التي وقعها (الميليشيات) الحوثيون خلال الحروب الست كانت عندما يكونون على وشط السقوط والانهيار أو في حالة حاجتهم إلى المال، بينما ينقلبون عليها عندما يحصلون على السلاح والمال الكافي لتوسيع التمرد، وبناء الخنادق والحصول على أسلحة نوعية وتجنيد عدد أكبر.

الاتفاقيات الحوثية مع القوى اليمنية 2011-2014

مثلت الاتفاقيات التي عقدتها ميليشيا الحوثي مع القوى اليمنية بين 2011 - 2014 مرحلة أخرى من مراحل تطورها التي مكنها من السيطرة على العاصمة والانقلاب على الدولة. حيث تم رصد 15 اتفاقية وقعتها ميليشيا الحوثي مع القوى السياسية والقبلية والسلفيين في اليمن خلال الفترة المذكورة وجميعها انقلبت عليها ونقضت بكل بنودها.

ويرى باحثون أن تلك الاتفاقيات التي وقعتها الميليشيات وانقلبت عليها، كانت قد تكررت فيها عبارات "التعايش السلمي، والطريق الرئيسي"، في إشارة إلى أن الميليشيات الحوثية تدرك أن فكرها الأيديولوجي والسياسي مرفوض من قبل الشعب اليمني، وإلا ما الحاجة لذكر بند التعايش السلمي، واليمن لا توجد فيه إثنيات ولا أعراق مختلفة.

مؤكدون أن ميليشيا الحوثي عمدت على استخدام الاتفاقيات لتأمين معقلها في صعدة وتأمين مرور الأسلحة والمال القادمين من الخارج عبر ميناء ميدي للوصول إلى صعدة. ويتهم مراقبو اللجان الرئاسية التي شكلت حينها بأنها مثلت صبغة رسمية لتحرك الميليشيات وتمددهم باتجاه العاصمة صنعاء.

وأكد مراقبون أن الميليشيات تلجأ للاتفاقيات لتفكيك وحدة القبائل الرافضة لوجودهم، وبث الخلافات بينها، مشيرين إلى ما حصل مع قبائل حاشد في محافظة عمران، أثناء اجتياح المحافظة والسيطرة عليها، وكما عمدت الميليشيات الحوثية على استخدام ما يسمى بالعرف القبلي لصالحهم.

اتفاق السلم والشراكة والحوار الوطني

أكثر من 50 اتفاقية وعهدا وقعته ميليشيا الحوثي منذ 2004 وحتى سيطرتها على العاصمة صنعاء وانقلابها على الدولة في ليلة 21 سبتمبر 2014، ومثلها منذ الانقلاب وحتى اليوم.

حيث وقع (الميليشيات) الحوثيون مع رئيس الجمهورية السابق عبدربه منصور هادي والقوى السياسية الأخرى ما سمي بـ"اتفاق السلم والشراكة" برعاية الأمم المتحدة عبر ممثلها جمال بن عمر، لكنهم سرعان ما نقضوا ذلك الاتفاق وقاموا بغزو بقية المحافظات اليمنية وانقلبوا على الرئيس هادي وحاصروه داخل منزله من 25 يناير 2015 وحتى فراره إلى عدن بتاريخ 20 فبراير 2015.

وقبلها كانت الميليشيات قد انقلبت على مخرجات الحوار الوطني الشامل في 2013 الذي مثّل مخرجًا وحيدًا لكلِّ مشاكل اليمنيين، وقد أجمعت عليه كلُّ القوى اليمنية، وباركته الدول الإقليمية الراعية والمجتمع الدولي، علمًا أن هذا الحوار لمصلحتهم هم بالمقام الأول قبل غيرهم، ومع هذا انقضوا عليه.

سلوك حوثي متأصّل

وتعليقا على هذا السلوك (الميليشيات) الحوثيين المتأصّل في نقض العهود والمواثيق يرى باحثون أن المتتبع للسلوك الحوثي في نقض العهود والمواثيق بأنه عائد إلى مصلحة ما يحققونها أو التخلص من مأزق لحظة فارقة تكون هي الفيصل بين بقاء كيانهم أو نهايته، فيقدمون على الاتفاق نجاة من الانزلاق إلى الهاوية، وحينما يخرجون من تلك الهوة يعودون لما نهوا عنه من النكث والنقض.

ويرى الباحثون في فكرهم وثقافتهم أن عملية عدم إيفائهم بالعهود والمواثيق عائد إلى فكرهم الثقافي ومعتقدهم الديني المنحرف؛ إذ إن نقض العهود عندهم عقيدة مغروسة في قضية التقية السياسية التي يعتنقونها ولذلك لا تكترث لهذه المسائل التي تعد خُلقاً كريماً عند مختلف الشعوب في الأرض حتى أكثرها إلحاداً.

وفي هذا الصدد يرى الباحث اليمني ثابت الأحمدي، أن البِنية السيكولوجية للنظرية الهادوية بنية عدوانية، كأي نظرية عقائدية، لا يتوقّف أمر تعاطيها مع الآخر في مسألة القبول به، أو التعامل معه؛ بل في نقض العهود، والاعتداء عليه في أخصّ خصوصياته، اعتداء ماديًّا ومعنويًّا معًا.

ويضيف الأحمدي، يمثّل نقض العهود والغدر بالمواثيق واحدًا من تلك الاعتداءات التي جُبلت عليها الإمامة في اليمن ــ وميليشيا الحوثي أحد حلقاتها التاريخية ــ كثقافة وسلوك معًا منذ نشأتها الأولى في نهاية القرن الثالث الهجري وحتى اليوم، ذلك أنها تمارس السياسة مفصولة عن الأخلاق، وفقا للمبدأ الميكافيللي: "الغاية تبرر الوسيلة". وهي تمارس الحكم من أجل التحكّم الذي يترتّب عليه الامتياز الماديُّ والمعنويُّ، كما يترتّب عليه الكسبُ غير المشروع، من أيّ طريق كانت، وفقًا للمعتقد الشائع لديهم تاريخيًّا: "الحلال ما حلَّ باليد".

ربع قرن من المراوغة

ويرى خبراء أن سلوك الميليشيات الحوثية الذي تبديه تجاه القضايا والملفات الشائكة، والمراوغة التي دأبت عليها منذ ربع قرن في التعامل مع المعاهدات والاتفاقيات والالتزامات والهدن التي تكون الميليشيات طرفا فيها، أن ذلك لم يكن ليتم دون تلقي الميليشيات الحوثية دعما وتأييدا ومساندة إيرانية منقطعة النظير.

وعلى الرغم من أسلوب التستّر الذي انتهجته إيران في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لحلفائها في اليمن، إلا أنها لم تخفِ دعمها السياسي لميليشيات الحوثي طيلة السنوات الماضية.

ورغم طغيان الحذر والتستر في السياسة الإيرانية وإنكار الإيرانيين دعمهم العسكري لميليشيا الحوثي، إلا أن المساعد الاقتصادي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال رستم قاسمي، تحدث صراحة مطلع العام 2021 أنّ الفضل في التطور العسكري لميليشيا الحوثي يعود إليها، فضلاً عن إقراره بوجود "عدد قليل من المستشارين من الحرس الثوري لا يتجاوز أصابع اليد" في اليمن، وهي الصيغة نفسها التي تستخدمها طهران للحديث عن قواتها الموجودة في سوريا أو في العراق.

غير أن ما زاد الأمر خطورة وما جعله لافتاً هو تقليل الخارجية الإيرانية من أهمية تلك التصريحات وعدم صحتها، كمحاولة من الوزارة لاحتواء تصريحات قاسمي بالقول، في بيان، إن تلك التصريحات "تتعارض مع الوقائع ومع سياسات الجمهورية الإسلامية في اليمن"، مشددة على أنّ "دعم إيران لليمن هو سياسي، وأن الجمهورية الإسلامية تدعم المسار السلمي للأزمة اليمنية وجهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي لهذه الحرب المدمرة"، قبل أن يرد قاسمي على بيان الخارجية في تغريدة تمسك فيها بتصريحاته.

ما يؤكد هذا الطرح الذي ذهب إليه بعض المراقبين، هو إعلان الجنرال الإيراني حسن إيرلو الذي اعتمدته إيران سفيرا لدى حكومة ميليشيا الحوثي غير المعترف بها قبل أن يقتل في ظروف غامضة، رفضه للمبادرة التي طرحتها السعودية بشأن إنهاء أزمة اليمن، ووصفها بأنها "مشروع حرب دائم"، على الرغم من أنّ الموقف الرسمي لميليشيا الحوثي حيال المبادرة انتهج مبدأ المراوغة والتحفظ على بنودها بهدف الحصول على تنازلات سعودية أكبر.

وقد عد المراقبون هذه التصريحات دليلا قاطعا على تدخل الإيرانيين في الحرب، وإدارتهم لملف الصراع في اليمن، وأن (ميليشيات) الحوثيين ليسوا أكثر من واجهة للصراع، وهو ما اعتبره المراقبون أيضا سببا للتذبذب الحاصل في المواقف، والتناقض في سياسة الميليشيات التي لا تملك من أمرها شيئا، عدا ما يتم إملاؤه عليها من أوامر وتوجيهات من قِبل الإيرانيين.

                            

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد