عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صىل الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج . فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم . فإنه له وجاء ) رواه البخاري (5065) و مسلم ( 1400)

أيها الصائمون : بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصيام وسيلة من وسائل العفة ..العفة عن الحرام ..فهي فرصة عظيمة ..أن يتدرب الإنسان عليها لينال العفة والفضيلة ..

والعفة تنال بتربية الخلقية على جملة من الأخلاق و الأدب فصبر يستطيع أن يضبط نفسه عن تلبية دوافعها المستثارة وعلى قدر الصبر تكون العفة والصبر ضياء (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) والحياء من الأيمان ولا يأتي إلا بخير و إذا لم تستحي فصنع ما شئت وإذا انعدام الحياء فإنه يهون على الإنسان فعل القبائح والمنكرات و دون أن يكترث بنظر الله له ولا بما يقوله الناس عنه وكما قيل : استح من الله أن تعصيه كاستحيائك من الرجل الصالح أن يراك ، وعلو الهمة طريق إلى القمة وكلما علت همت الإنسان كانت مطالبه أسمى و صغرت في عينية مطالب الدنيا ومن أمثلة العفة في تاريخ الإنسان عفة نبي الله يوسف علية السلام ففي يوسف الرجولة والشباب والدافع القوي وفي أمراءه العزيز الإثارة بكل قواها : جمال ومنصب وإغراء كامل ودعوة ملتهبة وخلوة تامة ومع استيفاء كل هذه العوامل القوية تبرز فضيلة العفة في يوسف عليه السلام فيضبط نفسه ويقاوم الدوافع والمغريات بإصرار وعزيمة قوية ..ترفعا عن الخيانة ..وطلبا لمرضاة الله ..وينتصر خلقه العظيم في معركة الدوافع والمغريات والتهديدات .

أخي حفظك الله: ومن أعظم وسائل العفة غض البصر فإن أكثر ما تدخل المعاصي على العبد هو نظراته ، ومن أطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات فغض البصر أصل حفظ الفرج (قل للمؤمنين ……….) وإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته .

قال : (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة العينان تزنيان وزناهما النظر ،والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه )

قال ابن القيم : فبدأ صلى الله عليه وسلم بزنا العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج فمن أطلق بصره فلا يأمن أن يصدق ذلك فرجه فيهلك .

كل الحوادث مبدآها من النظر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها

   ومعظم النار من مستصغر الشرر

فتك السهام بلا قوس ولا وتر

قال جرير ابن عبد الله: سألت عن نظرة الفجاءة فقال :اصرف بصرك .

إن التساهل بالنظر أودى بإيمان الكثير ، وكم سمعنا من أحوال المنتكسين الذين دخلوا بوابة الانتكاس من خلال نافذة النظر المحرم .

لقد علمتنا قصة يوسف عليه السلام درسا وهو عدم الاغترار بالنفس والركون إلى ما لديها من الإيمان والتقوى وعدم الثقة الزائدة بها مما يجرئ على اقتحام الفتن والخوض بها على أمل عدم الافتتان ،بل إن الأولى في حق المؤمن هو اتهام النفس والخوف من انزلاقها حتى تبقى جذوة الإيمان مشتعلة ويبقى الحذر دائماً ويكون الاعتزال وترك مواطن الفتنة هو سبيل الوقاية ل} وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين { .