رمضان بطعم البارود!!

2014-07-07 14:56:07 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع

"10" أيام مرت من شهر رمضان المبارك كانت بطعم الدم وبنكهة البارود.. حوادث ومشاهد حصادها أحمر.. أخبار الدم تزكم أنوف اليمنيين وتخدش صيامهم.. تسرق رمضان روحانيته..

أرواح يلتهمها عزرائيل.. تتصيدها سنارته المشرئبة بنهم, عند فوهة بندقية لا ترحم.. يبدو أنها قرابين الرحمة.. "أي شهر فضيل أنت يا رمضان؟!", يقول أحدهم: "أنت أخبر يا ربي.. فرمضان لك وأنت من تجزي به"..



قتلى في العاصمة صنعاء.. مواجهات قبلية في شبوة تخلف عشرات الضحايا.. ومثلها في مأرب.. مواجهات في تعز تسفر عن قتلى.. في الضالع الجيش يقتل مواطنين.. مجزرة تحصد عشرات الأبرياء.. استهداف رجل أعمال في صنعاء تخلف قتيلين.. استشهاد جنود.. اغتيال ضباط.. استهداف خطوط نقل الطاقة..

هذه هي عناوين الأخبار المتصدرة وسائل الإعلام, وكأنها تحكي أحداث دائرة في إقليم" قرقيزيا", وليس اليمن؛ البلد المسلم الذي وصفه رسول البشرية محمد- صلى الله عليه وسلم- بـ" بلد الإيمان والحكمة".. فيما سادته وكبراؤه يتناطحون على مصالح شخصية قذرة, بعيداً عن الوصف النبوي.. وضريبة الصراع دائماً ما يدفع ثمنها الباهظ المواطن المغلوب على أمره..
وجع الجنائز

كثيرة هي المنغصات التي ترافق الشهر الفضيل في هذا البلد؛ اقتصادية, سياسية, أمنية, ووو إلخ, لكن يبدو أن الأخيرة هي الأبرز على المشهد.. وليس هنالك ما يترك مساحة للأبيض, أو حتى للأسود, أمام الأحمر القاني..

كما هي أخبار الدم والبارود طاغية على باقي أخبار الصحافة الورقية والمواقع الالكترونية, كذلك مواقع التواصل الاجتماعي بدت في رمضان تفوح منها روائح البارود والدم, التي تزكم الأنوف..

على صفحته في الفيس بوك, وجد نفسه الصحفي الاقتصادي/ نبيل الشرعبي, وسط المشهد القاني, فاقداً قدرته على كتابة نص بلغة الاقتصاد كما عوَدنا دوماً, بحكم تخصصه الصحفي, وكانت ردة الفعل المشمئزة من الوضع تمخضت منشوراً عنوانه: "ارحبي يا جنازة فوق الأموات"..

فكتب منشوره الأحمر بوجع الإنسان وبضمير اليمني الأصيل:" قتل في الضالع واغتيال في تعز وحرب في عمران واشتباكات بين الأمن وعناصر من القاعدة بالقرب من مطار سيئون وقتلى في صنعاء وعلى الحدود بين شبوة ومأرب... إلخ.. خلاص ما عاد في شيء في اليمن غير القتل وإراقة الدم؟"..
منغصات

أتى شهر رمضان المبارك هذا العام؛ واليمن تعاني من النزاعات والصراعات والأزمات المختلفة، التي تلقي بظلال قاتمة؛ على فرحة 24 مليون يمني بهذا الشهر الفضيل, يظلون الضحية الأولى لانعكاسات أزمات متعددة..

ظروف معقدة يمر بها البلد, تترافق والشهر الكريم وأعباء متطلباته, المرهقة أصلاً للمواطن. في ظل أوضاع: اقتصادية, سياسية, وأمنية, من شأتها تعكير صفو حياة الإنسان اليمني وتسرقه روحانية رمضان.. واقع مؤسف لا يجد غالبية اليمنيين أمامه سوى تسليم الأمر لـ" إله الكون", ولسان الحال:" ربي إليك أسلمت أمري وأنت أرحم الراحمين..
حدة العنف

على الصعيد الأمني, يعاني اليمن من عدم الاستقرار، وأعمال العنف تندلع بين الحين والآخر.. وفي الآونة الأخيرة زادت الهجمات التي تستهدف قوات الأمن والسياسيين البارزين، ولا تستثني المواجهات المواطنين العاديين.. كما هي التقطعات, وأعمال النهب والسرقة...

فيما اشتباكات مقاتلي القاعدة مع الجيش اليمني المتواصلة منذ عام 2012 ترتفع وتيرتها، وزادت حدتها بعد أن بدأت قوات الجيش- مدعومة من العشائر- بشن وتنفيذ عمليات ضد القاعدة, خصوصاً في جنوب البلاد منذ إبريل/ نيسان الماضي؛ ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الجنود والمدنيين..

على الطرف الأخر تواصل جماعة الحوثي حروبها مع المناهضين لها من القبائل وقوات الجيش الحكومية في أكثر من منطقة ومحافظة, مخلفة القتل والنزوح والتدمير, وبلا هوادة..
تقريعات الخطر

يعاني اليمن بالإضافة إلى ذلك من خطر المجاعة، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.. ويبدو الجانب الاقتصادي على وقع تحذيرات المنظمات المراقبين, محليين ودوليين, هو الأخر حاملاً بكثير مخاطر..

ليس أخر التقريعات من مخاطر الأوضاع المعيشية, تحذير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن 10 ملايين- من أصل سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليوناً- يعانون إما من انعدام شديد للأمن الغذائي؛ أو على وشك المعاناة من ذلك، و4.5 مليون يمني لا يجدون طعاماً كافياً لتلبية احتياجاتهم اليومية، ويحتاجون لمساعدة غذائية عاجلة..

أزمة المشتقات النفطية المستمرة منذ أشهر, مشكلة أخرى تعصف بحياة المواطن اليمني.. ومثلها ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات, ومخاوف الجرعة السعرية التي تبرز التداولات إقدام الحكومة اليمنية على تطبيقها.. والحال لا يختلف مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء..
حصاد قانٍ

إن التوالي في الأحداث يعنى أن خطورة الوضع الأمني ما تزال مستمرة، وأن الملف الأمني لا يزال يتصدر قائمة المشاكل والتحديات التي تواجهها اليمن.

وترسم تقارير الهيئات الدولية العاملة في اليمن صورة قاتمة عن الأوضاع الراهنة في البلد أكثر قسوة من تلك الصور والأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة.

المراقبون يرون أن رئاسة هادي للبلد وتشكيل حكومة توافقية ليس نهاية المطاف بالنسبة للأزمة اليمنية, ويؤكدون على أن الملف الأمني يمثل أبرز التحديات التي تواجه القيادة الجديدة.

ويرى محللون أن الحالة الأمنية في البلاد.. رغم انتهاء المرحلة الانتقالية.. لا تزال شديدة السوء, دون أن تشهد على أصعدتها أي تحول أو أي إنجاز أو تحسن.

 العوامل المؤثرة في الحالة الأمنية ما زالت قوية الحضور, وأبرز ملامح ذلك هو أن المتصارعين في الحلبة السياسية, صراعاً عنيفاً مسلحاً, لم يحسموا القضايا, التي من أجلها حدث الصراع, بل على العكس من ذلك, تحولت إلى ثارات شخصية وسياسية وقبلية, وبالتالي من المتوقع أن يظل هذا الوضع حاضراً بقوة, في حال استمرت هذه العوامل.
ابتزاز رسمي

إذا كان النظر إلى أن الاستقرار في المنطقة, يرتكز على الاستقرار في اليمن.. فإن الملف الأمني لليمن, يعد أحد بواعث القلق لدى دول الإقليم والعالم، حد مراقبين, يتهمون السلطات اليمنية باستخدام الملف لابتزاز الداخل والخارج على حد سواء.

وبحسب الكاتب عبد الملك شمسان, فإن دعم الغرب للسلطة اليمنية, لمنع الانهيار, يبنى على ثلاثة خيارات: يتمثل الأول في ضرورة تقديم الدعم للسلطة, خشية سقوطها, وخروج الأمر عن السيطرة وشيوع الفوضى.

فيما يتمثل الخيار الثاني في ضرورة الضغط على السلطة, لإجراء الإصلاحات السياسية, التي من شأنها وقف العجلة, التي تهرول بالبلاد صوب الهاوية، وضمان استفادة اليمن من تلك المساعدات، خاصة أن هذه الأطراف الدولية قد فقدت الثقة كليا بالسلطة.

أما الاحتمال الثالث إدراك الأطراف الدولية أن السلطة توظف الدعم والمساعدات الممنوحة لها, في سبيل بقائها هي وليس لصالح بقاء البلد، بما يعني أن الانهيار -لا سمح الله- سيظل احتمالاً وارداً, رغم الدعم.. ما يتطلب من هذه الأطراف الترتيب لتأمين السقوط، أو للحصول على «هبوط آمن» بحسب تعبير غربي.
توظيف العنف

الملفت أن المجال الأمني, الذي يفترض أن يكون في صدارة الاهتمام, يأتي في ذيل القائمة، بينما المجال السياسي تحول إلى المقدمة.. والملفت أكثر أن يحدث هذا, رغم ارتفاع ضغط صنعاء على الوتر الأمني، حيث فتحت الحرب على القاعدة بصورة غير مسبوقة.. ومع هذا لم تستطع التغلب, أو حتى التخلص, من خطورة الوضع الأمني, ولم تتمكن من إبقائه على رأس القائمة.

ويبدو اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بالمجال الأمني, كأحد مبررات تواجدها على أراضي البلد، ربما أنه أحد مفردات الترتيبات الأميركية, تحسباً للانهيار المحتمل، فضلا عن كونه يسمح لها- في الوقت الحالي- بمضاعفة النفوذ، ويوسع الفجوة بين مستوى تأثيرها في المنطقة ومستوى تأثير بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

بعض الأطراف في العملية السياسية اعتادت أن توظف العنف والاختلالات الأمنية, كإحدى أوراق اللعبة السياسية.. وفي ظل استمرار فقدان الثقة, وعدم وصول الأطراف المتوافقة إلى حالة الثقة المتبادلة, من المتوقع أن تظل الحالة الأمنية هشة إلى حد كبير- وفق تحليلات خبراء سياسيين وأمنيين.

ويعتبر مراقبون الملف الأمني التحدي الأكبر, الذي يواجه البلاد في المرحلة الراهنة, سواء تمثل الأمر بوجود مظاهر مسلحة, ما زالت موجودة في المدن بما فيها أمانة العاصمة, إضافة إلى المجاميع المسلحة للحراك الجنوبي والحوثيين, وأيضا تهديدات القاعدة.
ثلاثي الخطر

يحتوي الملف الأمني في اليمن، على تهديدات تنظيم القاعدة, ودخول الحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، قائمة العمل المسلح خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة, التي شهدتها البلد في الـ21 فبراير 2012م.

الأمر الذي أعد جديداً على المشهد الأمني المتوتر في البلاد, كما تمثل حركة المتمردين الحوثيين المسلحة شمال اليمن، مشكلة أمنية خطرة تواجه البلد المنهك، فضلاً عن الانفلات الأمني في طول البلاد وعرضها.

وزارتا الداخلية والدفاع اليمنية ظلتا تؤكدان أنهما ستعملان جاهدتان, من أجل إغلاق الملف الأمني, الذي يعد من أهم التحديات التي تواجه المرحلة، وأن هناك خططاً وتوجهات بإغلاقه مهما كلف ذلك.

تقول مصادر في الداخلية: إن التحديات الأمنية في البلاد مستمرة، وإن الأجهزة الأمنية في حالة يقظة لمواجهة أي تطورات أمنية, موضحة أن إغلاق الملف الأمني في اليمن بحاجة إلى وقت وقد تقابله بعض الصعوبات.

فيما مصادر عسكرية كانت في أعقاب الانتخابات الرئاسية للمرحلة الانتقالية, تشير إلى احتمالات أن تواجه البلاد اختلالات أمنية وهو ما وصلت إليه البلد من فوضى وعنف ولا تزال المجاميع المسلحة والمتمثلة بجماعة الحوثيين والحراك الجنوبي المسلح, إضافة لتنظيم القاعدة, تثير قلق الدولة.
تحذيرات

منظمة هيومن رايتس ووتش لمراقبة حقوق الإنسان, ومقرها نيويورك, سبق أن حذرت من أن انتقال اليمن نحو نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، معرض للخطر ما لم تتحرك الحكومة الجديدة, على وجه السرعة, من أجل إصلاح قطاع الأمن وفرض المحاسبة على جرائم الماضي.

تقول المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن/ سارة ليا ويتسن:" لقد أكد قادة مدنيون على أنهم لا يمكنهم التقدم على مسار المحاسبة وإصلاح أجهزة الأمن, طالما علي عبد الله صالح مستمر في لعب دور في توجيه عدد من قوات الأمن في اليمن".

ويلقي الجمود السياسي والانفلات الأمني في اليمن بظلالهما الكئيبة على الحالة المعيشية للمواطن المثقل بهموم البلد وأوضاعه التي لم تعد تحتمل..

وفيما الصائمون ينتظرون دوي المدفع التركي وصدوح صوت " الله أكبر" تعلو من المآذن, إيذاناً لإفطار رمضاني.. تظل فوهات الكلاشينكوف مشرئبة بشراهة لاصطياد الأرواح, والأصابع تضغط على الزناد بلا هوادة.. لتأتي الأنباء حاملة فجائع الموت والقتل..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد