التاريخ لا يحابي أحداً، ولا يجامل جهة، وقد يأتي من يحاول تزويره، أو تزييف وقائعه، أو إخفاء وطمس بعض أحداثه، غير أن الحقيقة سرعان ما تقذف وهج نورها على الزيف والتزوير فتدمغه وتكشفه، فينزوي الكذب والتزوير تضاؤلاً وتلاشياً، وتبرز الحقيقة ضياء متوهجا. من الصعب أن تمر ذكرى شهداء جمعة الكرامة، دون الوقوف بإجلال واحترام لفتية آمنوا بربهم، وصدقوا في مناصرة قضيتهم، ثم لا يتكلم عنهم أحد، ولا ينوّه بدورهم إنسان! التاريخ لا يحابي، والحر لا يحابي كذلك ولا يجامل؛ خاصة ودماء الشهداء غالية، ومواقفهم البطولية مثلت جسر عبور نحو الحرية والديمقراطية، بطريقة سلمية مثلتها كل ساحات الحرية وميادين التغيير. جمعة الكرامة تاريخ يستحيل أن يمّحي من ذاكرة الزمن. يظن المتسلطون دائما أن سفك الدماء سيطفئ وهج الحياة، فيدفعهم حب السلطة لارتكاب أنواع الموبقات وسفك الدماء، فإذا بتلك الدماء تتحول إلى وقود وطاقة تتجاوز المكان، وتمتد عبر الأزمان؛ لتمثل قوة وزادا يشحذ همم الأجيال، ويوقد فتائل القدرات؛ لتنتفض، بشكل أقوى ومساحات أكبر. مشكلة المتسلطين - في أي مكان من العالم - أنهم لا يعتبرون، ولا يتعظون، فتراهم يكررون دورات البطش ويوغلون في الدماء، وهم بذلك إنما ينسجون أكفان نهاياتهم، ويصنعون بالطريقة نفسها مآلاتهم التعيسة، حتى إذا ما عاد لأحدهم رشده - في لحظة ما - لا يعود إلا وقد أحاطت به خطاياه، فيتساءل في نفسه، أو مع شرذمة من المنتفعين حوله: كيف حدث هذا؟ فيأتيه الجواب الصادم - منبعثا من قعر نفسيته المغرورة - هذا ما جنته يداك، وما جناه عليك أحد ! يسقط المتسلط هنا أو هناك - وما أكثرهم في بلاد العرب - فينفضُّ عنه المنتفعون قبل سقوطه النهائي؛ لأنهم يتركونه لحتفه، ويدعونه لمصيره، فيما ينشغلون هم بأنفسهم وشؤونهم في البحث عن سيد آخر يتسقطون من فتات مائدته. فالمطبلون - الذين كانوا حوله - يتأبطون أدوات التطبيل لينتقلوا إلى واد آخر ذي زرع، وفتوّاته الذين كانوا حوله، يمضون هم أيضا يعرضون عنترياتهم الجوفاء لمستخدم آخر! شهداء جمعة الكرامة لن تنساهم اليمن، ولن ينساهم اليمنيون، وكيف لشعب أن ينسى تضحيات من خرج يهتف لأجله، ويسعى لتمكينه ونيل حريته، واذا كان هناك من محاباة أو مراعاة فلتكن مراعاتنا لأسر الشهداء الذين باغتهم القتل يومها ظلما وعدوانا. كما أن مراعاة مصلحة الشعب والوطن تقتضي اليوم، أن يدرك الصف الجمهوري العريض أن قوته في وحدته، وأن كرامته في تماسكه، وأن هزيمة المشروع الكهنوتي في اصطفافه والمضي جنبا إلى جنب نحو استعادة الدولة. فليقرأ اليمنيون جميعا كفاح الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر بعقل مفتوح وقراءة واعية لتجارب ذلك الكفاح، معززين لإيجابياته مصححين لسلبياته، متعاهدين ومتواثقين لمناصرة الثورة والجمهورية، وأن لا عدو لليمن واليمنيين غير المشروع الظلامي للكهنوت الحوثي. لنرفع من شأن المشروع الوطني الجامع، وأن يستعصي اليمنيون على التشرذم خلف مشاريع باهتة، أو صغيرة، أو وهمية، وإن أولى الخطوات المؤدية لتحقيق المشروع الوطني الجامع هو إسقاط المشروع الكهنوتي البائس، ولن يتأتى ذلك إلا بوحدة الصف والانتصار للحرية والعدالة والمبادئ السامية، وتقديم مصلحة الشعب والوطن التي هي مصلحة الجميع، على المصالح الذاتية أو الجهوية أو الحزبية. فاليمن تتسع للجميع في إطار الثورة والجمهورية.
أحمد عبدالملك المقرمي
شهداء الكرامة 1031