;
ياسين التميمي
ياسين التميمي

الإمارات تكاد تنجح في تخريب مستقبل اليمن فهل من قيامة مفاجئة للشرعية؟ 986

2021-09-20 08:23:27

عادت مدينة عدن وهي العاصمة السياسية المؤقتة لليمن، إلى واجهة الأحداث، هذه المرة من نافذة الحراك الأهلي الأكثر جسارة، والذي يهدد بإنهاء النفوذ المفتوح للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الجماعة الانفصالية الأكثر نفوذا بسبب ارتباطها بالمشروع الإماراتي وبالدعم الممنوح لها: مالاً وتسليحاً، والتي ساعدت السعودية في تمكينها سياسياً عبر اتفاق الرياض رغم جريمة الانقلاب المكتملة الأركان على السلطة الشرعية في منطقة تعتبر محررة ويفترض أن يسود فيها نفوذ هذه السلطة، لا الجماعات الانفصالية المسلحة.
لم تشهد مدينة عدن منذ تموز/يوليو 2015 استقراراً، وتعاني منذ ذلك التاريخ من نكبات متلاحقة نتجت أصلاً عن رغبة التحالف، وخصوصاً الإمارات، في عدم التعاطي مع المدينة باعتبارها عاصمة لكل اليمنيين وفي استعادة دورها الأصيل كمدينة ميناء يتمتع بشهرة عالمية كبيرة.
مجتمع عدن والتعايش المذل الأزمات:
هيمن الصراع المسلح على العاصمة السياسية المؤقتة عدن منذ أوائل العام 2018 والذي انتهى في العاشر من آب/اغسطس 2019 بخروج الحكومة والسلطة الشرعية بشكل نهائي من المدينة، ما أفسح المجال لتغول نفوذ الانتقالي، لكن مع بقاء مظاهر الفشل والفوضى وسلسلة لا تنتهي من النكبات ذات الطابع البيئي والاقتصادي والمعيشي والأمني، حتى بات من الجائز القول إن عدن هي الوحيدة بين مدن اليمن الكبرى التي تعاني من فشل لا نظير له.
تبدأ نكبة هذه المدينة مع أولى التحركات التي نفذتها خلايا من قوات الاستطلاع والاستخبارات الإماراتية، والتي حرصت على تهيئة الأرضية كاملة لما بعد خروج قوات الحوثيين من المدينة أو بالأصح قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجل الرئيس السابق والموجود حتى اليوم في أبو ظبي.
فقد استبقت القوات الإماراتية التي قادت عملية تحرير المدينة في تموز/يوليو 2015 أي بعد أربعة أشهر من بدء التدخل العسكري الجوي للتحالف في اليمن، استبقت مهمتها بسلسلة من الاتصالات والصفقات الجانبية التي تمحورت حول إنهاء نفوذ المقاومة الوطنية التي واجهت الحوثيين وقاتلتهم قبل دخول قوات التحالف، بالنظر إلى أن هذه المقاومة تتشكل من كتلة صلبة مرتبطة بالمشروع الوطني وبأهداف استعادة الدولة تماماً كما تشير إلى ذلك الالتزامات المعلنة للتحالف الذي تعتبر الإمارات القطب الثاني والأكثر تأثيراً فيه خصوصاً في الجزء الجنوبي من البلاد.
هادي والتمكين للمشروع الإماراتي:
هادن الرئيس عبد ربه منصور هادي الإماراتيين للأسف، وأعطاهم ما يريدون، وقَبِلَ بتعيين شخصيات تتموضع في قلب الأجندة الإماراتية ذات البعد الانفصالي في مناصب مهمة بينها محافظ عدن والذي شغله عيدروس الزبيدي قبل أن يقال ويؤسس ما يعرف اليوم بالمجلس الانتقالي الجنوبي في الرابع من أيار/مايو 2017 بل وأعطاهم انطباعاً بأنه يدعم توجههم لاستعادة ما يعتبرها حقوقاً جنوبية أُهدرت في عهد سلفه علي عبد الله صالح.
كان الرئيس هادي ينتهج بحماقة نادرة، سياسة اللعب بالبيضة والحجر، جرياً على نهج سلفه، ولكن نسي أنه يعيش ظرفاً مختلفاً وحساساً لا يشبه الظروف التي عاشها صالح الذي كان يتحكم بكل مفاصل السلطة والقرار.
وبالإضافة إلى ذلك ترافق سلوك الرئيس هادي الكارثي مع انفتاح لا يمكن إنكاره على المشروع الانفصالي، إلى أن يثبت هذا الرئيس عكس ذلك، خصوصاً في ظل الشواهد الماثلة أمامنا، فقد رأيناه يمضي في مسلسل إحلال الكوادر ليضمن أكبر قدر من الوظائف للجنوبيين، ويحرص على إجراء تعيينات لشخصيات في مناصب سياسية ودبلوماسية رغم أنها جزء من المشروع الانفصالي.
الإشارة إلى دور هادي مهمة للغاية، ليتبين للقارئ بأن الإمارات لم تكن لتحرز هذه النتائج في المحافظات الجنوبية وتقوم بهذا القدر من العبث المستمر حتى اليوم بدون أن تجد غطاء أو سكوتاً من السلطة الشرعية ورئيسها.
وقد رأينا كيف أن أبو ظبي وحاكمها الفعلي محمد بن زايد، تصرفا بشكل منفلت ضد زيارة اعتيادية قام بها في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل 2018 رئيس الحكومة اليمنية الشرعية السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر على رأس وفد كبير من الحكومة لمحافظة أرخبيل سقطرى، إلى حد أنها قامت بإنزال عسكري للمعدات الثقيلة، سرعان ما اضطرت إلى سحبها ضمن صفقة مع السعودية سمحت بإنزال قوات تابعة لها تعرف باسم «قوات الواجب 808» في الأرخبيل ستقوم في 19 حزيران/يونيو 2020 بمهمة التغطية على طرد السلطة المحلية المرتبطة بالشرعية من الأرخبيل وتضع المحافظة بكاملها تحت سيطرة الإمارات مع واجهة شكلية يمثلها فرع المجلس الانتقالي هناك.
انسحاب أم تموضع تخريبي؟
في تموز/يوليو 2019 أعلنت الإمارات أنها قامت بانسحاب جزئي لقواتها من اليمن انتقلت بموجبها قيادة قوات التحالف في عدن إلى القوات السعودية، وفي التاسع من شباط/فبراير 2020 احتفلت القوات الإماراتية في أبو ظبي بانتهاء مهمتها العسكرية في اليمن.
وعلى الرغم من أن اختيار هذا التوقيت له دلالاته إذ يعني أنها نجحت بعد تسعة أعوام في القضاء على ربيع اليمن الذي اندلع في 11 شباط/فبراير2011 إلا أنها في الواقع كانت تمارس المغالطات، فقد اضطرت إلى هذا الانسحاب والاحتفاء به لإثبات أنها لم يعد لها صلة بالحرب الدائرة في اليمن، في خطوة أرادت من خلالها تفادي المواجهة المحتملة مع إيران والتي تجلت رسائلها العنيفة بشكل واضح في الهجمات التي استهدفت ميناء الفجيرة في 12 أيار/مايو 2019 بالإضافة إلى تهديدات بتوسيع نطاق القصف بالصواريخ التي تنفذها إيران باسم الحوثيين لتطال الإمارات، كما تطال السعودية.
والحقيقة أن الإمارات لم تنسحب كلية من اليمن، بل أبقت على تواجد يسمح لها بإعادة التموضع التخريبي، الذي يلتقي في أهدافه مع الأهداف الإيرانية نفسها، لهذا لا تزال وحدات رمزية من قواتها تتواجد في كل من المخا وعدن وتتمركز بأعداد لا بأس بها في كل من ميناء بلحاف الذي يوجد به ثاني أهم معمل لتسييل الغاز الطبيعي في الجزيرة العربية، وتتواجد في «معسكر العلم» الذي يقع في قلب الحقول النفطية بمحافظة شبوة، ولا تزال تسيطر عسكرياً وأمنياً على مطار الريان بمحافظة حضرموت وتشرف على معسكرات تابعة لها في المحافظة، وتتواجد في عدد من الموانئ النفطية بحضرموت.
الأهم من ذلك أنها أبقت لنفسها الحق في التصرف كدولة تكافح الإرهاب في اليمن، على الرغم من بقاء حالة الارتباط العضوي لأبو ظبي بالتحالف الذي تقوده السعودية بدليل أنها قامت بطلعات استفزازية في سماء شبوة لتهديد المحتجين ضد قواتها في تلك المحافظة.
أي أن الإمارات صممت لنفسها مساراً موازياً ظاهره مكافحة الإرهاب الذي لم يعد موجوداً إلا في سلوك الميليشيات التابعة لها ولإيران، وباطنه الاستقلال بدور عسكري يرمي إلى تمكين المشروع الانفصالي أي فصل الجنوب عن الشمال، في خطوة أولى تليها خطوة تالية تتمثل في فصل محافظة أرخبيل سقطرى عن الجنوب، تأسيساً على الإرادة الشعبية المراوغة التي تحاول أن تشهرها كسلاح في الوقت الراهن عبر المجلس الانتقالي الذي زاد لحسن الحظ عزلة وانفصالاً عن أبناء المحافظات الجنوبية.
خلال هذا الأسبوع شهدت محافظة حضرموت وعاصمتها المكلا تظاهرات احتجاجية عنيفة، أساسها مطلبي ومعيشي، ولكنها تخفي أجندة أخرى خصوصاً أنها اتجهت نحو مظاهر النفوذ السعودي في المدينة بما في ذلك اللافتات التي تضم صوراً للملك سلمان وولي عهده، ومهاجمة مرافق محسوبة على الشرعية كإذاعة المكلا.
أما الاحتجاجات في عدن فهي تظهر ميلاً لاستهداف الانتقالي والإمارات، في تبادل واضح للرسائل بين الحليفين، وتزامن ذلك مع تحضيرات ذات طابع عسكري لإعادة إشعال الأوضاع في محافظة شبوة المستقرة، الأمر الذي دفع بالمحافظة إلى التحرك لإجهاض هذا المخطط من خلال التصعيد في محيط مقر القوات الإماراتية في بلحاف التابعة لمحافظة شبوة على خليج عدن.
نجاح إماراتي قد تعطله قيامة محتملة للشرعية
لقد نجحت الإمارات من خلال الدور الذي أدته ضمن المهمة العسكرية للتحالف بقيادة السعودية، في تعطيل أهداف تمكين الشرعية وترسيخ نفوذها، وأنتجت تحديات جديدة وانقلابات أدت إلى طرد الشرعية نهائياً من اليمن، والتصرف كقوة استعمارية في محافظة أرخبيل سقطرى، في وقت عملت بالتنسيق مع السعودية، على تعريض أكثر مناطق تمركز الشرعية أهمية وكثافة وتأثيراً مثل مأرب وتعز وشبوة لضغوط عسكرية وتهديدات تخريبية، وأحياناً فرض الحليفان سيطرة عسكرية واسعة النطاق دون هدف مقبول كما هو الحال في المهرة.
تدفع أبو ظبي بقوة باتجاه إعادة إحياء مشروعها الذي تضمنته خطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، والهادفة إلى إعادة إنتاج شرعية جديدة تعكس الوقائع على الأرض مما يعني ضمناً القبول بكل المشاريع السياسية المنتصرة عسكرياً حتى الآن بما فيها مشروع الانفصال، ومشروع إعادة إحياء الإمامة الزيدية الشيعية المقبورة، دون أن نحتاج إلى عناء التفكير بمصير القوات التي أنشأتها الإمارات في الساحل الغربي بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق، العميد طارق محمد عبد الله صالح التي تكاد تتحول إلى مهام انتقالية مساندة للمشروعين الأساسيين، أو في أحسن الأحوال تأمين حاجز عسكري يمنع الحوثيين من العودة إلى باب المندب مجدداً.
ومن المؤسف أنه لم تعد تتوفر للرئيس هادي فرص مناورة في ظل الانحسار السياسي والميداني لسلطته، وهذا يجعل من مسألة قبوله بالمخطط الإماراتي الذي يكاد يتحول إلى مبادرة أمريكية شاملة للحل، أمراً متوقعاً.
ومع ذلك يمكن للمرء أن يتفاءل بإمكانية حصول تآكل لما بات الجميع يراه أمراً واقعاً، في ظل الفشل الذريع الذي يمنى به المشروع الانفصالي والذي أنتج واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في مناطق خرجت من دائرة الحرب من صيف 2015.
ولعل نافذة الأمل التي لا تزال مفتوحة حتى الآن، وهي تلك التي تسمح لها بالإطلال على تطورات قد تبدو بعيدة الاحتمال ولكن يمكن أن تصبح حقيقة، وتتمثل في قيامة مفاجئة للسلطة الشرعية ورأسها على وجه التحديد، تؤدي إلى انفتاح محتمل على أدوار وداعمين، وهو أمر قد يسمح بتحويل الاحتجاجات إلى فعل شعبي كاسح يكنس الأثر المصطنع للقوى الانفصالية والتموضع على أرضية صلبة وتطوير التعاطي العسكري مع التحدي الأساسي الذي يمثله الحوثيون. 
فهل يستطيع الرئيس هادي أن يخالف التوقعات وينهي مفعول الأثر المدمر للدور الإماراتي على الساحة اليمنية؟

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد