;
د.عبدالسلام الصلوي
د.عبدالسلام الصلوي

القات.. دلالاته ومعانيه 1357

2013-11-28 18:14:14


يبدو أنه ذوق مكتسب إذا حاول المرء أن يمضغ أوراق القات لأول مرة فإنه يحس بطعم مقيت.. ولكن حين تعتاد مذاقه فهو يجعلك تشعر بنشاط كامل طوال مدة تأثيره.

هذا ما كتبه أحد موظفي إحدى السفارات الأجنبية في اليمن حول مضغ أوراق القات في اليمن.. والقات هي الكلمة العربية لـ (كاتا أيدوليس) اللاتينية وهي نوع من الأشجار تزرع في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية منذ حوالي ستة قرون.. وتعطي هذه الأوراق عند مضغها إحساساً بالفرح العامر لدى مخزني القات من اليمنيين, تتبعه حالة إحباط نتيجة القلويات النشطة التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي.

احتدم النقاش طويلاً داخل المجتمع اليمني وخارجه حول استهلاك القات وكان رأي غالبية الزوار الأجانب ومستشاري التنمية مطابقاً لما قاله الموظف الخاص بالسفارة الأجنبية الذي أشرنا إليه سابقاً بأن عملية مضغ القات بكونها مضرة للصحة والجيب وعائقاً أمام التنمية الاقتصادية.

أما السلطات الدينية في اليمن فهي تندد بالقات, كما أن السلطات الحكومية تعارضه رسمياً, بالرغم من أنها تجني ضرائب دخل كبيرة من إنتاجه وتسويقه.. وعلى الرغم من النقد والتنديد بمضغ القات إلا أن ذلك لم يقلل من استهلاكه.. لكن لماذا ينتشر مضغ القات بهذا الاتساع بين اليمنيين رجالاً ونساءً وخاصة الشباب؟.. ولماذا يشكل القات موضوع نقاس مستمر في الجمهورية اليمنية اليوم؟.

منذ سنوات طويلة وهذه النبتة توصف بـ (أكسير الحياة) و(زهرة الجنة) ويقال أنه لا يمكن للمرء أن يتذوق (روح اليمن) حتى يتذوق القات.. ولكن لا يمكن الإحاطة بمعنى المضغ من الدلالات الأدبية المحيطة به فقط, إذ ينبغي النظر إلى التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يشق طريقه اليوم في الجمهورية اليمنية الفتية.

مسألة الهوية:

بدأ التطور الاقتصادي في اليمن في السنوات الأخيرة وبالذات منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي حين حاولت البلاد أن تقفز من القرون الوسطى إلى عصر الكمبيوتر.. بدأت الأفكار التقليدية حول الطبقات الاجتماعية تتغير ولم يعد في وسع المرء أن يميز فئة الشخص الاجتماعية من خلال ثوبه أو مكان إقامته أو سلوكه.. وفي الوقت نفسه برز التساؤل حول الهوية كمسألة لا مفر منها, فلم يعد يكفي الانتماء إلى قبيلة أو بلدة أو منطقة ما في اليمن, بل إن اليمنيين يشعرون الآن بحاجتهم إلى تحديد ذاتهم في مقابل محيطهم الإقليمي من العرب الآخرين.

إن مضغ القات هي عادة يمنية عريقة وهي جزء من الحياة الاجتماعية والتراث والإحساس الذاتي.. وإن عادة أو مضغ القات هو فعل يمني بحت أضيف إليه معنى جديد في مقابل المجتمع اليمني المتغير بوتائر سريعة.. إن اليمني إلى أي فئة اجتماعية انتمى, يؤكد هويته الوطنية عندما يمضغ, ومعنى المضغ أن يعطي للمخزن أو الماضغ معنى.

يحل مضغ القات اليومي أو الأسبوعي مجالاً أساسياً في اللقاءات الاجتماعية كالأفراح وغيرها مع الأصدقاء أو الجيران والأقارب, وكذلك في عالم الأعمال ومناقشة الأحداث الجارية وعقد الصلح بين المتنازعين.. أما الطلاب فهم يستغلون فرصة المضغ اليومي للدراسة معاً وخاصة في فترة الاختبارات المدرسية أو الجامعية, والشعراء وعدد كبير من الصحفيين حيث يستلهمون قريحتهم ونشاطهم الذهني والفكري منه.. وحين تلتقي النساء في حلقات أو جلسات التفرطة ما بعد الظهر أو في حفلات الأعراس يقمن بالرقص وإظهار ثيابهن وحليهن ويتفاخرن ويظهرن في أبهى صورة.. وحتى اليمنيون الذين لا يمضغون القات قد يحضرون جلسات القات كجزء من الحياة الاجتماعية واللقاء مع الأصدقاء ويتعين على الغالبية العظمى من المواطنين شراء القات من الأسواق حيث تتفاوت كلفة (الربطة) أو (العلاقي) للاستهلاك اليومي ما بين خمسمائة ريال بالنسبة للبسطاء ومحدودي الدخل كالعمال والطلاب, أما التجار والمشائخ وكبار مسئولي الدولة من مدنيين وعسكريين فتبلغ كلفة احتياج الشخص الواحد ما بين ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف وربما أكثر ويتوقف ذلك على نوعية القات المتعددة الأسماء والموطن الأصلي للقات.

الكيف: بعد مرور حوالي خمس عشرة دقيقة على مضغ القات يشعر صاحبها بحالة التنبه وخلال هذا الوقت يجد من السهل عليه تشكيل المفاهيم وتجاذب أطراف الحديث ويدوم هذا الإحساس بالتنبه أو اليقظة العالية ساعتين تقريباً.. تتبعه حالة من الهدوء والرضى ينطوي فيها المرء على ذاته فيعيش نوعاً من النشوة يسمى بـ (الكيف), ثم يصاب المخزن أحياناً بشعور من الإحباط وأعراض مرضية عديدة كفقدان الشهية والأرق وأمراض عدة يطول شرحها.. إن القات لليمني هو كالشاي للإنجليزي والفودكا للروسي, وذلك جزء من التراث والهوية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد