المثقفون السودانيون.. أصوات تحجبها القذائف

2023-04-18 03:38:49 أخبار اليوم/ متابعات

 

شيئا فشيئا انزلق الوضع في السودان من تراشق في المنابر إلى حرب صارت الخرطوم مسرحها الكبير.

وربما يكون صوت مثقفيها غير مسموع وسط ضجيج المعارك، وربما لا يكون موحدا، لكنه بطبيعة الحال لا بد أن يكون حاضرا، وسيكون من مصلحة البلاد أن تسمع هذا الصوت.

اتحاد الكتاب السودانيين وبيان مع كتل نقابية

بينما كانت أجسام نقابية وكيانات تضم رموزا ثقافية تسعى لإطلاق مبادرة ترأب الصدع بين القوات المسلحة والدعم السريع، يخرج الموقف عن دائرة السيطرة، فيظهر بيان مشترك إثر اجتماع عُقد في نقابة الصحفيين، وكان اتحاد الكتاب السودانيين من أبرز الموقعين عليه، الاتحاد الذي يجمع بموجب قانونه طيفا واسعا من الأدباء والكتاب على اختلاف أجناس الكتابة من شعر ونثر ونقد وغير ذلك.

وجاء في البيان الذي وقع عليه اتحاد الكتاب أن "هذا الخطر الداهم يستوجب على الجانبين الدعوة لوقف إطلاق النار، وتحكيم صوت العقل للوقوف الجاد لمواجهة مخططات الخراب التي تهدف إلى إجهاض مشروع الثورة المجيدة وطموحها المتمثل في تحوّل مدني ديمقراطي لبلد تحفها الحرية والسلام والعدالة".

وسرد البيان ملامح سابقة للانفلات الأمني وبعض ما قاد الوضع للقتال، بحسب رأي الموقعين الذين ختموا بيانهم بالقول "استشعارا للمسؤولية الوطنية والأخلاقية، وما يمليه عليها الضمير الوطني في هذا الظرف التاريخي الحرج الذي تمر به البلاد، التقت العديد من الأجسام النقابية في دار نقابة الصحفيين السودانيين بالخرطوم، وتوافقت على التصدي لمحاولات خلق الفتنة وزعزعة استقرار البلاد، والوقوف ضد الحرب والانفلات الأمني، وظاهرة الإفلات من العقاب، آملين أن نخطو خطوات جادة يسود من خلالها صوت العقل والحكمة، وينزع بها فتيل الفتن والأزمات المستفحلة".

سودانيون ضد الحرب وتوقيعات مثقفين

مناهضة الحرب والوقوف ضدها وضد الخطر المحدق بالبلاد موقفٌ تبناه البيان الموقع من اتحاد الكتاب ضمن عدد من النقابات، كما تبنته مبادارت لمثقفين بين فردية وجماعية، من أبرزها قائمة وقع عليها عدد من المثقفين والكتاب؛ القائمة صدرت عن صفحة "سودانيون ضد الحرب" على موقع فيسبوك، مطلقةً عددا من الشعارات مثل "نحن جميعا سودانيون فقط دون حزبية أو قبلية أو لون أو عرق نرفض هذه الحرب"، و"نقول لا للحرب" و"كفى دمارا" و"دعونا نسمع صوتنا عاليا لا وألف لا للحرب".

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، قارب عدد الموقعين 1300 سوداني من مثقفين وصحفيين وساسة وغير ذلك. ويرى الكاتب حاتم الكناني -أحد الموقعين على هذه القائمة- في إفادة للجزيرة نت أن موقف المثقف من الحرب معروف بطبيعة الحال، وأنه لا يمكن لمثقف أن يدعو للحرب، ووصف الكناني هذا الموقف بالمُسلّم به والمبدئي. وبالقناعات ذاتها، قال الناقد والباحث السر السيد "لا يمكن لشخص مثقف أن يكون مع الحرب، هناك طرق أخرى لحل القضايا والتي منها بالطبع تداول السلطة".

 

لكن أحد الذي سألناهم وطلب حجب اسمه، يرى أن الشعب لم يختر الحرب، ولكن بما أنها اندلعت فليكن حسمها، ورغم توقيعه في قائمة "سودانيون ضد الحرب"، فإنه يرى أن التوقيع موقف أخلاقي ورأيه الخاص موقف عملي، بحسب تعبيره.

آراء واضحة

وبينما يذهب عدد من الكتاب والمثقفين إلى وصف هذه الحرب بأنها لا تخصهم وأن عليهم الحياد، ويتردد آخرون في إبداء آرائهم، يتحدث بعض الكتاب عن وجهات نظرهم بوضوح.

الكاتب والأكاديمي الدكتور عبد الله علي إبراهيم كتب على صفحته على فيسبوك "لا غبار بالطبع على التوسط والمناشدة بأن تضع الحرب أوزارها طمأنينة للناس. ولكن عواره أن تأتيه كمدني مطلقا يديك من مشروعك لما تريده للقوة المسلحة الوطنية في الدولة الحديثة. ولا أعرف مشروعا ناصحا ناضجا مثل مطلب: العسكر للثكنات والجنجويد ينحل" (الجنجويد يقصد بها هنا قوات الدعم السريع).

ويضيف علي إبراهيم "إننا لا نملك جيشا غير القوات المسلحة.. ربما لم تحسن قيادة القوات المسلحة لشعبها منذ عقود، ولكن عقابها ليس في قيام جيش آخر يتولى عنها مهامها جزافا".

قصدنا أحد النقاد الذي تحفظ على ذكر اسمه، فقال "موقف المثقف في حالة ما يمر به السودان هو الدفع لإيقاف الحرب والوقوف مع قوات الشعب المسلحة لتصحيح خطأ إستراتيجي ارتكبته حكومة سابقة في حق الشعب والجيش. موقف كل مواطن حريص على وطنه أن يرفض العنف ويسعى للتغيير الديمقراطي ويسعى له بعد انجلاء المعركة لصالح الوطن بقيادة قواته المسلحة، لا يمكن أن تقف في الحياد عندما يتهدد الوطن".

من يستمع؟

الحديث عن رأي المثقفين يولد بدروه سؤالا مهما: من يستمع لهم؟ سألنا أحد الكتاب فقال "كيف يمكن للمثقفين مخاطبة جهتين غير عاقلتين؟!".

في حن يورد الناقد والباحث السر السيد، في إفادته للجزيرة نت، سببا آخر لعدم الاستماع للمثقفين "للأسف لا أحد يستمع لصوت المثقف لعدة أسباب، منها أنه ليس على صلة بمن يخاطبهم، فالمثقف السوداني خطابه في الغالب لسلطة لا يحب التواصل معها، وذلك راسخ وقديم لدى المثقف السوداني".

وهذه جدلية قديمة في علاقة المثقف بالسلطة في السودان وغيره، ومع الأجواء عقب الثورة السودانية في ديسمبر/كانون الأول 2018 صار ظهور أي مثقف بالقرب من أصحاب السلطة سببا كافيا لكيل الاتهامات له، ويستطرد السيد "حتى أحزابنا السياسية لا تحفل بالمثقف دعك من حملة البنادق".

ويعلق الروائي حمور زيادة على الأحداث بقوله "المضحك وسط كل هذا الحزن والموت والخراب أن كل طرف من المتصارعيْن يتمسح بشعارات وأهداف الثورة ليغازل الشارع"، وفي موضع آخر من المنشور ذاته على صفحته على فيسبوك، يقول زيادة "ظل الشارع لسنوات ينادي العسكر للثكنات والجنجويد ينحل بسلمية، فيقابله العسكر والجنجويد بالرصاص. واليوم عندما اختلفت المصالح أطلقا الرصاص على بعضهما، العسكر يهتف الجنجويد ينحل، والدعم السريع يهتف العسكر للثكنات، والواضح أنه ما من أحد استمع لنداء الشارع، وما من أحد يود الاستماع لصوت أهل الثقافة والفكر".

 

الذي لا جدال حوله أنه ما من رابح من الحرب، وأن السودان سيخسر الكثير. مع ذلك يبقى الأمل أن لا يطول أمد الحرب، وأن تتغير الأحوال، أمَّا الذي يؤرق الكثيرين فهو أنهم ليس في أيديهم الكثير، إذ يعبر حمور زيادة في منشوره عمَّا يريده طيف واسع من المثقفين، فيقول "لا شيء في يدنا الآن. وعندما تنتهي الحرب، سنحفر وسط الركام لنبحث عن مستقبلنا الديمقراطي الحر الذي كنا ننشده. وأتمنى أن نعثر عليه".

* الجزيرة نت

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد