الباحث في شئون التغيير المجتمعي جمال المليكي لــ" أخبار اليوم ":

القضية الجنوبية قضية عادلة ومن يقول إن الجنوب كله يريد الانفصال فهو يستخف بعقول الناس

2013-02-27 23:08:12 حاوره/ عبد السلام سلطان


قال الباحث في شئون التغيير المجتمعي/ جمال المليكي إن المرحلة الحالية التي تمر بها اليمن تحتاج إلى تجرد ومصداقية من كل القوى، مشيراً إلى أن هناك من يحاول استغلال طبيعة هذه المرحلة في تقوية ذاته، على حساب المصلحة الوطنية.
وقال المليكي إن القضية الجنوبية لا يختلف على عدالتها أحد، هي قضية تستحق منا كل المناصرة والتأييد، وجزء من هذه المناصرة هو الحرص على حل القضية الجنوبية، وشدد أن على كل الأطراف عدم إقصاء أي طرف داخل الجنوب نفسه،وقال أن من يريد أن يقول لنا إن كل الجنوبيين يريدون الانفصال فهذا استغفال لعقول الناس ويؤثر سلباً على القضية.
و دعا المدرب الدولي، جميع اليمنيين إلى تركيز الجهود على الجمع بين البناء المعرفي والعقلي وبين الممارسة مما يعود بالنفع الايجابي للمجتمع ككل.


*بداية أستاذ جمال نريد قراءة سريعة حول الأحداث التي تجري اليوم على الساحة اليمنية ؟
- اليمن تمر بمرحلة انتقالية كما هو معروف، هذه المرحلة تحتاج إلى تجرد ومصداقية من كل القوى، هناك للأسف من يحاول استغلال طبيعة هذه المرحلة في تقوية ذاته على حساب المصلحة الوطنية، وطبيعة كل مجتمع في لحظة التغيير والانتقال أن تتصارع فيه الأفكار، فهناك سلطة القديم التي تحميها سلطة القائم المستفيد من أفكار ذلك القديم، وهناك الأفكار الجديدة التي تحاول جاهدة فتح أفق نحو المستقبل، فهو صراع بين قديم يريد أن يحافظ على مصالحة (منها المشروعة وغير المشروعة) وبين جديد يريد التوسع والانتشار، وكل له أبطاله وأدواته في الصراع، وفي اليمن أعتقد أن هناك عوامل كثيرة ستجعل هذا الصراع أخف من أماكن أخرى في الوطن العربي.
*ماذا تقصد بالقديم والجديد، هل تقصد النظام السياسي السابق كقديم.. ممكن توضيح؟
- أتحدث هنا بلغة فكرية وليست سياسية، فعندما أقول القديم في هذا السياق أقصد ما تبقى من ثقافة الماضي لدى كل القوى بلا استثناء، وأقصد بالجديد كل من يريد بصدق الانتقال للدولة الحديثة.
*كيف تنظر لتغيير الدستور اليمني؟ وما الذي يحتاجه بالضبط خاصة بأن القوانين تعتبر أنها من أفضل القوانين في العالم؟
-أبرز ما نحتاجه في الدستور القادم هو تحديد طبيعة النظام (برلماني – رئاسي) وحذف كل مادة تجعل المتحكم بالقرار فرد أو جهة معينة، نريد دستوراً يسهل على المجتمع بكل مكوناته المشاركة الفعلية والحقيقية في الحكم.
*كيف تقيم التدخل الإقليمي والدولي في القضايا اليمنية؟
-في هذه المسألة علينا أن نفرق بين التعامل الطبيعي بين الدول بما تفرضه أبجديات الجغرافيا السياسية لأي دولة وبما تفرضه طبيعة التوازنات في العالم اليوم، وأي دولة لا تملك مشروعاً ستكون كل علاقاتها مع الدول الأخرى ـ سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولي ـ علاقات غير ندية وغير طبيعية وتنال من سيادة الدولة بشكل مباشر وغير مباشر، فنحن في الوقت الذي لا نستطيع أن نعيش بمعزل عن العالم كذلك لا نريد أن تكون علاقاتنا مع الآخر علاقة المستجدي والباحث عن منقذ وهذا لن يكون إلا بأمر واحد هو نجاح المشروع المحلي، مشروع الدولة الحديثة التي تستطيع ترتيب ملفاتها الداخلية وبالتالي التعامل مع كل الأطراف، بما ينعكس بالمصلحة على الوطن، وهنا علينا أن نعي أن السياسة الخارجية لأي دولة هي انعكاس للسياسة الداخلية، فكل الذي يشتكون من التدخل الأجنبي عليهم أن يكونوا جزءاً من حل المشكلة المحلية حتى يصبح الوطن قادراً على بناء العلاقات الطبيعية مع الدول الأخرى، أما أن نكون عائقاً أمام أي استقرار أو بناء ثم نشتكي من التدخلات فستبقى التدخلات ويستمر البكاء والعويل.
*كمواطن يمني..ما رأيك تجاه أن تتجه اليمن إلى أقاليم، واللجوء لنظام فيدرالي؟
-هذا أمر تفصل فيه كل الأطراف المشتركة في الحوار الوطني، كل الخيارات تطرح على طاولة الحوار القادم، ما ستتفق عليه كل أطراف الحوار أعتقد هو الأنسب والأصلح لكل اليمنيين.
*كيف تنظر إلى القضية الجنوبية وما هو بنظرك الحل لذلك؟
* القضية الجنوبية لا يختلف على عدالتها أحد، هي قضية تستحق من كل صاحب ضمير حي المناصرة والتأييد، وجزء من هذه المناصرة هو الحرص على حل القضية الجنوبية، نتمنى من كل الأطراف عدم إقصاء أي طرف داخل الجنوب نفسه، من يريد أن يقول لنا إن كل الجنوبيين يريدون الوحدة فهذا استغفال لعقول الناس ويؤثر سلباً على القضية، وبالمقابل من يريد أن يقول إن الجنوبيين يريدون الانفصال فهو على نفس القدر من عدم الإدراك والوعي، صاحب القضية العادلة يحتاج إلى ذكاء سياسي يُمكنه من حشد كل الآراء لمناصرة قضيته، لا أن يستميت في البحث عن خصوم، فكم من قضية عادلة لم تنتصر بسبب عدم وعي أصحابها، فلو كنت مثلاً مع خيار الانفصال، فمبادئي ومصداقيتي تفرض عليّ أن أدافع عن صاحب خيار الوحدة إذا منعه أحد من التعبير عن رأيه، عندها بهذا النقاء سأنصر قضيتي وأفرض على العالم الوقوف معي لأني أستطعت أن أتسلح بقيم النضال التي أثبت التاريخ انتصارها دوماً ولو بعد حين.
* هل يمكننا القول بأن القضية الجنوبية تنقسم إلى شقين الأول حقوقي والآخر سياسي ؟ ما رأيك؟
-القضية الجنوبية لها خصوصيتها ولست مع من يشبهها بأي قضية في الشمال فهي ليست كقضية الحوثيين وليست كقضية تهامة مثلاً، كما يحاول أن يقول البعض: إن اليمن كلها مظلومة، فهذا منطق غير دقيق، القضية الجنوبية اختلط بها الحقوقي بالسياسي واستطاع النظام البائد تعقيدها والوصول بها الى ما وصلت إليه اليوم، ونحن نتفهم كل مشاعر إخواننا في الجنوب ونعتقد أن كل المطالب التي يطالبون بها لها مبرراتها، لكن السؤال ما الذي يمكن أن يحل القضية الجنوبية مع الأخذ بالاعتبار كل المعطيات المحلية والإقليمية والدولية؟، والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى الانخراط الجاد في الحوار القادم ـ والبعد عن المماحكات ومحاولات الاستعراض من كل الإطراف.
* نرى وجود صراعات فكرية كثيرة اليوم، خاصةً بين الإسلاميين أنفسهم؟ ما أسبابها ؟؟، وكيف تؤثر مثل تلك الصراعات على الأمة الإسلامية والواقع اليمني؟
-ماذا تقصد بالإسلاميين، فنحن في اليمن لدينا حزب الإصلاح ولدينا السلفيين المتحزبون وغير المتحزبين، وحزب الإصلاح كمؤسسة تستند على تنظيم يحاول التأكيد على مدنية توجهه و خطابه لكن إلى جانب هذه المحاولة الجادة هناك خطاب من شخصيات كثيرة متفاوتة التأثير داخل حزب الإصلاح لازالت حتى هذه اللحظة أسيرة الخطاب التقليدي حول الدولة فتستطيع القول إن هناك صراع أفكار حقيقي داخل حزب الإصلاح، والسؤال كيف سيدير الحزب هذا الصراع وهل سيحصل تحوّل حقيقي في عالم الأفكار لديه أم أنه مجرد تكيّف مع الحالة العامة التي تطالب بالمدنية والديمقراطية الحقيقية والفرق كبير بين التحول والتكيف فالتحول يتطلب مراجعة حقيقية لكل مدخلات التنظيم فما كان يقال داخل الأطر التنظيمية قبل خمس سنوات مثلاً لم يعد صالحاً أن يقال اليوم فإذا حصل تغيير حقيقي ملموس في الخطاب الداخلي للحزب وبالتالي الخطاب الخارجي سنستطيع حينها القول إننا أمام حزب مدني ديمقراطي، أما إذا ظلت المدخلات والخطاب الداخلي هو ذاته ونرى فقط على السطح خطاباً يقول إنه مدني فهذا ما نعنيه بمجرد التكيف الذي سيقود إلى مشاكل داخل الحزب وسيؤثر سلباً على المشهد السياسي في اليمن عموماً، بالنسبة للإخوة السلفيين هم بحاجة أن يدركوا ماذا يعني التحول من مربع الدعوة والفقه إلى مربع السياسية، فالمسافة بين المربعين تتطلب مراجعات جوهرية وجرأة تمكنهم من تجاوز التحدي الذي أمامهم، وبالعموم أعتقد إن تجربة اللقاء المشترك ساهمت بشكل كبير في تخفيف كثافة الأيدولوجيا لدى الإسلاميين.
* كيف تقيم الأحداث السياسية والمناكفات بين القوى السياسية التي تجري اليوم على الواقع اليمني؟
- كل القوى السياسية الموجودة على الساحة هي جزء من النسيج الاجتماعي الذي يعاني من كثير من المشاكل، نحن في اليمن نعاني من غياب ثقافة الديمقراطية وكل القوى تركز على الجانب الإجرائي من الديمقراطية فقط هذا هو سبب المناكفات التي نراها على السطح، نحتاج إلى نشر ثقافة الديمقراطية الحقيقية التي ستقودنا إلى القناعة بضرورة وجود لغة تفاهم تحول المناكفات الى تنافس نزيه بمشاريع تخدم المجتمع وليس تنافس حول السلطة والاستئثار بها، وهذا لن يحصل إلا اذا اقتنع الجميع أن عصر التمترس خلف الأفكار الخاصة قد ولى إلى غير رجعة، فالإصلاحي والاشتراكي والناصري والحوثي عليه أن يجعل اليمن فوق كل الاعتبارات وفوق كل الأفكار التي تربى عليها فترة من الزمن فالأفكار في مرحلة مقاومة الاستبداد تختلف تماما عن الأفكار التي نحتاجها في مرحلة البناء، مرحلة البناء تحتاج إلى التقارب والتفاهم مع الجميع، بعيدا عن منطق المغالبة الذي كان يسود المرحلة السابقة.
* البعض يقول بأن اليمن تكمن مشكلتها بمراكز قوى اجتماعية"زعماء القبيلة "وامتداد نفوذهم؟ ما صحة ذلك ؟؟وكيف سيتم التعامل مع هذه القوى للوصول إلى دولة مدنية؟
- عندما يغيب مشروع الدولة الحقيقي يبحث الإنسان عن هوية أخرى وهذه طبيعة الإنسان، القبيلة ليست شر محض واستطاعت الثورة مثلا أن ترتقي بالقبيلة وقل إن شئت تفرض عليها ممارسات ساهمت بشكل فاعل في البدء برحلة التغيير التي تحصل الآن في اليمن، إذاً علينا أن نعمل على بناء الدولة اليمنية التي تجعل الجميع مضطر للتعامل معها ويجدها جديرة بالانتماء لها، فيصبح الانتماء للقبيلة والحزب منسجم مع هوية الانتماء للوطن وغير متعارض، وباعتقادي أن انخراط كل القوى في الحوار الوطني القادم سيكون خطوة مهمة في الطريق الصحيح.
* في ظل هذا الوضع القائم في اليمن ما المناط بشبابها اليوم؟
-المطلوب منا جميعا أن نركز جهودنا على الجمع بين البناء المعرفي والعقلي وبين الممارسة، ما أجمل أن يتعلم الإنسان فكرة ويجد أمامه ميدانا يختبرها فيه، فيصبح بعد ذلك صاحب رؤية خاصة وتنعكس جهوده نفعا على المجتمع، بمعنى أن التنظير الذي لا يقود للعمل لا فائدة منه، والعمل بدون معرفة وأفكار واضحة هو خربشة للواقع وليس عملا نافعا، ولعل من المناسب أن أستدعي هنا فكرة من أفكار الدكتور جاسم سلطان فهو ينصح الشباب: أن يكونوا واحدا من ثلاثة، إما أن يكون مشروعا أو يكوّن مشروعا أو يدعم مشروعا قائما.
*ما معنى أن يكون هناك تغيير مجتمعي في البلد؟ في ظل وجود أطراف عديدة تعمل على نشر ثقافة سلبية للعقل اليمني؟
- التغيير الذي ننشده هو أن يصبح المجتمع بكل مكوناته شريكا في صناعة القرار لا أن تنوب عنه في اتخاذ القرار نخبة محددة أيا كانت هذه النخبة، فالديمقراطية الشكلية الموجودة اليوم تتيح للنخب التحكم بالمجتمع والذي ننشده ونسعى إليه هو التمكين للمجتمع وليس التمُكن منه ، لأن أي مجتمع لا يشارك المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات التي تخصه لن يتطور وسيبقى في دائرة التخلف، وإذا لم يتم سد الفجوة المعرفية لدى الشباب أولا ومن ثم المجتمع ككل لن يكون المجتمع مشارك مشاركة حقيقية في اتخاذ القرار.
* أخيراً أستاذ تتفاوت الاجتهادات حول الفن وما يعود به على المجتمع..كيف يرى المليكي الفن وما مدى تأثيره على المجتمع ؟؟؟
-الفن له أثر بالغ في النفوس، لا يمكن اليوم أن يحدث تغيير حقيقي في المجتمعات دون الفن بكل أشكاله وأنواعه ابتداء من المسرح والشعر والغناء والرسم وانتهاء بالسينما، ولا شك أننا حين نذكر الفن في هذا السياق أننا لا نقصد الفن الهابط، كل مجتمع ينتج الفن الذي يعبر عن قيمه وأخلاقه، وتحريم الفن بعمومه تبين أنه خطأ فادح واقعياً، واجتهاد جانبه الصواب دينياً، ومجتمع لا فن فيه مجتمع غير طبيعي.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد