يحتفل التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الثانية والعشرين لتأسيسه الذي يوافق الثالث عشر من سبتمبر عام 1990م، وسط معطيات من النضوج والنمو في العمل السياسي والتنظيمي والفكري، داخل أطره التنظيمية، وفي أدائه العام.
فبعد مضي ما يزيد على عام ونصف من انطلاق الثورة الشعبية، التي غيرت مسرى الأحداث السياسية في البلد، وأسقطت علي عبدالله صالح من كرسي الرئاسة، لعب الإصلاح دوراً فاعلاً فيها، وشارك بقوة في الثورة، داعماً انتفاضة الشباب ومطالب الشعب بالتغيير، ومعلناً عن التزامه بإستراتيجية النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات.
وقد أحدثت الثورة الشعبية تحولات ملموسة في البنية الفكرية والتنظيمية والحركية للإصلاح، فقد دفعت بأعضاءه وكوادره الشبابية إلى تصدر المشهد الثوري والإعلامي، وساهمت في فرز نخبة من القيادات الشبابية، وتركت آثاراً ملموسة في أعضائه من خلال المرابطة في ساحات الإعتصام، والاختلاط بكل مكونات العمل الثوري، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم.
ومن خلال مشاركته الفاعلة في الثورة، تعرض الإصلاح لحملات تشويه وانتقام، ابتداءً بمقراته التي تعرضت للمداهمات والإحراق في أكثر من مكان، وسقط مئات الشهداء والجرحى ينتمون للحزب خلال تواجدهم في المسيرات والساحات اثناء تعرضها للقصف والإعتداء من قبل جنود وبلاطجة يتبعون علي صالح.
الإصلاح والمرحلة الحاسمة
وتأتي الذكرى الثانية والعشرين لتأسيس الإصلاح في حين تشهد البلاد منعطفات وأحداث هامة على أكثر من صعيد، حيث تستعد الأطراف السياسية للمشاركة في الحوار الوطني الذي من المقرر أن ينعقد في الأشهر القادمة، والذي يعول عليه حلحلة المشاكل والقضايا الناجمة عن الممارسات الخاطئة لنظام علي عبدالله صالح خلال فترة حكمه، وتعتبر تلك القضايا الشائكة تحديات أمام الإصلاح كونه التنظيم الأكثر تماسكاً والمؤثر على الساحة السياسية وكذلك المهام الوطنية الجسيمة الملقاة على عاتقه.
ويصف رئيس الهيئة العليا للإصلاح، الأستاذ محمد اليدومي هذه المرحلة الحاسمة وهو يخاطب ابناء الشعب اليمني "إننا في التجمع اليمني للإصلاح ومنذ اللحظة التي أعلنا فيها عن التزامنا بإستراتجية النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات والإصلاح الشامل خلال مؤتمرنا العام الثالث في فبراير عام 2005م والمؤتمر العام الرابع في فبراير عام 2007م، وبدأنا في انتهاجها طريقاً إلى تغيير الأوضاع، كنا نعي تماماً صعوبة السير في هذا الطريق، وضرورة الاستعداد للتضحية، وقد كان إخوانكم في التجمع اليمني للإصلاح على مستوى المسئولية والبذل والتضحية من خلال ما طالهم من استهداف ظالم، جعل الآلاف عرضة للفصل والتسريح من أعمالهم، وحرم الكثيرين من أبسط الحقوق الطبيعية للمواطن بسبب انتمائهم السياسي".
مؤكداً بأن أعضاء التجمع اليمني للإصلاح وأنصاره، ومعهم إخوانهم أعضاء أحزاب اللقاء المشترك مسيرة النضال السلمي بصبر وتجرد وثبات، وبمزيد من الالتحام بجماهير الشعب والتفاني في خدمته وتبني همومه، حتى توجت تلك المسيرة النضالية السلمية بإرادة شعبية اندفعت نحو التغيير عبر ثورة سلمية خالصة، انتشلت البلاد من حالة الانهيار المحقق، وأحدثت تحولات هائلة في المشهد اليمني، ووضعت اليمن على المسار الصحيح نحو بناء الدولة الحديثة القائمة على الحرية والعدل والمساواة.
ومنذ الإعلان عن تأسيسه في الثالث عشر من سبتمبر 1990، استطاع الإصلاح أن يبدد كل المخاوف التي كانت تثار في الساحة ضده وذلك لوضوح برامجه وأهدافه والتزامه بهما في مسيرته السياسية والتنظيمية، ولا زال يتعرض حتى الآن لحملات إعلامية منظمة من قبل أطراف سياسية وشخصيات تهدف لتشويه صورته والتشهير بقياداته ورموزه.
تميز في الأداء ونضوج في الممارسة
وقد تأسس الإصلاح منذ بداياته الأولى على أسس وطنية تقوم على الوسطية والإعتدال فكراً وممارسة في كافة المجالات، والدعوة إلى نبذ العنف والتطرف، من خلال التوعية التي يقوم بها أعضاءه على امتداد الوطن، ومن خلال تجسيده الوسطية سلوكاً وممارسة في الأداء السياسي والتعامل مع الأزمات المتعاقبة، فلم تسجل حادثة عنف واحدة عليه، حتى تلك المحالات اليائسة والبائسة من السلطة لإلصاق تهمة التطرف به باءت بالفشل الذريع، وخرج الإصلاح بعدها أكثر وسطية واعتدالاً في نظر الرأي العام المحلي والخارجي.
وخلال العقدين الماضيين شهد الإصلاح نمواً وتمدداً كبيراً في جميع قرى ومديريات الجمهورية اليمنية وهو ما شكل دافعاً قوياً لإجراء تعديلات على النظام الأساسي للحزب تتضمن إعادة هيكلة وتطوير أطر الإصلاح على المستويين المركزي والمحلي، وكان ابرز هذه التعديلات التي أقرها شورى الإصلاح أن أصبحت المكاتب "النسوي والقانوني والطلابي والفني" دوائر عامة من دوائر التجمع اليمني للإصلاح لتواكب هذه التعديلات التوسع الكمي والنوعي لمنتسبي الحزب.
وما يتسم به التجمع اليمني للإصلاح عن غيره من الأحزاب هو كوادره المنتمية إليه، فهو يمتلك من الكوادر المؤهلة والكفاءات في كافة التخصصات من أساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمعلمين، وكل التخصصات الأخرى، ناهيك عن شريحة الطلاب الذين أصبح لهم دائرة خاصة بهم.
وبمناسبة ذكرى التأسيس، فقد دعا الشيخ صعتر أعضاء الإصلاح وأنصاره إلى دراسة هذه الرؤية والتفاعل معها بإيجابية وتوعية الآخرين بها، داعياً إلى مضاعفة الجهود، وحشد الطاقات والقدرات، لتعزيز مسيرة النضال السلمي والدفاع عن الحقوق، وتكريس قيم الحرية والعدالة والمساواة.
22 عاماً من النضال والتغيير
لم يكن التجمع اليمني للإصلاح الذي ولد في 13/9/1990م هو وليد تلك اللحظة التي ولد فيها عملاقا، وإنما كان تتويجا لجهود الحركة الإصلاحية اليمنية التي بدأها الرواد الأوائل، أمثال الإمام الشوكاني وابن الأمير الصنعاني والشيخ البيحاني وغيرهم، مروراً بحركة الأحرار اليمنيين الذين استطاعوا من خلال ثورة فبراير 1948م أن يصنعوا محطة تغييرية هامة في مواجهة الاستبداد والتخلف.
و خلال عقد الخمسينات امتدت موجة التفاعلات التي أوجدتها ثورة 1948م في مختلف مناطق اليمن، ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م مثّل الزبيري واجهة الحركة الإسلامية ونشاطها الميداني، حتى استشهاده عام 1965م.
في 22 مايو1990م تحققت الوحدة اليمنية، حيث أُعلن عن قيام الجمهورية اليمنية على أساس اعتماد التعددية السياسية والحزبية، وفي هذا السياق كان الإعلان عن قيام التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م، حيث شمل هذا الإعلان قائمة المؤسسين ومشروع الأهداف العامة، وقد تضمنت قائمة المؤسسين عدداً من رموز الحركة الإسلامية وعدداً من الرموز الاجتماعية ورجال الأعمال والمثقفين. ومنذ اللحظة التي نشأ فيها التجمع اليمني للإصلاح أصبح رقماً قوياً في الساحة السياسية اليمنية، وأثبت وجوده كعنصر فاعل ومؤثر.
وخلال الفترة الانتقالية ( 90 – 93م ) كانت شعبية الإصلاح تزداد يوماً بعد يوم، فمارس نشاطاته السياسية، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية الأولى (27 إبريل 1993م) حيث اعتلى المرتبة الثانية بحصوله على 66 مقعداً برلمانياً و 20% من مجموع أصوات الناخبين المشاركين في الاقتراع، وبعد خروج الحزب الاشتراكي من السلطة نتيجة الأزمة السياسية وحرب صيف 94م، انضم الإصلاح إلى جانب المؤتمر الشعبي العام في إطار ائتلاف حكومي ثنائي خلال الفترة ( اكتوبر 94م – ابريل 97م )..
وفي 27 ابريل1997م الإصلاح بقوة في معظم الدوائر الانتخابية، وحل في المرتبة الثانية بعد المؤتمر الشعبي العام، وقد حاز الإصلاح على (64) مقعداً برلمانياً، منها (53) مقعداً باسم المرشحين المتقدمين كأعضاء في الإصلاح، بالإضافة إلى (11) مقعداً باسم المرشحين الذين تقدموا للانتخابات كمستقلين ثم أعلنوا بعد ذلك انضمامهم إلى كتلة الإصلاح النيابية.
بعد 97م مارس الإصلاح دوره كمعارض من خلال المنابر المشروعة ديمقراطياً كالبرلمان والصحافة والنقابات ومختلف الفعاليات والوسائل المتاحة، وعلى هذا الأساس جاءت مشاركته الفاعلة في الانتخابات المحلية (2001م ) والانتخابات البرلمانية الثالثة (2003م) ثم في الانتخابات الرئاسية (2006م).
عام 2000م انضوت أحزاب المعارضة في تكتل واحد، "اللقاء المشترك"، في تجربة فريدة ليس في اليمن فحسب، وإنما في الوطن العربي أيضًا، فقد غلبت هذه الأحزاب القواسم المشتركة في العمل السياسي على خلافاتها الفكرية، وصراعاتها التاريخية.
وهذه المحطات الهامة والمسيرة الفاعلة للإصلاح أصبحت شواهد تاريخية وعلامات فارقة في تاريخ الإصلاح والوطن.
عبدالباسط الشاجع
الإصلاح في الذكرى ال 22 لتأسيسه 2359