حلف الهزائم في اليمن... دودة خبيثة في جوف الحكومة الشرعية

2022-10-17 22:08:52 أخبار اليوم – تقرير خاص

 

لم تصل الحكومة الشرعية إلى هذه المرحلة من الضعف والهوان بشكل مفاجئ، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة، ولا يمكن اعتبارها نتيجة حتمية لمفارقات القدر العصية، بل مرت بمراحل ومنعطفات عدة صنعها التحالف العربي الذي جاء بدعوى مساندتها وإعادتها إلى العاصمة صنعاء، وهي العوامل المقصودة التي ساهمت بنسبة كبيرة في تشتيت جهود الحكومة وإضعافها.

لم تكن هذه المتغيرات سرية بالنسبة للمشهد العام، ولم تكن عصية على الفهم، بل كانت واضحة بما يكفي لفضح مساعيها وأهدافها المشبوهة، والتي استخدم في سبيلها تارةً أطراف من الحكومة نفسها، وتارة أخرى فصائل فرخها التحالف العربي وعمل على دعمها لتقويض أدنى مظاهر التعافي السياسي للدولة.

هذه المفارقات العجيبة التي نتج عنها مصير مؤسف، لم تكن حتمية ولم يستحال تجنبها، ولكن التبريرات التي جرى التسويق لها خلال هذه المراحل وسياسة الغموض المقصود التي انتهجها الجميع في التعاطي معها جعلها تبدو القدر الحتمي لليمنيين.

سياسة خبيثة

ففي حين تحولت الحركة الحوثية الانقلابية وهي الأكثر نفورًا مع أحلام اليمنيين وتطلعاتهم إلى قوة عسكرية وسلطة أمر واقع قادرة على تحقيق مختلف أشكال الضغط السياسي والعسكري في اليمن، تحولت معها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، إلى سلطة ضعيفة لا تحظى بالثقة الداخلية ولا بالاحترام الخارجي.

حكومة مفككة لا يستطيع مسؤولوها الاتفاق على موقف واحد، فترى بعض المحسوبين عليها يتخذ مواقف علنية تتعارض مع إرادة رمزية هذه السلطة بمختلف أشكالها، سواء كمجلس قيادة رئاسي توافقي، أو حكومة شرعية مركزية.

ففي حين طفت هذه المتغيرات على السطح، واستهلك التحالف العربي ثمانية أعوام من عمر اليمنيين في حرب باتت نهايتها المؤسفة معرفة لمعظم المراقبين، فقد أفرزت الأحداث الأخيرة وما قبلها ما يمكن توصيفه بالمحاصصة في السلطة الشرعية لكن ليس المحاصصة الحزبية داخل الخارطة السياسة في اليمن بل المحاصصة بين الدول الإقليمية التي تقاسمت تركة البلد المريض.

مسؤولين مقربين من الإمارات وآخرين محسوبين على السعودية وغيرهم ليس لديهم مشاكل مع قطر، هذا هو الشكل النهائي الذي شكلته دول التحالف العربي للدولة اليمنية وللحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، ولا أدل على ذلك من طبيعة المرحلة الحرجة التي تعيشها اليمن في الوقت الحالي، مع حكومة متكومة على ذاتها في الجنوب، وانقلاب في الشمال يجري مفاوضاته مع الحليف المرعوب الرياض.

بعد انطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية والإمارات، كعملية عسكرية لإعادة الشرعية في اليمن، وإنهاء انقلاب مليشيا الحوثيين، أعلن متحدث التحالف العربي حينها/ أحمد عسيري، تدمير 80% من المنظومة الصاروخية للمليشيات الحوثية في أول ضربة جوية لطيران التحالف، وشل منظومة الدفاع الجوي وسلاح الطيران.

حينها توقع المحلولون نهاية الانقلاب وتحقيق التحالف العربي أهدافه، خلال أسبوعين على الأكثر، لكن ما كان مجزوم بحصوله، بات اليوم أشبه بخرافة يضع التحالف العربي في موضع مثير للضحك والشفقة في الوقت ذاته.

المليشيات الحوثية وبعد ثمانية أعوام من الحرب، أصبحت أكثر قوةً وتماسكًا عن ذي قبل، مقابل حكومة مهزومة وجائعة لأقصى دراجات الانهزام، وهي الطريقة الملتوية التي ساهمت من خلالها دول التحالف العربي بتعزيز بقاء مليشيا الحوثيين وإرهاق الحكومة الشرعية، ليجد اليمنيين جمهوريتهم تكاد تتلاشى من الخارطة لصالح جماعات انقلابية مسلحة إحداها مدعومة من إيران في الشمال، والأخرى مدعومة من التحالف بقيادة الإمارات في الجنوب.

حلف الخديعة

ثمانية أعوام من الحرب المتواصلة في اليمن، بدأت أول سنواتها بتصريحات الرياض والتحالف العربي بحسم المعركة لصالح الحكومة، ثم جاءت بعد ذلك مسميات أخرى للتهرب من الحقيقة المؤسفة لخيبة التحالف العربي بعد تفتيته الحكومة الشرعية ونحرها من الوريد إلى الوريد.

بعد كل هذا ما تزال متغيرات الأزمة اليمنية بيد الرياض متجددة، ففي حين يفصل العام الثامن بعضة أشهر على الانتهاء ليبدأ عام تاسع جديد من عمر التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن، يجد اليمنيون أنفسهم أمام واقع الخيبة، في حين لم يحقق هذا التدخل أيًا من أهدافه المعلَنة، والمتمثل في إلحاق الهزيمة بمليشيا الحوثيين وإرساء سلطة الحكومة الشرعية من جديد.

بدلاً من ذلك، أصبح التحالف السعودي مُفككاً بسبب صراعات المصالح بين أعضائه، ما أتاح لمليشيا الحوثيين التقدّم على الصعيد السياسي والقوة العسكرية، ليتحول مسار التحالف من التقدم النسبي في بداية عملياته، إلى انتكاسات متتالية في الآونة الأخيرة، إضافة لسحبه الحكومة الشرعية إلى أسوأ مراتع الضعف والانهزام.

ففي الوقت الذي يتعمد فيه التحالف العربي تقليم قوى المعسكر الحكومي الذي فرض عليه أن يعيش محدود القدرات خلال السنوات الماضية من عمر الأمة في اليمن، تعيش الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا حالة من الغربة والتهميش الإقليمي، ناهيك عن ممارسات خليجية لإقصاء الدور الحكومي من أية مستجدات سياسية متعلقة بالأزمة في اليمن.

في المقابل، تحظى مليشيات الحوثي الانقلابية بفضاء مفتوح للتواصل مع الرياض التي مثلت قيادة التحالف العربي بعد أن جاء بهدف الوقوف مع الحكومة الشرعية، في حين تشهد المعسكرات الحوثية حالة نمو في القوة بشكل متسارع ومستمر.

تسببت سياسة التحالف العربي والدول الأعضاء في التحالف وبشكل خاص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بإرهاق الحكومة وتحجيم قدراتها ونفوذها العسكري تمامًا، بالإضافة إلى قيامهم بفتح جبهات عدة لفصائل مسلحة في الجنوب وكلها بتمويل خليجي.

خلال فترة الحرب، عملت دولة الإمارات على تقويض السلطة الشرعية، وبث الشقاق بين صفوف المجتمع اليمني، وسعت للسيطرة على الموانئ، ورغم ذلك فإنها لا تنفك حتى تعود لتعلن حربها ضد الحكومة وجيشها، لتضمن تمكين أدواتها المحلية في الجنوب من تمام السيطرة وفرض مشروع الانفصال.

وعلى طول مدة الأزمة، نقلت سياسة التحالف بقيادة الرياض وأبو ظبي قرار حسم المعركة مع الانقلاب من القرارات العسكرية، إلى مصاف القرارات السياسية، وأصبح الابتزاز الواضح، من قبل دول التحالف للحكومة الشرعية هو غاية أجنداتهم.

وأخيرًا، وبعد فشل طويل للتحالف العربي في اليمن، يبدو أن السعودية قد تبنّت استراتيجية جديدة للأزمة اليمنية تقوم على عقد صفقة مع الإيرانيين ومليشيا الحوثيين لتأمين حدودها، مقابل التخلّي عن الشرعية، وشعار استعادة الدولة.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد