;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

الفكر الاقتصادي الاستراتيجي 2149

2012-10-08 02:29:55


إن الفكر الاستراتيجي يسعى بشكل كبير إلى سبر أغوار المستقبل بناءً على معطيات الواقع ومبدأ عدم ثباته من خلال صياغة القرارات والخطط التي تحقق أهداف الشركة واضعاً نصب عينيه قدرة الله سبحانه وتعالى. إن مما يميز الإدارة الإستراتيجية هو أنها كمفهوم لا تقبل بالضرورة البيئة على ما هي عليه، كأحد الثوابت ومن ثم فإن الدور الاستراتيجي يتضح في التكيف ورد الفعل وهو ما يجعل الإستراتيجية المميزة هي ذات القدرة على التأثير أو تلك المحدثة للتغيير في البيئة المحيطة. هذا التغيير المنشود في البيئة المحيطة بطبيعة الحال يحتاج إلى التفكير الاستراتيجي كأساس له،”يقول ابن سينا عن التفكير بشكل عام بأنه انتقال الذات العارفة مما هو حاضر إلى ما هو ليس بحاضر”إن الانتقال مما هو موجود إلى ما يمكن حدوثه بناءً على الواقع هو ما يعكس تفكيرنا ووعينا عن الفرص والمخاطر أو التهديدات التي قد تواجهنا مستقبلاً ووضع الحلول وصياغة القرارات الإستراتيجية المناسبة لها، يعتبر أمراً بالغ الأهمية من ناحية ويعتبر كذلك مطلب الكثير من الشركات حول العالم. فحاجة الشركات إلى مسئولين ذوي فكر استراتيجي بكل تأكيد أكثر من حاجتها إلى مسئولين ذوي رؤية محدودة بالواقع فقط..
لقد تطور الفكر الاستراتيجي في المنظمات خلال أربع مراحل هي على التوالي (الموازنات، التخطيط طويل الأجل، التخطيط الاستراتيجي، الإدارة الإستراتيجية) ولكل مرحلة خصائصها وافتراضاتها عن المستقبل. وكما أشرت في بداية المقال إلى أن ما يميز الإدارة الإستراتيجية هو عدم تقبلها البيئة على ما هي عليه، فالفكر الاستراتيجي في هذه المرحلة يقوم على افتراض أساسي بأن دورة التخطيط كما هو الحال في التخطيط الاستراتيجي لا تكفي للتعامل مع التغيرات السريعة التي تحدث في البيئة من حولنا. ومن هنا يجب الاستعداد من خلال الإدارة الإستراتيجية باستخدام الفكر الاستراتيجي لتوقع كل ما يمكن أن يحدث من تغيرات وصياغة القرارات بناءً على تلك التوقعات، بحيث أنه يكون معلوماً لدى إدارة الشركة بشكل مسبق عن الفرص الممكنة وكذلك التهديدات المحتملة والحلول والقرارات التي تناسب قدرات وإمكانيات الشركة وليس كما كان يحدث في الماضي عندما ننتهج أسلوب التخطيط الاستراتيجي فقط على الرغم من أهميته، إلا انه يرتبط بدورة تخطيطية معينة ويتوقع التغيرات بمعدل أقل ويجري التغييرات بناءً على تلك التوقعات.
لقد كانت أفكار الاقتصاديين التجاريين في المفهوم الكلاسيكي وقبل ظهور النظرية الكلاسيكية تتمثل في دعوتهم لضرورة تعزيز قوة الدولة في الحياة الاقتصادية وزيادة ثروتها وبالتالي تقوية نفوذها الاقتصادي والسياسي. ودعوا من أجل ذلك إلى تشجيع الصادرات والتقليل من الواردات، كما نادوا بتشجيع قيام الصناعات التحويلية، ورغم ذلك كانوا يضعون نشاط التجارة في مقام أعلى من فروع النشاطات الاقتصادية الأخرى ومنها الصناعة.
وكان لظهور المذهب الفردي بآرائه التحررية في شأن الدعوة لحرية العمل وحرية التجارة أثاره العميقة في تغيير وجه الحياة الاقتصادية، مما أسفر عن ازدهار الصناعة وانتعاش النشاط الزراعي والتجاري وفي ظل تلك البيئة الاقتصادية ظهرت النظرية الكلاسيكية التي تستند في الأساس على الحرية الفردية. وعرف النظام الاقتصادي الذي ساد دول أوروبا في تلك الفترة بالنظام الرأسمالي الحر.
وجاءت أفكار”آدم سمث”والطبيعيين والتي دعت إلى ترك الحرية للأفراد وفقاً للنظام الطبيعي واعتبار مصلحة الأفراد هي جزء من مصلحة الجماعة وطالبوا بعدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية لتترك الحياة الاقتصادية تسير نحو التوازن التلقائي بفعل جهاز الائتمان الذي يضم قوى العرض والطلب. فقد ركز”آدم سمث”على استخدام أسلوب التحليل ذو الطابع الحركي للنظرية الاقتصادية موضحاً أهمية عملية تراكم رأس مال لتحقيق النمو الاقتصادي. كما جاءت أفكار”دايفيد ريكاردو”لتوضح أهمية طبقة الرأسماليين في تنظيم عملية الإنتاج ودفع التنمية الاقتصادية، فهي الطبقة التي توظف أرباحها في عمليات التراكم الرأسمالي بهدف زيادة الدخل القومي. كما أوضح”ريكاردو”بان النمو الاقتصادي يتحقق عن طريق الفائض الاقتصادي. بينما أوضح”روبرت مالتس”أن النمو الاقتصادي يتحقق عن طريق تقليل الفجوة بين موارد الثروة المحدودة والرغبات الإنسانية غير المحدودة. ويتم ذلك عن طريق زيادة الثروة والعمل على تنويع مواردها وتحقيق أقصى استخدام ممكن لها، مع تأكيده على دور العمل في زيادة الناتج.
وفي ظل التجربة الواقعية فقد خضعت أراء الكلاسيكين إلى الكثير من الانتقادات وخاصة استئثار للحرية الفئات الرأسمالية الاقتصادية وامتلاكهم العناصر والإنتاج أتاح لهم التسلط على علاقات العمل. ولذلك سوء توزيع الموارد المتاحة وتركز المشروعات في مناطق معينة. وتعميق استغلال الشعوب ونهب خيراتها من خلال أفكار المنافسة بشروطها المثالية وفكرة التوازن التلقائي عن طريق تحركات قوى العرض والطلب.
ويعتبر”كارل ماركز”من أشد النقاد للنظرية الكلاسيكية والتي ارتكزت آراءها على فكرة التفسير المادي للتاريخ والتي تقرر أن تاريخ البشرية عملية واحدة تخضع لقوانين يمكن اكتشافها، حيث تتضمن عملية تغيير مستمرة. وان الأساس في النظام الاقتصادي هي طرق الإنتاج والبيئة والظروف الاقتصادية. ولذلك فقد انتقد طريقة الإنتاج في النظام الاقتصادي الرأسمالي والتي تهدف إلى تعظيم أرباح الرأسماليين. كما أكد على فكرة فائض القيمة التي يحصل عليها الرأسماليون نتيجة استغلال العمال والفرق ما بين قيمة إنتاج العامل والأجور التي يحصل عليها. ودعا إلى الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وإلغاء الملكية الخاصة للمشروعات. وحدد هدف النشاط الاقتصادي بإشباع حاجات الجماعة وليس الربح. كما نبه إلى حقائق الصراع الطبقي والأزمات الاقتصادية في النظام الرأسمالي معزياً ذلك إلى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من ناحية واستغلال الطبقة العاملة من ناحية ثانية.
ثم جاءت أفكار”جون مانيارد كنيز”من خلال مؤلفه الشهير النظرية العامة للتوظيف وسعر الفائدة والنقود وذلك في عام 1936 والذي تسبب صدوره ثورة في الرأي واختلاف وتعدد أراء المفكرين في ذلك الوقت، حيث استهدفت نظرية كينز تحديد العوامل الواقعية المؤثرة حجم التوظيف الفعلي في المجتمع وبحث كيفية القضاء على البطالة. فأكد كينز أن العوامل الرئيسية المحددة للتوظيف هي العرض الكلي والذي تقابله كمية النقود التي يرى المنظمون ضرورة الحصول عليها من بيع منتجاتها، والطلب الكلي ويقابله كمية النقود التي يتوقع المنظمون الحصول عليها من بيع منتجاتها. ويرى أن إنعاش الطلب الفعلي سيزيد من حجم التوظف وامتصاص البطالة في المجتمع. وهكذا فقد حققت نظرية كينز لعلم الاقتصاد كسباً هو إدخالها لطريقة تحليل التوازن الكلي التي تتناول دراسة المجاميع الاقتصادية الكلية، وما أوضحته من إمكانية استخدام أدوات التحليل الاقتصادي في حل المشكلات الاقتصادية على المستوى القومي وخاصة مشكلة البطالة. وهكذا تواردت أفكار وأراء الاقتصاديين في النمو والإنماء الاقتصادي خلال القرن الماضي ومن أبرزهم ((شومبيتر)) ونظريته في التجديد ودور المنظمين في النمو وتقلبات النشاط الاقتصادي مركزاً في كتابه التنمية الاقتصادية على كيفية حدوث النمو وعوامله الأساسية حيث أعطى دوراً مؤثراً لتنظيم العملية الإنتاجية، فقد اعتبر النشاط التجديدي للمنظم هو محور حركة رأس مال والربح والفائدة، إذ أن رأس المال النقدي لا يهم في حد ذاته، فالمنظم هو الذي يتحكم في تكريسه للإنتاج في شكل عناصر إنتاجية وان الربح الفائض بعد التكلفة الإنتاجية..
لقد برز مفهوم التنمية البشرية المستدامة بوصفه تركيبة مشكلة من إستراتيجية التنمية البشرية، كما عبرت عنها تقارير التنمية البشرية التي يصدرها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومفهوم التنمية المستدامة الذي تم تبنيه من قبل مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة منذ عام 1992 ونستدل على خلاصة هذه التركيبة الناشئة في التعريف الشامل للتنمية البشرية المستدامة والذي ورد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”التنمية البشرية عملية تهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة أمام الناس”ومن حيث المبدأ، فأن هذه الخيارات بلا حدود وتتغير بمرور الوقت. أما من حيث التطبيق، فقد تبين أنه على جميع مستويات التنمية، تتركز الخيارات الأساسية في ثلاثة: هي أن يحيا الناس حياة طويلة خالية من العلل، وان يكتسبوا المعرفة، وان يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة. وما لم تكن هذه الخيارات الأساسية مكفولة، فإن الكثير من الفرص الأخرى سيظل بعيد المنال.. بيد أن التنمية البشرية لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك خيارات إضافية يهتم بها الكثير من الناس وهي تستمد من الخبرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى فرص الألق والإبداع، واستمتاع الأشخاص بالاحترام الذاتي، وضمان حقوق الإنسان، وفي بحث للدكتور آمال شلاش أشارت فيه إلى أن تحول اهتمام الفكر الاقتصادي العالمي بالتنمية البشرية وبلورة مفاهيم ومؤشرات ومقاييس لها، شكل من أشكال التطويع لأدوات العلوم الاجتماعية ومحاولة البلورة نظرية للتنمية تتلاءم مع خصائص وواقع الحياة في البلدان النامية وقادرة على الكشف عن عناصر الاختلال في عناصر التوازن على الصعيد العالمي مثلما تكشف عن اختلال عناصر التنمية في داخل البلدان … إن الفكر والمفهوم الذي ينبع منه لكي يكون عالمياً يجب أن يكون إنسانياً، ولكي يكون إنسانياً يجب أن يفي بحاجات الناس وان يحقق أهدافهم في الحياة. ومع نضوج مفهوم التنمية البشرية بدا البرنامج الإنمائي يطرح مفاهيم مكملة لمفهومه الأساس ومنها مفهوم التنمية المستدامة التي وصفت من قبله إنها تنمية موالية للناس وموالية للطبيعة، وهي تعطي أولوية للحد من الفقر والعمالة المنتجة وللتعامل الاجتماعي ولإعادة توليد البيئة وهي توازن بين الأعداد البشرية وبين ما لدى المجتمعات من قدرات متوائمة، وما لدى الطبيعة من قدرات هائلة. وان مضمونه التنمية البشرية المستدامة يستند إلى فكرة ضمان فرص العمل للأجيال المقبلة أي بمعنى الإنصاف في التوزيع أو تقاسم الفرص الإنمائية بين الأجيال الحاضرة والأجيال المقبلة، فهي تنمية لا تولد فقد نمواً اقتصادياً ولكنها تهتم بالتوزيع أيضاً وهي أيضاً قد أضافت إلى إبعاد مفهومي التنمية البشرية والتنمية المستدامة بعداً آخر هو رأس المال الاجتماعي الذي يتلخص بأنه استعداد الناس للالتزام الواعي بالتنازل عن بعض طموحاتهم من أجل الأجيال الحالية أو المقبلة.
--
كاتب مصري. دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد