للصائم فرحتان

2023-04-10 00:08:22 أخبار اليوم/ متابعات

 

 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ) رواه البخاري (1904) ومسلم (1151)

أيها الصائمون: لا يعني قوله –عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم وغيره: "للصائم فرحتان" أن الصائم لا يتمتع بسوى هاتين الفرحتين المذكورتين في الحديث الشريف، كلا، ولكنهما فرحتان إضافيتان لا يظفر بهما غيره من الناس!.

 ينص الحديث على أن للصائم فرحتان: فرحة عاجلة، وفرحة آجلة.

فرحة الصائم العاجلة فهو قوله عليه الصلاة والسلام:” إذا أفطر فرح بفطره” والفرح هنا يشمل فرحة الطاعة وفرحة الجبلة، وفرحة الطاعة هي التي يفرح بها الصائم من أجل ما يسر الله تعالى له من إتمام الصوم، وفرحة الجبلة هي فرحته من إباحة ما منع منه من الأكل والشرب، ومن ثم يكون الفرح عند الفطر على الضربين:

 1- الفرح الحاصل عند الفطر اليومي، بعد القيام بصوم ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

 2- فرحة عيد الفطر الحاصلة عند انتهاء شهر رمضان.

وهذا الفرح – بالمعنيين- يحصل طبيعيا وله من الحلاوة في القلب لا يعرفها ولا يجدها إلا صائم حقا، ولكن قد يعصب تصويرها والحديث عنها، وهو من أتم الفرحة المتصلة بأمر مشروع، ومن فوائده في الغالب أنه كان يذهب الهم، ويكسر الحزن، ويبعث في النفس البهجة، وينشط القلب، ويجدد حيوية الجسم.

وقال ابن رجب: ” أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا، فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا.

والصائم عند فطره كذلك، فكما أن الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره، فأحب عباده إليه أعجلهم فطرا، والله وملائكته يصلون على المتسحرين، فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إلى الله وطاعة له ويبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه ولا عاد إليها إلا بأمر ربه، فهو مطيع له في الحالين، ولهذا نهى عن الوصال في الصيام، فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقربا إلى مولاه وأكل وشرب وحمد الله فإنه يرجى له المغفرة أو بلوغ الرضوان بذلك” لطائف المعارف ص:156.

وهذه الفرحة العاجلة داخلة في عاجل بشرى المؤمن، وﻣﻦ ﺩلاﺋﻞ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ تعالى للصائم ﻭﻗﺒﻮﻝ عبادته.

فرحة الصائم الآجلة هي الفرحة العظمى التي يجب أن تصحب الفرحة العاجلة وجديرة أن تستغرق الذهن كي تكون دافعا للصائم عند فطره نحو مزيد الجد في الطاعات والأعمال الصالحة، وإلى إيثار الدعة والراحة والكسل رجاءً تمام الفرحة عند لقاء ربه عز وجل.

قوله عليه الصلاة والسلام:” وإذا لقي ربه فرح بصومه” وما أجل وأروع فرحة غامرة! وما أسمى العبادة التي توصل العبد إلى نيل جائزة اصطفاها رب العالمين لنفسه: “والصوم لي وأنا أجزي به [رواه البخاري] والصيام عبادة سامية وعجيبة، يورث صاحبه الفرحة الكبرى وأحسن السرور وأكمل اللذة.

ومن ذلكم أنه خص للصائم باب في الجنة، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد(متفق عليه).

 وإنه لفرح عظيم ومقام محمود لا يناله ولا يخلص إليه إلا الموفقون الصائمون من عباد الله الكريم.

قال الحافظ ابن رجب:” وأما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا فيجده أحوج ما كان إليه كما قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [المزمل: 20] وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [آل عمران: 30] وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8][لطائف المعارف ص:157] .

والفرحة الأخروية هي غاية منشودة لدى جميع البشر، وقد هيأ لنا الله تعالى السبيل إليها بالصيام، لا سيما صيام شهر رمضان أعظم موسم القربات ومضاعفة الأجور.

 وسأل سائل سفيان بن عيينة فقال: يا أبا محمد، ما تقول فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: ” كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به “؟ فقال ابن عيينة: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة. رواه البيهقي في شعب الإيمان (3309).

ولهذا أدرك سلف الأمة قيمة الصيام وشهر رمضان على وجه الأخص، وأدركوا قيمة النجاح فيه وما يعقبه من الفرحين العاجل والآجل، فاجتهدوا في تحقيق كمال عبادة الصيام أيما اجتهاد، قلبا وقالبا، فصاروا قدوة حسنة.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء” [لطائف المعارف ص:157] .

قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت” رواه البيهقي في شعب الإيمان (3375).

وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاّ مع المساكين. وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل (لطائف المعارف ص:168).

وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة. رواه البيهقي في شعب الإيمان (3375).

 وفي كتب التاريخ أخبار مروية ومشهورة ومضيئة ومشرقة، تحدثت عن سعيهم وتفانيهم في حسن الصيام من أجل الفرح الأكبر عند لقاء رب العالمين بعد فرحهم عند فطرهم في الدنيا.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد