منذ فترة طويلة تواجه الجامعات اليمنية انتقادات عدة على مناهجها التي توصف بالعقيمة ومناهج تعود للستينات والسبعينات من القرن العشرين غير مواكبة للتطورات النظرية, ولا مرتبطة بالجانب التطبيقي.. نجم عن ذلك مُخرجات جامعية محدودة التأهيل والقدرة على التعاطي مع سوق العمل وافتقاد التعليم العالي للمقاصد المرجوة منه..
عن المنهج الجامعي والتجديد فيه,والأسباب التي حالت دون تطويره نتابع الاستطلاع التالي:
غياب الإرادة
بإمكان الجامعات الحكومية أن تجدد في مناهجها وفي تطبيقاتها, وتأهيل مُخرجاتها إن توفرت الإرادة والمهنية لدى الإدارة الجامعية,وفي حدود الإمكانيات المُتاحة.. ذلك ما أكده أ.د/حسين عُمر قاضي- رئيس جامعة الحُديدة.. موضحاً:أن المناهج الجامعية عانت من عدم الجديد في المعلومات, والمواكب للتطورات ومتطلبات الحياة وسوق العمل لعقود من الزمن وحتى اليوم, مشيراً إلى أن عملية التطوير والتحديث للمناهج لم تقتصر على المناهج الجامعية,فحتى مناهج التعليم العام عانت الجمود,وغياب التطوير والتحديث والافتقار للبيئة التطبيقية,وما زالت هذه المشكلة قائمة حتى اليوم بمنهج وضع للتجريب في التعليم العام, ذي ارتباط وثيق بالجانب التطبيقي لا وجود لبيئة تطبيقية في مدارس التعليم العام في بلادنا وإن وجد جانب محدد منها فهو محدود جداً ويوجد في مدارس محدودة, لا تتجاوز20% من المدارس..
مؤكداً أن التعليم العام يمثل البنية والأساس للتعليم الجامعي,وأن ضعف المخرجات الجامعية لم يكن حصيلة لأداء الجامعات فقط وإنما نتيجة تراكمية للتعليم العام والجامعي ,وأنه لو تطور التعليم العام,لفرض ذلك ضرورة التطوير والتحديث للتعليم الجامعي.. مُضيفاً:ورغم الواقع الذي عانه ويعانيه المنهج الجامعي تحديداً غير أن الإدارة الجامعية تملك من الصلاحيات إن توفرت الإرادة ما يمكنها من التحديث والتطوير ليس للمنهج فحسب وإنما للكادر,والتجهيزات التطبيقية ضاربا مثالا بجامعة الحديدة..
ولفت إلى أن العام2011م رغم الظروف التي شهدتها اليمن وعانت منها كل مؤسسات الدولة, إلا أن الجامعة وخلال ذلك العام قامت بعدد من الخطوات التي لم تسبقها إليها جامعة حكومية ومنها:إقامة وِرش عمل لتطوير المنهج الدراسي,ودورات تأهيلية وتدريبية للكادر العلمي وإقرار الكتاب الجامعي بدلاً عن الملازم, وتنفيذ ذلك واقعاً بنسبة تتجاوز70%حتى الآن.. علاوة على افتتاح عدد من الأقسام العلمية والمهنية التي يحتاجها سوق العمل, ونعمل على تطوير المعامل, والاهتمام بالجانب التطبيقي للأقسام العلمية.
تجهيل
أما د.ماجد علوان- رئيس قِسم الصيدلانيات بكُلية الصيدلة بجامعة صنعاء- فتحدث بقوله:إن ما عانته وتعانيه اليمن هو تجهيل التعليم وتحت مُسمى التعليم كحقيقة لا جدل فيها تدركها من خلال القائمين على التعليم والموظفين المعنيين فيما يُسمى مؤسسات تعليمية, مؤكداً على أن العقم مصطلح ينطبق على التعليم العالي ككل في كُل جُزئياته ليس في المنهج الدراسي فحسب وإنما في الكادر,و.. مُرجعاً ذلك للفشل الإداري لقيادات التعليم العالي المُتعاقبة, موضحاً أن أول امتهان للذات اليمنية وإفساد للتعليم العالي ليس وليد اليوم بل منذ الاستغناء عن المُتعاقدين العرب وإحلال حملة الدبلوم 5سنوات بعد الإعدادية محلهم, كما حدث مع الرُتب العسكرية التي وزعت دون معيار ولا عسكرة ولمن لا يعي استعد واستريح..
موضحاً أن المنهج الدراسي في الجامعات اليمنية من مُخلفات السبعينيات لم يحصل على التطوير والتحديث ولا تطبيق عملي للدراسة النظرية, مُستشهداً على ذلك بمنهج كُلية الصيدلة في اليمن والذي أكد بحث علمي أعتمد على المُقارنة بين كُلية الصيدلة جامعة صنعاء ونظيرتها في دول عربية أُخرى..حيث أكدت نتائج البحث أن 28مادة دراسية تُدرس في كُليات الصيدلة في الجامعات العربية ولا وجود لها في الجامعات اليمنية .. وما هو حاصل في الجامعات اليمنية الحشو والتكرار لمفردات دراسية عديمة الجدوى تُبعد الطالب عن التخصص مثلاً:الكيمياء العضوية تُدرس في كل دول العالم ترمين دراسيين بينما تُدرس في الجامعات اليمنية6أترام..
مؤكداً وبصفته رئيس قسم الصيدلانيات بجامعة صنعاء أن كُلية الصيدلة طوال22عاماً لم يحدُث أن طالباً تعلم في الكُلية على كبس قُرص واحد من أقراص الدواء,ولم يلحم أنبولة واحدة مُطلقاً,ولم تدخل الأنبولات في الكُلية طوال عُمرها, وحتى عُمداء هذه الكُلية طوال الماضي لم يحمل أي منهم تخصص الصيدلة.. وأنه في سبيل خدمة الطالب وتوفير المتطلبات التطبيقية والعملية لما يتعلمه كانت كُلية الصيدلة بجامعة صنعاء هي الرائدة هذا العام والسباقة إلى انتخاب عميدها انتخاباً وإقرار عدم توريد مبالغ التعليم الموازي بالكلية إلى رئاسة الجامعة والبالغ800ألف دولار, والاستفادة منها في توفير الأجهزة والمتطلبات التطبيقية للكُلية,وأن الكُلية مستعدة للحساب أمام الجهات الرقابية والمسئولة عن تلك المبالغ ومصارفها التي تخدم العملية التعليمية.
ويضيف د.علوان: المؤسف في واقع التعليم العالي هو أن الجمود للمنهج الدراسي والتجهيل الرسمي للتعليم العالي لم يُفرض على الجامعات الحكومية فقط بل يُفرض حتى على الجامعات الأهلية,والتي لا تُمنح لها تراخيص العمل في التعليم إلا إن التزمت بمنهج الجمود,وأن تكون جامعة صنعاء هي أنموذجً تلتزم به كُل الجامعات..
وتابع: نحن في جامعة اليمن مُلزمون بنفس المواد مُسمى وعدداً كما هي في جامعة صنعاء وإن كان لنا تجديد ففي مُفردات دراسية لذات المواد وبما يواكب التطورات الحاصلة في المجال العلمي والتي يشهدها العالم بشكل يومي, كما أننا الجامعة الوحيدة التي تُدرس مادة:البيئة نتيجة لاتفاقيات بيننا وبين اتحاد الجامعات العربية,وأن لدى الجامعة مُستشفى تابع لها ومصنع يمثلان بيئة تطبيقية وإمكانيات مكنتها من توفير كافة المعامل والتجهيزات العملية المكملة للدراسة النظرية.. مؤكداً على أن إصلاح ما يعانيه التعليم العالي بحاجة إلى قرارات سيادية توقف العبثية وسياسة التجهيل التي تُمارس في حق التعليم العالي.
تفاوت
حالة الجمود في تحديث المناهج الجامعية, وكذا الجانب التطبيقي تبدو متفاوتة ما بين الجامعات الحكومية والأهلية.. غير أن التفاوت ليس جذرياً في الغالب وبنسب محددة بحكم الملكية الخاصة للجامعات الأهلية وطبيعة أدائها كجامعات تقدم للطالب خدمة مدفوعة تتطلب تميزاً عما يحصل عليه في الجامعات الحكومية.. ذلك ما أكده المُهندس/غسان هاشم- أمين عام جامعة الملكة أروى..موضحاً: إن المناهج الدراسية في الجامعات الأهلية هي ذات المناهج في الجامعات الحكومية,وما يحدث كجديد بالنسبة للمنهج الدراسي للأقسام العلمية هو إضافة مفردات دراسية تواكب التطورات الحديثة التي يشهدها هذا التخصص أو ذاك وتعود بالفائدة على الطالب وتأهيله, وبعد مناقشتها وإقرارها من الأكاديميين المختصين وبعد موافقة مجالس الأقسام والكُليات,ومصادقة مجلس الجامعة... مُضيفاً:ومما يميز الجامعات الأهلية وذو صِلة بالمناهج الدراسية هو الجانب التطبيقي المتمثل في المعامل والتجهيزات التطبيقية,والتي تُعد البيئة العملية للطالب لتكسبه مهارة التعاطي مع سوق العمل بعد تخرُجه, كما أن الطُلاب في الجامعات الأهلية يتمكنون من التطبيق العملي بشكل أفضل من الجامعات الحكومية نظراً لقِلة أعداد الطُلاب فيها مُقارنة بعددهم في الجامعات الحكومية وللإمكانيات التي تمكن من توفير التجهيزات اللازمة.
تجديد
يوافقه فيما ذهب إليه الأستاذ/علوي النجار- نائب رئيس جامعة سبأ.. مُضيفاً:إن التحديث في المناهج الدراسية ومن خِلال ما هو معمول به في جامعة سبأ يتم للأقسام والتخصصات العلمية كافة بإضافة مفردات دراسية وتوفير المتطلبات التطبيقية من أجهزة,ووسائل.. موضحاً أن ما يتم إضافته من مفردات دراسية للمواد العلمية وبما يواكب جديد العِلم والمعرفة ويحقق التأهيل الفعلي للطُلاب..وتتم تلك الإضافات من خِلال أكاديميين مختصين في القسم المعني,وأحياناً بالتعاون مع مختصين وأكاديميين من جامعات أُخرى عربية أو أوروبية, ومن ثم يتم إقرار مجلس القسم, ومجلس الكُلية,ومجلس الجامعة لما يتم التوصل إليه من إضافات لمفردات علمية.. مُشيراً إلى أن الجامعات الأهلية تتميز بالوسائل التطبيقية المُتاحة لكُل الطُلاب بخِلاف الجامعات الحكومية التي إن توفرت فيها بعض التجهيزات التطبيقية فلا يستطيع كُل الطُلاب الحصول على التطبيق العملي نظراً لكثرة أعداد الطُلاب, وقِلة ونُدرة المُتاح الجُزئي من التطبيق.
خلاصة
نخلص من خلال الاستطلاع إلى أن المنهج الدراسي للتعليم العالي في اليمن لم يعد منهجاً صالحاً للتعاطي مع الحياة ومتطلبات السوق المحلية, بل وسوق العمل في الدول المجاورة, وذلك ما يؤكده المختصون والحريصون على التعليم العالي ..كما أن وزارة التعليم العالي بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلتها, حيث أن غالبية من يعملون ويديرون الإدارات العامة بالوزارة لم تتجاوز مؤهلاتهم بين الابتدائية والثانوية العامة حسب واقع الوزارة المؤلم والمتنافي مع ما يجدر بها من مهام..علاوة على اللوائح والتشريعات التي تنظم التعليم العالي فهي بحاجة إلى إعادة النظر وأن يكون القدوة فيها من يملك أفضل المؤهلات والإمكانيات, وأن تُقلص من صلاحيات السطو الإداري المُفسد للأداء الأكاديمي في الجامعات الحكومية.. تشريعات تستوعب حقيقة التعليم العالي ومتغيراته ومتطلباته,من منهج,وكادر,وتجهيزات.. تشريعات تحضر التداخل بين العمل الأكاديمي والكسب السياسي أو الامتهان السياسي في مؤسسة تعليمية كالجامعات حكومية أو أهلية, تشريعات تحمي الطالب وحقوقه في التأهيل والحصول على العِلم والمعرفة والمهارة والتأهيل, حيث أن عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات اليمنية لا صلة لهم بالبحث العلمي ولا يقدرون على ذلك؛ لأنهم في الأساس لا يملكون من الأكاديمية إلا الاسم فأنى لهم أن يطوروا مناهج أو يضغطوا حتى تحقيق ذلك المطلب كما يضربوا من أجل زيادة مرتباتهم بين الفينة والأُخرى!!.