في أي ثورة، تبدأ عملية التغيير في موازين القوى، تسعى قوى التغيير الحقيقة الطامحة بالدولة المدنية الضامنة للمواطنة، بتغيير موازين القوى لصالحها، لتتخلص من أهم معيق لعملية التغيير وهي القوى التقليدية المتخلفة وصاحبة المصالح في بقاء سلطة الفساد والعصبية الجاهلية المتخلفة جاثمة على صدور الناس والوطن، ليبقى الوطن مجموعة من العشائر والقبائل المتناحرة، كلً يسعى للسيطرة والتمكن ليفرض أعرافه وقوانينه القبلية والعشائرية بديلاً عن النظام والقانون، حيث يسود التمايز والظلم والقهر والاستبداد، والثارات التي تعيق عملية التغيير والتحوّل المنشود ومواكبة العصر والأمم التي سبقتنا في النهضة والتطور والعلم. كل له معركته، قوى الثورة لها معركتها الوطنية في التغيير والتحول المنشود لدولة ضامنه للمواطنة والحريات والعدالة والمساواة، والقوى التقليدية معركتها في السيطرة والتمكين، والحفاظ على مصالحها في التمايز والتسلط والتمكن على مقدرات البلد والشعب لصالح فئة عفنة فاسدة من مشائخ وأعيان ومتنفذين. ولهذا تلجأ القوى التقليدية للعنف كوسيلة لفرض أمر واقع يخدم مصالحها الغير مرغوبة لدى البسطاء من الرعية والشعب الطامح لتغيير موازين القوى لصالح تطلعاته في تغيير واقعه للأفضل، بما يحقق له المواطنة والعدل والحرية، والنظام والقانون الذي يحميهما ويمكنهما على الواقع. هذا التغيير لموازين القوى يصطدم بمصالح دولية وإقليمية، بارتباطات رأسمالية واحتكارات واستثمارات لأموال الشعب المنهوبة وثروته المهدورة، ومصالح متعددة لمؤامرة تبقي اليمن خارج المنافسة الحقيقية في نهضة وتطور المنطقة، ويبدأ سباق أحجار على رقعة الشطرنج في مباراة إدراكية عسيرة، هناك من يدركها مبكراً، وعندما يفضح خيوطها ويواجه حملة شعواء، وهناك من يدركها متأخراً بعد أن تكون خيوطها قد نسجت بعناية في تخليق قوات عسكرية، وقوة اقتصادية ورؤوس أموال، معززين لأطماع هذا التدخل، وتكون مخالبها قد غرست بقوة في جسد الوطن. هذا هو سيناريو المشهد في اليمن، وتلك هي الأحجار التي تحركها الأطماع والمؤامرة، في مشهد يقدّم صورة وهمية للواقع.. البعض اليوم يعيش وهماً أنه مسيطر على الأرض، وأن القوى المسلحة في مناطق جغرافيا معينة هي قوته الضاربة في السيطرة والتمكن، بينما الحقيقة تكمن في جوهر هذه المكونات وما تحمله من أفكار وتوجهات وولاءات، لا يمكن أن تبنى دولة مدنية ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، بأدوات تعصبية تقليدية، وعقول مغلقة في دائرة لا قبول فيها للآخر دون أن ينصاع للأمر الواقع المفروض بالعنف. لا يمكن أن نتحدث عن تغيير ومستقبل ينشده الجميع، مصدره نفوس انتقامية تحمل مشروع ثأر مع الماضي وتصفية حسابات مع خصوم ذلك الماضي، قوى تنتمي في غالبيتها لجغرافيا، وتلعن ليلاً ونهاراً جغرافيا أخرى مجاورة، قوى لا تؤمن بالعلم والمعرفة، قوى تبث ليلاً ونهاراً أحقاداً وضغائن، وترمي كل ثقل الماضي للآخرين، دون أن تفكر في لحظة، في تقييم علمي وتحليل منطقي للتجربة، واللجوء للبحث العلمي المحايد، بل تستخدم العلم ومن يحمله لتفريغ شحناتها من الثأر والانتقام، وأحقاد الماضي وتعصباته.. قوى كهذه هي صيد سهل للأطماع والمؤامرة، لتكون أداة تدمير وشر، لا أداة بناء وتعمير وخير، لهذا ستجدها تكرر خطايا الماضي وتعيد إنتاج معضلاته وبصورة أكثر قذارة وسخرية. أدواتها مختارة بعناية، من أكثر مناطق العصبية، من أشد القبائل تخلفاً، ومن أشد الطوائف تعصباً، ومن مزابل فساد الماضي وعفنه، ومن أحقر الأدوات بيعاً للذمم، وأكثرهم شغفاً في ممارسة إرهاب الآخر، بل من أدوات الإرهاب نفسه والقتلة واللصوص والمنحطين أخلاقياً، يتم ترويضهم لخدمة هذه الأطماع، بث سمومهم في المجتمع لمزيد من الرداءة المعيقة للتغيير. هذا هو مشهد المؤامرة، وهناك من يتصدى لهذه المؤامرة، منذ خيوطها الأولى، في مواجهة زوابع التغرير والإشاعات والكلام المعسول المغموس بالسم، وكل يوم يزداد حجم قوى التصدي، بتكشف خيوط المؤامرة، ولازال الصراع قائماً، وسينتصر الحق، والوطن على كل المتآمرين ومن باعوا أنفسهم للشيطان.
أحمد ناصر حميدان
معركتنا الوطنية في التغيير 1189