حضور اليمنيين في القضية الفلسطينية قبل ظهور الحوثيين في اليمن

مواقف تأييد عديدة تكشفها دراسة أعدها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية

2023-12-20 23:10:35 أخبار اليوم - خاص

قال مركز دراسات يمني إن حرب غزة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي عقد الصراع في اليمن وتزيد من التوترات الإقليمية.

 

وكشف المركز في دراسة أعدها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان طوفان الأقصى وموقف اليمنيين منها.. المسار التاريخي والاستجابة الراهنة

عن موقف اليمن والشعب من القضية الفلسطينية مشيرا إلى قيام أبناء الجالية اليمنية في دول الشتات، كما في الولايات المتَّحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا ودول الاتِّحاد الأوربِّي الأخرى، بالمشاركة في التَّظاهرات والمسيرات الشَّعبية المطالبة بإيقاف الحرب وإنهاء العدوان. وانخرط عدد مِنهم في الأعمال الإنسانية الإغاثية والحراك الإعلامي والحقوقي عبر القنوات والمواقع الإلكتروني والصَّحافة والإذاعات.

 

وأوضحت الدراسة ان مليشيا الحوثي استغلت التعاطف العارم والطاغي لفرض أجندتها وقيامها ببعض العمليات التي مِن شأنها أن ترفع مِن أسهمها في الداخل، بغض النظر عن أجنداتها التي تخفيها، وتحالفاتها التي تتحكَّم بمشهد تلك العمليات وقواعد الاشتباك فيها. غير أنَّهم استغلُّوا هذه الأحداث لصالح جمع التبرُّعات لصالح الجماعة تحت مسمَّى دعم فلسطين، وفرضوا عددًا مِن الجبايات على المواطنين لدعم الصواريخ التي تطلق على إسرائيل!

وأشار المركز في الدراسة ان التوجُّه الحوثي دعا رئيس الجمهورية اليمنية، الدكتور رشاد العليمي في كلمته أمام القمَّة العربية الإسلامية التي عقدت بالرياض، لدعوة الجماعة إلى عدم استثمار مأساة الشعب الفلسطيني، بتصعيدها المتزامن على كافَّة الجبهات مع المحافظات المحرَّرة، وإلى إنهاء حصار المدن، والتوقُّف عن زرع الألغام المحرَّمة دوليًّا، واستمرار استهداف المدنيين بالصواريخ والطائرات الانتحارية؛ وحضَّها على التعاطي المسئول مع دعوات وقف إطلاق النار، وإحياء العملية السياسية الشاملة التي تحفظ لليمن هويَّته ومكانته، وتعيده إلى محيطه العربي والإسلامي أكثر قوَّة في دعم قضايا الأمَّة، وفي مقدِّمتها القضية الفلسطينية.

شعبيًا تعاطي عدد كبير مِن اليمنيين مع عمليات جماعة الحوثي ضدَّ إسرائيل بإيجابية، داعين الجماعة إلى تعديل مسارها الداخلي، ومعالجة الأوضاع المحلِّية، ليستردَّ اليمن مكانته وتأثيره الإقليمي والدولي، بعيدًا عن أجندات وحسابات إيران ومحور الممانعة التابع لها.

كما أوضحت الدراسة عن تعبيرات الحكومة والسلطة الشرعية في تبويبات متعددة للدراسة .

 

وذكر مركز المخا للدراسات الإستراتيجية -في دراسة له- أن الأحداث الجارية في غزة ستترتب عليها تداعيات كبيرة قد تُعقِّد الصراع في اليمن وتزيد من التوترات الإقليمية.

 

وتطرقت الدراسة إلى الأسباب والتداعيات التي دفعت الحوثيين إلى تنفيذ هجمات بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه شمال البحر الأحمر، وكيف وظفت الجماعة معركة "طوفان الأقصى" لتحقيق أهدافها.

 

ورجحت الدراسة أنَّ جماعة الحوثي تستغل هذه الأحداث لدفع اليمن نحو جولة جديدة من الصراع، من خلال تحشيد قواتها واستغلال الظروف الحالية لتبرير تصعيد الصراع، مكونة تداعيات كارثية على اليمن والمنطقة، فضلاً عن تأثيرها على الأمن الغذائي في اليمن.

 

وأكد المركز ان اليمنيون حاضرون منذ الوهلة الأولى في القضية الفلسطينية بل أنهم ومازالوا من أشد الشعوب المؤيِّدة والمناصرة للقضية الفلسطينية

 

فرض العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على إثر هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في 7 أكتوبر 2023م، على قوَّات الكيان الصُّهيوني، وقيامها باعتقال عدد مِن الصَّهاينة، وتدميرها لعدد مِن الآليَّات العسكرية، بما أطلقت عليه عملية "طوفان الأقصى"، تفاعل الشُّعوب العربية والإسلامية قاطبة، بما في ذلك الشَّعب اليمني.

وقد كان اليمنيُّون -ولا زالوا- مِن أشدِّ الشُّعوب المؤيِّدة والمناصرة للقضية الفلسطينية، قولًا وعملًا، منذ بواكيرها الأولى في ثلاثينيَّات القرن الماضي، وحتَّى اليوم. وهم رغم مآسيهم ومعاناتهم التي خلَّفتها الصِّراعات الدَّاخلية والحرب بالوكالة، بين الأطراف اليمنية، لا زالوا ثابتين على نهجهم الرَّافض للاحتلال الصُّهيوني، والاعتراف بدولة إسرائيل، والمتمسِّك بفلسطين بلدًا عربيًّا مسلمًا، يضمُّ على أراضيه أتباع الدِّيانات المختلفة دون ظلم أو اضطهاد.

 

حضور القضية في قلوب اليمنيين

 

وقد كان اليمنيُّون حاضرون في كلِّ محطات الصِّراع الفلسطيني مع قوى الاحتلال الصُّهيوني، جسدًا وروحًا، واهتمامًا ووعيًا، ودعمًا وإسنادًا، مِن منطلق الإيمان بعدالة القضيَّة، والمعاني الدِّينية الرَّاسخة في الوعي المجتمعي حول حقِّ المسلمين جميعًا في هذه الأرض المباركة، وما لها مِن حضور كثيف في نصوص الكتاب والسُّنَّة، سواء في العقائد أو الشَّرائع، حيث كانت مهاجر الأنبياء، والقبلة الأولى، ومسرى الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم.

ويمكن في هذا الصَّدد رصد موقف اليمنيين مِن قضية فلسطين في مسارين: مسار رسمي حكومي، ومسار شعبي ومجتمعي، حيث كانت هذه القضية محلَّ إجماع اليمنيين، بما يجعل الخارج عن ذلك الإجماع شاذًّا في المجتمع.

تتناول هذه الورقة المسارين بشيء مِن العرض الموجز والقراءة السَّريعة للمواقف الرسمية والشعبية والمجتمعية، لبيان مدى اطِّراد هذه المواقف في الوعي الجمعي لدى اليمنيين حكَّامًا ومحكومين ونخب فكرية وثقافية، ومدى حضورها في أحداث غزَّة اليوم، وما يجري مِن عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين، واستقلالها في التَّعبير عن موقف وطني يمني.

 

موقف اليمن مِن تهجير اليهود إلى فلسطين:

انتهجت الحركة الصُّهيونية العالمية، التي أسَّسها "تيودور هرتزل" (2 مايو 1860م- 3 يوليو 1904م)، سياسة توطين يهود العالم في فلسطين، مِن خلال عملية تهجير واسعة للأقليَّات اليهودية مِن أنحاء العالم، ليحلُّوا تدريجيًّا محلَّ السُّكَّان الفلسطينيين الأصليين، مسلمين ونصارى. وبدأت حركة شراء الأراضي والعقارات تجري مِن قبل الوافدين اليهود تبرز وتنتشر. وقد انتعشت حركة الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين بعد الاحتلال البريطاني لها؛ وتلا ذلك مباشرة صدور "وعد بلفور"، خلال الحرب العالمية الأولى، والذي مثَّل بيانًا لموقف الحكومة البريطانيّة المؤيِّد والمساند لإعلان دعم تأسيس "وطن قومي للشَّعب اليهودي" في فلسطين، وهو ما عزَّز قدوم موجات عديدة مِن اليهود المهاجرين إلى فلسطين.

ضمَّت اليمن وجودًا يهوديًّا على أراضيها منذ ظهور الدِّيانة اليهودية في الشَّرق الأوسط، ودخول عدد مِن اليمنيين في دعوة سليمان -عليه السَّلام. وبعد بعثة الرَّسول محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم، ودخول معظم اليمنيين في الإسلام، وعبر امتداد التَّاريخ الإسلامي في اليمن، تعايشت الأقلية اليهودية مع المسلمين في ظلِّ حالة مِن السِّلم والتَّعاون المجتمعي. وهو ما جعل المجتمع اليهودي في اليمن واسع الانتشار ومطَّرد النُّمو، وهو ما جعله هدفًا للصُّهيونية العالمية.

فقد ركَّزت الحركة الصُّهيونية جهودها واهتماماتها على يهود البلدان العربية كاحتياطي إستراتيجي لتوفير مادَّة بشرية تتشكَّل مِنها قاعدة الهرم الاجتماعية، بحيث يتاح لليهود الأوربِّيين أن يحتلُّوا لأنفسهم مواقع الطَّبقة الوسطى والطَّبقة الحاكمة. ومِن الطَّوائف اليهودية العربية الأولى التي اهتمَّت بها الزَّعامة اليهودية في العالم الرَّأسمالي الطَّائفة اليهودية اليمنية. فمنذ عام 1870م، وربَّما قبل ذلك، أرسل الصُّهيونيون مبشِّرين إلى اليمن بصفة باحثين، لاستطلاع أحوال يهود اليمن، ودراسة إمكانية تهجيرهم إلى فلسطين. ومِن المعروف أنَّ الهجرة اليهودية الأولى المنظَّمة إلى فلسطين مِن أورُّبا الشَّرقية، والتي بدأت في عام 1882م، ترافقت مع هجرة بعض يهود اليمن إلى فلسطين، حيث سكنوا في القدس، في حيٍّ خاصٍّ للحرفيِّين في (سلوان)، كما استوطن قسم مِنهم في يافا.

كان مِن أبرز قرارات المؤتمر الصُّهيوني الثَّامن، والذي عُقد في "لاهاي"، في 14- 16 أغسطس 1907م، تأسيس مكتب في فلسطين للقيام بمتابعة عملية استقبال اليهود المهاجرين وتوطينهم. وفي عام 1911م، أوفد مكتب فلسطين "صموئيل اليعزر بن باروش يافينلي" إلى اليمن للالتقاء بيهود اليمن وإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين. وتمكَّن "يافينلي" أن يوسِّع مِن دائرة نشاط تهجير اليهود اليمنيين إلى فلسطين، بمساعدة الحاكم البريطاني في عدن، فغادرت أوَّل مجموعة إلى فلسطين عبر ميناء عدن عام 1911م، وبلغ العدد حتَّى عام 1912م أكثر مِن 4200 شخص.

استمرَّت هذه الهجرة خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين حتَّى بلغ عدد المهاجرين اليهود مِن اليمن خلال الفترة 1923م- 1930م 2.500 شخص؛ جميعهم جرى نقلهم عبر مدينة وميناء عدن، مِن مختلف مناطق اليمن شمالًا وجنوبًا. وقد وصل عدد المهاجرين اليهود خلال الفترة 1939م- 1945م 4.700 شخص.

وقد واجه اليمنيون في عدن هذه السِّياسة البريطانية تجاه تهجير اليمن إلى فلسطين بخروج مظاهرات احتجاجية عديدة، غير أنَّ تلك المظاهرات لم تثنها عن سياستها تلك، حيث استمرَّت في دعم اليهود وتسهيل السَّفر لهم والهجرة إلى فلسطين بشكل أكبر.

هذه الهجرة لم تلفت انتباه الشَّعب اليمني الذي كان يعيش في الشَّمال عزلة تامَّة عن العالم نتيجة حالة الفقر والتَّخلُّف الشَّديد التي تسبَّبت فيها سياسة الأئمَّة الزَّيديون الذين حكموا اليمن بمنظور كهنوتي وقبضة استبدادية مغلقة، وظلَّ يسعى للخروج مِن هذه الحالة وتغيير واقعه.

عقب 3 أشهر مِن ثورة 1948م في اليمن، جرى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في فلسطين، وكانت الولايات المتَّحدة الأمريكية أوَّل دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلَّة، حيث أصدر الرَّئيس "هاري ترومان" بيانًا يعترف فيه بدولة إسرائيل واستقلالها. وهنا ارتفعت وتيرة تهجير يهود العالم إلى إسرائيل. وبدأت الأجهزة الصُّهيونية للتَّواصل مع الإمام أحمد بن يحيى حميد الدِّين، بعد تولِّيه الحكم وتمكُّنه مِن السُّلطة، في سبيل الإذن بهجرة يهود اليمن بشكل جماعي. وبدأ تفويج اليهود المهاجرين عبر مطار عدن إلى فلسطين، وخلال عامي 1948م و1949م هاجر ما يربو على 4.500 يهودي مِن اليمن.

وقد أسهم اتِّصال المندوب الصُّهيوني إلى عدن، والمندوب السَّامي لحكومة بريطانيا في عدن، بالإمام أحمد وبعض السَّلاطين في الجنوب، في تسهيل حركة وتنقُّل اليهود بشكل جماعي للوصول مِن مناطق اليمن المختلفة إلى عدن، استعدادًا لتهجيرهم لفلسطين.

وقد وضعت الوكالة اليهودية مع السُّلطات البريطانية "خطَّة لإشراك جميع الشُّيوخ وحكَّام الأقاليم لإجلاء يهود اليمن، بحيث لم يكن بمقدور أحدهم اتِّهام الآخر -أمام الرَّأي العام اليمني- بمساعدة اليهود"، وقد شكَّل الاتِّفاق مع سلاطين المحميَّات وبعض حكَّام الأقاليم الجنوبية مِن اليمن الشَّمالي "غطاءً مناسبًا للإمام أحمد لعقد الصَّفقة النِّهائية مع مبعوثي الحكومة الإسرائيلية، بشكل غير مباشر، لإتمام المرحلة الثَّالثة مِن عملية الهجرة الجماعية". وتشير المصادر الصُّهيونية "أنَّ إسرائيل تدين كثيرًا للإمام أحمد، لأنَّه لم يضع عراقيل في وجه خروج أهل اليمن الجماعي".

عُرِفت عملية تهجير يهود اليمن إلى فلسطين بـ"البساط السِّحري"، وقد بلغت تكلفتها 4.5 مليون دولار، وشملت 430 رحلة جوية، لنقل ما يزيد على 47 ألف شخص إلى إسرائيل. وكلُّ هذه الجهود تمَّت في الخفاء وبسرية تامَّة؛ بعيدًا عن معرفة المجتمع اليمني الذي كان فاقدًا لإرادته وحقوقه، ووعيه بمسئوليَّاته الجمعية تجاه القضايا العامَّة، نتيجة خضوعه للاستبداد الكهنوتي والاحتلال البريطاني، في ذلك الوقت. وفي تلك الظُّروف لم تكن تتوفَّر وسائل إعلام متعدِّدة ومستقلَّة، أو هياكل وكيانات مجتمعية سياسية فاعلة ومؤثِّرة؛ وإن وجدت قوى معارضة بدأت تتشكَّل شيئًا فشيئًا في العقدين التَّاليين ضدَّ حكم الإمامة والاحتلال البريطاني. وبالتَّالي، لم تشهد اليمن أيُّ ردِّ فعل شعبي على احتلال فلسطين وتهجير يهود اليمن إلى هناك.

موقف اليمن مِن إعلان قيام دولة إسرائيل:

عملت بريطانيا بكلِّ جهدها لتوطين اليهود في فلسطين، وسعت لتقسيم فلسطين لصالح تمكينهم مِن إقامة دولة قومية خاصَّة بهم، وفقًا لـ"وعد بلفور"، وعندما غادر المندوب السَّامي البريطاني الأراضي الفلسطينية، معلنًا انتهاء الانتداب البريطاني عليها، أعلنت الحركة الصُّهيونية مباشرة عن قيام دولة إسرائيل في إشارة إلى التَّنسيق الكامل بين الطَّرفين. وقد كانت الولايات المتَّحدة أوَّل دولة تعترف بإسرائيل، في عهد "هاري ترومان"، في ذات اليوم مِن إعلان قيامها، ولم يتوقَّف "ترومان" عند حدِّ الاعتراف بإسرائيل فحسب بل وعد بأن تلتزم الولايات المتَّحدة بضمان بقاءها وأمنها.

ونتيجة ذلك الإعلان، والمواجهات التي دارت بين الفلسطينيين والجيوش العربية مِن جهة، والمليشيَّات والعصابات الصُّهيونية مِن جهة أخرى، تجاوب اليمنيون في عدن مع تلك الأحداث فقاموا بمظاهرات واحتجاجات، وأحرقوا الحيَّ اليهودي وبعض المتاجر والمباني والمعابد التَّابعة للجالية اليهودية هناك، ما اضطرَّ اليهود للخروج مِن عدن لفترة مؤقَّتة ثمَّ عادوا إليها.

لقد تغيَّر المزاج الشَّعبي اليمني في الجنوب، وعدن خصوصًا، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، واحتدام الصِّراع العربي الإسرائيلي في المنطقة، فجاءت ردود الأفعال الشَّعبية منفعلة وعنيفة تجاه اليهود الذين يعيشون في المناطق الجنوبية؛ حيث أحرقت ممتلكاتهم، وقُتل بعضهم، ما اضطرَّهم لمغادرة مدينة عدن إلى الأراضي الفلسطينية، واللَّحاق بالكيان الإسرائيلي الوليد، حتَّى أصبح الجنوب عقب الاستقلال في 1967م شبه خالٍ تقريبًا مِن الوجود اليهودي.

وخلال فترة الإعداد والإعلان عن قيام دولة إسرائيل، ودخول الفلسطينيين وبعض الجيوش العربية في مواجهة مع الصَّهاينة المحتلِّين، تطوَّع عدد مِن اليمنيين للقتال مع إخوانهم الفلسطينيين ضدَّ الصَّهاينة المحتلِّين، وشاركوا في المعارك التي دارت هناك، وسقط عدد مِنهم شهداء، فيما وقع آخرون في الأسر ثمَّ أفرج عنهم. غير أنَّه ونتيجة بعد اليمن جغرافيًّا عن فلسطين، وحالة الفقر والجهل والتَّخلُّف التي كانت تعيشها في الشَّمال، والاحتلال البريطاني المهيمن في الجنوب، لم تكن المشاركة كبيرة فضًلا عن أن تكون مشاركة رسمية بمقاتلين مِن الجيش اليمني، كما هو الحال للعراق وسوريا والأردن والسُّعودية ومصر؛ لهذا اقتصرت المشاركة على جهود أفراد محدودين.

وعندما وقع العدوان الثُّلاثي -الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل- على جمهورية مصر العربية، عام 1956م، تعاطفت جميع الشُّعوب العربية مع مصر ضدَّ هذا العدوان، واستقبل الشَّعب اليمني أخباره بالألم والفزع على مصر، غير أنَّ الإمام أحمد كان متشفيًّا بمصر وجمال عبدالنَّاصر، وظنَّ أنَّ نهايته حانت، فصمت صمت القبور، ولم يصدر عن حكومته أيُّ بيان يستنكر العدوان. وقد ذكر القاضي عبدالرَّحمن الإرياني، في مذكِّراته، أنَّهم نصحوا الإمام بأنَّه لا بدَّ أن تقول اليمن كلمتها في شجب العدوان الثُّلاثي على مصر كبلد عربي مسلم، فلم يردَّ عليهم. وأنَّ الأستاذ محمَّد عبده نعمان نصحه بهذا الشَّأن فأظهر الإمام أحمد حقده على جمال عبدالنَّاصر وشماتته به.

استقبال اليمن للَّاجئين الفلسطينيين:

عقب نكبة عام 1967م وسقوط ما تبقَّى مِن أراضي فلسطين بأيدي قوَّات الاحتلال الصُّهيوني، استقبلت اليمن -وعدد مِن الدول العربية- عددًا كبيرًا مِن اللَّاجئين الفلسطينيين، والذين توزَّعوا على مخيَّمات في شمال اليمن وجنوبه.

كما استقبلت اليمن في سبعينيَّات القرن الماضي عددًا مِن الفلسطينيين المبتعثين للعمل في مجال التَّدريس، والذين توافدوا بأسرهم وساهموا في العملية التعليمية. غير أنَّ هؤلاء لم يستقرُّوا في اليمن وفضلوا الهجرة لبلدان أخرى.

وعقب الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982م، وارتكاب عصابات الصَّهاينة الإجرامية مجزرة "صبرا وشاتيلا"، استقبلت اليمن مئات المقاتلين الفلسطينيين وأسرهم، كلاجئين. واستقرَّ بهم المقام في مخيَّم أطلق عليه "مخيَّم صبرا وشاتيلا"، في مديرية بلاد الرُّوس الواقعة جنوبي العاصمة صنعاء. وعدد آخر مِن الأسر القادمة مِن بيروت سكن في مخيم آخر، أُطلِق عليها "القرية الفلسطينية"، بمنطقة حدَّة بالعاصمة صنعاء، ما يقارب 4 آلاف نسمة.

منح الفلسطينيون الذين قدموا لليمن، والذين تقدَّر أعدادهم بعشرات الآلاف، حقَّ الإقامة وممارسة أعمالهم وأنشطتهم دون تضييق. وكانت اليمن حكومة وشعبًا مرحِّبة بهم ومتفهِّمًا لأوضاعهم وقضيتهم. وقد توزَّع وجودهم على المدن الرَّئيسة، كصنعاء وعدن وتعز والحديدة والمكلَّا. وفتحت لأبنائهم المدارس والجامعات بالمجَّان.

وكان الفلسطينيون المحسوبون على منظَّمة التحرير الفلسطينية يتقاضون رواتب شهرية، خصوصًا الذين انتقلوا مِن بيروت، عقب عام 1982م، ومنحوا مزرعة كبيرة نسبيًّا (بطول 400كم)، في منطقة عبس بمحافظة حجَّة، لزراعتها والاستفادة مِن عائدات إنتاجها لصالحهم.

ومع تراجع الأوضاع الاقتصادية في اليمن عقب عام 1990م، وانسداد فرص العمل والاستثمار تدريجيًّا، غادر عدد كبير مِن الفلسطينيين اليمن إلى دول الخليج وبلدان أخرى. وبدأت كثير مِن المخيَّمات الفلسطينية تفقد ساكنيها.

موقف اليمن مِن حركات المقاومة الفلسطينية:

منذ مطلع السِّتينيَّات وحتَّى أواخر السَّبعينيَّات مِن القرن الماضي، تشكَّلت حركات المقاومة الفلسطينية، كجهود شعبية ترمي إلى تحرير فلسطين، ومقاومة الاحتلال الصُّهيوني. وقد اعتمدت معظم هذه الحركات النِّضال المسلَّح كوسيلة لمقاومة الكيان الصُّهيوني المحتل. وفي عام 1964م، وعقب انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأوَّل في القدس، وعلى خلفية قرار مؤتمر القمَّة العربية الذي عُقِد مِن العام ذاته بالقاهرة، تأسَّست منظمة التَّحرير الفلسطينية لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدُّولية. وقد ضمَّت المنظَّمة حركة فتح والجبهة الشَّعبية لتحرير فلسطين وفصائل فلسطينية أخرى متعدَّدة. وقد اعترفت بها الجامعة العربية والأمم المتَّحدة.

غير أنَّ اليمن في هذه الفترة التَّاريخية دخل في مرحلة صراع داخلي، مع فلول الملكية الإمامية في الشَّمال، ومع قوى الاحتلال البريطاني في الجنوب، وهو ما فرض غيابًا عن أيِّ موقف رسمي أو شعبي يذكر تجاه قضية فلسطين. غير أنَّ أبرز ما يمكن ذكره هنا هو أنَّ انسحاب القوَّات المصرية المناصرة للثَّورة مِن اليمن جاء على خلفية نكسة نظام جمال عبدالنَّاصر سنة 1967م أمام إسرائيل، وهو ما جعل قوى الجمهورية تقف أمام قوى فلول الملكية الإمامية منفردة. ومع ذلك أرسل الشِّيخ عبدالله بن حسين الأحمر برقيَّات إلى القيادة المصرية، في القاهرة، وفي صنعاء، يعرض فيها استعداده لحشد عشرة آلاف مقاتل للذَّهاب إلى ميدان القتال ضدَّ العدو الصُّهيوني.

أسهم استقرار النِّظام الجمهوري في الشَّمال عقب 1970م، واستقرار دولة الاستقلال بعد خروج الاحتلال البريطاني مِن الجنوب في 1967م، في جعل اليمن حاضرة في القضايا العربية، وفي القلب مِنها قضية فلسطين. ولم يتَّفق النِّظامين -في الشَّمال وفي الجنوب- على شيء كاتِّفاقهما على الاهتمام بالقضية الفلسطينية ومناصرتها. كما أنَّ النِّظامين الحاكمين في الشَّمال وفي الجنوب كانا على علاقة ودِّية مع قيادات النِّضال الفلسطيني، وتعاطف مع كفاح شعب فلسطين؛ ما جعلهم يقدِّمون التَّسهيلات الكاملة للفلسطينيين الوافدين على اليمن، لإقامتهم وحركتهم وفتح المعسكرات التَّدريبية لهم، وإتاحة جمع الأموال والتَّبرُّعات لهم.

وكانت القيادة السِّياسية الاشتراكية في الجنوب مرتبطة في وقت سابق بحركة القوميين العرب، لذا جاءت مواقفها مساندة للقضية الفلسطينية. ويذكر صالح محمد بن حليس اليافعي، مدير مكتب محمَّد صالح مطيع، وزير خارجية جمهورية اليمن الدُّيمقراطية الشَّعبية الأسبق أنَّه كانت هناك دورة تثقيفية لقيادات الحزب الاشتراكي اليمني حول مفهوم الأممية الاشتراكية، لمحاضر مِن إحدى دول المعسكر الاشتراكي، وأنَّ المحاضر أشار إلى أنَّه كيف يصل المرء الى أعلى مراحل الأممية الاشتراكية، بحيث ينظر لرفيقه الشِّيوعي في أيِّ مكان في العالم كأخ ونظير له، وأنَّه ينبغي أن تكون نظرة العربي لرفيقه الشِّيوعي الإسرائيلي على هذا الأساس، وأنَّ الرَّفيق علي أحمد ناصر عنتر قاطعه، وأبدى رفضه قبول الإسرائيلي كأخ له، أو رفيق، وأنَّه لن يتعامل معه، أو مع إسرائيل كدولة باعتبارها عدوَّة ومحتلَّة لفلسطين، وأنَّ هذا مرفوض جملة وتفصيلًا.

وكان للرَّئيس علي ناصر محمَّد، رئيس جمهورية اليمن الدِّيمقراطية الشَّعبية الأسبق، موقف ثابت تجاه قضية فلسطين؛ كما أنَّه كان داعمًا فترة حكمه للفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها منظَّمة التَّحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، والذي كانت تربطه به علاقة مميَّزة. وكان ياسر عرفات يزور عدن بشكل متكرِّر بين الحين والآخر، ويتلقَّى الدَّعم المادي مِن قيادة الجنوب رغم الإمكانيات الشَّحيحة للبلاد؛ كما كان يتلقَّى شحنات السِّلاح التي يجري إرسالها إلى أماكن وجود الفصائل في مخيَّماتها. وعمل علي ناصر على توظيف عدد كبير مِن الأساتذة الفلسطينيين في جامعة عدن، وفي المدارس الثَّانوية بمختلف المحافظات الجنوبية. وفي عام 1982م، وأثناء الاجتياح الصُّهيوني لمخيَّمات اللَّاجئين الفلسطينيين في بيروت، عاد علي ناصر مِن زيارة لإثيوبيا مباشرة إلى عدن، وتوجَّه إلى صنعاء، والتقى مع الرَّئيس علي عبدالله صالح، واتَّفقا على إرسال ستَّة ألوية عسكرية مِن الشَّمال والجنوب، إلى بيروت، لدعم المقاومة الفلسطينية واللُّبنانية؛ وبذلا جهودًا لعقد قمَّة عربية. ورغم اكتمال النِّصاب إلَّا أنَّه حصل تراجع مِن بعض الدُّول فيما بعد. وبعد أن تمكَّنت إسرائيل مِن إخراج فصائل الثَّورة الفلسطينية مِن لبنان، جرى توزيع الفصائل لبلدان شتَّى في العالم العربي، واستقبل اليمن الجنوبي -حينها- أعدادًا كبيرة مِنهم، بطلب مِن الرَّئيس علي ناصر؛ وفتحت لهم معسكرات تدريبية على أمل العودة لخطوط التَّماس مع العدو الصُّهيوني، والتحق كثير مِنهم بالجامعة وعاشوا كمواطنين وبرعاية خاصَّة مِن الرَّئيس علي ناصر.

وفي عام 1983م، التقى بصنعاء، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، علي عبدالله صالح، مع رئيس جمهورية اليمن الدِّيمقراطية الشَّعبية، علي ناصر محمَّد، وقد أعرب الرَّئيسان عن أسفهما للضَّعف الذي اعترى التَّضامن العربي، ما أدَّى إلى تزايد النَّزعة العدوانية التَّوسُّعية للعدو الصُّهيوني، المدعوم مِن قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية؛ مؤكِّدين على أهمية نبذ الخلافات، وتوحيد الصَّفِّ العربي، باعتباره ضمانًا للحفاظ على وحدة الأمَّة العربية، واتِّخاذ المواقف العملية الصَّادقة، وحشد كلِّ القدرات والإمكانيَّات العربية، وتوجيهها لخدمة القضية العربية المركزية، قضية فلسطين، والالتزام الجاد والمسئول مِن كلِّ قطر عربي بالمواثيق والمعاهدات وقرارات القمَّة العربية في مجال الصِّراع العربي مع العدو الصُّهيوني، باعتبار ذلك المدخل الوحيد لنصرة القضية الفلسطينية. وناشدا فصائل المقاومة الفلسطينية نبذ الخلافات فيما بينها، والحرص على وحدة العمل الفلسطيني، وتوجيه السِّلاح إلى صدر العدو الغاصب، وحلَّ أيِّ خلافات بالأسلوب الدِّيمقراطي، كما أعربا عن تأكيدهما لموقف اليمن المبدئي والثَّابت في دعم الثَّورة الفلسطينية، بقيادة منظَّمة التَّحرير الفلسطينية، الممثِّل الشَّرعي والوحيد للشَّعب الفلسطيني؛ كما أعربا عن إيمانهما الرَّاسخ بأنَّ السَّلام والاستقرار في منطقة الشَّرق الأوسط لن يتحقَّقا إلَّا بانسحاب القوَّات الصُّهيونية مِن جميع الأراضي العربية المحتلَّة، بما فيها مدينة القدس الشَّريف، والاعتراف بحقِّ الشَّعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلَّة على تراب وطنه، وبقيادة منظَّمة التَّحرير الفلسطينية ممثِّله الشَّرعي والوحيد.

وعقب تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتصدُّرها للمقاومة الفلسطينية في ظلِّ اختيار أطراف أخرى للمضيِّ في عملية السَّلام والتَّطبيع مع الكيان الصُّهيوني، استضافت اليمن قيادات الحركة وأتاحت للحركة فتح مكتب لها في العاصمة صنعاء، للتَّعريف بالقضية الفلسطينية والاتِّصال بالكيانات والأطراف والقوى اليمنية السِّياسية والاجتماعية، ومؤسَّسات المجتمع المدني. وكان للحركة مندوب وممثِّل لها بصنعاء يشارك في الفعاليات الرَّسمية والشَّعبية المناصرة للقضية الفلسطينية.

موقف اليمن مِن الانتفاضة وحركات المقاومة الإسلامية:

بعد قيام الوحدة اليمنية، في 22 مايو 1990م، وفي ظلِّ التَّحوُّلات التي شهدتها المنطقة العربية، وصعود نجم المقاومة الفلسطينية، ومع وجود مساحة مِن الحرِّيات السِّياسية والإعلامية التي أتاحها دستور الوحدة، عبَّر اليمنيون عن مواقف متضامنة مع فلسطين وشعبها، خصوصًا في ظلِّ الانفتاح الإعلامي الذي بدأ يغزو المنطقة العربية، ويتيح اطِّلاع الشُّعوب على الأحداث المستجدَّة وتفاعلهم معها.

وقد كانت السَّنوات الأولى للوحدة محلَّ نشاط دبلوماسي الفلسطيني اليمني، فقد زار ياسر عرفات صنعاء في عام 1990م خمس مرَّات، وفي عام 1991م أربع مرَّات، وفي عام 1992م ستَّ مرَّات، ومرَّتين عام 1993م.

وظلَّت القضية الفلسطينية حاضرة في خطابات رئيس الجمهورية اليمنية، والمسئولين اليمنيين، وأعضاء مجلس النُّوَّاب، والقيادات الحزبية والسِّياسية، والوجاهات الاجتماعية؛ وفي مواقفهم وتحرُّكاتهم على مستوى الأداء الحكومي في الدَّاخل، وعلى مستوى الأداء الرَّسمي في الخارج.

كما أنَّ الأحزاب اليمنية بمختلف مشاربها، القومية واليسارية والإسلامية، لم تجمع على شيء كما أجمعت على القضية الفلسطينية، والاهتمام بها، ومتابعة أخبارها وأحداثها، وتأييد نصرتها وتقديم الدَّعم لها.

كما حظيت أحداث فلسطين وقضايا الفلسطينيين، بما في ذلك قضايا الأقصى والمقاومة والانتهاكات والعدوان الذي يقوم به الاحتلال الصُّهيوني على الشَّعب الفلسطيني بمساحات كبيرة في خطب ومحاضرات وبيانات وخطابات علماء اليمن، بمختلف مذاهبهم ومدارسهم الدَّعوية، وعلى المستوى الفردي والجمعي، والرَّسمي ممثَّلة بـ"جمعية علماء اليمن"، والمستقل ممثَّلة بـ"هيئة علماء اليمن"، فجميعها كانت تتفاعل مع أحداث فلسطين وقضايا الفلسطينيين، وتصبُّ لصالح الوقوف إلى جانب الشَّعب الفلسطيني، وتندِّد بانتهاكات واعتداءات الاحتلال الصُّهيوني على المسجد الأقصى والمقدَّسات الفلسطينية والفلسطينيين، وتطالب بنصرتهم.

كما شهدت اليمن العديد مِن المظاهرات والمسيرات التي دعت إليها أحزاب سياسية، أو هيئات علمائية، أو منظَّمات مدنية، أو رموز شعبية، نصرة لفلسطين والقضية الفلسطينية، وبما أظهر اليمن في موقف منسجم مع انتمائه العربي والإسلامي. وأصبح الشَّيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، ويحيى عيَّاش، رموزًا للبطولة والفداء يتغنَّى بها الشَّباب ويتطلَّعون إليها بكلِّ إجلال وتقدير. وباتت صورهم تزيِّن مجالسهم وسيَّاراتهم وأغلفة دفاترهم، وترفع في المظاهرات والمسيرات. كما أصبحت كتائب القسَّام نموذجًا للعمل الفدائي الوطني المقاوم للمحتل، والقادر على تنمية قدراته وإمكاناته رغم ظروف الحصار والتَّضييق.

الاهتمام الرَّسمي بالقضية الفلسطينية:

الرئاسة اليمنية:

كانت القضية الفلسطينية حاضرة في اهتمامات وخطابات رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق، علي عبدالله صالح. وقد التقى مؤسِّس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الشَّيخ أحمد ياسين، عند زيارته العاصمة صنعاء، في مايو 1998م، بعد خروجه مِن سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث استقبل الشَّيخ بحفاوة رسمية وشعبية بالغة، بما عكس تعاطف اليمنيين عمومًا مع رموز المقاومة الفلسطينية. وقد تمَّ منحه الدكتوراه الفخرية مِن جامعة صنعاء، إشادة به.

كما زار صنعاء رئيس المكتب السِّياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خالد مشعل، في أبريل 2002م، على رأس وفد مِن الحركة، للالتقاء بعدد مِن المسئولين اليمنيين والقيادات الحزبية، بالإضافة إلى لقاءات شعبية. وقد ركَّزت اللِّقاءات على عرض تطوُّرات الأوضاع الرَّاهنة في الأراضي الفلسطينية.

وفي أثناء زيارته لصنعاء، عام 2006م، والتقائه برئيس الجمهورية، أكَّد علي عبدالله صالح دعم اليمن لقضية الشَّعب الفلسطيني وخياراته مِن أجل إقامة دولته المستقلَّة على ترابه الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشَّريف؛ كما أكَّد على ضرورة احترام إرادة الشَّعب الفلسطيني فيما قرَّره عبر صناديق الاقتراع، وتقديم الدَّعم للسُّلطة الوطنية الفلسطينية، مِن أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه الشَّعب الفلسطيني.

كما زار صنعاء مع وفد للحركة، في مارس 2007م، والتقى برئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، وعدد مِن قيادات الدَّولة، بهدف وضع المسئولين اليمنيين في صورة الخطوات الإجرائية لتنفيذ اتِّفاقية مكَّة الموقَّعة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التَّحرير الوطني الفلسطيني (فتح). وكان اليمن قد رحَّب بالاتِّفاقية، واعتبرها حدثًا مهمًّا يُعيد للنِّضال الفلسطيني وحدته الوطنية، وتحمي أهدافه المشروعة في التَّحرُّر والاستقلال وبناء دولته الوطنية المستقلَّة، وتجنِّبه الانجرار إلى أتون صراع فلسطيني- فلسطيني. ومِن جانبه أكَّد رئيس الجمهورية -في لقائه برئيس المكتب السِّياسي لحركة حماس- على موقف اليمن الدَّاعم لحقِّ الشَّعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلَّة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشَّريف.

وقد قامت اليمن عام 2008م، في سبيل نزع فتيل الصِّراع بين حركتي (حماس) و(فتح)، إلى تقديم مبادرة تتكوَّن مِن سبع نقاط، لمعالجة الأوضاع في غزَّة، وإجراء انتخابات مبكِّرة، واستئناف الحوار بين الحركتين. وهي مبادرة حظيت قبولًا مبدئيًّا في حينه مِن الطَّرفين.

وفي ديسمبر 2009م، قام مشعل بزيارة إلى صنعاء، على رأس وفد مِن حركة حماس، في سياق التَّواصل السِّياسي للحركة مع القيادة اليمنية لإطلاعها على واقع الوضع السِّياسي الفلسطيني.

وأثناء قيام جيش الكيان الصُّهيوني بعملية "الرَّصاص المصبوب" العسكرية، على قطاع غزَّة، خلال الفترة 27 ديسمبر 2008م- 18 يناير 2009م، حيا رئيس الجمهورية صمود الشَّعب الفلسطيني في غزَّة، رجالًا ونساءً، وقال: "نحيِّي أبطال المقاومة، ونشدُّ على أيديهم، ونقول لهم: نحن معكم في السَّرَّاء والضَّرَّاء، أرواحنا معكم في فلسطين". وأضاف: "نحن نتابع -ومعنا جماهير شعبنا وجماهير الأمَّة، بأسى بالغ، عبر القنوات الفضائية، ما يجري في فلسطين الجريحة، وفي غزَّة المحاصرة، مِن مجازر وحشيَّة، وحرب إبادة ينفِّذها الكيان الصُّهيوني، وراح ضحيَّتها آلاف الأطفال والشُّيوخ والنِّساء بين شهيد وجريح"، واصفًا العدوان الصُّهيوني بـ"الحرب البربرية الهمجية الغاشمة، التي لا يوجد فيها أيُّ تكافؤ على الإطلاق"، مؤكِّدًا أنَّ "المقاومة الوطنية الفلسطينية الشُّجاعة في غزَّة لقَّنت الصَّهاينة درسًا لن ينسوه".

وتساءل رئيس الجمهورية في حينها: أين العدالة الدُّولية؟! أين حقوق الإنسان التي تنتهك في فلسطين أمام مرأى ومسمع مِن الجميع؟! بما فيها المؤسَّسة الدولية الكبرى الأمم المتَّحدة، لماذا لم يصدر قرار بوقف الحرب ضمن الفصل السَّابع للأمم المتَّحدة؟! ولماذا لم يُفرض حصار على الكيان الصُّهيوني؟! ولماذا لم تقطع العلاقات الدُّولية مع إسرائيل؟! ولماذا لم يتوقَّف مدُّ الأسلحة والعتاد والذَّخائر لإسرائيل؟! ولماذا تتعمَّد المؤسَّسات والهيئات الدُّولية الكيل بمعايير مزدوجة تجاه القضايا على السَّاحة الدُّولية؟! ولماذا لم تقدَّم القيادة الإسرائيلية المسئولة عن مجازر غزَّة للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الدُّولية؟!

وطالب في حينه بإنهاء العدوان على غزَّة، والانسحاب الفوري لقوَّات الاحتلال وفتح المعابر مع القطاع، وإنهاء الحصار الجائر على الفلسطينيين هناك. وقال: إنَّنا نتحمَّل كامل المسئولية في الوطن العربي والإسلامي والدُّول الصَّديقة، والذين هم قادرين على ممارسة الضَّغط على إسرائيل، والمتمثِّلة بالدُّول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي يحقُّ لها استخدام حقَّ النَّقض الفيتو. وأضاف: للأسف الشَّديد تربطنا بهذه الدُّول علاقات جيِّدة، ولكن للأسف نحن في الوطن لم نوظِّف علاقاتنا مع هذه الدُّول الصَّديقة، وعلى وجه الخصوص الدُّول الدَّائمة العضوية في مجلس الأمن؛ هناك مصالح تربطنا بهذه الدُّول فلماذا لا نوظِّف هذه المصالح لممارسة الضَّغط على هذه الدُّول التي لها تأثير على إسرائيل لإيقاف عدوانها على الشَّعب الفلسطيني.

وأشاد الرَّئيس بالرُّوح الحماسية والقومية والعربية والإسلامية الأصيلة التي يجسِّدها الشَّعب اليمني دومًا مع أشقَّائهم في غزَّة وفلسطين بشكل عام، مترحِّمًا على شهداء غزَّة، شهداء الشَّعب الفلسطيني، الذين استبسلوا مِن أجل رفع هامة الأُمَّة العربية، ومحيِّيًا -في ذات الوقت- صمود أبطال المقاومة في فلسطين الذين يرفعون هامَّة الأمَّة العربية.

وفي خطابه أمام القمَّة العربية الاستثنائية، عام 2010م، قال رئيس الجمهورية عن "نتنياهو" بأنَّه لا يُريد أمنًا، ولا يريد استقرارًا، ولم يرض بوقف الاستيطان، وندَّد بأسلوب البيانات والشَّجب والتَّنديد، وأكَّد أنَّ الحلَّ "في فوهات البندقية"، و"تصعيد المقاومة بكلِّ ما أوتيتم مِن قوَّة.. ولا يسترجع حقٌّ إلَّا بالقوَّة، فما انتزع بالقوَّة لا يُعاد إلَّا بالقوَّة، أمَّا التَّفاوض فهو إهانة".

مجلس النُّوَّاب:

يعدُّ مجلس النُّوَّاب بموجب الدُّستور اليمني أعلى هيئة ممثِّلة لإرادة الشَّعب اليمني، وقد كان يرأس رئيس المجلس، الشِّيخ عبدالله بن حسين الأحمر، لجنة برلمانية خاصَّة تُسمَّى (لجنة القدس وفلسطين). كما خصَّص المجلس جلسات متعدِّدة لمناقشة تطوُّرات الأحداث الفلسطينية الخطيرة التي تشهدها السَّاحة، وأصدر بيانات تأييد عديدة، وناشد المسئولين العرب والمجتمع الدولي في أكثر مِن مناسبة للقيام بمسئوليَّاتهم لإيقاف الهمجية الصُّهيونية.

وفي ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثَّانية، والحصار الصُّهيوني الظَّالم على مدن الضِّفة الغربية وقطاع غزة، استضاف مجلس النُّوَّاب اليمني الدَّورة الطَّارئة لمجلس الاتِّحاد البرلماني العربي، عام 2001م، وقد أوضح في كلمة رئيس مجلس النُّوَّاب اليمني أنَّ علـى البرلمانـات العربيـة مسئولية وطنيـة وقوميـة وشرعية، تتمثَّل بتقديم العون والمساندة للأخوة الفلسطينيين لكـي ينتصـروا لقضـية العـرب والمسلمين، ويستعيدوا حقَّهم في الوجود وفي إقامـة الدَّولـة الفلسطينية علـى كامـل التـُّراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشَّريف. وقد سبق لرئيس المجلس حضور مؤتمر البرلمانات الإسلامية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، على رأس وفد برلماني.

وقد أسهم الشَّيخ مع عدد مِن الشَّخصيات البارزة، في العالمين العربي والإسلامي، بتأسيس (مؤسَّسة القدس)، وشغل فيها منصب نائب رئيس مجلس الأمناء. كما شارك الشَّيخ في العديد مِن الفعاليات الرَّسمية والشَّعبية لدعم القضية الفلسطينية، سواء في داخل الوطن أو في خارجه. وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في معظم خطاباته، والتي كانت تدعو إلى دعم الشَّعب الفلسطيني وتعزيز صموده في وجه الآلة الصُّهيونية الغاشمة.

الحكومة اليمنية:

عكست مواقف الحكومة اليمنية منذ عام 1990م، إرادة صانع القرار السِّياسي اليمني، وترجمت سياساته على أرض الواقع مِن خلال الإجراءات والبرامج الحكومية المتعلِّقة بالقضية الفلسطينية، حيث رعت الحكومة اليمنية العديد مِن الفعاليات المناصرة للقضية الفلسطينية، وسهَّلت انعقادها وحركة المؤسَّسات المدنية الفاعلة في هذا المضمار، وشاركت في حملات جمع التَّبرُّعات للفلسطينيين.

وفي حفل افتتاح أسبوع التَّضامن الثَّاني مع الشَّعب الفلسطيني، أكَّد رئيس الوزراء اليمني الأسبق، الدُّكتور علي مجوَّر، على موقف اليمن الدَّاعم لصمود الشَّعب الفلسطيني والدِّفاع عن حقوقه، بما فيها إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس الشَّريف؛ ودعا إلى تنسيق الجهود لرفع الحصار عن الشَّعب الفلسطيني، وطالب المجتمع الدُّولي بالانتصار للقضية الفلسطينية، وعدم انحيازه للجانب الصُّهيوني.

في عام 2010م، وأثناء تدشينه حملة التَّبرُّعات للقافلة اليمنية لكسر حصار غزَّة، صرَّح نائب رئيس الوزراء لشئون الدِّفاع والأمن وزير الإدارة المحلِّية، الدُّكتور رشاد العليمي، أنَّ القضية الفلسطينية شكَّلت الأساس للعلاقات اليمنية الدُّولية والعالمية؛ وأوضح أنَّ الشَّعب اليمني هو الحاضن الدَّائم للقضية الفلسطينية مِن خلال تقديمه الدَّعم والمساندة لهما، ودعا الشَّعب اليمني إلى الدَّعم ومساندة القافلة والوقوف إلى جانب الشَّعب الفلسطيني حتَّى يأخذ حقوقه المشروعة.

الهيئة الشعبية لنصرة الشَّعب الفلسطيني:

لقد مثَّل الإعلان عن قيام الهيئة الشَّعبية لنصرة الشَّعب الفلسطيني في اليمن، والتي شاركت فيها جميع أطياف العمل السِّياسي والهيئات والمكوِّنات الاجتماعية والنَّقابات والرُّموز الشَّعبية، تجسيدًا للاصطفاف الوطني اليمني خلف القضية الفلسطينية وخيار المقاومة ضدَّ العدوان الإسرائيلي والاحتلال الصُّهيوني، باعتبارها قضية عربية يمنية مشتركة. وخلال فترة حضورها ونشاطها أسهمت الهيئة في الكثير مِن الفعاليات الدَّاخلية والدُّولية نصرة لفلسطين، وقدَّمت العديد مِن التَّبرُّعات والمعونات والمساهمات العينية لفلسطين وشعبها.

وفي حين كان يرأس الهيئة الشَّعبية عند تأسيسها الشَّيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النُّوَّاب اليمني، رأسها عقب وفاته ابنه الشَّيخ صادق الأحمر، والذي عمل على استكمال مسيرتها حتَّى وفاته أيضًا.

أعطت الهيئة للعمل الشَّعبي المناصر لقضية فلسطين زخمًا كبيرًا، خصوصًا في الأحداث المهمَّة التي شهدتها السَّاحة الفلسطينية. ففي عام 2008م، أطلقت الهيئة شعار "دولار لمواجهة كلِّ عدوان"، لتبنِّي مشروع تقديم دولار عن كلِّ فرد يمني لمواجهة كلِّ عدوان مِن الكيان الصُّهيوني على أهل فلسطين، حتَّى يتمكَّنوا مِن مواصلة المقاومة، ورعاية أسر الشُّهداء، وعلاج المرضى، وإعادة بناء ما دمَّره العدوان الإسرائيلي. وأقامت الهيئة مهرجانًا جماهيريًّا بملعب الظُّرافي بصنعاء للتَّضامن مع المحاصرين في غزَّة، وقد دعا رئيس الهيئة، الشَّيخ صادق الأحمر، في المهرجان، الشَّعب الفلسطيني إلى مواصلة طريق المقاومة، كونه طريق نيل الحقوق؛ كمل دعا كافَّة أبناء الشَّعب اليمني إلى التَّبرُّع المنتظم مِن أجل دعم المقاومة، قائلًا: "علينا جميعًا دعم المقاومة حتَّى تستطيع الصُّمود أمام آلة الحرب الإسرائيلية الأمريكية". وخرج عن المهرجان الذي حضره الآلاف مِن اليمنيين بيانًا طالب الزُّعماء العرب إلى فكِّ الحصار عن غزَّة، مؤكِّدًا حقَّ الشَّعب الفلسطيني في كفاحه المشروع لمقاومة الاحتلال والدِّفاع عن النَّفس، ومستنكرًا التَّخاذل الرَّسمي العربي والإسلامي الذي جعل العدو الصُّهيوني يُثخِن في جراح أهل فلسطين مطمئنًا إلى صمت الأنظمة العربية والإسلامية وتواطئ المجتمع الدُّولي، محيِّيًا صمود الشَّعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، ومشيدًا بقدرته الأسطورية لامتصاص كلِّ الضَّربات الموجعة.

وسبق أن نظَّمت الهيئة، في 24 يناير مِن ذات العام، في العاصمة صنعاء، اعتصامًا نسائيًّا حاشدًا، للتَّعبير عن تضامنها المطلق مع الشَّعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه في وجه الحصار الجائر على العزَّل في غزَّة. وقد رفع الاعتصام الذي آلاف النِّساء شعارات مندِّدة بالمجازر الصُّهيونية، وطالب بفكِّ الحصار، وإغاثة الشَّعب المنكوب في فلسطين. وقد ألقى رئيس جمعية الأقصى، الشَّيخ عبدالله فرج، كلمة الجمعيَّات العاملة لفلسطين في اليمن، مؤكِّدًا وجوب الدَّعم والنُّصرة لأبناء في فلسطين، امتثالًا لأوامر الله ونبيِّه، مشيرًا إلى أنَّ الجمعية قد حوَّلت مطلع الأسبوع (100) ألف دولار، ضمن مشروع الإغاثة العاجلة لأهل غزَّة. وعلى هامش الاعتصام فتح باب التَّبرُّع، وشوهد تسابق النِّساء اليمنيَّات في التَّبرُّع بنقودهن وحليِّهن لإغاثة المنكوبين في غزَّة.

وفي أكتوبر 2009م، احتشد آلاف اليمنيين في صنعاء، استجابة لدعوة "الهيئة الشَّعبية اليمنية لمناصرة الشَّعب الفلسطيني"، للتَّنديد بمحاولات الصَّهاينة المتلاحقة لتدنيس المسجد الأقصى واقتحامه، وآخرها محاولة اقتحام المسجد الأقصى بالتَّزامن مع الذِّكرى التَّاسعة لانتفاضة الأقصى. وقد أصدرت الهيئة -في ختام الفعالية- بيانًا حذَّرت فيه مِن المحاولات المستمرَّة لحكومة العدو الصُّهيوني لاقتحام المسجد الأقصى، وما يترتَّب عليه مِن تصعيد خطير للأوضاع في المنطقة.

وفي يونيو 2010م، دعا الشَّيخ صادق الأحمر، رئيس الهيئة الشَّعبية، أبناء الشَّعب اليمني إلى مدِّ يد العون لتجهيز قافلة شريان الحياة إلى غزَّة. وأعلن -خلال اللِّقاء الجماهيري الموسَّع لاستقبال أبطال اليمن البرلمانيين المشاركين في قافلة الحرِّية- عن تبرُّعه بمبلغ عشرة مليون ريال لصالح القافلة، والتَّخفيف مِن الحصار المفروض على غزَّة. وعملت الهيئة على تسيير قافلة بحرية جديدة لكسر الحصار على غزَّة؛ حيث أكَّد رئيس الهيئة أنَّ القافلة اليمنية لكسر حصار غزَّة تمثِّل عملًا وطنيًّا وإنسانيًّا، وأنَّها لا تمثِّل أشخاصًا أو أحزابًا، وإنَّما تمثِّل قطاعات الشَّعب اليمني أهل المدد؛ وأنَّها تأتي نتيجة تضافر الجهود الرَّسمية والشَّعبية؛ معلنًا أنَّ حملة التَّبرُّعات لقافلة كسر حصار غزَّة اليمنية ستسمرُّ لمدَّة شهر.

الأدب والشِّعر اليمني وقضية فلسطين:

وكما حضرت القضية الفلسطينية في اهتمامات رجل الشَّارع وجمهور الشَّعب اليمني، فقد كانت حاضرة لدى النُّخب الفكرية والثَّقافية، وسجَّلت حضورًا بارزًا في السَّاحة الأدبية بشكل أبرز، باعتبار الأدب القالب الأكثر قدرة على التَّعبير عن عواطف ومشاعر ووجدان المجتمعات. وهنا نعرض لبعض رموز الأدب والشِّعر اليمني واهتماماتهم بالقضية الفلسطينية.

علي باكثير:

كانت قضية فلسطية حاضرة في وعي ووجدان الشَّاعر والرِّوائي والكاتب المسرحي، الأستاذ علي باكثير، والذي خلَّف وراءه عددًا مِن المسرحيات الملحمية، الشِّعرية والنَّثرية، والقصص الرِّوائية. كرَّس إنتاجه لمقاومة الاستعمار والصُّهيونية والشُّيوعية والاستبداد، وكان أوَّل مَن عالج قضية فلسطين في المسرح العربي، بمسرحية بعنوان (شيلوك الجديد).

وقد صوَّر علي باكثير حاله بعد هزيمة العرب أمام العصابات الصُّهيونية بقوله: "على أثر حرب فلسطين التي انتهت بانتصار اليهود على الجيوش العربية مجتمعة انتابني إذ ذاك شعور باليأس والقنوط مِن مستقبل الأُمَّة العربية، والخزي والهوان ممَّا أصابها، أحسست أنَّ كلَّ كرامة لها قد ديست بالأقدام، فلم تبق لها كرامة تُصان، وظللت زمنًا أرزح تحت هذا الألم الممرض الثَّقيل، ولا أدري كيف أنفِّس عنه!!".

وقد عالج باكثير قضية فلسطين قبل وقوع الكارثة في ثلاث مسرحيَّات، الأولى -عام 1944م، تحت عنوان (شيلوك الجديد)، وتنبَّأ فيها بنكبة فلسطين وقيام الدَّولة اليهودية، وخروج أهلها العرب؛ والثَّانية (شعب الله المختار)؛ والثَّالثة (إله إسرائيل). ثمَّ كتب مسرحيَّته بعد "نكسة حزيران"، في 1967م، بعنوان (التَّوراة الضَّائعة).

ورغم ما قدَّمه الأستاذ علي باكثير إلَّا أنَّه كان يرى أنَّ قضية فلسطين لا تزال تنتظر العمل الأدبي الذي يتكافأ مع خطرها وأهمِّيَّتها.

محمَّد الزُّبيري:

مِن بين أهمِّ القضايا العربية وأكثرها حضورًا في شعر محمَّد محمود الزُّبيري القضية الفلسطينية، إذ عكست الرُّوح الإسلامية والبعد القومي الذي تميَّز به شعر الزُّبيري في اهتماماته السِّياسية التي لم تقتصر على اليمن فحسب، بل تعدَّته إلى مختلف القضايا العربية. وقصيدة (في سبيل فلسطين) إحدى قصائده النَّابضة بالغيرة والحمية على قضية فلسطين، إذ يقول في مطلعها:

مراجل في أثير الشِّعر تضطرم                        وصيحة في سماء الحقِّ تحتدم

وضجَّة في صماخ الدَّهر صاخبة                  لها بكلِّ بلاد مسمع وفمُ

نزعتها عن شئون ملؤها عبر                         وصغتها عن ضمير ملؤه ألمُ

وللفؤاد أحاسيس إذا نبضت                        جاشت بها الأرض وانجابت بها الظلمُ

ثمَّ يقول:

ما للدِّماء التي تجري بساحتنا                        هانت فما قام في إنصافنا حكمُ؟

ما للظَّلوم الذي اشتدت ضراوته                  في ظلمنا نتلقَّاه فنبتسمُ؟

نرى مخالبه في جرح أمَّتنا                                تُدمى ونسعى إليه اليوم نختصمُ

يا قادة العرب والإسلام قاطبة                      قوموا فقد طال بعد الصُّبح نومُكمُ

ثمَّ يقول عن الإنجليز:

متى يرى الإنجليز ذمَّتنا                                   كذمَّةٍ حقَّها ترعى وتحترمُ؟

حتَّى متى نشتكي مِنهم ونسألهم                   رفع العذاب؟ فما رقُّوا وما رحموا!

هم يدركون بأنَّا خاضعون لهم                       مِن ذُلِّنا رغم ما جاروا وما ظلموا

لا نستحقُّ حياةً غير ما وهبوا                      ولا ننال حقوقًا دون ما حكموا

لهم علينا قوانين وليس لنا                              إلَّا الرُّضوخ لما قالوا وما التزموا

يا للضَّلال وللأوهام إذ هدمت                    مِن العقول بناءً ليس ينهدمُ

أنَّى يضيع حقٌّ دونه أممٌ                                أبيَّة دينها الإقدامُ والشَّممُ؟

ويقول في آخرها:

إنَّ الخداع الذي دانت سياستكم                 به لأعظم ما تشقى به الأممُ

ظلمتم العُربَ للصَّهيون وَيحَكُمُو                  أين الدَّهاءُ؟ وأين العدل والشِّيمُ؟

أضحى اليهود صليبًا تعبدونَهُمُو                   دون الصَّليب وإن كانوا العبيدَ همُو

فلا برحتم عبيدًا لليهودِ                                  ولا زالت سياستكم بالذُّل تنهدمُ

وقد نظم الزُّبيري هذه القصيدة على خلفيَّة وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث بدأت خيوط المؤامرة تتَّضح جلية ضدَّ شعب فلسطين. وقد أُذيعت هذه القصيدة مِن إذاعة "برلين" بألمانيا في حينه.

عبدالله البردوني:

في حوار معه يقول الشَّاعر والأديب اليمني الكبير، الأستاذ عبدالله البردوني: "القضية الفلسطينية مِن أفظع القضايا النَّفسية بالنِّسبة لليمني. وهي مِن أكبر الهموم لديه؛ حتَّى أنَّنا نرى في تخلُّفنا الاجتماعي والاقتصادي واحدًا مِن الأدلَّة على وجود الاستعمار الذي احتلَّ فلسطين. لو كانت أُمَّتنا تملك أمرها لما أمكن احتلال فلسطين، فأصل القضية ليس احتلال فلسطين وإنَّما هو انهيار الأُمَّة الذي شكَّل سببًا رئيسًا في احتلال هذا الجزء الغالي مِن الوطن العربي.

عندما أفكِّر في مأساوية بلاد العرب، في التَّخلُّف، في الانحطاط السِّياسي، في الوحشية، أتأكَّد مِن أنَّ هذا التَّخلُّف هو السَّبب في احتلال فلسطين، وسيكون السَّبب في احتلال أجزاء أخرى، سيكون مصيرها كفلسطين. وقضية فلسطين هي همٌّ فلسطيني عربي، إنساني، بشري، تاريخي، حضاري؛ ولا أظنُّ أنَّ هناك إنسانًا ينظر إلى الجوهر التَّاريخي للإنسان إلَّا ويرى في اغتصاب فلسطين جريمة مِن أفظع الجرائم البشرية"؛ ويضيف: "ولو لاحظت الشَّعر اليمني لرأيت في كلِّ مجموعة مِن مجموعاته قصائد كثيرة، قد تشكِّل نصف المجموعة، وقد تشكِّل ربعها، هي بمثابة قصائد عن فلسطين. وقد تجد مجموعات كاملة تعنونت بعنوان فلسطين؛ مثلًا المجموعة الأولى للشَّاعر عبده عثمان عنوانها (فلسطين في السِّجن)، صدرت عام 1967م. كذلك تجد في مجموعات عبدالعزيز المقالح ما لا يمكن حصره مِن قصائد تتَّصل بالمسألة الفلسطينية. ففلسطين هي الحريق الدَّائم في المصابيح الشِّعرية، سواء كانت بمفهومها المباشر، أو بمفهومها الرَّمزي، أو بمفهومها العام؛ لأنَّ احتلال فلسطين هو الصُّورة الصَّارخة لوحشية الاستعمار على أوطاننا، وعلى ضعف أوطاننا أمام التَّوحُّش الاستعماري، وهذا كلُّه يحثُّنا للبحث عن مكامن القوَّة لتجاوز هذا الواقع السَّيِّء".

فلتسلم فلسفة الأيدي  ولتسقُط فلسفة الأذهان

كلُّ الأوراق بما حملت  تشتاق إلى أَلفَي طُوفان.

ساعة نقاش مع طالبة العنوان، ديوان (لعيني بلقيس)، البردوني، في 12 أبريل 1972م.

ويقول البردوني، في قصيدة له بعنوان (يوم الميعاد):

يا أخي يا ابن الفدى فيم التَّمادي؟           وفلسطين تنادي وتنادي

ضجَّت المعركة الحمرا.. فقُم:                        نلتهب.. فالنُّور مِن نار الجهاد

ودعا داعي الفدى فلنحترق                         في الوغى أو يحترق فيها الأعادي

يا أخي يا ابن فلسطين التي                          لم تزل تدعوك مِن خلف الحداد

عد إليها، لا تقُل: لم يقترب                         يوم عودي، قُل: أنا يوم المعاد.

عد ونصر العُرب يحدوك وقُل:                     هذه قافلتي والنَّصر حادي.

عُد إليها رافع الرأس وقُل:                             هذه داري.. هنا مائي وزادي،

وهنا كرمي، هنا مزرعتي،                               وهنا آثار زرعي وحصادي،

وهنا ناغيت أمِّي وأبي،                                  وهنا أشعلت بالنُّور اعتقادي،

هذه مدفأتي أعرفها،                                      لم تزل فيها بقايا مِن رماد،

وهنا مهدي، هنا قبر أبي،                             وهنا حقلي وميدان جيادي،

هذه أرضي لها تضحيتي                                 وغرامي، ولها وهج اتِّقادي،

ها هنا كنت أماشي إخوتي،                         وأُحيِّي ها هنا أهل ودادي،

هذه الأرض دَرَجْنَا فوقها                               وتحدَّينا بها أعدَى العوادي،

وغرسناها سلاحًا وفدًا                                   ونصبنا عزمنا في كلِّ وادي،

وكتبنا بالدِّما تاريخها                                       ودِمَا قوم الهدى أسنى مداد.

هكذا قُل يا ابن عكَّا ثمَّ قُل:                       ها هُنا ميدان ثاري وجلادي.

يا أخي يا ابن فلسطين انطلق                      عاصفًا وارم العدى خلف البعاد

سر بنا نسحق بأرضي عصبة                       فرَّقت بين بلادي وبلادي

قُل: لحيفا استقبلي عودتنا                            وابشري ها نحن في درب المعاد

واخبِري كيف تشهَّتنا الرُّبى                            أفصحي كم سألت عنَّا النَّوادي!

قُل: لإسرائيل يا حُلم الكرى                        زعزعت عودتنا حُلم الرُّقاد

خاب "بلفور" وخابت يده                           خيبة التُّجَّار في سوق الكساد

لم يضع.. لا لم يضع شعب أنا                    قلبه وهو فؤاد في فؤادي

قُل: "لبلفور" تلاقت في الفدى                   أُمَّة العرب وهبَّت للتَّفادي،

وحَّد الدَّرب خُطانا، والتقت                        أُمَّتي في وحدة أو في اتِّحاد.

عندما قلنا: اتَّحدنا في الهوى                          قالت الدُّنيا لنا: هاكم قيادي.

ومضينا أُمَّة تزجي الهدى                               أينما سارت وتهدي كلَّ هادي

عبدالعزيز المقالح:

كتب الأديب والنَّاقد الأدبي، الدُّكتور عبدالعزيز المقالح، عن فلسطين، وناصرها في كتاباته، وعبَّر عن حزنه لها، وتعاطفه معها، ومساندته وولائه لأهلها. و"كانت أولى قصائد المقالح الموقَّعة باسمه تحمل اسم (مِن أجل فلسطين)، أواسط خمسينيات القرن الماضي، وظلَّت فلسطين وقضايا الأمَّة منذ ذلك التَّاريخ قبسًا مستمرًّا في دواوينه الكثيرة، وبعد أن أصبح شاعرًا وناقدًا ومثقَّفًا علمًا".

وقد كتب ذات مرَّة يقول: "ليس للعرب، ولن يكون، قضية جامعة ودافعة للتَّحرُّر والتَّحديث والإصلاح غير فلسطين، التي ستحرُّرنا وتوحِّد مساراتنا الوطنية والقومية. وكلُّ المحاولات خارج هذا الشِّعار، وبعيدًا عن هذه القضية، تبقى تبديدًا للوقت، ولا تقود إلى شيء آخر غير الفشل والفشل الذَّريع. والدَّليل الأوضح أنَّ العرب كلَّما وصلت بهم خلافاتهم إلى أقصى مدى تمكَّنت القضية مِن أن تعود بهم إلى دائرة الحوار والإيمان بوحدة الصَّفِّ. وقد كان القادة العظام مِن أبناء هذه الأمَّة يدركون أكثر مِن القادة الذين خَلَفُوهم أهمية الدَّور الذي تمثِّله القضية في وضع حدٍّ لتصاعد الخلافات، وهو ما تجلَّى واضحًا في المؤتمرات الأولى لما سُمِّي بالقمم التي عملت على رأب الصَّدع، وبناء الثِّقة بين الإخوة المتحاربين. ويلاحظ أنَّه في كلِّ المنعطفات الحادة التي تتعرَّض لها الأقطار العربية، منفردة أو مجتمعه، يرتفع -مِن تلقاء نفسه- شعار فلسطين ستحرُّرنا، ويبدأ الطَّريق الذي كان غامضًا ومحتشدًا بالمعوِّقات واضحًا وخاليًا مِن كلِّ عائق؛ وتلك هي الأهمية الكبرى للقضايا المحورية في حياة الشُّعوب، فكلُّ شيء يحتمل اللَّبس، ويحيط به القليل والكثير مِن الشَّكِّ، إلاَّ ما يتعلَّق بكلِّ ما هو محوري وأساسي. ودليل آخر يمكن إيراده، وهو ما يتجلَّى في موقف أبطال الثَّورة مِن أبناء فلسطين الذين يعرفون عدوَّهم المشترك، فلا تخطئ رصاصتهم ولا السِّكين، ولا يخطئ الحجر، وعلى العكس مِنهم نحن الذين نقاتل بعضنا، ونهدر طاقاتنا دومًا في معارك يخجل الضَّمير والعقل عن احتسابها جزاءً مِن التَّاريخ، أو حتَّى مِن هوامشه البالغة السُّوء والأثر، والتي سينظر إليها أحفادنا بقدر مِن الاحتقار ولمن كانوا وراءها". ثمَّ يضيف المقالح القول: "إنَّنا نؤمن اليوم -كما كانت الأجيال التي عاشت أحلام الخمسينيات والستِّينيات تؤمن- بأنَّ فلسطين لن تحرِّرنا مِن بقايا كوابيس الاحتلالات والهيمنة الأجنبية فحسب؛ بل ستحرُّرنا مِن أوهام الحرِّية المنقوصة، والاستقلال المفرغ مِن المحتوى؛ وستحرُّرنا مِن وهم البحث عن الدِّيمقراطية التي تحوَّلت إلى لعبة شكلية، ومظاهر تختفي تحتها أسوأ أنظمة العبودية والحكم الفردي الجائر".

عبدالولي الشميري:

يقول الشَّاعر والدبلوماسي، الدُّكتور عبدالولي الشَّميري، في حوار معه: "مأساة فلسطين الحبيبة خلَّفت شِعرًا يقطر دمًا، وقصائد مغسولة بالدَّمع. وجميع الفنون الأدبية واكبت الأزمة منذ البداية وخلَّفت رصيدًا هائلًا مِن الإبداع المشتعل كالقنابل. ففي الشِّعر نجد هناك أسماء كبيرة وقامات عالية، مثل: التَّهامي، وعمر بهاء الأميري، ويوسف العظم، وغيرهم مِمَّن لم ينتشر شِعرهم كما ينبغي؛ لأنهم يُحرِّضون شعوبهم على تحرير الأرض، ويزرعون الحقد ضدَّ المغتصب وأعوانه، ويوم تتحرَّر إرادتنا سوف يُتاح لهذا الصَّوت أن يظهر ويرتفع بإذن الله".

يقول في قصيدة بعنوان (عهد):

بأيِّ قافِية أَستلهمُ النَّغـَما                                وأيِّ مُــفــردة أســتَــنْــشِــد القَلما؟

وفي فِــلسطين أَشــلاء مُـبَـعـثَـرة                          وفي فِــلسطـين أهلي أَدمُع ودِمَـا

تـبكي مُـطـوَّقـة الزَّيْتـونِ غـابَـتَها                        وكـلُّ بَـسمة طـفلٍ أصـبحت عَدَمَا

يـا أُمَّةً رفع الإيمان هامتها                              وأَنطـقَ العَدلُ فـيـهـا أحـرُفًـا وفَما

وزَيَّن الفاتحـون الغُـرُّ صـفـحَـتَها                        وثـبَّتَ الله في رِضــوانِه قَــدَما

أيـسـأمُ الدَّهـرُ ما للبغيِ ما سَئِما؟                 ويَـرحَلُ العُـمـرُ والطَّاغـوتُ ما هُزِمَا

مُـدُّوا إلى الطّـفلِ يا أعمامَهُ حَجَرًا                 أو فَامـنَـحُـوهُ سُـيُـوفًـا بُـتَّرًا خُـذُمَا

وزوِّدُوه بِــنَـعـشٍ كُلَّ ثانـيـةٍ                                فإنَّه لِرحابِ اللهِ قد عَــزَما

سـتُّون عامًا ولا فَجـرٌ ولا أَمـلٌ                       ولا نهار يُـبـيدُ اللَّيـلَ والظُّلـَمـا

سـتُّون عامًا وأجيال يُــمَـزِّقُهـا                          جيـش اليهود فما استَكفَى ولا رَحِما

وقد نظَّمت وزارة الثَّقافة اليمنية، في يونيو 2012م، بالعاصمة صنعاء، وعقب ثورة 11 فبراير 2011م، ندوة ثقافية بعنوان "قضية فلسطين في الأدب اليمني"، بمشاركة نخبة مِن الأدباء والكتَّاب والباحثين والمهتميَّن بالقضية الفلسطينية.

التَّعاطف الشَّعبي اليمني مع فلسطين والفلسطينيين:

يعدُّ اليمنيون مِن أكثر الشُّعوب العربية تعاطفًا مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وقد ترجموا هذا التَّعاطف بالاهتمام والحراك والدَّعم المادي والمعنوي. حيث لا يخلوا عام مِن مهرجانات لنصرة الأقصى الشَّريف، أو مظاهرات جماهيرية تطالب بالدِّفاع عن الشَّعب الفلسطيني، أو وقفات تضامنية، أو جمع تبرُّعات مالية في المدارس والمحلَّات والجوامع وعبر الحصَّالات.

وقد أتاح الاستقرار الذي شهدته اليمن إلى حدٍّ ما بعد عام 1990م، وقيام نظام ديمقراطي، ودستور ضامن للحقوق والحرِّيات، هامشًا كبيرًا مِن الحركة والتَّفاعل مع قضايا فلسطين. وهو ما مكَّن مِن تشكُّل مجتمع مدني ومنابر إعلامية مناصرة للقضية الفلسطينية. وكان ذلك كلِّه يتمُّ بإرادة حرَّة ووعي راشد مستقل للمجتمع اليمني.

الاهتمام الشَّعبي اليمني بالقضية الفلسطينية انعكس في قيام جمعية الأقصى، والتي ساهم بتأسيسها، عام 1990م، الشِّيخ محمَّد المؤيَّد، ورأس إدارتها خلال الفترة 1997م- 2002م. وقد أسهمت الجمعية في تنفيذ العديد مِن المشاريع الخيرية التي تلامس الاحتياجات الإنسانية، داخل فلسطين وفي مخيَّمات الشَّتات، خاصَّة في لبنان والأردن. وشملت المشاريع المسجد الأقصى والجوانب الإغاثية والصِّحِّية والتَّعليمية والاجتماعية والتَّنموية.

فقد قامت بتمويل بناء "مستشفى اليمن السَّعيد" في غزَّة، وسعت لتوفير الدَّواء للمرضى، وتأسيس مصنع محاليل طبِّيَّة، وكفلت مئات المقعدين، والمئات مِن اسر الشُّهداء، و(2.600) يتيم في داخل فلسطين؛ كما عملت على رعاية مشروع زراعة خمسة دُونم مِن الأرض المحرَّرة في قطاع غزَّة، ومشروع مزرعة الزَّيتون، ومشاريع أخرى.

وقد أكَّد أمين عام الجمعية، شاكر هبة أنَّ جمعية الأقصى احتلَّت المرتبة الأولى مِن حيث تقديم الدَّعم للفلسطينيين واللَّاجئين ومخيَّمات الشَّتات، على مستوى العالم العربي والإسلامي.

وقالت جمعية الأقصى باليمن إنَّها حوَّلت خلال ثمانية أشهر مِن العام الحالي (2008م) قرابة (3.8) ملايين دولار إلى داخل فلسطين المحتلَّة، خُصِّصت لكفالة الأيتام ومشاريع تعليمية وصحِّية، ولإغاثة مخيَّمات اللَّاجئين. وذكر رئيس الجمعية، الدكتور محمد العديل، في مؤتمر صحفي بصنعاء، أنَّ الجمعية حوَّلت منذ عام 2001م إلى فلسطين ما يُقارب (20) مليون دولار، تبرُّعات مِن الشَّعب اليمني، وأنَّها تطمح إلى جمع نحو خمسة ملايين دولار مع نهاية العام 2008م، في إطار حملة فكِّ الحصار عن غزَّة. وقال: إنَّ الجمعية تكفل (1,214) يتيمًا كفالة شاملة، تضمُّ الرِّعاية الصِّحِّية والتَّعليمية والتَّنموية والإغاثية، إلى جانب كفالة (308) أسرة، براتب يتراوح بين (200- 700) دولار شهريًّا، بحسب عدد وحجم الأسرة. وتطرَّق إلى مشاريع تكفلها في المسجد الأقصى، بينها (19) حلقة قرآنية، ورعاية الدُّعاة، والوقف الخيري، وصيانة المساجد، وسُقيا المصلِّين، وإفطار الصَّائم، وطباعة المصحف الشَّريف.

وفي عام 2012م، قدَّمت جمعية الأقصى (43) مليون ريال يمني، أي ما يعادل (200) ألف دولار، كإغاثة طبِّية أوَّلية عاجلة للشَّعب الفلسطيني، في قطاع غزَّة، للتَّخفيف مِن معاناتهم في ظلِّ تصاعد العدوان الصُّهيوني الغاشم عليهم، والذي خلَّف عشرات الشُّهداء والجرحى مِن النِّساء والأطفال والشُّيوخ.

ويعدُّ "مستشفى اليمن السَّعيد"، والذي جرى وضع حجر الأساس الخاص بإنشائه، في 1 ديسمبر 2010م، بمخيَّم جباليا، شمالي قطاع غزَّة، أحد أبرز المشاريع الإنسانية التي تأسَّست بعطاء الشَّعب اليمني. حيث مُوِّل بناء المستشفى مِن قبل جمعية الأقصى اليمنية، وبلغت كلفة المرحلة الأولى مِنه فقط (3) ملايين دولار أمريكي. وقد اكتمل بناء المستشفى في عام 2013م، وجرى تسليمه لتشغيله عام 2020م. وهو يتكوَّن مِن (3) طوابق وبدروم، وفيه (60) غرفة، ومكاتب وملحقات أخرى.

وقد أكَّد رئيس جمعية الأقصى، محمَّد العديل، في احتفال وضع حجر الأساس أنَّ الشَّعب اليمني سيقف مع الشَّعب الفلسطيني، وسيواصل تقديم كلِّ الدَّعم المادِّي، وتنفيذ الكثير مِن المشاريع الخيرية لمصلحة الشَّعب الفلسطيني. مضيفًا: "إنَّ بناء المستشفى اليمني هو رمز الأخوَّة والوفاء للشَّعب الفلسطيني مِن الشَّعب اليمني الذي يأبى في هذا اليوم إلَّا أن يقدِّم هذا المشروع خدمة لأشقَّائه في غزَّة". في حين قال رئيس الجمعية الإسلامية، الدُّكتور نسيم ياسين: "أراد العدو أن يحاصر الشَّعب الفلسطيني، وأرادت الأمَّة العربية والإسلامية أن تساند الشَّعب وتناصره، وخاصَّة أهل اليمن الذين ما انفكُّوا عن مساعدة هذا الشَّعب".

موقف اليمنيين مِن التطبيع مع إسرائيل:

في أواخر التسعينيات مِن القرن الماضي، ظهرت بوادر تطبيع مع الكيان الصهيوني مِن قبل الحكومة اليمنية، ما قاد إلى موجة احتجاجات رسمية، عبر مجلس النوَّاب، وشعبية مِن خلال المظاهرات والمسيرات والحملات الإعلامية الرافضة لهذا التوجُّه. وقد أجبرت تلك الاحتجاجات الواسعة التي شملت كافَّة أطياف العمل الحزبي والسياسي والفكري والمجتمعي الحكومة -في حينه- للتراجع عن هذا التوجُّه. ومنذ ذلك الحين أغلق هذا الملف بشكل نهائي.

غير أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي وفي ظلِّ المكايدات السياسية، والاستعانة بالقوى الأجنبية ضدَّ شركاء الوطن، توجُّه لإبداء مواقف مغايرة لإجماع اليمنيين. فقد عبَّر قيادات المجلس عن حالة رضا وترحيب بمشهد التَّطبيع الذي بدأت بعض دول الخليج والدُّول العربية تسير فيه، منذ عام 2020م، بل ذهبت أبعد مِن ذلك في تمرير رسالة إمكانية التَّطبيع مع إسرائيل في حال العمل على تقسيم اليمن وانفصال الجنوب؛ حيث أعلن رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتيًّا، عيدروس الزَّبيدي، أنَّ مِن الممكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لافتًا إلى أنَّ المسألة واردة عندما تكون هناك دولة وعاصمة تخصُّ الجنوب العربي. موضحًا -في لقاء مع "روسيا اليوم"- أنَّه لا توجد اتِّصالات مع إسرائيل، ولا توجد مساع حاليًّا بهذا الصَّدد؛ مشيرًا إلى أنَّهم باركوا تطبيع بعض الدُّول العلاقة مع إسرائيل. وقد جدَّد الزَّبيدي قبوله التَّطبيع مع الكيان الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة، في حوار مع صحيفة "عكاظ" السُّعودية، قائلًا: إنَّ مسألة التَّطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي لا تعني مطلقًا التَّخلِّي عن القضية الفلسطينية. مطالبًا "تل أبيب" بالاعتراف بحقِّ الفلسطينيين بإقامة دولتهم، جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، معيدًا التَّأكيد على أهمية تنفيذ مبادرة السَّلام العربية، التي أطلقها العاهل السُّعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليًّا. وقد جاء هذا الخطاب على خلفية حالة الاستنكار والنُّفور التي شهدتها السَّاحة اليمنية، جنوبًا وشمالًا، ضدَّ تصريحاته السَّابقة.

كما أنَّ نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، بارك عملية التَّطبيع التي تمَّت بين الإمارات العربية المتَّحدة وإسرائيل، عبر حسابه على "تويتر"، حيث قال: إنَّ الاتِّفاق وضع خريطة طريق نحو تعاون مشترك مع إسرائيل وصولًا لعلاقات ثنائية، مضيفًا أنَّه يخدم خيار العرب في حلِّ الدَّولتين، وخدمة الشَّعب الفلسطيني، وإنهاء المتاجرة بالقضية، وفق تعبيره. وعلَّق بن بريك لاحقًا على تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو"، يُشير فيها إلى الاتِّفاق مع الإمارات، قائلا: "وعليكم السَّلام وعلينا.. وحيَّا على سلام تسكن فيه المنطقة، ويقطع دابر الحروب وتجَّارها".

هذا الانحراف والشُّذوذ عن مواقف القوى اليمنية المختلفة، السِّياسية والاجتماعية والمذهبية والفكرية، لاقى استهجانًا واستنكارًا واسعًا؛ بما في ذلك رموز الحراك الجنوبي. فقد أكَّد رئيس مجلس الحراك الثَّوري الجنوبي، حسن باعوم، أنَّ الجنوبيين، ومنذ استقلال دولتهم عام 1967م- يناصرون الشَّعب الفلسطيني وقضيَّته، ولا يرضون إلَّا بما يرتضيه.

وقال -في بيان له: "إنَّ جمهورية اليمن الدُّيمقراطية الشَّعبية آنذاك احتضنت قضية الشَّعب الفلسطيني، واستقبلت القيادات والثُّوَّار الفلسطينيين، ووفَّرت لهم التَّدريب والمعسكرات والسِّلاح". وتابع باعوم -الذي يقيم خارج اليمن: "إلى الآن ما زلنا نؤكِّد أنَّ موقفنا مع الشَّعب الفلسطيني في قضيَّته؛ ولن نرضى إلَّا بما يرضيه، ونعارض ما يعارضه في قضيَّته، لا سيَّما أنَّنا نشهد موقفًا فلسطينيًّا جامعًا حول معارضة صفقة القرن التي تختزل فلسطين، وتنهي الأمل ببناء دولتها المستقلَّة".

إنَّ هذا التَّوجُّه الذي تدعمه الإمارات يعدُّ توجُّها خارجًا للإجماع الوطني في اليمن، واختراقًا لسياج الوعي الجمعي لليمنيين، ما كان له أن يحضر لولا رغبة هذه الأطراف التَّكسُّب والمقايضة في موضوع انفصال الجنوب مع القوى الغربية على القضية الفلسطينية، لذلك جرى رهن التَّطبيع بها. وهو انعكاس لتوجُّهات المموِّل والدَّاعم للمجلس الانتقالي، والرَّاعي الحصري له.

اليمنيون و"طوفان الأقصى":

مع انقلاب جماعة الحوثي على الدَّولة عام 2014م، وتحوَّل الصِّراع عقب عام 2015م إلى حرب بالوكالة، دمَّرت مقدَّرات الشَّعب اليمني، وصرفت اهتماماته إلى الشَّأن الدَّاخلي، في ظلِّ غياب الدَّولة الوطنية الجامعة، وتغلُّب مليشيَّات انقلابية عدمية الرُّؤية، تفتقد للقيم الدِّيمقراطية والمواقف المبدئية مِن الحقوق والحرِّيات، إذ تحتكر المشهد العام بقوَّة السِّلاح وسطوة القوَّة والعنف، ما أضعف المجتمع اليمني وجعل اليمن بلدًا مستباحًا للآخرين، شمالًا وجنوبًا، وبات اليمنيون يواجهون الخوف والجوع، والتَّشرُّد والتَّهجير، والقتال والتَّعذيب والاختطاف، في معاناة شبيهة بمعاناة الفلسطينيين تحت سطوة الكيان الصُّهيوني، حتَّى باتت اليمن أكبر "أزمة إنسانية" في العالم في هذا العصر، بحسب المسئولين في الأمم المتَّحدة.

ورغم ذلك فإنَّ الشَّعب اليمني -الذي حُرِم التَّعبير عن خياراته وإرادته بطرق سلمية وحضارية- ظلَّ وفيًّا مع قضية فلسطين رغم كلِّ جراحته، يتألَّم لها ويبذل لنصرتها؛ فقد خرج اليمنيون متظاهرين في عدد مِن المحافظات، كتعز وعدن وصنعاء ومأرب وغيرها، للتَّعبير عن تضامنهم مع غزَّة، ونصرتهم لأهلها، وتأييدهم للمقاومة الفلسطينية.

كما عبَّر اليمنيون عن اهتماماتهم وتعاطفهم مع أحداث غزَّة الرَّاهنة عبر وسائل التَّواصل الاجتماعي المختلفة، في صفحات " Facebook " ومنصَّة " X " (تويتر سابقًا)، وتطبيقات " Tiktok " و" Telegram "، وقروبات " Whatsapp "، حيث مثَّلت الفضاء الأنسب للتَّعبير عن آرائهم ومواقفهم بعيدًا عن أجواء تكتيم الأفواه ومصادرة الآراء. وتنسى اليمنيون مشاكلهم وطغت على اهتماماتهم ومتابعاتهم الأحداث في غزَّة.

وقام أبناء الجالية اليمنية في دول الشتات، كما في الولايات المتَّحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا ودول الاتِّحاد الأوربِّي الأخرى، بالمشاركة في التَّظاهرات والمسيرات الشَّعبية المطالبة بإيقاف الحرب وإنهاء العدوان. وانخرط عدد مِنهم في الأعمال الإنسانية الإغاثية والحراك الإعلامي والحقوقي عبر القنوات والمواقع الإلكتروني والصَّحافة والإذاعات.

هذا التعاطف العارم والطاغي فرض على جماعة الحوثي التناغم معه، وقيامها ببعض العمليات التي مِن شأنها أن ترفع مِن أسهمها في الداخل، بغض النظر عن أجنداتها التي تخفيها، وتحالفاتها التي تتحكَّم بمشهد تلك العمليات وقواعد الاشتباك فيها. غير أنَّهم استغلُّوا هذه الأحداث لصالح جمع التبرُّعات لصالح الجماعة تحت مسمَّى دعم فلسطين، وفرضوا عددًا مِن الجبايات على المواطنين لدعم الصواريخ التي تطلق على إسرائيل!

هذا التوجُّه الحوثي دعا رئيس الجمهورية اليمنية، في كلمته أمام القمَّة العربية الإسلامية التي عقدت بالرياض، لدعوة الجماعة إلى عدم استثمار مأساة الشعب الفلسطيني، بتصعيدها المتزامن على كافَّة الجبهات مع المحافظات المحرَّرة، وإلى إنهاء حصار المدن، والتوقُّف عن زرع الألغام المحرَّمة دوليًّا، واستمرار استهداف المدنيين بالصواريخ والطائرات الانتحارية؛ وحضَّها على التعاطي المسئول مع دعوات وقف إطلاق النار، وإحياء العملية السياسية الشاملة التي تحفظ لليمن هويَّته ومكانته، وتعيده إلى محيطه العربي والإسلامي أكثر قوَّة في دعم قضايا الأمَّة، وفي مقدِّمتها القضية الفلسطينية.

شعبيًا تعاطي عدد كبير مِن اليمنيين مع عمليات جماعة الحوثي ضدَّ إسرائيل بإيجابية، داعين الجماعة إلى تعديل مسارها الداخلي، ومعالجة الأوضاع المحلِّية، ليستردَّ اليمن مكانته وتأثيره الإقليمي والدولي، بعيدًا عن أجندات وحسابات إيران ومحور الممانعة التابع لها.

مِن جهتها أبدت السلطة الشرعية مواقف تأييد للشعب الفلسطيني، معبِّرة عن تضمانها مع أهل غزَّة، ورافضة للعدوان الصهيوني عليها.

فقد عبَّرت هيئة رئاسة مجلس النوَّاب اليمني عن استنكارها وإدانتها، بأشدِّ وأقوى العبارات، للغارات العدوانية العنيفة التي تشنُّها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزَّة، والتي تستهدف الفلسطينيين المدنيين الأبرياء، داعية إلى وقف تلك الغارات فورًا. وأكَّدت -في بيان لها- أنَّ ممارسات إسرائيل العنيفة تعدُّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والاخلاق الإنسانية، وتستهدف حقوق الإنسان الأساسية؛ وشدَّدت على ضرورة تكثيف الجهود ومواصلة تقديم الدعم السياسي والإنساني للشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة التي لا تقبل أنصاف الحلول وترحيل الأزمات والكيل بمكيالين.

وجدَّدت وقوف اليمن إلى جانب حقِّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وانتزاع كامل حقوقه، وإقامة دولته المستقلَّة وعاصمتها القدس؛ كما أدانت التواطؤ الغربي -الأمريكي والأوربِّي- المستمرِّ مع إسرائيل في هذه الجرائم ضدَّ الإنسانية، حيث لم تكتف تلك الدول بالصمت فقط حيال المذابح المريعة التي تقترفها إسرائيل، بل ذهبت إلى أبعد ممَّا هو فوق الخيال، وقامت بإرسال العتاد والسلاح والذخيرة والجنود، والمساندة المباشرة، لأبشع جرائم التطهير العرقي التي يمارسها الكيان الصهيوني الغاصب. وطالبت رئاسة المجلس المجتمع الدولي بالتدخُّل العاجل لوقف العدوان، وحماية الفلسطينيين المدنيين الأبرياء، وضمان التحقيق في هذه الجرائم، ومحاكمة المسئولين عنها.

ومِن جهته، أكَّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، على موقف اليمن الثابت والداعم لحقِّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتلبية حقوقه المشروعة، وفي طليعتها إقامة دولته المستقلَّة ذات السيادة، وأنَّ فلسطين ستظلُّ هي قلب وجوهر الوجدان العربي والإسلامي، ومحور أمنه القومي.

موضحًا أنَّ ما يحدث في فلسطين اليوم هو نتيجة متوقَّعة لـ"تجاهل قوَّة الحقِّ لمصلحة حقِّ القوَّة، وعند رفض جميع مبادرات السلام، ولجوء الاحتلال المستند على فائض القوَّة الى فرض سياسات الأمر الواقع، وعندما يتخاذل المجتمع الدولي عن دوره الأخلاقي والقانوني، والسياسي في حل القضايا العادلة".

وقارن رئيس مجلس القيادة الرئاسي ما يجري في فلسطين بما واقع في اليمن المنكوب إثر انقلاب مليشيات جماعة الحوثي، المدعومة إيرانيًّا على الشرعية الدستورية والوفاق الوطني: "حيث قاد عدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ووقوع القوى الكبرى في حسابات غابت عنها مصالح الشعب اليمني، إلى مزيد مِن الخراب، وتمكين المليشيات والتنظيمات الإرهابية مِن خلط الأوراق، والمساومة بالقضايا الوطنية والقومية وأوجاع الناس الذين يدفعون الثمن الأكبر للحرب"؛ وأضاف: "مِن واقع هذه التجربة، وايمانًا بالقضايا العادلة تقف الجمهورية اليمنية اليوم، وكما كانت دائمًا إلى جانب الشعب الفلسطيني، وكافَّة الشعوب المتطلِّعة للعدالة والمساواة، وإنهاء العنصرية بكافَّة أشكالها"، مشيرًا إلى أنَّ "الطريق الأمثل إلى نصرة الشعب الفلسطيني يتطلَّب أن نكون على موقف وكلمة سواء، وتقوية دولنا الوطنية وأمننا القومي، وإنهاء الخلافات البينية، والحروب والنزاعات المسلَّحة".

كما دعا رئيس الحكومة اليمنية، د. معين عبدالملك، إلى تحرُّك عاجل لنصرة الشعب الفلسطيني، والذي يتعرَّض "لعدوان سافر"، و"جريمة حرب مكتملة الأبعاد"، مِن قبل قوَّات الاحتلال الصهيوني، وأنَّها تجاوزت كلَّ المواثيق والقانون الدولي الإنساني؛ مشدِّدًا على موقف اليمن -قيادة وحكومة وشعبًا، الثابت، تجاه القضية الفلسطينية.

وقد صوَّتت اليمن في الجمعية العامَّة للأمم المتحدة، في 28 أكتوبر (الماضي)، على مشروع القرار العربي بشأن عدوان إسرائيل على غزَّة، والذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة، تُفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتَّى أنحاء القطاع فورًا وبدون عوائق. وجاء القرار -المقدَّم مِن الأردن نيابة عن المجموعة العربية- في إطار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة، والتي حملت عنوان: "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة"، وأيَّدته (120) دولة، مِن أصل (193).

وأبدى مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتَّحدة، السفير عبدالله السعدي، استنكار اليمن الشديد للعدوان الإسرائيلي الغاشم والمستمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وما أسفر عنه مِن تدمير للبنية التحية، واستهداف للمدنيين العزَّل، خاصَّة النساء والأطفال، ودون تمييز، وقطع الماء والكهرباء والغذاء عن سكَّان القطاع، معتبرًا ذلك جريمة حرب مكتملة الأركان، وجريمة تطهير عرقي، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي، وكلَّ الأعراف والمواثيق الدولية والأخلاقية؛ وجدَّد الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عراقيل أو قيود، وحماية المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والأطقم الطبية ودور العبادة، وعبَّر عن رفض اليمن للتهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزَّة.

الخلاصة:

ممَّا سبق يتَّضح جليًّا أنَّ وقوف اليمنيين إلى جانب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينية وحقوقه المشروعة، وحركاته المقاومة للاحتلال، ثابت مِن الثَّوابت التي أجمعت عليها القوى بكلِّ أطيافها، وسواء كانت مذهبية أو فكرية أو سياسية أو اجتماعية. وهذا الموقف انعكس في سياسة الدولة وحراك المجتمع لنصرة فلسطين وشعبها، وتقديم الدعم المالي والإغاثي والإسناد الإعلامي، وعلى مستوى المحافل الدولية والحراك الجماهير.

وسوف يظلُّ هذا الموقف مبدئيًّا وحاضرًا في الوعي الجمعي لليمنيين، رغم كلِّ ما أصابهم مِن أزمات ومآسي، تعبيرًا عن وحدة الجسد والشعور، وحتى ينال الفلسطينيون حقوقهم ويحرِّروا أرضهم ومقدَّساتهم.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد