تصدر قائمة مشافي الموت بـ 505حالة وفاة, بينهم 14 طفلاً, بسبب انقطاع الاكسجين والفساد المستشري..

مستشفى ذمار العام.. طريق الموت السريع

2013-03-07 15:58:18 أخبار اليوم/ خاص



ما يزال عداد حصد أرواح الأبرياء في هيئة مستشفى ذمار العام مستمراً بالرصد في ظل استمرار الفساد المالي والإداري والعبث بأرواح المواطنين الذين يصلون إلى الهيئة طلباً للاستشفاء، فالأسبوع الماضي يعلن عن وفاة طفل "خديج" في حضانة بقسم الخدج, والسبب ارتفاع درجة حرارة الحضانة, في حين قضى 5 آخرين في حضانات أخرى في 21 يناير الماضي بسبب انقطاع الاكسجين عن الحضانات، فيما 8 آخرين أيضاً قضوا في يوليو من العام الماضي في نفس القسم "الخدج" ولنفس السبب، ولم يتم الإعلان عنهم إلا في الأسبوع الماضي.
وتصدرت هيئة مستشفى ذمار العام قائمة "مشافي الموت" في الجمهورية خلال الخمسة الأشهر الماضية, إذ تؤكد الاحصاءات أنه منذ منتصف العام المنصرم2012 هناك 505 حالة وفاة داخل المستشفى بسبب تردي الخدمات الطبية وتدهورها بشكل غير مسبوق وإهمال الكادر الطبي للمرضى، ناهيك عن الأخطاء الطبية، ويعد هذا الرقم أعلى معدل وفيات حتى الآن في تاريخ هيئة طبية عامة.
في هذا التقرير تحاول " أخبار اليوم" الاقتراب أكثر من فساد الهيئة.. فإلى التفاصيل:
كتب/ محمد الواشعي
يبدو وضع هيئة مستشفى ذمار العام في حالة هي الأسوأ في ظل فساد الإدارة وإهمال الأطباء لمهامهم الإنسانية, تاركين قسمهم الطبي خلفهم، بعد أن كانت الآمال كبيرة عندما صدر قرار جمهوري بترفيع مستشفى ذمار العام إلى (هيئة ) وارتفاع الموازنة السنوية له من 80 مليون ريال إلى مليار و 200 مليون, بأن تتحسن الأوضاع الخدمية والطبية بالهيئة وأن يحظى المرضى بالخدمات الطبية مجاناً أو على الأقل بأسعار زهيدة , فالمليار مبلغ كبير ويكفي لتقديم خدمة طبية على أعلى المستويات, باعتبار أن الهدف من ترقيته إلى هيئة ورفع موازنته هو من أجل المواطن وتخفيف العبء عنه, غير أن المليار في مستشفى ذمار لم يف بالغرض, بل تفاقم تدهور الخدمات الطبية إلى حد لم يعد يطيقه احد.
وفي أبريل 2012م جاء قرار وزير الصحة العامة والسكان, القرار الذي طال انتظاره كثيراً والقاضي بتغيير رئيس هيئة مستشفى ذمار العام د. محمد عبد الفتاح الآنسي وتكليف د.عزيز صالح الزنداني بالقيام بمهامه, ليعيد الآمل من جديد في أوساط المواطنين في ذمار, عل ذلك التغيير ينتشل الهيئة من أوضاعها المتدهورة طبياً وخدمياً، ويجفف منابع الفساد المستشري في كل مفاصلها، غير انه بعد قرابة عام من هذا التغيير لم تتفاقم موجة تدهور الخدمات الطبية والعلاجية وتفشي الفساد المالي والإداري فحسب، بل أصبحت الأقسام الطبية بالهيئة مراكز لتصدير الموتى بشكل يومي وبات شبح الموت يلاحق المرضى هناك ويحصد أرواح المواطنين، فيما الفساد لا يزال معشعشاً والفاسدون تمادوا في غيهم و أصبح وضع الهيئة مشفى للموت.
وكشفت إحصائيات مؤخراً أن هناك 505 حالة وفاة منذ منتصف العام 2012م وحتى نهاية شهر 2/2013م وهي الفترة ذاتها التي تولى فيها د.الزنداني رئاسة الهيئة, بعد احتجاجات كثيرة نفذها الأطباء ضد الإدارة السابقة, وبمعدل حالتي وفاة يومياً، و يعد هذا الرقم أعلى معدل وفيات حتى الآن في تاريخ هيئة طبية عامة، نتيجة تردي الخدمات الطبية وإهمال الكادر الطبي للمرضى وتقصير العاملين, ناهيك عن الأخطاء الطبية.

ضحايا الفساد و الإهمال
خلال الأيام القليلة الماضية تصدر قسم (الخدج )بالمستشفى نسبة الوفيات, حيث لقي 5 أطفال حتفهم في 25/1/2013م داخل قسم الخدج, الأطفال حديثي الولادة, بسبب انقطاع الأوكسجين عنهم، وفي مطلع الأسبوع الماضي توفي طفل آخر ليضاف إلى قائمة ضحايا الإهمال في قسم الخدج، لكن هذه المرة لم يكن انقطاع الأكسجين هو سبب وفاته، فقد كانت درجة الحرارة المرتفعة في الحاضنة هي من قضت عليه، عندما لاحظ الممرض المناوب ارتفاع حرارة الحاضنة وجد الطفل وقد فارق الحياة..
وليست هذه المرة الأولى التي يغتال الفساد براءة الطفولة بدم بارد, فعداد الموت في مستشفى ذمار ما يزال يترصد الضحايا باستمرار، ففي شهر يوليو من العام 2012م توفي 8 أطفال داخل قسم الخدج بسبب انقطاع الأوكسجين عنهم أيضاً، ليبلغ إجمالي الضحايا الذين تم الكشف عنهم في هذا القسم 14 طفلاً وما خفي كان أعظم حتى الآن.
وقال مصدر طبي بالهيئة إنه بسبب تكرار حالات الوفاة من هذا النوع سبق وأن رُفعت عدد من التقارير إلى رئاسة الهيئة, لكن رئاسة الهيئة لم تقم باتخاذ أي إجراءات لحل الإشكال، مؤكداً أن أسباب تكرار انقطاع الأوكسجين يرجع إلى الفساد المالي الذي تعيشه الهيئة.
وأردف: مع العلم أن وزارة الصحة تقوم بتوفير الأوكسجين مجاناً للهيئة وتوفر ما بين 70 إلى 90 أنبوبة أوكسجين أسبوعياً بناء على طلب الهيئة وما تعمل على رفعه للوزارة عن حجم احتياجاتها منه، إلا أن الهيئة تطلب من الوزارة أعداداً قليلة من أنابيب الأكسجين حتى ينقطع الأوكسجين ليتم شراؤها من محطات خاصة بهدف تحقيق عمولات كبيرة، محملاً رئاسة هيئة مستشفى ذمار العام و إدارة المالية وإدارة التموين الطبي مسئولية هذه الحوادث، مؤكداً أنهم من تقع عليهم المسئولية كاملة.
واتهم المصدر – مفضلاً عدم الكشف عن اسمه- هيئة الإدارة الحالية للمستشفى بالفساد ويقول إنه منذ توليها إدارة شؤون الهيئة والفساد يستشري وأرقام الوفيات يزداد بشكل مخيف.

لجنة حسب الطلب!!
وبعد ظهور أنباء عن تزايد أعداد الوفيات في قسم الخدج، وإثارة وسائل الإعلام لهذه الأنباء، قامت وزارة الصحة بإرسال لجنة وزارية للتحقيق في وفاة الخدج, غير أن اللجنة تمكنت من إخلاء مسئولية المستشفى تماماً عن وفاتهم, وأشارت في تقريرها إلى أن بين الأطفال من توفي لحظة دخوله القسم، وبينهم من كان أهله سبب وفاته ووصل متأخراً، وآخر وصلت ساعته، ولم يشر إلى تقصير وإهمال القائمين على المستشفى ولم يحملهم أي مسئولية.. وهكذا ينتهي الأمر دون حساب أو عقا، انه قمة الفساد والإفساد والاستخفاف بأرواح الأبرياء, مع أنه يجب محاسبة المسئولين عن ذلك والمقصرين, باعتبار ما حدث لهؤلاء يرقى إلى جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد.

طبيب يقتل توأم
وفي شكوى أحد المواطنين, تلقت الصحيفة نسخة منها, قال إنه أتى بزوجته الحامل إلى المستشفى وبعد أن كشف الطبيب, تحتفظ الصحيفة باسمه, على حالتها أكد أنه لابد من إجراء عملية جراحية للمريضة، و تم إجراؤها في الساعة العاشرة من مساء الأربعاء 11 /4 /2012م وعند خروج المريضة من غرفة العمليات كانت بحالة سيئة جداً, حيث كانت تعاني نزيفاً حاداً من مكان العملية واستهلكت 8 قرب دم، ثم أجريت لها عملية قيصرية بعد تفاقم نزيف الدم وتم استخراج توأم من بطنها، وعند خروج التوأم اتضح سبب النزيف الحاد الذي تعرضت له والدتهم، فقد تعرض التوأم لطعنات قاتلة بأدوات الجراحة في ظهورهما أثناء إجراء العملية الجراحية الأولى، وما هي إلا لحظات بعد ولادتهم حتى فارقا الحياة متأثرين بالطعنات التي تعرضا لها أثناء إجراء الطبيب للعملية الجراحية للأم.
وأكد المواطن أن لديه كشافة طبية تؤكد أن أبناءه كانوا على قيد الحياة قبل إجراء العملية الجراحية لوالدتهم.

صفقات فساد وعبث بالأدوية
عند زيارتك للمستشفى تجد أدراج الصيدلية الخاصة به خالية من الأدوية تماماً باستثناء مغذيات مرصوصة على الرفوف، بينما يقوم الأطباء والعاملون بتوجيه المواطنين بشراء الأدوية من صيدلية (الجبري ) خارج سور الهيئة، وإذا قام مرافق المريض بشراء الأدوية من صيدلية غيرها يرفض الممرضون استلامه ويقولون إنه ليس العلاج المطلوب.
الصحيفة حصلت على وثيقة تكشف العبث بالأدوية والعشوائية التي تتم بها عملية الصرف في المستشفى، حيث تشير إلى أنه تم توريد أدوية للهيئة بمبلغ 19 مليون ريال، ومستلزمات طبية بمبلغ 26 مليون ريال، و قامت المخازن بصرفها بطريقة عشوائية, حيث صرفت أدوية خلال شهر 10 / 2012م لقسم الإسعاف بأكثر من مليون ريال، و قسم الولادة بما يزيد عن 800 ألف ريال، دون وجود آلية محددة عن كيف تتم عملية الصرف وكيفية وصولها للمرضى، بينما الصيدلية مغلقة ولا يتوفر فيها حبة دواء.

ابتزاز المرضى
أما الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والتي يتم صرفها مجاناً للمرضى لها حكاية طويلة، حيث يخضع للابتزاز والاستغلال من قبل مسئولي صرف الأدوية المجانية، مثل "جرعات داء الكلب "التي تعطى للذين تعرضوا لعضة كلب، حيث يأخذون من المواطنين مبالغ مالية مقابل صرف العلاج المجاني الذي تقدمه وزارة الصحة والمنظمات الطبية الدولية.
يقول المواطن/ فؤاد علي ناصر في شكوى, حصلت الصحيفة على نسخة منها, إن ابنه منير تعرض لعضة كلب وعندما وصل به إلى عيادة داء الكلب بالهيئة في 21/6/2012م، رفض مسئول الصرف بالعيادة, نحتفظ باسمه, صرف جرعة العلاج الأولى إلا بعد أن دفع له مبلغ (1500 ريال ) وفي الجرعة الثانية دفع (500) والجرعة الثالثة والرابعة (3000)، مؤكداً انه اضطر لدفع هذه المبالغ لإنقاذ حياة ابنة، مطالباً رئاسة الهيئة بوضع حد لهذا الفساد وما يقوم به الموظفون من استغلال لحاجة المرضى.
وأكدت وثيقة أخرى أن جرعة داء الكلب غير متوفرة في قسم الطوارئ، حيث يحتفظ بها مسئول الصرف بحوزته وعند وصول حالة طارئة قادمة من منطقة نائية لا يتم إسعافها سريعاً نظراً لغيابه المتكرر.. وطالبت الوثيقة الموجهة إلى رئيس الهيئة بإلزام مسئول الصرف بالحضور أو تكليف بديل عنه ووضع لقاح داء الكلب لدى احد كوادر قسم الطوارئ، إلا انه لم يتم الاستجابة حتى اليوم.

اختلاس
المواطن/ أحمد سرحان حسين الربوعي يقول في شكوى, تلقت الصحيفة نسخة منها, انه أجريت عملية لشقيقه عاصم, حيث تم اخذ منه مبلغ 23000 دون سند رسمي، وعندما توجه لمسئول الرقابة علي مهدي يشتكي إليه عدم إعطاءه سنداً رسمياً بقيمة العملية، طلب منه مسئول الرقابة مبلغ 3000 مقابل أن يستخرج له سند بمبلغ 23000 والذي دفعة سابقاً مقابل إجراء العملية، وبعدها لم يحصل على السند و لم تعود إليه الــ 3000.

استيراد الممرضات
72 مليون ريال من ميزانية الهيئة مخصصة سنوياً لاستقدام خبراء في التخصصات النادرة من الخارج، ففي عام 2012م تم استقدام 3 ممرضات من الهند، وطبيب روسي، وطبيب آخر أوزبكي, تقول معلومات للصحيفة انه لا يحمل شهادات تؤكد انه طبيب فعلاً، حيث دخل اليمن كزائر وعند وصوله تعاقدت الهيئة معه ولا يعرف مصير بقية الــ 72 مليون المخصصة للعام 2012م..
أما مخصصات 2013م الخاصة بالخبراء البالغة 72 مليون، فقد قررت الهيئة استقدام ممرضات من الهند، حيث يقضي مدير الموارد البشرية ومدير الخدمات رحلة هناك منذ أسابيع لاستقدام الممرضات, رغم أن الهيئة تكتظ بأكثر من 200 ممرض وممرضة من اليمنيين، ومئات الخريجين يعانون البطالة.

نهب حقوق المتعاقدين
وكما هي شكاوى المرضى وأسرهم لا تنتهي، هي كذلك شكاوى الممرضين والموظفين المتعاقدين في هيئة مستشفى ذمار العام مليئة بالحسرة في ظل راتب شهري لا يتعدى 500 ريال ومع ذلك فهي لا زالت خاضعة للاستقطاعات والاختلاسات..
يشكو المتعاقدون من تعرض حقوقهم للنهب ويؤكدون تلاعب الهيئة الإدارية في الهيئة بالدرجات الوظيفية واتهموها ببيع الوظائف لأشخاص غير مستحقين وإهمال الكادر المتعاقد داخل الهيئة رغم مرور سنوات تتراوح بين 3-12 عاماً منذ تعاقدهم.
وكشفت شكوى حصلت الصحيفة على نسخة منها وتحت توقيع 18 متعاقداً ومتعاقدة في الهيئة أن 4 مسئولين في إدارة الهيئة ولجنة التوظيف, تحتفظ الصحيفة بأسمائهم, أخذوا منهم مبالغ مالية كبيرة مقابل وعود بتثبيتهم وتوظيفهم، وتتراوح المبالغ المدفوعة بين 100 ألف ريال و 50 ألف ريال تم أخذها من كل متعاقد مقابل توظيفهم، لكن لم يتم تثبيتهم حتى اليوم, كما لم يتم إعادة المبالغ لهم.
وأوضحت الشكوى التالي: " اسم المتعاقد، المبلغ المدفوع، اسم عضو لجنة التوظيف الذي تسلم الرشوة لتوظيفه، توقيع المتعاقد".

باسندوه يوجه
الصحيفة حصلت على مذكرة صادرة من رئيس الوزراء محمد سالم باسندوه إلى وزير الصحة العامة, يطالبه فيها التوجيه بإصلاح أوضاع الهيئة والحد من تفاقم الفساد.

العنسي يحذر
بدوره وزير الصحة العامة والسكان د. أحمد قاسم العنسي أصدر مذكرة موجهه إلى رئيس الهيئة د. عزيز الزنداني بتاريخ 2/1/2013م, مؤكداً أن هناك شكاوى مستمرة تشير إلى عدم تجاوبه والتزامه بالاتفاق, مما أدى إلى تفاقم الفساد في المستشفى، ووجه فيها بضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات واللقاءات السابقة بينهم.

محلي غائب
مع كل ذلك لا تزال هيئة مستشفى ذمار العام في حالة هي الأسوأ في ظل فساد الإدارة ومدراء الإدارات والأقسام وإهمال الأطباء لمهامهم الإنسانية, تاركين ورائهم قسمهم الطبي، بينما السلطة المحلية وأعضاؤها في محافظة ذمار غائبة تماماً عن القيام بواجباتها, متخلية عن دورها الرقابي.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
صحفي من تهامة يروي تفاصيل مرعبة لعملية اختطافه وتعذيبه ولحظة مهاجمة الحوثيين لمنزله بالأطقم العسكرية

بينما كنت أمسح رأس طفلي، كانت أصوات المليشيات الحوثية تتردد في أرجاء منزلي الكائن في السلخانة الشرقية، بمديرية الحالي، في يوم 13 نوفمبر 2018. في سردٍ مأساوي مليء بالقهر والألم، يستعرض محمد علي الجنيد، تلك اللحظة الفارقة ال مشاهدة المزيد