بمبرر شروط المنحة السعودية.. وزارة المالية تماطل في صرف مرتبات الجيش

2023-10-16 08:19:49 اخبار اليوم /مأرب برس

 

في بيان لها أصدرته الأسبوع الماضي، برّرت وزارة المالية في الحكومة الشرعية تأخير صرف مرتبات الجيش للأشهر الماضية، بأن ترتيبات المنحة السعودية المقدمة لدعم موازنة الحكومة الشرعية تشترط صرف المرتبات عبر البنوك المؤهلة، متهمة وزارة الدفاع بعدم الالتزام بالضوابط الواردة في تعميمات المالية بخصوص تلك الترتيبات.

 

البيان حاد اللهجة تضمن أيضا اتهامات لجهات لم يسمها باللجوء إلى "إثارة الفتن والبغضاء والمشاحنات بهدف الضغط على وزارة المالية لتمرير مصالح شخصية وفردية تضر بمصلحة منتسبي وزارة الدفاع وتضر بكيان هذا الدرع الواقي والمتين للوطن وصمام أمانه".

 

تؤكد مصادر عسكرية أن وزارة الدفاع لا تعترض ولا ترفض آلية صرف المرتبات عبر البنوك، رغم أن هذا الأمر قد يحدث إرباكا في صفوف القوة البشرية للجيش في حالة حرب، وسبق أن رفض هذا الإجراء حتى قبل الحرب وقبل ٢٠١١ لعدم مناسبته للقوات المسلحة!

 

وأضاف المصدر أن صرف المرتبات عبر البنوك سوف يحد من قدرة القادة العسكريين على ضبط الأفراد من خلال الحضور والمناوبة وكشوفات الإحداثيات في مواقعهم ومعسكرات طالما أن كل فرد سيذهب في النهاية لاستلام مرتبه من المصرف، فضلا عن مسألة ربط بيانات القوة بالبنوك والصرافات.

 

وتحدث المصدر عن حزمة مراجعة وإجراءات مستمرة لكشوفات الجيش تمت خلال السنوات الماضية وخاصة منذ الهدنة لتنقيحها من الازدواج أو استبدال الفرار أو إنزال أسماءهم، عبر عملية الترقيم بالبصمة للضباط وكذلك الأفراد.

 

وتؤكد قيادة الجيش -حسب المصدر- صعوبات وتحديات متعددة، وتحتاج لوقت كاف لتنفيذ إجراءات لازمة لذلك، خصوصا في ظل طبيعة إدارة مهام القوى والمناطق والمحاور العسكرية وطبيعة نطاق تمركزها وانتشارها ومسرح عملياتها نتيجة الحرب والظروف الراهنة في المناطق المحررة، إضافة إلى عدم استقرار الحكومة في الداخل وعدم توفر بيئة آمنة في العاصمة المؤقتة عدن والتهديدات الماثلة أمام انتظام عمل مؤسسات الدولة وتنظيم الربط بين الهيئات والمؤسسات والأجهزة.

 

وتقول مصادر في وزارة الدفاع إن وزارة المالية ترفض صرف مرتبات شهري أغسطس وسبتمبر2023 للمناطق العسكرية إلا عبر البنوك، وتصر على ضرورة تسليم الدفاع البيانات للبنوك. فيما تؤكد مصادر أن وزارة المالية تستقطع شهريا مبلغ مليار ونصف المليار ريال من مرتبات الجيش في المناطق العسكرية في المحافظات الشمالية والشرقية.

 

علاوة على الصعوبات الإدارية والفنية التي تواجه قيادة الجيش وتعقيدات إدارة وتنظيم هياكل وملاكات القوات وربط تكويناتها وتحديات ضبط حركة القوة البشرية في ظل حرب رحاها لانزال دائرة، خصوصا في المناطق الملتهبة، فيما لم تلتزم الحكومة طوال فترة الحرب بتوفير موازنة نفقات تشغيلية كافية ومنتظمة للجيش وللوحدات العسكرية وعدم توفير موازنة كافية لحرب تستنزف مقدرات هائلة.. إضافة إلى صعوبات في توفير متطلبات فاتورة الخسائر البشرية الكبيرة ورعاية وعلاج الجرحى وأسر الشهداء.

 

وطوال سنوات الحرب ظلّت الحكومة تتعامل مع مرتبات الجيش بكثير من التقصير والتسويف وتأخير عملية الصرف وعدم العدالة بين المناطق العسكرية. هذا التقصير الذي يعتبره كثيرون متعمدا ومقصودا هو انعكاس لطبيعة تعاطي الحكومة الشرعية مع المعركة والخلل الذي يعتور طريقة تعاملها مع واجباتها في توفير متطلبات المعركة وعدم دعم الجيش باحتياجات وقدرات كافية ومرجحة ماليا وتسليحا. وصل الأمر حد المساس براتب الجندي المقاتل، باعتباره حق أساسي له والدخل الرئيسي لأسرته.

 

يكشف تقرير أعدته لجنة من مجلس النواب تم تكليفها بالاطلاع على أوضاع الجيش في مأرب، أبريل 2022، أن الحكومة لم تدفع مرتبات 22شهرا للجيش في إقليم سبأ خلال الفترة 2017-2021. أي أنها خلال فترة 5سنوات من الحرب لم تدفع مرتبات عامين كاملين لا تزال دينا في ذمة الحكومة، دفعت فقط مرتبات 3سنوات.

 

الوضع الذي وجدته اللجنة البرلمانية مثّل صدمة لأعضائها خلال نزولهم ميدانيا لتقصي حقيقة أوضاع جيش يخوض حربا متداخلة ومعارك مصيرية فاصلة، وصنوف القذائف والطيران المسير والصواريخ الحوثية الإيرانية تتساقط على مواقعه وتفتك بقواته وقدراته.

 

يكشف التقرير أن الجيش في المحافظات الشمالية المحررة التي تركزت فيها أكبر المعارك وتشمل المناطق العسكرية الثالثة والسادسة والسابعة وهيئات ودوائر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، لم يتسلم مرتبات 8أشهر للعام 2021، ولم يتسلم مرتبات 5أشهر من مستحقات 2020، و4 أشهر من مرتبات 2019، ومرتبات شهرين من مستحقات 2018، وشهرين من مرتبات 2017.

 

عدم التزام الحكومة بدعم الجيش وتوفير مرتبات منتسبيه عدّه البعض وجها قاتما من أشكال التضييق على الجيش ومحاصرته وخذلانه، بما يعني ذلك من إضعاف كفاءة القوة المقاتلة وتقديم هدية مجانية لعدوها الحوثي ولخصوم الدولة الشرعية.

 

فيما اعتبر فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي مشكلة تأخير مرتبات الجنود ونقص قدرات القوات العسكرية والأمنية بأنها تشكل "تهديدا للسلام والأمن والاستقرار في اليمن" وتشكل عائقا أمام تنفيذ حظر الأسلحة. داعيا في تقريره المقدم نهاية 2020، مجلس الأمن إلى اتخاذ قرارات بشأن مرتبات ودعم القوات الأمنية والعسكرية التابعة للسلطة الشرعية.

 

تدهور قيمة مرتبات الجنود

 

تقول مصادر عسكرية إن الحكومة لم تعتمد أية تعزيزات مالية منذ عام 2016 خصوصا في المناطق الأكثر معارك، وأن سقف الاعتمادات المالية لايزال كما حددته اللجان الحكومية في 2016. إضافة إلى عدم اعتماد استعواض القوة البشرية في المناطق التي تدور في نطاقها أشد المعارك وأعنفها منذ ثمان سنوات. حيث تشير المعلومات إلى إن ما يقارب نصف القوة في تلك المناطق، خرجت عن الجاهزية، بين شهداء ومعاقين وجرحى. في وقت لم تلتزم الحكومة باعتماد وصرف مخصصات واحتياجات علاج الجرحى ولم تقم بواجباتها في رعاية أسر الشهداء.

 

وبالنظر إلى قيمة راتب الجندي في المناطق العسكرية المُلتهبة فقد تم تحديده في 2016 بمبلغ 60 ألف ريال شهريا، حيث كان يساوي حينها ألف ريال سعودي، وأصبحت قيمته اليوم حوالى 150 ريال سعودي، وفي حال تم تحويله عبر البنوك فقد يتم خصم ضرائب واستقطاع الرسوم التأمينية والتقاعدية التي كان معمول بها قبل الحرب.

 

في حال فكر الجندي إرسال راتبه لأهله في صنعاء والمناطق المحتلة فأن عليه أن يدفع 70% من الراتب كرسوم تحويل، وفي حال قرر إنفاقه على نفسه فلن يكفيه لشراء 100 كيلوا من الدقيق. بينما يتسلم الجندي في القوات والتشكيلات التي لا تخضع لوزارة الدفاع رواتبه بالريال السعودي بانتظام وبمبلغ لا يقل عن ألف ريال سعودي شهريا.

 

ومع بقاء القوات والتشكيلات العسكرية والأمنية خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وفقا لنصوص اتفاق الرياض ومخرجات مشاورات الرياض على دمجها في الجيش والأمن، فلن تشملها مصفوفة الإصلاحات الحكومية الواردة في آليات المنحة السعودية لتبقى تلك القوات تتلقى الدعم والرواتب بالعملة الأجنبية بعيدا عن وزارة المالية والبنك المركزي.

 

وتقول مصادر إن اللجنة العسكرية والأمنية العليا المشكلة بموجب إعلان انتقال السلطة قد تقدمت بمقترحات لمعالجة الفوارق بين رواتب منتسبي الجيش والأمن ورواتب منتسبي التشكيلات والقوات الأخرى وتوحيد المرتبات وتحسين قيمتها، وتم الرفع بها لمجلس القيادة الرئاسي إلا أن ذلك لم يتم بسبب اختلاف الأجندة داخل المجلس الرئاسي واستقرار وانتظام رواتب معظم التشكيلات التي يديرها أعضاء من المجلس، بينما الجيش يعاني فيما تقع عليه عاتق الجبهات الملتهبة منذ سنوات!

 

انتقاء اشتراطات المنحة السعودية

 

تقول وزارة المالية أنها مستعدة للتعاون مع وزارة الدفاع وبقية المناطق العسكرية في تذليل الصعوبات أسوة بالمنطقة الرابعة التي قالت أنها نفذت الإجراء بشكل مستقل عن بقية الجيش، تؤكد قيادات عسكرية أن وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان تستكمل حتى الآن عملية حصر وفحص القوة البشرية لجميع القوى والمناطق العسكرية، حيث استكملت اللجان المرحلة الأولى لحصر الضباط والبصمة البيلوجية وبصمة العين وصرف البطاقة في المناطق العسكرية الأولى والثانية والثالثة والسادسة والسابعة وفي الهيئات والدوائر والوحدات المستقلة، ويجري حاليا العمل على استكمالها في المنطقة الخامسة.

 

وتُفصح القيادات عن صعوبات في تنفيذ عملية الحصر والفحص في المنطقة الرابعة وبقية القوى المنضوية تحت إطار وزارة الدفاع. فيما تستعد الوزارة لحصر الملاك البشري للأفراد وما دون الضباط، وصولا إلى قاعدة بيانات واحدة وموحدة ومحدثة خاصة منذ بدء الهدنة ووجود هامش للاشتغال على هذا الملف الذي وصل إلى مراحله الأخيرة.

 

وبينما تؤكد وزارة المالية في بيانها تمسكها بالمضي فيما وصفه بطريق الإصلاح من منطلق أمانة الدين والضمير.. يقول عسكريون أن الحكومة ووزارة المالية تقوم بالانتقاء في تنفيذ اشتراطات المنحة السعودية، مع استمرار البذخ في الإنفاق الحكومي وعدم ترشيد إنفاق الموارد، فضلا عن التضخم الهائل في هياكل الدولة وتشكيلات المؤسسات والوزارات وطواقمها التي يفترض أن تكون حكومة حرب وتعتمد التقشف في نفقاتها وإعطاء الأولوية للجيش المُقاتل وتسخير كل الإمكانات لحربه الوجودية.

 

ووفقا لمراقبين فأن الحكومة لم تلتزم بدفع مرتبات الموظفين النازحين. كما أن الحكومة في الوقت الذي تسعى لفرض اشتراطات المنحة السعودية على الجيش تُنفق ملايين الدولارات على المسئولين المقيمين في الخارج منذ سنوات. فمنذ تدشين آلية تنفيذ شروط المنحة وصدور توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مطلع أغسطس المنصرم، بعودة الوزراء ونوابهم والمحافظين والوكلاء ورؤساء الهيئات التنفيذية إلى الداخل صرفت الحكومة ثلاثة مرتبات بالعملة الصعبة للمسئولين في الخارج، المفترض أن تشملهم بدرجة رئيسية تلك الإصلاحات الحكومية. مع الفساد الذي تكشف عنه تقارير اللجان البرلمانية في ملفات الكهرباء والاتصالات والنفط والغاز ومشتقاتهما.

 

المنطقة الرابعة.. قوات شبه مستقلة

 

بيان وزارة المالية فيه اعتراف صريح بالتعامل الحكومي مع المنطقة العسكرية الرابعة بمعزل عن بقية المناطق والمحاور والقوى العسكرية. فبينما لا تزال المنطقة العسكرية الخامسة تتلقى الرواتب والدعم بعيدا عن مالية وزارة الدفاع وعن الحكومة، ظلّت المنطقة العسكرية الرابعة، ومقرها في عدن، غير خاضعة لوزارة الدفاع ماليا وإداريا، منذ ما بعد وقوع التمرد الحوثي في صنعاء، سبتمبر2014 بقت المنطقة تتلقى مرتباتها ودعومات مالية عبر وزارة المالية والبنك المركزي اليمني مباشرة بعيدا عن مالية وزارة الدفاع ووزير الدفاع أو رئيس الأركان ومرور الإجراءات عبرهم.

 

تستحوذ المنطقة الرابعة على ما يزيد عن 70% من القوة البشرية للقوات المسلحة اليمنية، وعلى ذات النسبة من الموازنات والمخصصات المالية المبوبة حسابيا لوزارة الدفاع. الملاك البشري للمنطقة يوازي ضعف القوات في المحافظات الشمالية في الجهات مجتمعة، بل ويزيد.

 

كانت المرتبات المدفوعة للمنطقة أكثر انتظاما مع أنها أقل المناطق انخراطا في معارك مواجهة ميليشيا الحوثي باستثناء محور تعز، رغم أن معظم قوامها توزع على القوات والتشكيلات العسكرية والأمنية الموازية التي تشكلت خلال الحرب ولا تخضع لمؤسسة الجيش والأمن.

 

تشير المعلومات إلى أن معظم منتسبي المنطقة انضموا لقوات تابعة لما يسمى المجلس الانتقالي والأحزمة الأمنية وغيرها من التشكيلات، ويتلقون مرتباتهم كمنتسبي المنطقة عبر شركات الصرافة وعبر البنوك لاحقا بانتظام دونما تواجد في وحداتهم المنضوية ضمن المنطقة الرابعة وبدون انضباط وضبط وربط مالي وإداري، فمعظم الوحدات لا وجود لها على الواقع. ويتسلم الجنود أكثر من راتب في نفس الوقت، رواتب من المنطقة وأخرى من التشكيلات الموازية المنخرطين فيها.

 

وبينما تصر وزارة المالية خلال السنوات الماضية على إعاقة وتأخير صرف مخصصات الجرحى ومرتبات الجيش تواصل الآن التذرع بإجراءات بيروقراطية فنية تتعامل مع القوات المسلحة بشكل لا يعي طبيعة وخصوصية الجيش ومهمته وطبيعة انتشاره، وترديد إسطوانة محاربة الفساد من قبيل الابتزاز بينما يقول ضباط عسكريون انهم أكثر حرصا على آليات الرقابة والمحاسبة والتدقيق المستمر.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد