يعيش المهمشون على حافة الفقر والحرمان في سائلة بله على الخط العام بين عدن والضالع, يتواجدون هناك بمساكن واهية من القش لا تحميهم من حر الشمس ولا قرص البرد..
مهمشو "بله" أناس يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يعيشون في حياة مترعة بالعوز والحاجة الملحة لأبسط مقومات الحياة التي يجب أن يحصل عليها الإنسان العادي كحق بديهي له.
كتب/ صادق الرتيبي
تستمر معانات مهمشي بله على هذا النحو, فمساكنهم, والتي كونوها من الأشجار والقش, متناثرة على ضفاف الخط العام، وكل أسرة تقطن عشة من تلك العشش المتهالكة على حافة الطريق العام، فالمكان يعد مسكناً مناسباً لهم وبما أن جلهم لا يتوفر لديهم العمل من الرجال جعل من المسكن في المكان ذاته فرصة للحصول على المساعدة من أهالي الخير الذين يمدون لهم يد المعونة, كل بقدر وسعه, لمساعدتهم للتغلب على الحياة القاسية التي يعيشونها.. فالعيش في سائلة بله يعد فرصة ملائمة يجدها هؤلاء، وكونها على الطريق العام فتواجدهم يثير الشفقة, كونهم أناساً معدمين لا يملكون شيئاً, مما يدفع ببعض الناس لتقديم المساعدة، حتى بائعي القات تجدهم يقدمون بقايا ما لديهم من بسكويت ومشروبات كانوا قد استغنوا عنها، وتبقى جل تلك المساعدات لا تفي بالغرض لإخراجهم من وضعهم المزري, غير لفتة من الدولة والمنظمات الدولية والتي تهتم بتقديم المعونات لأناس كهؤلاء.
يتحدث عبدالله عثمان, وهو احد المهمشين هناك, عن حجم المعاناة الواقعة على كاهله, فهو رب أسرة مكونة من 11فرداً يعيشون في ظروف مأساوية.. ويقول: نحن أناس ضعفاء لا نملك شيئاً ولدي أسرة كبيرة ونحن نعيش أنا وأولادي تحت هذه العشة الصغيرة.
ويضيف عثمان بلكنة يملؤها الحزن: "نحن ليس لدينا القدرة على بناء سكن لنا, يضمنا أنا وأولادي جميعاً كي نكون سعداء في هذه الحياة كغيرنا من الناس".
عبدالله عثمان مواطن كغيره من الناس الذين يعيشون في وطن مثخن بالفقر والبطالة, لكنه يزيد عن غيره كونه من الفئة المهمشة والتي ينظر لها من قبل البعض بالدونية, لتزيد تلك النظرة من حجم المعاناة لديه.
في الجهة المقابلة تتواجد امرأة تحتضن طفلاً لا يزال في الأشهر الأولى من عمره على مقربة من عشتها والتي تعيد بنائها في اليوم الواحد أكثر من مرة - حد قولها.. إنه سكن مضنٍ للغاية.
وتحدثت لي على عكس نظيرتها التي منعتني من الاقتراب للحديث معها, بل ومنعتني حتى من تصويرها, منعتني بلهجة حادة قائلة لي:"لا تصورني, من أمثالك صوروني لكنهم ما نفعوا بشيء، خلاص خلي لي حالي مافيش هناك لا دولة ولا ناس يشوفوا حالنا".
وكانت تتحدث وتدرك يقيناً في نفسها أنه ليس هناك أي مخرج من وضعها الراهن التي تعيشه ولم يعد هناك أي أمل يلوح في الأفق.. مضيت من جانبها بكل هدوء قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه, فقد كانت متجهمة, مستعدة لشيء ما، فمرارة المعيشة التي تحاصرها جعلتها فاقدة للحديث مع الآخر بكل احترام كما يبدو.
مضيت لفارس عثمان ذي الـ11 ربيعاً للحديث معه عوضاً عنها والذي كان هو الآخر يحوي في جعبته جملة من الهموم, لعل أبرزها أنه خارج دائرة التعليم, لم يكن هو على هذه الحال, بل يأتي ضمن جملة من زملائه هم الآخرون أيضاً بعيدون عن التعليم, لطالما رافقتهم المعاناة..
فارس يتحدث لـ"أخبار اليوم": أقضي وقتي في اللعب دائماً ولذلك فقد سئمت من العيش على هذه الحال التي اليوم الواحد فيها طويل ومتعب, كوني أقضي معظم وقتي دون عمل أو أدرس.
يمضي فارس في حديثه قائلاً: أتمنى الحصول على عمل, فقد حاولت أن التحق بأحد المطاعم القريبة من المكان, لكنهم رفضوني لسواد بشرتي, الأمر الذي جعلي أحزن كثيراً..
بعد أن أكملت الحديث معه مضى للعب مع صديقين كانا بمعيته على مقربة من الخط, مضى حافي القدمين، يلعب ويمرح مع زميليه غير آبهٍ بوضعه.