لازالت العقلية الشمولية تعبث بتطلعاتنا المستقبلية، مستثمرة التخلف والعصبية، ننسى ما ذقناه من مرارة الفكر الشمولي، المتطرف دينياً وسياسياً في فرض أيدلوجيا على المجتمع، عقلية تنظر لغيرها بدونية وتعتبرهم مجرد خونة وعملاء وكثيراً هي مسميات وتصنيفات التخوين والتكفير التي تبثها تلك العقلية. ينطلق أصحاب الفكر الشمولي من قناعة راسخة بأن العنف هي وسيلة لفرض ما يريدونه، وأنهم وحدهم يعوا متطلبات المجتمع والدولة، واحتياجات الناس، وهذا ما يجعلهم يتحدثون بلسان العامة، كل ما تنتقدهم يحدثك أنه الوطن (في الجنوب والشمال)، ولا يعترف في وطنيتك، ولا يلتمس في حديثك هموم وتطلعات هذا الوطن، يرفض الاعتراف بك وتقبل رأيك أو حتى النقاش معك، ما لم تكن مع مشروعه الذي يعتبره ثابتاً في عقلية شمولية. عقلية كهذه تسعى لامتلاك القوة، تعتقد أنها بالعنف والقوة ستفرض أيدولوجياتها وسياساتها العقيمة، مع الكم الهائل من الشحن ضد الآخر المختلف، ستجد تلك العقلية رعاع يتبعونها غير قابلين فكرة حرية الرأي والاختيار، والديمقراطية لترسيخ دولة جامعة ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، رعاع مقتنعين أن كل ذلك مجرد ديكور لما بعد استعادة الدولة، وحقيقة السعي لاستعادة سلطتهم عليك، أي بعد أن يتمكنوا من القبض على زمام الأمور، والقدرة على أن يحددوا هم وحدهم مصيرك ومستقبلك، والسيطرة على مناحي حياتك المختلفة، وشكل وجوهر ومسميات الدولة، والسياسات، وعليك الطاعة أو النفي والتصفية كبذرة ضارة تهدد سلطتهم، في ترسيخ مستبد واستبداد بنظام شمولي عفن. تجاربنا مريرة والدروس كانت صعبة، والناس استوعبتها جيداً، ولن تقبل الوصاية، لن يسيرون في طريق يقدمهم قرباناً لسيد أو إمام أو زعيم بعقلية زمان أو خليفة لذلك العهد البائد والفكر المدمر، الناس معك في خطوات واضحه وجلية بشروط العامة التي يجتمع عليها الناس لا بشروطك، الناس اليوم ترفض استدعاء الماضي وصراعاته، ترفض شيطنة الآخرين أو تصفيتهم جسدياً دون محاكمة عادلة ونظام وقانون يحتكم له الجميع. لا تغضب من النقد حتى وإن كان جارحاً، إذا كان منطقياً ومهذب المفردات، الناس لا تستهدفك شخصياً، تستهدف سياساتك أفكارك، تستهدف الطريق التي تجرهم اليها، تستهدف رفضك لتفهمهم، وتقبل آراءهم وقناعاتهم، ترفض إصرارك على تعاملك مع المختلف كعدو، عليك أن تجتثه لتحكم، ترفض عدم قدرتك على التكيف مع التنوع وقبول الآخر، ومحاولة إيجاد لغة تخاطب مشتركة تعيد جسور الثقة والتفاهم.. عليك المواجهة بالحجة والفكر وتجنب العنف والقوة اللذين لطخك بالانتهاكات، وجعلك كياناً ماضوياً يزيد من تراكمات الماضي صار مشكلة في حاضرنا، لا يمكن أن يكون حلاً. مغفل من يعتقد أن الناس ستقبل به زعيماً منزهاً ومحصناً من النقد والمحاسبة، كم هي السخرية من مسمّى الرئيس المفروض على الناس دون انتخابات.. وكم من السخرية من كل لافتة معلقه في الشوارع تمجّد الزعيم والقائد الهمام بحركات نصف كوم حق زمان، عن أي وطن نتحدث ونحن أمام عقلية كهذا، كم نحتاج لإقناعها أن الناس في عصر تجاوز هذه الحركات، وأن صفات الزعامة والرئاسة تحتاج لانتخابات وإرادة جماهير تهبها لمن تشاء وتنتزعها متى ما شاءت.
أحمد ناصر حميدان
في مواجهة العقلية الشمولية 1136