;
عصام المطري
عصام المطري

العقل العربي.. وإعادة الصياغة والتشكيل 1416

2013-11-19 10:31:00


تعرضت الأمة العربية والإسلامية لحملة تغريب منظمة إبان سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية ووقوع أغلب دول وأقطار عالمنا العربي والإسلامي تحت الاحتلال الغربي الأجنبي البغيض، حيث استهدف المحتلون الأجانب اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) وكانوا لا يتعاملون في الدوائر الحكومية وفي المدارس والجامعات إلا بلغة المحتل, كما لا تمنح الوظائف العامة الحكومية إلا لمن يجيد لغة المحتل، وبمثل هكذا وسائل إضافة إلى المناهج والمقررات الدراسية التي تبدي انبهاراً زائفاً بالحضارة الغربية، وبالايدلوجية الغربية (العلمانية) التي لا تعني العلم بقدر ما تعني فصل الدين عن السياسة, فما لقيصر لقيصر وما لله لله, غربوا العقل العربي.

لقد عانت أوروبا في العصور الوسطى, عصور التردي والانحطاط الأوروبي, من الديانة المسيحية المحرفة التي تمكن أحد اليهود ويدعى (شاؤل) من إفساد جوهر الدين المسيحي من خلال التحريف فيه, فثمة تعاليم في الديانة المسيحية المحرفة تصادم أصل الفطرة البشرية السوية, منها على سبيل المثال لا الحصر (إذا صفعك أحدهم في خدك الأيمن فأدر له الأيسر) بغية خلق مجتمع مسيحي أضعف بكثير من المجتمع اليهودي, فضلاً عن أن اليهود وفي معتقداتهم الباطلة يعتبرون البشر من غير اليهود مجموعة, بل قطيع من الحمير, على اليهود أن يركبوها ويستحمروها, ولذلك تمكنوا من إفساد التعاليم المسيحية وجعلوا من رجال الدين في العصور الوسطى أُلعوبة في أيدي الملوك والجبابرة والطغاة، حيث كان رجال الدين يقولون بالحق الإلهي للملوك في الحكم مقابل امتيازات كانت تعطى لرجال الدين كمنح الكنيسة ضمن الأملاك والإيرادات الزراعية لخزانة الدولة, مما دفع برجال الدين إلى التمادي في غيهم وتجهيل الشعب الأوروبي، حيث كان المسلمون في العصور الوسطى أهل دولة وحضارة سامقة, إذ كانت صقلية وطليطلة مركز إشعاع في مختلف العلوم وكانت تفرض في الجامعات الإسلامية ارتداء زي معين, فكان هنالك طلاب من أوروبا أحبوا أن ينهلوا من معين الحضارة الإسلامية السامقة, فكانوا يأتون إلى صقلية وطليطلة ويبحرون في بحار العلم والمعرفة والتقدم الحضاري المهول عند المسلمين الأوائل الذين درسوا كثيراً في حضارات اليونان والإغريق وأخرجوا للبشرية أعظم حضارة عرفتها البشرية على الإطلاق حتى الآن, فعبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أول من قال بكروية الأرض, فثمة كتاب قيم للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكار يجب على كل مثقف اقتناءه بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب"، حيث تبين سطوع شمس المعرفة العربية والإسلامية على ظلام أوروبا في العصور الوسطى وأن المسلمين هم المؤسسون الأوائل لمختلف العلوم وأن العرب والمسلمين هم بناة حضارة إنسانية راقية في شتى مناحي الحياة..

فأبو بكر الرازي وابن سيناء وغيرهم كانت لهم أيادٍ بيضاء في رقي المجال الطبي آنذاك, بل إن مؤلف الحاوي في الطب ما يزال يدرس في كليات الطب في جامعات أوروبا, هذا ناهيك عن أن أبوبكر الرازي أول من تعامل مع الأمراض النفسية والعقلية, فقال وأوحى ونقل المريض النفسي والعقلي إلى بلد مناخه نقيض المناخ للبلد الجديد, فالمريض النفسي والعقلي الذي يتواجد في بلد حار واستعصى عليه العلاج يجب أن ينقلوه إلى بلد مناخه بارد والعكس.. المهم أن الطلاب الأوروبيين في العصور الوسطى كانوا يأتوا إلى طليطلة وصقلية للاستزادة من العلوم المختلفة, بل ودراستها أمثال العالم الأوروبي كوبر والعالم الأوروبي جاليليوا, إذ كان معظم الطلاب الأوروبيين يعودون إلى أوروبا وهم منبهرون من حقيقة الحضارة العربية والإسلامية الشامخة, فقال أحدهم ـ كما تعلم من العرب والمسلمين ـ بأن الأرض ليست ثابتة كما كرس ذلك رجال الدين وإنما الأرض تدور ودورانها يكون حول نفسها ودوران آخر حول الشمس, فما كان من رجال الدين في الكنيسة إلا أن نعتوه بالهرطقة والجنون ونادوا بإعدامه, فدين مثل هكذا دين ورجال دين كمثل هكذا رجال دين لا ينفع معهم سوى الثورة على الدين المحرف ورجال الدين, فانتفضت أوروبا على مختلف المفاهيم والمبادئ والقيم الأوروبية الدينية بثورة فرنسا الصناعية وسقوط سجن الباستيل وتحول الشعوب الأوروبية من النظام الإقطاعي الزراعي المتخلف إلى النظام الرأسمالي وإلى الحياة العلمانية الجديدة التي تعني فصل الدين عن الدولة, بمعنى أن تنظم كافة شؤون ومناحي الحياة تنظيماً ليس فيه للدين لا ناقة ولا جمل, أي لا يتدخل الدين المسيحي المحرف في تنظيم شؤون الحياة وأن للدين ميدانه وحياته الخاصة في الكنائس, فهم لم يعودوا للحق وللدين الإسلامي الحنيف الذي علموا سالفاً أنه استطاع وتمكن من تشييد حضارة إنسانية راقية, بل اعتنقوا "العلمانية" كدين جديد, وهذا أرقى تعبير, وعزلوا دينهم المحرف عن أي تأثير من قريب أو من بعيد على واقع الحياة, لأن دينهم محرف ويصادم أصل الفطرة البشرية السوية على عكس الدين الإسلامي الحنيف الذي تسلم من الغواية والتحريف بتعهد الله عز وجل بحفظه قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، فالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة محفوظان إلى أن تقوم الساعة..

نعم هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي لا يصادم أصل الفطرة البشرية السوية, فالإسلام يعترف بالغريزة الجنسية, لذلك فهو لا يمنع الزواج ولا يبيح العلاقات الجنسية المحرمة, قال تعالى عائباً على ابتداع عدم الزواج وهو الرهبنة (ورهبانية ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان).. والإسلام يرتقي بالمشاعر والعواطف ويهذبها ولا يصادم أصل الفطرة البشرية السوية التي ترى في الحرب والقتال كرهاً موجعاً, فالله عز وجلا يخاطب المسلمين قائلاً (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم).. نعم يقر بأصل الفطرة البشرية السوية التي تكره القتال, بيد أنه يبصرها بقوله (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم).. والإسلام يربي على الشجاعة ولا يدفع للثأر والانتقام, غير أنه لا يربي المؤمنين على أن يرضوا الدنية, فيقول (والعين بالعين) ويقول (والسن بالسن)..
فهذا الإسلام صوره المحتلون للديار العربية والإسلامية على أنه مصدر للانحطاط والتردي وغربوا العقل العربي الذي كان ينظر للدين الإسلامي الحنيف نظره دونية ونظرة احتقار, وأنه- أي الدين الإسلامي الحنيف- من وراء تخلف الواقع العربي والإسلامي وأن الغرب لم يأتوا لاحتلالنا وإنما جاءوا ليستعمرونا من البناء والعمران.. وفي ظل التفريق الشديد في المدارس والجامعات عبر المناهج والمقررات الدراسية التي هدفت إلى مسخ الشخصية العربية والإسلامية وسلخها عن دينها الإسلامي الحنيف عن طريق التغريب والشبه والأقاويل والأراجيف التي كان يشيعها ويبثها أعداء الدين الإسلامي في ظل غياب دور علماء الإسلام وفي ظل غياب المعرفة الحقيقية والكافلة من أبناء الإسلام للدين الإسلامي الحنيف, فنشأ في ذلك الزمن الغابر جيل مغرب مقطوع الصلة عن وجوده وعن حضارته ودينه الإسلامي الحنيف حتى قامت ثورات التحرر التي أوقد شعلتها في الوطن العربي والإسلامي علماء الدين كعمر المختار في ليبيا والبناء في مصر والقسام وكتائبه في فلسطين، وغيرهم الكثير، حيث كتب الله عز وجل لمعظم الأقطار والأوطان العربية والإسلامية التحرر من قبضة المحتل الأجنبي الدخيل, بيد أنه التحرر المنقوص, ذلك لأن المحتل الأجنبي الدخيل كان في بلد يُسلم الراية لمن هو متشبع بأفكاره وبعبارة أفصح وأدق لعملائه في الديار العربية والإسلامية, ففي الوقت الذي يظن فيه القوم أن وطناً عربياً وإسلامياً تحرر من قبضة الاحتلال وبأن ثورتهم قد نجحت بخروج المحتل الأجنبي الدخيل حتى يفاجأوا بأنهم صاروا إلى احتلال أفضع من سابقه, لمحتلين من أبناء جلدتهم يحاربون الدين الإسلامي الحنيف علناً وسراً عن طريق إشاعة أجواء ومناخات الحرية المطلقة التي لا تتقيد بدين ولا شرع, فالمجون والدعارة وكل شيء لا يمت إلى الإسلام بأدنى صلة إلى محاربة الشريعة الإسلامية السمحاء والقول بتعطيل الحدود كحد السرقة وحد شارب الخمر وحد الزاني والزانية وحد القاذف, لأن ذلك- على حد زعمهم- تخلفاً ورجعية, كما يزعمون.. ولم يتوقفوا عند هذا الحد, بل تعدوه إلى مضايقة العلماء والقوى الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي وتهجير البعض وقتل الآخرين والتضييق على البعض في الحياة العامة وفي المدارس والجامعات والوظائف الحكومية المختلفة..

إلا أن الوطن العربي والإسلامي الكبير شهد يقظة عربية وصحوة إسلامية زلزلت كيان العملاء ومحت الران الذي اعتلى العقل العربي نحو إعادة صياغة وتشكيل للعقل العربي وأولئك هم علماء الأمة الإسلامية يعيدون الصياغة والتشكيل للعقل العربي من جديد, وتلك هي القوى والحركات الإسلامية تخوض غمار المعركة وتحقق انتصارات ساحقة وتلك هي ثورات الربيع العربي التي أطاحت بعروش الطغاة والجبابرة, إلا أنها أمام تحدٍ كبير وهو خلق وحدة بين المكونات الثورية يكون بمثابة التوافق على مجمل القضايا الوطنية والقومية والإسلامية, بحيث نتمكن من إعادة البناء للأنظمة العربية والإسلامية في دول الربيع العربي وغيرها لتنجح المسألة الشوروية والديمقراطية ولا تذهب إلى مزبلة الفشل كما حدث في مصر حينما انقلب العسكر على ديمقراطية مصر بمساعدة من بعض المكونات الثورية كالعلمانيين والليبراليين والاشتراكيين, فمهمة علماء الإسلام والقوى والحركات الإسلامية المعتدلة مهمة صعبة في تحرير العقل العربي من مختلف الشبه والأباطيل والعودة به إلى حضيرة الإسلام عن طريق إعادة الصياغة والتشكيل للعقل العربي.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد