أخيراً اتضح الأمر بجلاء بفهم المخطط العميق ابتداءً من ترشيح شفيق لإفشال الرئيس المنتخب، وعودة حكم الجيش إلى السطح، وظهور خارطة الطريق التي أعلنها الجيش، فمن السذاجة النظر إليها بحسن نية، إذ من الطبيعي أن يبادر مدبر الانقلاب إلى صياغة برنامج يقنع الناس بأنهم لا يريدون الحكم، وأنهم ماضون في تحقيق أهداف الثورة، لكن مزيداً من التدقيق في المشهد ينبغي أن يذكرنا بأن البلد قد وقع عملياً تحت وصاية العسكر، إلى جانب المحكمة الدستورية لصاحبها المخلوع مبارك، ومؤسسة الأمن الفاسدة وإذا ما قرروا بالفعل إجراء انتخابات رئاسية فسيرتبونها بطريقتهم، وسيصبغون قانوناً انتخابياً بطريقتهم أيضاً، فضلاً عن الدستور الذي سيعدل على النحو الذي يريدونه.
 إن الحديث عن فترة انتقالية لحكم العسكر ولم يحددوا الزمن، أو وصايتهم بتعبير أدق لا يعني أن المرحلة التالية للمرحلة الانتقالية ستفرز ديمقراطية حقيقية وإنما سيرتب ولديمقراطية ديكور على شاكلة تلك التي كانت موجودة قبل الثورة في مصر ودول عربية كثيرة، وهي ديمقراطية فيها برلمان وانتخابات، ولكنها مفرغة من المضمون الحقيقي أكان عبر صياغة قانون انتخاب مشوه، أم عبر تزوير ذكي، أم بكليهما معاً، سيحتاج الشعب المصري والحالة هذه إلى نضال طويل جديد، لكي يخرج من وصاية العسكر، أو من ديمقراطية الديكور إلى ديمقراطية مدنية تمثيلية حقيقية تعكس توازنات القوة في المجتمع وتحقق أهداف الثورة، وهو في العموم شعب عظيم وقادر على أن يفعل ذلك .
إن المرحلة التالية تتطلب منهم عملا دؤوباً من أجل تقوية صفهم وشعبيتهم، ومن أجل التحالف مع مزيد من القوة الرافضة (أولاً لإطالة المرحلة الانتقالية)، وثانياً لديمقراطية الديكور التي يتوقع أن يجري ترتيبها خلال المرحلة لمقبلة والتي ستكون مدعومة من الخارج أيضا لأجل التخلص من فكر الثورة وربيع العرب، وقد تكون مقبولة من بعض قوى المعارضة، لأنها قد تمنحها حصة سياسية أكبر من الانتخابات النزيهة و الحقيقية.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.