;
د.حسن شمسان
د.حسن شمسان

عنصرية علمية..تناقض السنة الكونية (!) 1675

2013-12-12 06:58:07


دعونا نتفق مبدئيا -وبما لا يدع مجالا للشك- أن الحياة الإنسانية في شقها المادي البحت تقوم على التنوع الذي يفضي إلى التخصص والذي يترتب عليه التكامل، وكل هذا يتم تحت سقف قاعدة إلهية أو سنة كونية تسمى "التسخير" التي يحددها قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً) ثم تأمل خاتمة الآية (وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) كأنها تجعل "الجمع المادي" سببا قويا للخروج عن سنة التسخير إلى التحقير !

إن رفع الدرجات المتعلقة بالماديات ليس للسخرية أو التحقير بل للتسخير والدرجات غير المتساوية تنخلع على كل ما يتعلق بإشباع أو بناء الحياة في كل جوانبها العلمية والعملية والإنسانية؛ لهذا كما منح الله الغناء المادي بنسب متفاوتة كذلك منح الذكاء بالنسب المتفاوتة نفسها فلم يخلق كل الإنسانية بدرجة واحدة غناء أو ذكاء وعلى أساس هذا التنوع وتلك النسبية الدرجية تقوم أعمدة الحياة وينهض بنيانها متماسك متلاحما وكما لا ينهض البناء الحجري إلا بالتخصصات المتعددة التي تضع اللبنة المناسبة في المكان المناسب وهو من دون تلك التخصصات جدر سريعا ما تتداعى، فإن جسد الأمة يستحيل أن يقوم بعيدا عن ذلك النظام وتلك التخصصات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

إن "الذكاء" لو لم ينزل بقدر لفسدت الحياة وكذلك "المال" فالحياة -مثلا- تنهض على الخارق الذكاء والذكي والمتوسط والأقل ذكاء، كما تقوم على الغني والوسط والفقير، وعلى هذا التنوع أقر خالق الكون سنة "التسخير" لتكون قاعدة عظيمة يقوم عليها البناء والعمار ولولا "المتدني الذكاء" ما استقرت حياة "الخارق الذكاء".

فدرجة الأول توفر -مثلا- (الفلاح والصانع والبناء) لتوفر للدرجة الثانية (الأطباء) -مثلا- لقمة عيش تشبعهم وخرقة لباس تسترهم ودارا يأوون إليه، والطبيب يهتم بصحة الأول ماديا والعالم النفسي أو الروحي يهتم بصحته معنويا، والمهندس يوفر له التقنيات العلمية وكل وسائل الراحة. إذا هذا التنوع الإنساني في /الذكاء والغناء/ ترتب عن منحه الله للإنسانية بنسب متفاوتة أساسهما "سنة التسخير" وليس السخرية أو التحقير. فسنة التسخير "سنة كونية إلهية" وبدعة السخرية "سنة بشرية انتهازية" لا تمت للسنة الكونية بصلة؛ لأن الله اقتضى هذا التقدير ليكون الإنسان بمنافعه بصير ، لا لأجل تحوله إلى ذلك الضرير الذي بدل سنة التسخير بالتحقير !! فلو منح الله الإنسانية كلها "غاية الذكاء" لصار الكل متخصصين بين "عالم الطب وعالم الفيزياء" وسينظر الجميع من طرف خفي إلى بقية التخصصات الدونية ! ولما كان ذلك كذلك فلم إذا بدعة "العنصرية العلمية" التي تقترفها نتيجة سوء فهم لسنة التسخير بعض الجامعات الأهلية حتى أن البعض يشتط إلى ما لا نهاية ليسمي "العنصرية العلمية" "سنة كونية" وما هي -بتصوري - إلا بدعة ابتزازية, فالأستاذ المساعد في مجال "العلوم الإنسانية" التي تهتم بالجوهر الإنساني (معناه) ينظر إليها نظرة دونية مقابل النظرة الفوقية للتخصصات العلمية، لهذا يأخذ الأستاذ المساعد في مجال علوم الإنسانيات راتبا أقل مقارنة بالأستاذ المساعد في مجال علوم الماديات. إن هذه العنصرية العصرية غريبة وعجيبة لكنها عندما تأت من نخبة المجتمع رقيا (الأكاديميين) فإنها تصير أغرب وأعجب، وتزداد هذه الغرابة عندما تنفرد بمثل هذه "عنصرية علمية" بعض الجامعات الأهلية لكن المدهش الذي ليس فوقه ولا تحته اندهاش أن نلبس هذه البدعة الابتزازية لباس السنة الكونية !! مع أن السنة الكونية تقول بعكس ذلك تماما فالسنة الكونية لأجل تستمر الحياة وتستقيم وتقوم على أصولها منحت الذكاء بقدر لتتوزع الأدوار بين كافة التخصصات لا لأجل تنتشر الأضرار ! وبعد هذا يبقى من العيب الذي ليس فوقه عيب أن يدعو الأكاديميون إلى مثل هذه عنصرية مقيتة أو لها يقرون، وإذا ما استمر ذلك عند العلماء ونخبة المجتمع ثقافة ووعيا؛ فكيف سيستمع لهم العنصريون وهم يدعونهم إلى التخلص من العنصرية. والأكاديميون المتخصصون لها في جامعتهم يقننون ويقرون!

وأخيراً أقول: إن أي جامعة أهلية لا تخضع للمعايير العلمية الأكاديمية؛ فيما يخص الأكاديميين والمستوى العلمي للطلاب؛ فإنها ستخرق في جدار سفينة "السنة الكونية" التي قضت بعدم اقتراب متدني الذكاء - مثلا- من العلوم الطبية .. والجامعات الأهلية -التي تخل بالمعيارية لأجل "مطامع مادية"- قضت بالاقتراب الذي قد يجانب الصواب ويفضي إلى خراب؛ وتلك المطامع المادية وتجاوز المعيارية هي وراء كثرة الأخطاء الطبية في اليمن وهي -أيضا - وراء تلك العنصرية العلمية التي أقل ما فيها أنها همجية ووصمة عار في جبين بعض الجامعات الأهلية!!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد