في عدن وبسبب تدني الوضع الصحي قد تسمع أن أحد المستشفيات منع إجراء عملية قيصرية لأحدى النساء وذلك بسبب عدم توفر المواد التخديرية التي يتم استخدامها في هكذا أجراء طبي، والسبب بسيط جداً، لعدم وجود مخزون استراتيجي لأي نوع من أنواع الأدوية والمحاليل في مستشفيات المحافظة، وما على المرأة التي تئن في غرفة الطوارئ إلا انتظار صاحب أحد مخازن الأدوية التي تتعامل معها مستشفيات عدن، حين يعاود فتح مخزنه بعد الساعة الرابعة، أو أن تنتظر الموت لاسمح الله.
الوضع الصحي في المحافظة يئن منه المواطن الصحيح قبل العليل، فعندما يقع بيدك كمواطن من أبناء عدن أوراق متعلقة بأنشطة المستشفيات الحكومية في المحافظة بحسب تقرير مدير التخطيط بمكتب صحة عدن، تشعر أنك تعيش في محافظة أخرى، فمدير مستشفى الجمهورية بعدن يقر بأن المستشفى لا يقدم أي خدمات طبية للمواطن، ومدير التخطيط يذهب إلى القول أن المستشفى أجرى خلال العام 2011م "3265" عملية جراحية.. فهل يتم احتساب وتصنيف "خياطة الجروح السطحية التي تتم في العيادة الخارجية" عمليات جراحية ترصد لها موازنات كبيرة؟!.
المواطن يشكو في عدن -هذه المحافظة التي تحتضن أكبر ميناء في المنطقة- من غياب المراكز المتخصصة في مستشفيات المحافظة بشقيها العام والخاص، فمرضى القلب في المحافظة والسرطان والكلى والأمراض الخطيرة الأخرى، يضطرون للسفر إلى صنعاء وتحمل تكاليف الإقامة والسفر لإجراء بعض الفحوصات والخضوع للعلاج.
الفقراء في عدن ليس لهم أي حيلة، وعليهم الرضوخ لهذا الواقع المؤلم الذي أوصله الفساد والإهمال وعدم الشعور بالمسئولية لدى المعنيين بالمنشأت الصحية الحكومية بالمحافظة إلى وضع صحي معلول يفتقر لأبسط مقومات النجاح في محافظة لديها من الإيرادات والإمكانات ما يؤهلها لامتلاك مدينة طبية مؤهلة.
عدن يقطنها نحو مليون نسمة تقريبا وثلاثة مستشفيات حكومية فقط هي التي تعمل بما لديها من إمكانات بسيطة وأجهزة غير حديثة الأمر الذي يكشف مدى تردي وتدني مستوى الوضع الصحي بالمحافظة، ويكشف أيضاً أن المدير العام لمكتب صحة عدن الذي مر على بقائه في هذا المنصب أكثر من عشر سنوات، وبقية المسئولين على هذا القطاع لا يولونه أي اهتمام، عوضا عن ان المدير العام يعترف بسوء الوضع الصحي إلا أنه مصر على البقاء في منصبه لهذه المدة الطويلة ولا يقدم شيء.
اعترافات
أقر مدير مكتب الصحة بمحافظة عدن د/ الخضر لصور – بأن الوضع الصحي بالمحافظة سيء جداً, موضحاً بأن عدد سيارات الإسعاف العاملة في مستشفيات ومراكز الصحة بعدن هي 10 سيارات فقط وأن عدد غرف العناية المركزة "الإنعاش" التي تؤدي عملها 36 سريراً أربعة منها في مركز الشعب و 26 سريراً في مستشفى الجمهورية و 6 أسرة في مستشفى الوحدة "نساء وولادة".. مشيراً إلى أن وزارة الصحة تخلت عن كثير من مهامها تحت ضغط مجلس الوزراء, سيما فيما يتعلق بالتنسيق القطاعي, لافتاً إلى أن الوضع الصحي في محافظة عدن هو نتاج مخرجات تتحمل مسؤوليتها وزارة الصحة سواء فيما يتعلق بالتوصيف الوظيفي أو سوء توزيع الكادر الصحي أو الإعتمادات المالية – لتحسين خدمات القطاع الصحي, منوهاً إلى أن محافظة عدن تحتاج مزيداً من الاهتمام بالجانب الصحي, سيما وأن فيها مستشفيات مرجعية كمستشفى الجمهورية الذي يوجد فيه أخصائي – بالإضافة إلى مستشفى الوحدة التعليمي, مستنكراً تجاهل الجهات المختصة لمستشفى عدن العام و الذي مازال متوقفاً ولم يستكمل عملية إعادة تأهيله التي بدأت في 2007م واصفاً المقاول الذي يشرف على عملية التأهيل بالفاشل, الذي لا يصلح لتنفيذ المشروع محملاً صندوق التنمية المسؤولية كونه أصر على استمرار المقاول الذي أعطي له تمديداً خامساً حتى 31 ديسمبر 20113م مع أنه لا يصلح شكلاً ومضموناً حسب تعبير د/ لصور.
شبكة واسعة
الجدير بالذكر أن محافظة عدن تمتلك شبكة واسعة من المؤسسات الصحية تتوزع على مديريات المحافظة, تشمل عدداً من المجمعات والمراكز الصحية والمستشفيات – حيث يبلغ الإجمالي للمؤسسات الصحية كما بينته إدارة التخطيط بمكتب الصحة والسكان عدن 5 مستشفيات و 1508 أسرة و 4 مراكز توليد عدد الأسرة فيما 44 سريراً و 12 مجمع صحي و 16 مركزاً صحياً بالإضافة إلى 8 مرافق صحية خيرية إدارة التخطيط بمكتب الصحة عدن على لسان مديرها أ/ علي سعيد ناجي – لفتت إلى أن تردي واقع الخدمات الصحية في عدن سببه عدم توفر مؤشرات أساسية للتقييم نتيجة غياب البيانات الخاصة بالجانب المالي التي يفتقد إليها مكتب صحة عدن-
وأوضح ناجي بأن كثير من القضايا المتعلقة بدعم الجانب الصحي لم تلق الدعم الكافي أكان في المجال الفني أو المالي أو التأهيل, معزياً سبب ذلك إلى شراكة مكتب الصحة مع مكتب المالية, لافتاً إلى أن الأخير يشكل عائقاً أمام كثير من قضايا المؤسسات الصحية – حد قوله – .
مدير مستشفى الجمهورية د/ علي عبدالله صالح – أقر هو الآخر بأن مستشفى الجمهورية لا يقدم أي خدمات طبية للمريض, لافتاً إلى أن 40% من موظفي التمريض ليسوا ممرضين وأنهم وإن لبسوا زي التمريض إلا أنهم في حقيقة الأمر يغشون المريض – حسب تعبير د/ صالح – الذي أشار إلى أن الممرضين أصحاب الكفاءة والخبرة محالين إلى التقاعد, مؤكداً على وجود خلل عام على مستوى الإدارة السياسية العليا التي قال عنها بأنها ليست صالحة لإنتاج نظام صحي عام, مشدداً على ضرورة إيجاد حلول بدلاً من وصف المشاكل بعبقرية, موضحاً بأن السياسة الصحية تركت الحبل على الغارب "بالغين" وليس بالقاف, وأن مدراء المستشفيات لا يملكون عصا سحرية لتحسين الأوضاع.
جاء ذلك خلال حلقة النقاش التي إقامتها جمعية الإصلاح عدن يوم أمس تحت عنوان "نحو تقييم شامل للخدمات الصحية بعدن" برعاية محافظ المحافظة م/ وحيد رشيد – شارك فيها وكيل المحافظة لقطاع الاستثمار ومدير مكتب الصحة عدن ومدراء المكاتب الصحية بالمديريات ومدراء عموم المستشفيات والبرامج والمشاريع الصحية بالمحافظة والأمين العام لجمعية الإصلاح عدن.
وكانت الورقة الأولى عن واقع الخدمات الصحية بمحافظة عدن – قدمها مدير إدارة التخطيط بمكتب الصحة والسكان بينما الورقة الثانية كانت عن واقع الخدمات الصحية كخدمة أساسية وحق شرعي دستوري قدمها د/ محمد محفوظ بايعشوت استعرض خلالها نشاط جمعية الإصلاح في تقديم الرعاية الصحية الأولية للمواطنين واللاجئين والنازحين في عدن وتوفير العلاجات المجانية, سيما للمصابين بالأمراض المزمنة – .
كما تطرق د/ محمد محفوظ بايعشوت إلى أن الوضع الصحي بعدن شهد قفزة كبيرة في الخدمات الصحية ولكن على حساب الكيف, موضحاً بأن أغلب المرافق الصحية في المحافظة تعاني من نقص الكادر الطبي والفني المختص مع تدني مستوى الخدمة سريرياً وتشخصيصياً مساعداً "مختبرات وأشعة" ما أدى إلى عزوف المرضى عن التداوي في المستشفيات والمراكز العامة, مستشهداً بعدد من مؤشرات أزمة القطاع الصحي الحكومي والتي تنعكس سلباً ليس على قضايا الرعاية الصحية وحسب بل على اقتصاد اليمن وتنميته وعلى دخل الفرد المعيشي, معدداً أبرز مشكلات قطاع الصحة المتمثلة في عدم تواجد الأطباء الاستشاريين في الوظيفة العامة بسبب تركيزهم على العمل في القطاع الخاص وعدم تقنيين ينسق العلاقة بين العام والخاص وضعف التأهيل للكادر الطبي مع ضعف المراقبة و المحاسبة وغياب مراكز البحث العلمي وانتشار الفساد في الإدارات المالية سيما المشتريات والمناقصات إضافة إلى غياب المعرفة بالتوصيف الوظيفي مع ضعف رواتب الأطباء العاملين في وزارة الصحة ومرافقها مقارنة بأطباء التعليم العالي في الوقت الذي لاتقوم فيه مرافق الدولة بمعالجة أفرادها في مرافق وزارة الصحة.
وفي ختام ورقته أشار د/ بايعشوت إلى عدد من التوصيات منها ضرورة إتاحة الخدمة الصحية للسكان بتكلفة أقل وخفض التكلفة الحالية للأدوية وتوفير الخدمة الصحية جيدة النوع والتركيز على الخدمات الوقائية والتوزيع العادلة للميزانية بين مرافق الرعاية وإشراك عدة قطاعات حكومية لوضع النظام الإداري والصحي بشكل صحيح وإشراك المجتمع في إدارة الخدمات الصحية وإعطاء الأولوية القصوى لتأسيس نظام إسعاف متطور ورفع المخصصات المالية للنفقات التشغيلية.
إلى ذلك تم طرح العديد من القضايا المتعلقة بالجانب الصحي في محافظة عدن تطرق إليها المشاركون في مداخلاتهم أوضحوا فيها إلى أن أبرز الإشكالات التي رافقت الخدمة الصحية هي وجود اللانظام داخل النظام الصحي ما أدى إلى تدني مستوى الخدمات الطبية في ظل غياب الرقابة والمحاسبة, مشددين على ضرورة تظافر الجهود الرسمية والشعبية للإسهام الفاعل في الارتقاء بالخدمات الصحية.
** أوضاع مستشفيات عدن المغلق للتأهيل وسبب تأخر انتهاء الأعمال فيه موضوع أخبار اليوم القادم ضمن حلقات مناقشة الوضع الصحي في محافظة عدن.