زعيم حزب حركة النهضة بتونس راشد الغنوشي:

دعوة المعارضة لحل المجلس التأسيسي انقلابية للالتفاف على الثورة

2013-08-19 16:37:01 أخبار اليوم/ متابعات


وصف زعيم حزب حركة النهضة التي تقود ائتلافاً حاكماً في تونس دعوة المعارضة التونسية لحل المجلس التأسيسي بالمحاولة الانقلابية التي تسعى للالتفاف على الثورة، لافتاً إلى أن جزءاً كبيراً من الشعب عبّر عن تمسكه بمؤسسات الدولة ورفضه هذه الدعوات.
وقال ان الأزمة السياسية سببها تعنت بعض الأطراف وإصرارها على منطق المزايدات السياسية وتغليب الحسابات الحزبية الضيقة على حساب المصلحة العليا للبلاد.
واكد الغنوشي في حوار أجرته معه الجزيرة نت "إنه سيتم اتخاذ الحلول الكفيلة لإخراج البلاد من الأزمة السياسية التي استفحلت منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي".
وأبدى زعيم النهضة استعداد حركته للتفاعل إيجابياً مع كل الأفكار والمبادرات في إطار الحوار والتوافق بين الأحزاب والمنظمات لإنجاح ما تبقى من مرحلة الانتقال الديمقراطي.
نص الحوار:
* قبل اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي كانت تونس تعيش وضعاً أمنياً مستقراً، وبدأ المسار الانتقالي يشهد وتيرة متسارعة في كتابة الدستور وانتخاب الهيئة المستقلة للانتخابات وتشكيل بعض الهيئات الدستورية، ثمّ جاء الاغتيال.. فما قراءتكم للأزمة السياسية التي تمر بها تونس اليوم؟
- الأزمة السياسية مردها أساسا تعنت بعض الأطراف وإصرارها على منطق المزايدات السياسية وتغليب الحسابات الحزبية الضيقة على حساب المصلحة العليا للبلاد. لقد مرت تونس في السنتين المنقضيتين بعدة هزات ومطبات وأزمات حادة، ولكنها في كل مرة تجتاز هذه الاختبارات بفضل تغليب لغة العقل والحكمة والاحتكام إلى آلية الحوار والتشاور بين مختلف مكونات المشهد السياسي.
فالأزمات السياسية في المراحل الانتقالية هي جزء من مسار التأسيس، لكن المهم هو أن نعرف كيف نحاصر هذه الأزمات ونهتدي بسرعة إلى المخرج الآمن والعادل. لقد راهنا سابقا على نضج أغلبية الطبقة السياسية في تونس ومدى ارتباطها الوثيق بالقيم الوطنية والثورية، فاجتزنا بسلام كل الإشكالات التي أريد بها تعطيل مسارنا الديمقراطي، ونحن ندعو اليوم العقلاء في كل الأحزاب والمنظمات إلى التمسك بالوحدة الوطنية كخيار لا بديل عنه لحلّ كل الأزمات ولتفويت الفرصة على كل المتربصين بثورتنا وديمقراطيتنا الناشئة.. مسيرة الألف ميل أوشكت على النهاية فلماذا نفسد ما بنيناه بصبر ومثابرة؟ ولمصلحة من نهدم بأيدينا صرح الديمقراطية الذي أشرف على الاكتمال.
* الانفلات الأمني الأخير دفع المعارضة للمطالبة بحل المجلس الوطني التأسيسي وحل الحكومة بدعوى أنها تجاوزت المدة الانتخابية وفشلت في مهامها.. كيف تعقبون على مثل هذه الدعوات رغم أن المسار أوشك على النهاية؟
- بداية فإن الدعوة إلى حل المجلس التأسيسي هي دعوة انقلابية صريحة وخيانة للثورة والتفاف على الإرادة الشعبية التي تجسدت في هذا المجلس، وإلغاء لملايين الأصوات التي شاركت في عرس ديمقراطي شهد له كل العالم في أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ تونس.
ولا أعتقد أن عاقلاً في تونس يمكن أن يقبل بهذا العبث السياسي أو يقره. وإن إلغاء المجلس التأسيسي هو دعوة للفراغ وبالتالي المجهول والفوضى، وهذا بالضبط ما يريده أعداء الثورة ويخططون له منذ انطلاق المسار الديمقراطي.
أما المسألة الثانية، فإن اختلافنا في تقييم أداء المجلس التأسيسي هو قضية مشروعة ومسألة فيها نظر لكن لا شيء يبرر المطالبة بحله، ونحن دعونا الفرقاء في أكثر من مرة إلى ضرورة التعاون والتنسيق لتوفير أقصى ظروف النجاح بقصد التسريع في إنهاء أشغال المجلس، علماً أن التوافقات حول الدستور بين كل الأطراف وصلت إلى نسبة 95% وقد حسمت كل القضايا العالقة، كما أن الهيئات التعديلية كهيئة القضاء وهيئة الإعلام وقع البت فيها، وبقيت الهيئة العليا للانتخابات التي انتخب منها ثمانية أعضاء لتفوض الكتلة الديمقراطية في المجلس، وهي كتلة المعارضة لحسم مسألة العضو التاسع والأخير. لنتفاجأ بعد ذلك وقبل ساعات قليلة من انطلاق جلسة حاسمة في التأسيسي بخبر اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي.
* حركة النهضة بدفاعها عن الشرعية استندت إلى الجماهير من أنصارها الذين اعتبروا أن الدعوة لحل المجلس والحكومة محاولة فوضوية وانقلابية فاشلة تقف وراءها أطراف خارجية وداخلية تسعى للإطاحة بالإسلاميين مثلما حصل بمصر.. ما موقفكم من ذلك؟
- كل العقلاء في تونس اعتبروا الدعوة لحل المجلس التأسيسي والحكومة محاولة فوضوية نابعة من أفق سياسي ضيق وغير واقعي، بل إن تجاهل كل التونسيين لدعوات الفوضى والعصيان المدني التي أطلقها بعض الموتورين والفاشلين لإنهاء تواجد الدولة كآخر قلعة وحصن لوحدة المجتمع وتماسك الوطن، لهو الدليل على قوة مناعة هذا الشعب ضد الدعوات العدمية والفوضوية.
إن مئات الآلاف الذين لبوا نداء الشرعية في مليونية القصبة ليسوا كلهم من أنصار النهضة.. لقد شاهدنا بانوراما بشرية وسياسية توحد فيها الإسلامي والعلماني والقومي العروبي وغير المُسيس في لوحة فسيفسائية بديعة عكست نبض الشارع إزاء كل دعوة من شأنها تهديد وحدة البلاد واستقرارها والمس بشرعية المؤسسات المنتخبة والمؤتمنة على استكمال المسار الديمقراطي.
* حلّ المجلس الوطني التأسيسي أو تشكيل حكومة لا يرأسها مرشح من حزب حركة النهضة وفق ما يضبطه القانون المنظم للسلطات العمومية هو خط أحمر بالنسبة إليكم.. فما الحلول الكفيلة أو التنازلات الممكنة التي قد تصل إليها حركة النهضة للخروج من الأزمة الراهنة؟
- لقد أثبتت حركة النهضة من خلال انفتاحها على الحوار مع كل الأطراف تمسكها بخيار التوافق والتشارك لإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي، وما تقديمها للتنازلات في كل المراحل السابقة إلا دليل على كونها حريصة على التجميع بدل التقسيم والتناحر.
إن حركة النهضة مستعدة للتفاعل إيجابيا مع كل الأفكار والمبادرات الواقعية التي تنطلق أساساً من مصلحة الوطن العليا في إطار من التشاور الهادئ والعميق والبناء.
* رغم كثرة المبادرات السياسية المطروحة بين الفرقاء إلا أن الوضع لا يزال يراوح مكانه بسبب تمترس كل طرف عند مطالبه.. هل تتوقعون أن تثمر المشاورات السياسية بينكم وبين بقية الأطراف إلى حلّ يرضي جميع الأطراف؟
- نحن بصدد إجراء مشاورات جدية ومثمرة مع عديد الأطراف، وقد لمسنا حماسةً وحرصًا من معظم من تقابلنا معهم ومن بينهم اتحاد الشغل على إنجاح هذه المشاورات، وهذا مؤشر جيد لاستكمال الحوار بروح تفاؤلية متجردة من كل حسابات فئوية ضيقة أو شروط مسبقة.. إذ لا بديل لنا عن الحوار ولا سبيل للخروج من هذا النفق إلا بالإصرار على تغليب روح الوفاق والبحث عن المشترك بيننا.
* إن قرار رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر تجميد النشاط لحين استئناف الحوار على قاعدة مبادرة أطلقها اتحاد الشغل كان مفاجئا بالنسبة لحركة النهضة التي اعتبرته "غير قانوني"، لكن مع ذلك قبلت الحركة به بشيء من الاحتراز.. أيّ نقاط تتوافقون معها وما تحفظاتكم على هذه المبادرة؟
- هذا صحيح، لقد باركنا قرار رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر رغم تحفظنا على الطريقة التي أعلن بها، وكنا نفضل لو أن هذا الإجراء صدر عن كل النواب في جلسة عامة تعبر عن إرادة جماعية لرأب الصدع وإعادة تجميع الأسرة الوطنية، علما بأن اللقاءات بين النواب المنسحبين وزملائهم لم تنقطع لساعة واحدة، ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الجميع لم تتوقف.. وهذا التزام أخلاقي قبل أن يكون سياسيا للحفاظ على تماسك ووحدة المجلس التأسيسي والحرص على إبقاء كل الخلافات داخل مؤسسة المجلس بدل تصديرها إلى الشارع.
* اتحاد الشغل قدم مقترحا بالإبقاء على المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة وهو مقترح يتوافق في جزئه الثاني مع مطلب المعارضة.. ما تعليقكم على هذه المبادرة؟ وهل تعتقدون أن المنظمة النقابية تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب أم أن فيها أطرافا مسيسة منحازة لطرف دون آخر؟
- سيظل الاتحاد شريكا في بناء المسار الديمقراطي، ونحن لم ندخر جهدا في كل المراحل التي مرت بها البلاد في تعميق الحوار والتشاور مع هذه المنظمة العريقة، وفي كل الحالات نحن أبلغنا قيادة الاتحاد عن إيماننا بأهمية دور المنظمة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء وفي إنجاح مسار المشاورات والمفاوضات بين الجميع.
* ما الأسباب التي تعطل حل الأزمة في تونس والتي بدت منقسمة بين شقين علماني وإسلامي متعارضين؟ وكيف تقدرون التداعيات المحتملة على تونس في حال فشل الفرقاء في التوصل إلى حلّ توافقي يخدم مصلحة البلاد ويحدد خارطة زمنية واضحة لإنهاء مرحلة الانتقال؟
- الصراع في تونس ليس صراعا أيديولوجيا بل هو صراع سياسي. فالإسلاميون والعلمانيون واليساريون شركاء في نفس الوطن ولا بديل لنا عن التعايش السلمي المشترك في كنف دولة مدنية ديمقراطية تحكمها القوانين ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ولا مكان لكلمة فشل في قاموسنا السياسي، وخيارنا الوحيد هو النجاح أو النجاح، لأن المجتمع التونسي معروف باعتداله ووسطيته ولن ينجح في تونس لا تطرف علماني ولا تطرف ديني.
* بعض البنود الدستورية في مشروع الدستور حول النظام السياسي ومدنية الدولة تمثل أحد أبرز الخلافات العالقة بين حركة النهضة والمعارضة، التي تقول إن الحركة تسعى لإنتاج دستور "على مقاسها" يحمل في طياته مشروع دولة إسلامية، وهذه أسباب في نظرها جعلتها تطالب برحيل المجلس التأسيسي.. ما تعليقكم على ذلك؟
- عندما طرحت مسألة تضمين الشريعة الإسلامية في الدستور كان موقف حركة النهضة واضحا وصريحا، فنحن لسنا مع تقسيم المجتمع التونسي بين مع أو ضد الشريعة الإسلامية، نحن كلنا مسلمون ولكن اعتقادنا بالتباس هذا المصطلح الإشكالي في أذهان قسم كبير من التونسيين جعلنا نطالب بالاكتفاء بالبند الأول للدستور القديم والذي هو محل إجماع كل التونسيين.
فالدستور لا تكتبه الأغلبية, بل تحكمه قيم المجتمع الذي يعبر عنه، لذلك حرصنا على المشاركة في الحوار الوطني الذي دعت له رئاسة الجمهورية ثم الحوار الذي انعقد تحت قبة اتحاد الشغل والذي تناول كل المواد الخلافية في الدستور، ونحن فخورون بما توصلنا له بمعية كل الفرقاء من تفاهمات وتوافقات تاريخية حول جميع الإشكاليات العالقة والتي عطلت في نظرنا استكمال كتابة الدستور.
* التشدد الديني أصبح ظاهرة منتشرة بشكل جلي بعد الثورة, والحكومة تقول إن بعض العناصر الضالعة في عمليات الاغتيال السياسي والاعتداءات الأمنية على القوات المسلحة في منطقة جبل الشعانبي ينتمون إلى تيار متشدد.. كيف تقيمون نشاط الجماعات المتشددة وكيف تتعاطون معها والحال أن الحركة اتهمت من قبل المعارضة بأنها تساهلت مع التيار المتشدد؟
- التشدد الديني لم يظهر بعد الثورة، هذه الظاهرة دولية وهي مسألة عابرة للحدود وقد عانى منها المجتمع التونسي قبل وبعد الثورة. وصحيح أن حالة الانفلات الأمني وارتخاء قبضة الدولة وأجهزتها الأمنية بعيد الثورة قد أتاحت لهؤلاء المتشددين مساحات أوفر للتكاثر والتنظيم، لكن إيماننا الراسخ بأن المجتمع التونسي كان ولا يزال وسيبقى بيئة طاردة ورافضة لكل أشكال وأنواع التشدد دينيا كان أو علمانيا أو يساريا.
نحن نعتقد جازمين أنه لا مستقبل للتطرف الديني في مجتمعنا، ونحن نرى اليوم أن كل أفراد الشعب التونسي ملتحمين ومتضامنين مع مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية في حربها ضد هذه الظاهرة المعقدة والتي تتطلب معالجتها جهدا يوميا ورؤية متكاملة تتضافر فيها جهود الدولة مع بقية مكونات المجتمع المدني والسياسي.
ونحن هنا نثمن ما تقوم به المؤسسة العسكرية والأمنية والقضائية لملاحقة الجماعات الإرهابية ونقدر باعتزاز حجم التضحيات التي يقدمونها في هذه المعركة المريرة من أجل أمن الوطن وسلامة المواطنين وحماية المسار الديمقراطي من كل أشكال التهديد التي تمثلها هذه الجماعات، أو كل الذين يحاولون توظيف هذه الأحداث سياسيا من أجل أرباح حزبية أو فئوية بخسة.
* هل تتوقعون فوز حركة النهضة في الانتخابات المقبلة في ظل ما حققته في المرحلة الانتقالية، أم أن شعبيتها بدأت تهتز بمفعول السلطة حسبما تشير إليه استطلاعات للرأي؟
- حركة النهضة حركة ديمقراطية تؤمن بالتنافس السياسي السلمي على قاعدة البرامج والرؤى المستقبلية للأحزاب والأطراف السياسية.. ونحن نسعى لنكون الأفضل في خياراتنا وسياساتنا ولكننا لا ندعي امتلاك الحقيقة.
نحن فصيل أصيل أسسنا شرعيتنا من خلال تراث طويل من النضال والعمل السياسي السلمي والعقلاني ضد الاستبداد، ومن أجل مجتمع حرّ متطور ومنفتح ومتعدد ينعم بالرخاء المادي والأخلاقي، لقد عاهدنا شعبنا على ذلك ونحن ماضون في سبيل تحقيق هذه الأهداف ما وسعنا الجهد والفكر، ونحن على ثقة أن شعبنا يدرك هذه الحقائق.
الجزيرة نت

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد