;

نقد العقل العربي :تكوين العقل العربي ..الحلقة «28» 3294

2010-08-22 05:12:43

صفحة من
كتاب


سؤال نستطيع أن نلتمس الجواب له من
خلال مراقبة تطور الجهاز المعرفي في الفكر العربي الإسلامي.
إن تنظير الخلافة
و"التشريع" للحكم كان يتطلب وجود "قواعد "للتفكير تستطيع أن تبرر الواقع وتقننه
بإضفاء الصبغة الشرعية عليه.
وهذه القواعد لم تتوفر للعقل العربي ، بشكل مضبوط،
إلا مع
الشافعي،
ولذلك فليس من الصدفة في شيء أن "يتقاعس" الفكر السني عن
تنظير الخلافة لمدة
طويلة ، حتى إذا استقرت "قواعد المنهج" التي وضعها الشافعي أصبح الكلام عن قضية
الخلافة "فرض عين" على كل مؤلف متكلماً كان أو فقيهاً ، ولكي ندرك أهمية الدور الذي
قامت به "قواعد " الشافعي في صياغة النظرية السنية في الخلافة ، وبالتالي في تأسيس
هذه النظرية ايبيستيمولوجيا ، لابد من مقارنة ولو سريعة بين الكلام السني في
الخلافة قبل الشافعي ونفس "الكلام" بعده.
أما أن يكون لأهل السنة رأي في مشكلة
الخلافة منذ قيام المشكلة ، فهذا ما لا جدال فيه، أوليست مشكلة الخلافة هي أساس
انقسام المسلمين إلى فرق : شيعة خوارج مرجئة. . إلخ؟ومع ذلك فإن المرء لابد أن يبتعد
عن الصواب إذا هو نسب رأياً واحداً بعينه لأولئك الذين لم يكونوا شيعة ولا خوارج
والذين يدخلون بسبب ذلك في إطار ما يسمى ب"أهل السنة والجماعة" لقد كان من بين
هؤلاء معارضون للحكم الأموي ، وكان منهم مؤيدون ، وسواء فعلوا ذلك بصمت أو عبروا
عنه من خلال مواقف عملية صريحة ، فإن شيئاً وأحداً كان يميزهم جميعاً وهو اعترافهم
بشرعية الخلفاء الراشدين الأربعة جميعهم ، بينما كان الشيعة يطعنون في خلافة أبي
بكر وعمر وعثمان ويقولون أن النبي أوصى بالخلافة من بعده لعلي بن أبي طالب ، ويجب
أن نستثني الفرقة الزيدية الشيعية التي كانت تعترف بإمامة كل من أبي بكر وعمر ، على
الرغم من اعتقادها في أفضلية علي وكونه أحق بالخلافة منهما. أما الخوارج فمعروف أنهم
اعترفوا بشرعية الخلفاء الأربعة إلى أنهم خرجوا عن علي بسبب "التحكيم".
بل يبدو
أن الخوارج هم أول من كان لهم موقف واضح من قضية الخلافة ، على الرغم من أن موقفهم
هذا لم يرق في يوم من الأيام إلى مستوى النظرية.
غير أن ما يلفت الانتباه حقاً
هو أن التنظير للخلافة ، سواء من طرف الشيعة أو من جانب التنظير لهذه المشكلة لم
يبدأ إلا حوالي منتصف القرن الثاني للهجرة ، أي مع بداية عصر التدوين ، ولقد كان
الشيعة أول من بادر إلى ذلك.
بالفعل بدأ الشيعة "الكلام " في الإمامة قبل أهل
السنة مما سيجعل موقف هؤلاء موقف دفاع، وبما أن دولة الإسلام كانت في ذلك الوقت -
منتصف القرن الثاني - دولة أهل السنة لا دولة الشيعة ، وبما أن الشيعة كانوا قد
انصرفوا آنئذ مع جعفر الصادق ، عن المعارضة العنيفة إلى المهادنة التكتيكية ، فلقد
اتخذوا من الطعن في "سياسة الماضي" قنطرة للطعن في سياسة "الحاضر" الشيء الذي سيجر
أهل السنة المدافعين عن دولة "الحاضر" إلى الرد على المطاعن الشيعية الموجهة إلى
"سياسة الماضي"، فيشاركونهم هكذا في ممارسة السياسة في الماضي من أجل الحاضر ، ومن
المفارقات العجيبة أن الشيعة الذين بنوا نظريتهم في الإمامة على "النص"، أي
"الوصية"، قد اعتمدوا "الرأي" في إثبات أن الخلافة لابد أن تكون بالنص نظراً
لأهميتها وخطرتها ، وانه "لا يعقل" أن يترك النبي الأمر من بعده فوضى فلا يوصي لأحد
، أما أهل السنة الذين لم يكونوا يتوفرون بعد على "أصول" منهجية ونظرية ل"الكلام"
في هذه المسألة ، فلقد سلكوا مسلك أهل الحديث في معارضة نظرية الشيعة.
وهكذا
لجأوا إلى التاريخ لإثبات أن الخلافة ب"الاختيار" وليس بالنص ، والتاريخ عندهم هو
"سيرة السلف الصالح" التي تقوم مقام النص عند غيابه، لقد لجأ الشيعة إلى "الرأي"
لإثبات وجوب "النص" ولجأ أهل السنة إلى "الأثر"- وهو يقوم مقام النص عندهم - لإثبات
وجوب" الاختيار"، أي الرأي.
لعل أقدم كتاب سني وصلنا في هذا الموضوع هو كتاب
"الإمامة والسياسة" المنسوب للمؤرخ الكبير والمؤلف السني الواسع الاطلاع أبي محمد
عبدالله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري "213-276ه" وعلى الرغم من الشكوك التي تحوم
حول صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة، وعلى الرغم من الهنات والأخطاء التي سجلها
عليه الباحثون المختصون، فإنه يبقى مع ذلك أول محاولة سنية في الكلام في الإمامة
بمنهجية أهل السنة الأوائل :منهجية الرواية والإسناد والتعبير عن الرأي من خلال عرض
"الوقائع" ، وبالإضافة إلى أن الكتاب محكوم من داخله بمنطق الرد على الشيعة ، فإنه
يعكس في ذات الوقت موقف أهل السنة من دولة أهل الخلافة يوم أن كانت نفوذ
المعتزلة.
والواقع أن ما يلفت النظر في الكتاب ، بالإضافة إلى منهجية في التعبير
السياسي هو بدايته وخاتمته ، أن صاحب "الإمامة والسياسة" يسكت تماماً عن عهد النبي
ليبدأ مباشرة بسرد الروايات التي تبرز "فضل أبي بكر وعمر" ثم ينطلق في عرض الأخبار
والروايات التي تتعلق بالخلفاء من أبي بكر إلى هارون الرشيد ، ويختم المؤلف كتابه
قائلاً:"قد تم بعون الله تعالى ما به ابتدأنا ، وكمل وصف ما قصصنا من أيام خلفائنا
وخير أئمتنا ، وفتن زمانهم وحروب أيامهم وانتهينا إلى أيام الرشيد ووقفنا عند
انقضاء دولته ، إذ لم يكن في اقتصاص أخبار من بعده ، ونقل حديث ما دار على أيديهم
وما كان في زمانهم، كبير منفعة ولا عظيم فائدة وذلك لما انقضى أمرهم وصار ملكهم إلى
صببة أغمار غلب عليهم زنادقة العراق فصرفوهم إلى كل جنون وادخلوهم إلى الكفر ، فلم
يكن لهم بالعلماء والسنن حاجة ، واشتغلوا بلهوهم واستغنوا برأيهم.
واضح من هذا
النص أن المؤلف سني متشدد ، وأنه يعني ب"زنادقة العراق": المعتزلة وواضح كذلك من
سياق النص أن الكتاب كتب بعد خلافة هارون الرشيد وقبل الانقلاب السني الذي حدث في
عهد المتوكل الذي "أمر بترك النظر والمباحثة في الجدال والترك لما كان عليه الناس
أيام المعتصم والواثق ، وأمر الناس بالتسليم والتقليد وأمر الشيوخ المحدثين
بالتحديث ، وإظهار السنة والجماعة" وكان المتوكل قد ولي الخلافة سنة 232ه وإذن
فالكتاب ألف قبل هذا التاريخ وبعد سنة 193ه، سنة وفاة هارون الرشيد.
لقد أشرنا
قبل أن الكتاب ينطلق من بيان "فضل أبي بكر وعمر" وعلينا الآن أن نضيف إلى هذا أن
المنطلق يشمل أيضاً "استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر. . وذكر السقيفة
وما جرى فيها" ، لقد كلف الرسول خلال مرضه الأخير أبا بكر للصلاة بالناس نيابة عنه
. وتأتي الرواية التي ينقلها صاحب كتاب" الإمامة والسياسة" إلا أن تجعل هذا التكليف
ذا دلالة خاصة أمام محاولات عائشة جعل التكليف ينصرف إلى عمر ، وإصرار النبي على
إحضار أبي بكر بالذات ، وحسب منطق الرواية فإنه ما دام النبي قد استخلف أبا بكر ،
وبإلحاح في الصلاة نيابة عنه ، والصلاة هي "الإمامة الصغرى" ، فإن ذلك يعني أنه
يشير على أصحابه أن يولوه الخلافة أي "الإمامة الكبرى" إ،ها سابقة يجب أخذها
كنص.
بالفعل لقد تم الادلاء بهذه السابقة وبسوابق أخرى في اجتماع سقيفة بني
ساعدة ، ذلك الاجتماع المشهور الذي حُسم فيه في أمر الخلافة بعد النبي لقد أسفر
النقاش ، بل الصراع ، في نهاية الأمر عن مبايعة أبي بكر والواقع أن هذه هي الحقيقة
التاريخية الوحيدة.


الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد