الشيخ الدكتور/ عبد الناصر الصانع- أستاذ الحديث وعلومه بجامعة إب لـ"أخبار اليوم":

المشهد اليمني معقد والسياسيون يضحون بالمبادئ لأجل المصالح

2014-04-05 11:36:47 حاوره / قائد الحسام

يقول الشيخ الدكتور عبد الناصر الصانع أستاذ مادة الحديث وعلومه بجامعة إب أن المشهد اليمني معقد ويتعمد فيه خلط الأوراق, ويرى أن اللاعبين السياسيين في الداخل يضحون بالمبادئ مقابل المصالح ولذا يتحالف اليوم أداء الأمس دون النظر إلى الضرر, مشيراً إلى أن اليمن ناقة الله من عقرها عقره الله.

وحذر الصانع في حديثه لـ" أخبار اليوم" من خطر الحوثيين سواء أفكارهم التي وصفها بالمنحرفة أو تنفيذه أجندة خارجية أو حمله للسلاح وممارسة القتل التي تعد- حد قوله هواية ممتعة لجماعة الحوثي.. محملاً الدولة مسئولية جرائم الحوثي.. كما تناول أستاذ الحديث وعلومه بجامعة إب العديد من القضايا الهامة.. نص الحوار...
اعتبر القتل هواية الحوثي الممتعة وحمل الدولة مسئولية جرائمه


*ما هي نظرتكم لمخرجات الحوار الوطني؟

-بداية أشكرك أخي قايد، وأشكر صحيفة أخبار اليوم على إتاحة الفرصة من خلال هذا الحوار للمشاركة في الحراك الثقافي والفكري في الساحة اليمينة.. وبالنسبة للسؤال : الحوار عموما طريق لحل وحلحلة الكثير من المشاكل.. وصاحب الحق لا يخشى من الحوار لأن الحق أقوى من الباطل بلا شك، ولكن المأخذ على الحوار أنه لم يجعل له مرجعية يحتكم إليها المتحاورون.. ونحن – المسلمين – لا شك أنه يجب أن تكون مرجعيتنا الشريعة الإسلامية.. فهذا أمر.. والمأخذ الثاني أن في تشكيلة الحوار خللا من بعض الجوانب، منها إغفال شرائح لم تمثل في الحوار مع أهمية وجودها وعلى رأسهم العلماء.. فقد غيبوا عمداً.. وتجاهلهم الواضعون للقوائم المشاركة في الحوار.. ومنها أنهم اعطوا بعض الفئات أكثر مما يستحقون.. لأمر يعرفه الكثير ويجهله أو يتجاهله آخرون.. ولذلك فقد وجد في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني مواد لا يرتضيها أهل العلم وأبرزها قضيتان كبريان وخطيرتان، وهما: الأولى ما كان من مخرجات الحوار مما يخالف الشريعة الإسلامية أو يتجاهلها ولا يلقي لها بالاً.

 والثاني : قرارات وتوصيات قد تؤدي إلى تمزيق البلاد وتقسيمها أو وضعها تحت وصاية الأجنبي, وهذا الجانب الذي سألت عنه قد نبه عليه علماء اليمن، ويظهر عند المقارنة بين ما ينص عليه الدستور الحالي وبين وثيقة مؤتمر الحوار، فمثلا: الدستور ينص على أن الشريعة مصدر جميع التشريعات، بينما حورت المادة في الوثيقة إلى ( الشريعة مصدر التشريع ..... ص 93 فقرة رقم 9، ولا أدري ما هي المشكلة عند قوم مسلمين من أن تظل العبارة على ما كانت عليه.

 كما تم حذف من شروط عضو مجلس النواب أن يكون مسلماً, ص 96، وحذف في شروط رئيس الجمهورية وكبار مسؤولي الدولة شرط أن يكونوا ملتزمين بالشعائر الإسلامية. ص 109، 110. وفي الوثيقة حُذف من اليمين الدستورية النص على التمسك بالكتاب والسنة والحفاظ على الوحدة ... ص 110رقم ( م ). وفيما الدستور الحالي ينص على أن " الردة عن الإسلام جريمة وعقوبتها الإعدام ", هذه المادة لا وجود لها في وثيقة الحوار الوطني، وقرر مكانها حرية اعتناق أي أفكار أو عقيدة أو آراء أو مذهب.

في وثيقة الحوار لا يجوز أن يقوم حزب على أساس ديني.. بينما كان قبل ذلك : منع قيام أي حزب تتعارض مبادئه وبرامجه ووسائله مع الدين الإسلامي الحنيف.

 انظر ص 75 فقرة رقم 126 ، ص 87 فقرة رقم 4 ، 2 / 233 رقم 16. كما أن الدستور الحالي ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نص قانوني.. فحذفت كلمة : بنص شرعي .. ص 2 / 205 رقم 109، وفي المقابل تكرر في وثيقة الحوار الوطني إلزام الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلام العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي، وإلزامها بتغيير كافة القوانين للتوافق مع هذه المواثيق: ص 87 فقرة رقم 7، ص 93 فقرة رقم 5، و ص 107 رقم 3.. واعتبار ذلك إحدى ضمانات صيانة الحقوق والحريات 2 / 212 رقم 226 ، و2 / 233 رقم 19. ومن مخرجات الحوار أيضاً: فرض كوتا نسائية على الناخبين في مجلس النواب وغيرها من مؤسسات الدولة، وهذه النقطة تكررت عند غالب فرق العمل في المؤتمر.. ص 97 ، و ص 104 رقم20، و ص 114 رقم 67، و ص 118 رقم 129، ص 2 / 160 رقم ج، 2 / 192 رقم 82 ، 2 / 223 رقم 78 . 2 / 231 رقم 18. وكذا منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة ومعاقبة من يفعل ذلك.. 2 / 174 رقم 3 .. 2 / 209 رقم 166، 167، وجاء في الوثيقة تعريف الطفل بأنه كل من لم يبلغ 18 سنة ( 2 /210 ) رقم 178 !!!، وأنه لا يجوز سن قوانين تعاقب من هم دون سن الثامنة عشرة ... 2 / 194. ولأجل ذلك بين العلماء - ولا زالوا - للأمة، ويدعونهم إلى القيام بواجبهم في الحفاظ على وحدة اليمن، وهويته الإسلامية.. وهنا سؤال: لماذا يخاف البعض من كلمة الشريعة والنص الشرعي مع أنهم مسلمون ويفتخرون بذلك، وفي المقابل يؤكدون على احترامهم للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.. أدعو الجميع إلى مراجعة الآيات من 60 – 63 من سورة النساء على سبيل المثال .

*جرائم تهجير السلفيين في دماج هدم دور العبادة والمدارس – تواطئ الدولة مع جماعة الحوثي وتحكيمهم مؤخراً بدلاً من محاكمتهم لقتلهم الجنود في عمران الدولة تدعم جماعة الحوثي وتسلم لهم البلد كيف تنظرون الى هذه القضية؟

-تهجير أهل صعدة – وليس أهل دماج وحدهم – فأنت تعلم أن هناك مهجرين آخرين - وهدم المساجد ودور القرآن ومراكز العلم يعطيك الصورة الحقيقة لمشروع الجماعة الحوثية، ويبين لك سبب سكوت أمريكا التي يهتفون بموتها عند تدمير كل مسجد أو مركز، وأما الدولة فقد تحملت بسكوتها على هذه الجرائم أثماً عظيماً، وضعفت ثقة الناس بها، حيث صارت تمثل دور الوسيط فقط.. وهي بضعفها تغري هذه الجماعة بمزيد من التمرد والتوسع، وواجب الدولة في الإسلام حماية الضعفاء، والأخذ على يد الظالم المعتدي، وردعه عن ظلمه وبغيه وعدوانه.. والواقع يشهد أن الخطر إذا نزل فلن يستثني أحداً، ولعل وراء الأكمة ما وراءها.. وهذه صرخة نذير لكل العقلاء والصادقين والمخلصين مع هذا الوطن وعقيدته، والأمر كما قال نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان، حيث استشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر، فاستغاث بالخليفة، وأعلمه حال أبي مسلم، وخروجه، وكثرة من معه، ومن تبعه، وأخبره بغوائل الفتنة القائمة، ودواهي الكارثة القادمة، إن لم ينجده بمدد من عنده، فكتب ينذره ويحذره شعراً:

أرى تحت الرماد وميض جمر    ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكى         وإن الحرب أولها كلام

فإن لم يطفها عقلاء قومي       يكون وقودها جثث وهام

فقلت من التعجب : ليت شعري       أأيقاظ أمية أم نيام

فإن يقظت فذاك بقاء ملك           وإن رقدت فإني لا ألام

فإن يكُ أصبحوا وثووا نياماً       فقل : قوموا فقد وجب القيام

ففري من رحالك ثم قولي      على الإسلام والعرب السلام

ولكن الخليفة انشغل عن نصرة واليه بقتال بعض الخارجين عليه، فأخذ يبث همومه وشجونه إلى العرب في المدينة، محاولاً أن يستثمر نخوتهم الدينية وعزتهم القومية، وناشدهم أن يكفوا عن الاقتتال فيما بينهم، وأن يجتمعوا على كلمة سواء، توحد سواعدهم وقلوبهم للوقوف بوجه أبي مسلم وخطره الذي أصبح يهدد وجودهم ومصيرهم فكتب يقول شعراً:

أبلغ ربيعة في مرو وإخوتها       أن يغضبوا قبل ألا ينفع الغضبُ

ما بالكم تلقمون الحرب بينكم      كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ

وتتركون عدوا قد أظلكم          فيمن تأشب لا دين ولا حسبُ

ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم     ولا صميم الموالي إن هم انتسبوا

قوم يدينون دينا ما سمعت به      عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ

فمن يكن سائلي عن أصل دينهم      فإن دينهم أن تُقتل العربُ .

وكانت قصيدته أول إشارة نذير للأمويين من خطر قيام الدولة العباسية وسقوط الدولة الأموية.

*من يتحمل مسئولية إراقة دماء الجنود من قبل الحراك المسلح والقاعدة في الجنوب ودماء المواطنين في الشمال من قبل الحوثة؟

-حقيقة عندما نرى ونسمع ونشاهد ونتابع عمليات القتل الذي يحصل لرجال مسلمين ونساء مسلمات سواء كانوا مدنيين أو عسكريين على أيدي أناس ينتسبون للإسلام ، فجماعة الحوثي قتلت ولا تزال تحمل السلاح للقتل في صعدة وحاشد وأرحب وهمدان وحجة وعمران والجوف و .. و قتلت العسكريين والمدنيين، وكذلك استهدفت الجنود والضباط ورجال الأمن والقوات المسلحة في ثكناتهم العسكرية أو أماكن مرابطتهم في النقاط العسكرية في الجنوب.. عندما نرى ذلك ويصبح القتل أمراً سهلا وكأنما يمارسون متعة أو هواية، فإن ذلك يدل على انحراف في الفهم، وخلل في المعتقد.. فمن يكفر الصحابة ويكفر من يحب الصحابة ويتولاهم لا تستبعد أن يحمل السلاح ويقتل.. ومن غلا في الحكم على الآخرين بالكفر فليس ببعيد عنه حمل السلاح والقتل.. ومنهج أهل السنة والجماعة برئ من ذلك كله.

 فأهل السنة أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق، ومع ذلك لا يزال أولئك الذين لم يسلم منهم صحابة رسول الله ولا أمهات المؤمنين يرمون غيرهم بالتكفير، من باب رمتني بدائها وانسلت!

*كيف تقيم موقف حزب الإصلاح مما يدور في الساحة كحزب يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة والبلد تنهار يوماً بعد أخر؟

-حزب الإصلاح حزب كبير وله انتشار واسع في البلاد، ويمتلك قاعد جماهيرية كبيرة كما ذكرت، وينتظر منه الدور الكبير بل الأكبر في حماية البلاد وحراسة الشريعة، ونسأل الله أن يوفق قياداته إلى سواء السبيل، ولما فيه صالح البلاد والعباد، وما ينتظر منه أكثر بكثير مما عليه الوضع الآن، وأملنا أن يعود الإصلاح إلى ما كان عليه سابقاً، وأن يعيد للعلماء دورهم في قيادته وتوجيهه، فأنا لا أكاد أقتنع أن يظل الإصلاح متفرجاً وهو يرى المشروع الإيراني، ومشروع علمنة البلاد وتمزيقها ثم لا يحرك ساكناً.. وأتمنى أن يعطي الإصلاح للجماهير رسائل تطمين في هذا الصدد، وأن يكون له مواقف تعزز مكانه في الشارع اليمني، حتى لا يفقد ثقة الجماهير التي تعلق عليه الأمل بعد الله..

*ماهي قراءتكم للمشهد اليمني وما المخرج مما نحن فيه؟

-المشهد اليمني مشهد معقد، ويُتعمد فيه خلط الأوراق، والأحداث تتسارع بشكل كبير، ولا نثق إلا بالله ثم بالصادقين من أبناء هذا البلد والأمة الإسلامية، فالغرب الصليبي لا يريد للمسلمين خيرا، وهمه مصالحه، ونشر ثقافته الغربية، وسياسة الدول تتقلب بحسب المصالح والأهواء، واللاعبون السياسيون في الداخل يضحون بالمبادئ لأجل المصالح، ولذا يتحالف اليوم أعداء الأمس، دون النظر إلى ما يجره هذا التحالف من ضرر على دين الأمة ووحدتها واستقلالها.. ولا مخرج إلا بالعودة الصادقة إلى الله تعالى، وأن يقوم كل من له قدرة على فعل شيء بما يجب عليه ويقدر عليه حفاظاً على هوية الامة ووحدتها ودينها وعقيدتها.. وأملنا في الله كبير أن يحفظ اليمن من كل سوء.. فاليمن – كما قال بعضهم – ناقة الله، من عقرها عقره الله.

*من الأخطر على اليمن الحوثة أم القاعدة أم لوبي المصالح بين السياسيين؟

-يا أخي كل ما خالف الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح فهو خطر على الأمة تحت أي راية وتحت أي شعار، وتحت أي مسمى، ولن يصلح الأمة والبلاد والعباد إلا الصدق مع الله والصدق مع الوطن، فالفرقاء السياسيون والمصالح الضيقة ستظل معول هدم في جسم هذا البلد لغياب الخوف من الله، وغياب الصدق مع الله ومع الناس، وكلهم يتكلمون باسم الحرص على الوطن، وحماية مصالح الشعب، وكلاً يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ... والحوثيون خطرهم من حيث أنهم يحملون أفكاراً وعقائد منحرفة لا تمت للإسلام بصلة، ولا يعرفها أهل اليمن الذين هم على الكتاب والسنة ومحبة الصحابة، وتعظيم الحرمات، كما أن خطرهم أيضاً يأتي من حيث أنهم ينفذون أجندة خارجية، ويحملون السلاح للقتل في أبناء اليمن مدنيين وعسكريين، ولو أنهم زيدية - كما يزعمون – فلماذا لا ينشرون فكرهم بالحجة والحوار، ونحن على ثقة أن الحق أقوى من الباطل.. ولكن حمل السلاح هو وسيلة المفلسين من الحق والحقيقة.. ويتأكد خطرهم عندما نرى سكوت الغرب ورضاه عنهم.. ولا سيما وهم يرونه يقتل اليمنيين المسلمين ويهدم المساجد وينسف دور القرآن ويخرب مراكز العلم.. فلماذا يقف الغرب أمامه وهم يقومون بدور كبير في خدمة المشروع الغربي التغريبي في اليمن.. وكذلك ما يحصل من بعض الشباب المحسوبين على ما يسمى ( القاعدة ) من الغلو في التكفير واستباحة دماء الجنود والضباط ورجال الأمن لا شك أن خطأ ولا نقره ولا نرضاه .

*النظام الفدرالي هل سيحل مشاكل اليمن؟


-في البداية نؤكد ونذكر أن إقرار التقسيم إلى أقاليم ليس قراراً نافذاً ولا تشريعاً قانونياً معمولاً به، إنما هو مخرج من مخرجات الحوار الوطني، ولن يكون قانونياً ونافذاً إلا بعد أن يصبح نصاً دستورياً ومن ثم الاستفتاء عليه، وفي هذه الحالة فإن الاستفتاء هو الحكم والفصل في إقرار الأقاليم من عدمه.

ولست مطمئناً لما سيكون عليه الوضع بعد التقسيم - إن حصل - لعدة أمور: أولها أن الفيدرالية يمكن أن تكون إيجابية إذا كانت بين دول متفرقة، ظهرت لها حاجتها إلى التعاون فوضعوا نظام الاتحاد الفيدرالي كخطوة أولى نحو التعاون والاندماج، ولكن عندما يكون عندنا دولة واحدة موحدة ثم نسعى إلى تقسيمها أولاً ثم نجعلها دولة اتحادية ثانياً.. وكل ذلك تحت ضغط المطالبة بفك الارتباط، واستعادة دولة الجنوب، ومع تدخل العنصر الخارجي الذي لا يريد خيراً للبلاد ولا للعباد، بل الأحب إليه هو تمزيق البلاد وإضعافها... ومع ضعف الدولة المركزية عن بسط سيطرتها على بعض مناطق اليمن في ظل الدولة الموحدة.. فكيف سيكون الأمر في ظل الدولة الاتحادية ؟

وثانياً: أن التقسيم كان على أساس تشطيري فقد تم أولاً تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب بحدود عام 1990م ، ثم تقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم والجنوب إلى إقليمين.

 وثالثاً: كل هذا يعطينا مؤشرات أنه قد يؤدي إلى خلق مشكلات جديدة وأزمات مركبة، وقد يؤدي إلى الدخول في مرحلة من الصراعات المناطقية والطائفية والصراع على الهوية والانتماء الجغرافي والسكاني، والصراع على السلطة والثروة على خلفية التقسيم والأقاليم والفيدرالية والدولة الاتحادية.

*لجنة صياغة الدستور التي تواصل أعمالها حالياً لماذا يقل تمثيل علماء اليمن في لجنة هامة تصيغ دستور للبلد برايك؟

-كل العلماء مغيبون ومقصيون منذ بداية الحوار. بل أنا أقول أنهم كذلك منذ بداية الاحتجاجات والمظاهرات. فهم لم يستشاروا في شيء مما جرى، ولكنهم تعاملوا مع شيء واقع، فمنهم من أيد، ومنهم من عارض، ومنهم من توسط بحسب ما ترجح لديه من نظر في الأحداث ودوافعها والنظر في مالاتها.. فلما جاء الحوار لم ينصفهم أحد، فلم يمثلوا إلا بعدد ( خمسة ) أعضاء فقط، ولكن العلماء لم يقبلوا بذلك؛ لأن القائمين على الحوار لم يقبلوا أن تكون الشريعة مرجعية المتحاورين، ولأن هذا العدد لا يعطي العلماء حجمهم الحقيقي في الحوار.. ومع ذلك لعل الله أن يجعل في وجود الشيخ محمد العامري عضو لجنة صياغة الدستور البركة مع الصدق والإخلاص والنصح، والناس منتظرون بما سيخرجون به من نصوص دستورية.. ثم لكل حادثة حديث.

*كيف تنظرون للأحداث بمصر وسوريا وإلى أين ستصل؟


-الأحداث في كثير من البلاد الإسلامية مؤلمة بلا شك، وتحزن القلب وتدميه، والحال من بعضه كما يقال، ولعل ما حدث ويحدث هو نوع من عقوبة الله تعالى بسبب شرود الناس عن الله وعن منهج الله – حكاماً ومحكومين - كما قال تعالى: " أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ " [ الشورى :30 ]، وما يحدث من كوارث واقتتال هو ضريبة تدفعها الأمة بسبب كثرة الخبث الذي انتشر في أوساطهم عبر عقود من الزمن ، والمخرج في قوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " [الرعد : 11].

والوضع في مصر يحتاج إلى مصالحة حقيقية تؤدي إلى تهدئة الوضع في الشارع المصري، وتحقن دماء المصريين، وتحفظ لهم وحدتهم الوطنية، وعلى الإسلاميين أن يترفعوا عن لغة التخوين لبعضهم البعض، ويعملوا على رأب الصدع وتقريب وجهات النظر، كما يجب على الإسلاميين أن يتنبهوا حتى لا يستدرجوا إلى معارك غير متكافئة يخسرون فيها أكثر مما يربحون .

*من خلال عملكم أستاذ جامعي في جامعة إب ماهي أبرز هموم التعليم الجامعي في بلادنا والحلول باختصار؟


-التعليم الجامعي في اليمن متأثر بالوضع العام في اليمن، وهو يحتاج إلى تأهيل الكادر الجامعي، وتشجيع مجال البحث العلمي، ويحتاج إلى التوسع في البنية التحتية– كما يقولون– للجامعات اليمنية من حيث توفير القاعات الكافية والمكتبات العلمية المتكاملة والمهيأة، وتوفير المعامل اللازمة للتطبيق العملي وسائر متطلبات الدراسة والبحث والتجريب، وتشجيع المبرزين والاستفادة من الطاقات والمواهب.. وبالنسبة للطالب الجامعي فيحتاج إلى مزيد من الاهتمام في بناء شخصيته العلمية والبحثية بتقليل عدد الطلاب في قاعة الدرس والمحاضرة ليتأهل بعد تخرجه أن يعطي ويساهم في بناء الوطن، ويحتاج إلى أن يعامل معاملة حسنة تليق به كطالب جامعي تحوطه بالرعاية والاحترام والتقدير.. ومن ذلك التأكيد على ارتباطه الوثيق بدينه وعقيدته وهويته الإسلامية واعتزازه بانتمائه لأمة الإسلام.. ولا سيما التخصصات العلمية البحتة أي في غير أقسام الدراسات الإسلامية واللغة العربية.. حيث نلاحظ أن الطالب يحرم طوال فترة دارسته من دراسة ما يتعلق بالدين والفقه والشريعة، اللهم إلا متطلب ( الثقافة الإسلامية ) في سنة أولى فقط... ثم هو يحتاج بعد تخرجه إلى استيعابه في المجتمع فيجب أن يصاحب ذلك توسع في البنية التحتية للمجتمع تستوعب المخرجات وتستفيد من خبراتهم وقدراتهم ومواهبهم .

 وعلى الدولة أن تتوجه نحو فصل الذكور عن الإناث في التعليم الجامعي لما للاختلاط من أثر سيء على الشباب والفتيات..

*كان لكم زيارة إلى دولة الكويت قبل فترة فما طابع الزيارة؟ وما طبيعة لقاءكم بالشيخ عبدالرحمن عبدالخالق؟


-كانت زيارة باستضافة من وزارة الأوقاف بالكويت، لألقاء بعض الدروس والمحاضرات في عدد من مساجد دولة الكويت، وتيسر لنا تسجيل بعض الحلقات في قناة المعالي الفضائية عن الأخلاق الإسلامية، وأما اللقاء بالشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -حفظه الله-، فقد كان لقاء عابراً في بعض الملتقيات الدعوية ما يسمى عندهم في الكويت بـ ( الديوانية ).

*قدمتم العديد من الحلقات التلفزيونية لفضائية المعالي الكويتية حول الأخلاق هل تعتقدون أن أمتنا اليوم في العالم العربي والإسلامي في أزمة أخلاق؟


-بلا شك أن أمتنا اليوم تعيش عدداً من الأزمات منها ( أزمة أخلاق )، ولكن أكبر مشكلة من وجهة نظري هي مشكلة الجهل الضارب أطنابه في أعماق الأمة: الجهل بدينها، والجهل بعقيدتها، والجهل برسالتها، ومن الأخطاء في الخطاب الديني اليوم جنوحه نحو العقلانية والمادية وإغفاله الجانب الإيماني العقدي والغيبي في خطابهم الديني.

فانظر إلى ارتباط الاقتصاد والرفاهية المادية بالإيمان والتقوى، قال تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون "، ففي هذه الآية الكريمة ، بيان أن الإيمان والتقوى أهم أسباب الازدهار في الاقتصاد الإسلامي، وهما سبب للبركات والرفاه، كما يقول الاقتصاديون، أن هدف الاقتصاد هو تحقيق مجتمع الرفاهية.

 فالله تعالى يقول في هذه الآية، إذا أردتم اقتصاداً سليماً، يحقق الرفاهية، فعليكم بتقوى الله عز وجل والإيمان.. ومما يدل على ذلك قوله: " لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " رواه ابن ماجه ، وفي هذا تأكيد للعلاقة بين الإيمان والاقتصاد الإسلامي.

ومن ذلك : عندما نتكلم عن عجز الأمة وضعفها وتداعي الأمم عليها نرى بعض المفكرين يركز على الأسباب المادية مثل تأخرها التقني والعسكري وتفرقها، والحقيقة أنه سبب هام بلا شك، ولكنه ليس السبب الرئيس؛ لأن سنة الله اقتضت أن النصر الحقيقي لأمتنا لا يتحقق إلا بالعودة الصادقة إلى خالقها والاستقامة على دينه، قال سبحانه وتعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " [ الرعد ال: 11 ]، وقد لوحظ على بعض الدعاة والمصلحين والمفكرين التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من التحدث عن الأسباب السياسية والمادية أكثر من النظر إلى الخلفيات الشرعية المتعلقة بهذه الأحداث.. ودون التركيز على الحل الجذري والحقيقي الذي يصل إلى قلب كل مسلم ويقينه بما يشعره بواجبه في التغيير.. وينسب كثير من الدعاة والمصلحين خروج الأمة من تخلفها وهوانها إلى الجهاد والوحدة التي تحقق للأمة عزتها، ولا شك أن هذا تذكير نحتاجه، لكن كيف الجهاد، وما هو السبيل إلى الوحدة المنشودة؟ إذا لم تكن العودة الصادقة إلى الله والاعتصام بشرعه ودينه أولاً، فالأمة اليوم في حاجة ماسة إلى خطاب دعوي يعرض بطريقة مفصلة دقيقة تبين مسؤولية كل فرد ودوره في البناء والتغيير.. بدءا باستقامته على دينه وعقيدته، وتمسكه بشريعته واعتزازاه بها.

*ذكرت أنكم كنتم في استضافة وزارة الأوقاف بالكويت، فهل سبق وأن نظمت لكم وزارة الأوقاف والإرشاد في بلادنا برامج دعوية أو دعتكم للمشاركة ؟ ولماذا؟

-للأسف أقول أن السمة البارزة في مكاتب الإرشاد التابعة لوزارة الأوقاف في اليمن هي الركود والكسل الدعوي والإرشادي، واجدها مناسبة لتذكيرهم بواجبهم في تنشيط جانب الدعوة والإرشاد، وتنظيم المحاضرات والندوات والمؤتمرات سواء في المساجد أو القاعات الكبرى في المحافظات أو حتى في السجون لإصلاح السجناء وتعليمهم أمور دينهم.. فلماذا نكون في يمن الإيمان والحكمة أقل من غيرنا.. أو تكون مكاتب الإرشاد جسداً لا روح لها.. أتمنى من القائمين على هذه المكاتب أن يقوموا بواجبهم في نشر الخير والدعوة، والدعاة والعلماء وطلبة العلم والمرشدون موجودون ولن يترددوا في الاستجابة للمشاركة في هذه الأنشطة التوعوية والإرشادية وهو كثر والحمد لله ...

*تهتمون كثيراً بالعمل التربوي والمحاضن التربوية لماذا هي بالذات؟

-فلا شك أن العمل التربوي يعتبر حجر الزاوية بل أساس البناء، ومهما اختلفت وجهات النظر في طريقة الدعوة والتغيير والإصلاح، تبقى قضية التربية والدعوة هي الحجر الأساس، والركن الركين، والقضية الكبرى التي يتوقف عليها التغيير نحو الأفضل، ولن يتحقق التغيير الإيجابي لمن طلبه وسعى إليه إلا بالتربية والدعوة والاستمرار في ذلك، وعدم التوقف أو التردد أو التشكك في هذه القضية.. ولكن عمل دؤوب، وإصرار على تبليغ دين الله تعالى ، وتربية للأمة على منهج الله الحق: منهج الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح .

إن أي جماعة تتخطى هذه القضية، أو تفرط فيها، أو تقدم غيرها عليها، لن تكون ممثلة للإسلام الحق، ولن تقدم التغيير الحقيقي الذي ينشده الإسلام.. بل ربما تكون بانحرافها عن هذا الطريق تؤدي بالأمة إلى الانتحار، والزج بها في متاهات حقيقية .. وصراعات وويلات ... وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. إن من يظن أن الاشتغال بالتربية ضياع للوقت، حتى إنه ليسأل أو يتساءل: إلى متى نظل نربي، ومتى نبدأ العمل لخدمة الدين؟! من كان كذلك عليه أن يراجع نفسه.. ويراجع منهجه.. فإذا لم تكن التربية والدعوة عملاً وجهاداً من أرفع مستويات الجهاد.. فماذا نسميه.. وما هو نوع العمل المطلوب في أذهان هؤلاء؟!

إن التربية هي مهمة اصطناع الرجال: " واصطنعتك لنفسي ".. صناعة الإنسان المسلم الحقيقي الذي يحمل الإسلام فيعمل به في خاصة نفسه، ويدعو غيره إليه ويجاهد في سبيله، ويوالي ويعادي عليه، ويصبر على الأذى من أجله.. والتربية عملية مستمرة وعملية تراكمية لا يمكن أن تتوقف في أي وقت، ولو كانت في ظل الخلافة الراشدة، فإن الدعوة كما توجه للعصاة والمعرضين توجه كذلك للمستجيبين الطائعين فالذكرى تنفع المؤمنين، والإيمان يزيد وينقص، فلا غنى للفرد والجماعة عن التربية في أي وقت وتحت أي ظرف.

*كلمة أخيرة تودون إضافتها في ختام هذا الحوار؟

-أقول لأبناء قومي، ولا سيما من يطلق عليهم النخبة، أولئك : أصحاب الأقلام، ورواد الإعلام، وقادة الأحزاب، ورجال الفكر والثقافة، وأساتذة الجامعات، والقادة العسكريين، والمسؤولون.. ومشايخ القبائل.. تخيلوا أننا الآن في عام 1535 هـ ، فماذا ستقول كتب التأريخ عن جيلنا الحالي.. لو قدّر للبعض من رجال السياسة وقادة الفكر ومن يمتلكون الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها وقيادات الأحزاب.. لو قدّر لهم العيش إلى هذا التاريخ، فهل سيملكون الشجاعة لقراءة تأريخهم أمام أبنائهم وأحفادهم، ذلك التاريخ الذي تدون صفحاته في وقتنا الحاضر؟

عندما يكتب التاريخ عنهم أنهم كانوا يتسابقون على أبواب سفارات أعدائهم يطلبون رضاهم ، ويطلبون منهم شهادات حسن سيرة وسلوك، ويتسابقون في التقرب إليهم .... عندما يكتب التاريخ عنهم أنهم خذلوا شرع الله، واختاروا القوانين الوضعية، والأحكام الجاهلية ....عندما يكتب التاريخ عنهم أنهم تاجروا بمبادئهم على حساب مصالحهم.. عندما يكتب التاريخ أنهم كانوا في غمرة الفرح والسرور عندما دخلوا تحت وصاية عدوهم.. بل سيقول عنهم التاريخ أنهم كانوا أشد حرصاً على تدخله في شؤون بلدانهم انتقاما من خصومهم السياسيين. عندما يكتب التاريخ عنهم أنهم أقروا تمزيق بلادهم وتقسيم وطنهم كما هي رغبة العدو الأكبر، ومع ذلك كانوا يعتبرون ذلك نصراً عظيماً، ومكسباً كبيراً للوطن والمواطنين .

عندما يكتب التاريخ أنهم كانوا يخربون وطنهم بأيديهم وأيدي أعدائهم، ويكذبون على الشعب أن ذلك من أكبر المنجزات .. إن التاريخ لا يرحم أحداً.. وستظهر الأمور على حقيقتها.. فلله ثم للتاريخ راجعوا حساباتكم ومواقفكم اليوم قبل فوات الأوان...

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد