;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

المسؤولية الدولية للقنوات الفضائية 2213

2012-02-04 02:21:42


إذا كانت الفضائيات العربية الخاصة لا ينتظر منها – ولا يمكن أن نطلب منها – أن تقوم بدور كبير في مجال الحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع والحفاظ على هويته العربية والإسلامية وزيادة أواصر التعاون العربي بسبب طبيعتها الاستثمارية القائمة على مزيد من الأرباح ، فإن الأمانة تقتضى أن نذكر أنها لعبت أدواراً قومية تفوق ماقامت به الفضائيات العربية الحكومية فيحسب لها أنها حركت المياه الراكدة في مجال العمل التليفزيوني الحكومي التي استشعرت خطر انصراف الجماهير العربية عنها ، فراحت تخفف من سيطرتها الرقابية وتسمح بهامش من حرية التعبير رغبة في الحفاظ على مشاهديها و أن تواجدها ومنافستها الشديدة مع الفضائيات الحكومية أنعش صناعة السينما والتليفزيون مما انعكس إيجابياً على مستوى الإنتاج البرامج وأنها حققت ماعجزت عنه الحكومات والمنظمات عندما أطلقت شبكة ART عام 1998 قناة إقرأ لتكون أول قناة دينية إسلامية تبث عبر الأقمار الصناعية.
وهكذا نجد الفضائيات العربية الخاصة قد تعددت وتنوعت مابين الإخبارية والدينية والتبشيرية والغنائية والثقافية والاقتصادية والتعليمية والعلمية والتاريخية والدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية والإعلانات والأزياء والموضة والسحر والدجل والدردشة والحوار، ولكنها في مجملها تمثل إضافة غير محددة الأهداف والسياسات والأخلاق لا يوجد لها فلسفة محددة تحكم طبيعة عملها ولا تجد أهدافاً إستراتيجية تسعى لتحقيقها باستثناء الهدف التجاري الأوحد ، بل تقدم مضامين هابطة وعبارات جارحة وأسلوب فج وكلمات خارجة عن حدود الذوق واللياقة وعادات وتقاليد المجتمع العربي، ولاسيما الفضائيات المتخصصة في (الأخبار ، الغناء ، الإعلانات والتسوق ، الدردشة والحوار ، السحر والدجل والشعوذة ) .    
فبين فكي الكماشة ، أصبح المشاهد العربي محاصراً مع تزايد هوجة الفضائيات مابين فضائيات إباحية ومبتذلة تتاجر بالأجساد والغرائز ، وفضائيات أخرى مشعوذة تشوه دينه وعقله وثقافته الدينية وقيمه الحضارية وتقدم له ثقافة السحر .
ووجدنا الفضائيات الغنائية تقدم لنا كل سبل الفسق والفجور وإلهاب المشاعر والانحلال الخلقي وشيوع الفاحشة بين الآخرين ، ووجدنا الفضائيات الإخبارية على الرغم مما تقدمه من معلومات وأنباء وتحليلات وتعليقات تحيطنا علماً بما يجرى على أرض الواقع من حولنا، إلا أنها تعكس لنا صورة سلبية محبطة للعالم العربي لحظة بلحظة مما أفقـد الجماهير العربية توازنها ودعاها إلى الضعف والتحلل والاستكانة .
وفي هذا الصدد تشير المقولات العلمية لنظرية المسئولية الاجتماعية إلى أن وسائل الإعلام تمارس دوراً مهماً في المجتمع يتمثل في حمايتها للنسيج الاجتماعي والتعبير الحر عن مطالب الجماهير ورغباتهم ، ومن ثم لابد أن تلتزم هذه الوسائل أخلاقياً بطرح ومناقشة القضايا الملحة والبارزة في المجتمع وفى ضوء ذلك تقتضى المسئولية الاجتماعية أن تقوم وسائل الإعلام بمراعاة عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه ، بالإضافة إلى الحفاظ على سلامة المجتمع وصيانة مقـدراته الفكرية والثقافية وفي ضوء كل ما سبق  يمكن صياغة المشكلة البحثية بشكل أكثر تحديداً في الإجابة على السؤال الرئيسي التالي : ما ملامح رؤية الجمهور المصري لأخلاقيات الإعلام في الفضائيات العربية الخاصة ( الإخبارية ، الغنائية ، الإعلانية ، الحوار والدردشة ، السحر والدجل والشعوذة ) إن حرية التعبير في مجال الصحافة والحق في الوصول إلى الخبر، وحق المجتمع في أن يصل إليه الخبر هو من أهم الأركان التي تقوم عليها الممارسة الصحفية المعاصرة ، غير أن هذا الحق قد يتعارض أحياناً مع الحق في حماية الحياة الخاصة للشخصيات العامة الذي كفله الدستور والقانون ، مما يجعل الصحفي نفسه والاجتهاد القضائي والفاعلين في المشهد السياسي أمام معادلة صعبة لإقامة توازن بين هذين الحقين المتعارضين ، ويفتح مجالاً واسعاً لنقاش مهني وقانوني وأخلاقي وقضائي ، فبالقدر الذي ينبغي فيه حماية الحرية الصحفية حتى يتسن للصحفي القيام بدوره كسلطة رقابية ، ينبغي توفير جميع الضمانات أيضاً لحماية الحياة الخاصة للشخصيات العامة التي تكون في كثير من الأحيان إعادة الاعتبار إذا تم إساءتها بكلمة غير مسئولة أو بقذف وبهتان يمارس باسم الحرية وهكذا فإن الضوابط القانونية والأخلاقية هي التي يمكن أن تحمي الحرية في الممارسة الصحفية ، وحمايتها من أن تتحول إلي اعتداء علي حريات وحقوق الآخرين في حماية حياتهم الخاصة من القذف ، وهي ما يطلق عليها الصحافة المسئولة التي تمارس دورها في نطاق القانون وأخلاقيات المهنة . ل المراقبين للأوضاع الاجتماعية في العالم العربي يقولون إن هناك ثورة مقبلة خلال فترة وجيزة، وإنها حتمية ولا مناص منها إلا إذا حدثت معجزة.
عفواً، سوف يتصور كثيرون أن هذه الثورة المقصودة ستكون ضد أوضاعنا المتردية التي لا تخفى على أحد، لكنها ليست كذلك، إنها للأسف الشديد ثورة الجنس والخلاعة والانحلال المنطلقة من «ثكنات الفضائيات»... كل مقومات هذه الثورة جاهزة، أما المؤشرات والإرهاصات فقد بدأت منذ زمن، ولم يعد متبقياً سوى إذاعة البيان رقم واحد لتدشين هذا الانقلاب غير المسبوق في حياتنا الاجتماعية. في الانقلابات العسكرية أو الثورات السياسية يكون الأمر منوطاً بفرقة أو سرية أو لواء عسكري أو حزب سياسي، لكن سلاح الثورة المرتقبة هو الفضائيات المنتشرة كالسرطانات حالياً، أما طليعة هذه الثورة «غير المباركة» فهي «الكليبات» ومعها سلاح مساعد يدعى «الشات» أو الدردشة عبر الفضائيات! وحتى لا يسارع أحد إلى اتهامي بالتخلف والرجعية والانغلاق وربما التطرف، أسارع بالقول إنني أحد المؤمنين بحرية الإعلام بغير حدود، وكنت ومازلت أعتبر نفسي من المعارضين لمعظم السياسات العربية التي قادتنا للكارثة بنفس معارضتي لأطروحات غالبية فرق الإسلام السياسي. لكن الحرية شيء وما يحدث حالياً شيء آخر مختلف تماماً. قبل فترة قصيرة كان مجرد سماح الرقيب العربي لمشهد قبلة ساخنة في فيلم سينمائي يعتبر حدثاً فريداً تقوم له الدنيا ولا تقعد، لدرجة أن بعض المشاهد في أفلام عربية أثارت طلبات إحاطة واستجوابات عاجلة في بعض البرلمانات العربية.. الآن تغير كل ذلك ليصبح تاريخاً ينتمي لحقبة غابرة.
إن الأحزاب السياسية هي الأخرى بدأت مع امتلاك بعض القنوات الخاصة.. وبالتالي من الطبيعي أن تكون ناطقة باسمه وتعبر عنه وتنفذ سياساته وتبرز قياداته ورموزه مثل الصحافة الحزبية.. لكن المهم في ذلك كله مراعاة الأمن القومي المصري. حينما تتحدث القناة أي قناة عن أمور تتعلق بأمن الوطن لا يكون فيها سياسات الآن أمن مصر خط أحمر لا ينبغي تجاوزه.
وعن وجود بعض القنوات الخاصة التي تعمل لحساب أجندات ودول خارجية وتتلقي الدعم منها.. قالت الدكتورة/ مني الحديدي: لابد وان نعترف بأن السماوات المفتوحة تسخر كل شيء في الدين والفن والثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها في سبيل تحقيق مصالحها وسياستها.. ومن ثم دوري كمجتمع مصري خاص فرز ما يرتقي لما أريده وما يلبي احتياجاتي والإنسان الحصيف عليه أن يذهب للمحطة التي توفر له الترفيه والمعلومة السليمة.. لافتة إلي أن صناعة الإعلام في القرن الحادي والعشرين بمثابة رسالة وفن وتجارة وغيره من الوسائل التي تحقق له مكاسبه!!
ولوحت الدكتورة مني الحديدي إلى أن الإعلام المصري الوطني بنوعيه الخاص والرسمي إذا كان يلبي رغبات المواطنين ويشبع احتياجاتهم فهو خير مقاوم ومناهض لأي فكر أو تمويل. في الوقت نفسه طالبت بضرورة وجود هيئة تنظم الإعلام الخاص أسوة بما هو متبع في دول العالم المتقدمة صناعياً وإعلامياً وديمقراطيا.. إلي جانب إنشاء نقابة للإذاعة والتليفزيون تحاسب كل من يخرج عن آداب وتقاليد المهنة من المسؤول عن كل تلك الضحايا وكل أولئك الشهداء وكل ذلك الدمار للبنية التحتية لبلدان المنطقة وشعوبها؟! أليست قنوات فضائية ومالكو قنوات فضائية ومقدمو برامج في تلك القنوات الفضائية؟ فإذا كنا اليوم نطالب بمحاكمة قتلة رفيق الحريري وهو فرد وشخص واحد ونقيم المؤتمرات وتنعقد جلسات مجلس الأمن والأمم المتحدة وتحرض بلدان لدفع تكاليف المحاكمة في محكمة جرائم الحرب في لاهاي، فلماذا لا تتم محاكمة قنوات فضائية تخرج عن ميثاق الشرف الإعلامي وتتحول إلى قنوات توجه أسلحتها الفتاكة والأكثر فتكا من الأسلحة الجرثومية نحو شعوب المنطقة بكاملها وتجري الدماء أنهاراً وتستباح حرمات وأضرحة مقدسة لأولياء نظيفين وأنقياء ويتربع فيها على طاولات التحريض المضاءة والملونة عارضات أزياء يحملن لقب مقدمات برامج وقارئات نشرات الأخبار وكذا عارضو باروكات وأربطة عنق بلقب مقدمي برامج ومذيعي نشرات أخبار، وكلهم بآخر صراعات الأزياء وتحت وطأة مزينين يرسمون وجوهاً على وجوه، يتقاضون أعلى الرواتب من أجل إضفاء الزينة والاحتفالية على دماء بريئة تهدر في هذا الزمن الرديء، يدفع ثمنها أبرياء على أرض عربية طاهرة سكن فيها أنبياء الله ليستقبلوا أكثر البرامج الدينية تحقيراً للدين وللتراث وللقداسة، كل ذلك يتم تمويله بأموال النفط العربية كي تشكل تلك القنوات الفضائية غطاءً لجرائم أكبر تصعب مشاهدتها من شدة بريق البث التلفزيوني وعلى أوسع نطاق. تبثه أقمار اصطناعية تتحكم بمفاتيح البث وتغلق في حالة واحدة عندما تمس القناة شغاف القلوب السامية! وهكذا نلاحظ ذوبان التراكم القيمي والمعرفي والاجتماعي للمواطن العربي في الثقافة العالمية. والمتابع للإعلانات التي تبث في القنوات الفضائية يدرك أن معظمها لشركات متعددة الجنسية، ومحتوى هذه الإعلانات يعمل على تكريس ونشر قيم استهلاكية عند المواطن العربي، وهذه القيم قد لا تمت بأية صلة للنمط الاستهلاكي العربي وللثقافة العربية.
مما يعني أن قنواتنا الفضائية بدلا من مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير أصبحت قنوات تعمل على نشر القيم الغربية ونشر ثقافة الآخر على حساب ثقافة الأنا. تتمثل السمة الرئيسية للإعلام الفضائي العربي في التبعية والتقليد وأزمة الهوية في غياب التخطيط والدراسات وإستراتيجية ورؤية وموازنة للإنتاج من أجل تقديم مادة إعلامية تعكس هموم ومشكلات المواطن العربي وتقدم له منبرا للحوار والنقاش والمشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار. الفضائيات العربية من خلال قنوات الشعوذة والإباحية والرسائل القصيرة الخ أصبحت وسائط للتسطيح والتهميش والتغريب. كما فشلت الفضائيات العربية في مخاطبة الآخر ومحاورته والرد على الحملات الدعائية وحملات التشويه والصور النمطية والتضليل بسبب غياب الإنتاج وغياب المشروع وغياب الاستراتيجية. لا تتوقف مشكلة الإعلام العربي عند حرية وسائل الإعلام نفسها والإنتاج والتخطيط والإستراتيجية وإنما تتعداها إلى تحرير الفرد العربي من القيود العديدة والممنوعات المختلفة التي يعاني منها.
* كاتب مصري - خبير في القانون العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد