تدفق الزوار بالآلاف يتدافعون على منافذها، تكسو محياهم بسمات العيد ونشوة أفراحه، مصرين على انه لن يحلو لهم العيد دون أن يغنموا فيه زيارة لعدن الوديعة تلك التي عودت الجميع حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة, فغدت طيبة أهلها ملح الإقامة ودافعاً لعدم مغادرتها إلا والدموع تذرف حزناً والألسن تردد المثل السائر "كل شي يهون إلا فراقك يا عدن".
فلقد كان عيد الأضحى هذه المرة غير, فأينما يممت وجهك على شواطئها ومتنزهاتها تجد الآلاف تحبوهم عدن بحنان أم وعطف أب وفي ثنايا ذلك رقة لا متناهية بين روحين جمعهما عبق الذكرى وقداسة المكان.. إنها عدن مدينة التجارة والاقتصاد ومتنفس الباحثين عن ساعة صفاء لذهن كان مثقل بالهموم ولوثات المعيشة ليصبح البحر محطة التأمل وحافز للبوح بما في النفس.
زرنا متنفساتها والتقينا زوارها وأبنائها ومسؤوليها وجمعنا آراء وطموحات, وذكرى جميلة عن أيام عيد قضيت في عدن في هذا الاستطلاع.
أثناء تجوالنا على شواطئ البريقة (عدن الصغرى) صادفنا أسراً عربية تتنزه، فبادرناهم بسؤال عن انتمائهم لأي قطر عربي، فردت علينا أم ربيع ضاحكة: "مش الجميع بيقول اليمن أصل العرب" وكان سؤالها محرجاً، وعندما أجبت عليها بـ" نعم" ردت أم ربيع: "خلاص أنا عربية من اليمن".
ساورنا أنا وزميلي المصور شعور خالجته مشاعر الاعتزاز بروح الانتماء والهوية , لكنها أردفت:"عشان ما تقولوش تتنكر لجنسيتها أنا فلسطينية"، وأشارت إلى أسرة أخرى على مقربه وهؤلاء من مصر وبالأمس كنت في عدن مول مع أسر عراقية ومصرية كمان.
واستطردت: بصراحة هنا في عدن شعرت شعوراً مختلفاً تماماً الناس طيبة والجو جميل للتنزه وما فيش شي يخوف.
وعن برنامج تنزههم ومستوى الخدمات ردت: إحنا من الصبح نروح الشواطئ وأحياناً الحدائق ونختلط بالناس وبصراحة أبناء عدن أطيب ناس يتعاملون مع الضيف باحترام وفي كل مكان تروح فيه تجد تعاوناً كبيراً.
عدن شيء آخر
أما محمد عبدالسلام العديني من محافظة أب صادفناه مع أطفاله في شاطئ "جولد مور" على أهبة المغادرة، سألناه كيف قضى أيام عيده في محافظة عدن فرد قائلاً أنا أعمل تاجر ومنذ ثلاث سنوات أقضي العيد في منطقتي، كان هناك تخوف من النزول إلى عدن بفعل ما نسمعه من أخبار عن الفوضى والتقطع, لكن هذه المرة قررنا أنا والأسرة من ثاني يوم العيد النزول إلى عدن للتنزه فقد سمعنا أن الأوضاع تحسنت فقلنا نغامر, وبصراحة وجدنا أن عدن شيء آخر مختلف تماماً، الناس يكرموك بحفاوة الاستقبال والتواضع, والجانب الأمني مستقر جداً، تشعر أن هناك خدمات وعمل يستحق الشكر.
واختتم: نحن اليوم نغادر مرتاحين جداً وعندنا الأمل بان هناك واقعاً جديداً بدأ يتحقق, لأن عدن هي اليمن كلها.
فيما يشيد المهندس/ أحمد الزمري من صنعاء بطيبة أبناء عدن، واصفاً الحشود القادمة إلى المحافظة للتنزه بالغير متوقعة قائلاً: أخذت أفراد أسرتي على سيارتي صوب عدن وقد رتبت الأمور مع أحد الزملاء في عدن لاستضافتنا في منزله، فكانت نعم الزيارة ونعم الأهل أبناء عدن.
مضيفاً أنا شخصياً ما توقعت أن هذه الحشود الهائلة ستقصد عدن خصوصاً وأن هناك شائعات بأن الوضع غير مستقر لكن ما رأيته العكس الناس توافدوا والأوضاع زادت استقراراً ولمسنا تحسناً كبيراً في الأداء الأمني.
وتابع: هذه الزياره زادت من احترامي لرجال الأمن بكل فئاتهم وذلك لحسن تعاملهم من الاستقبال على المنافذ, وكذا رجال المرور في الشوارع, وخفر السواحل والدفاع المدني في السواحل فهم أضافوا لمهمتهم مهمة الإرشاد السياحي, بصراحة بلادنا تتجه نحو مزيد من التطور طالما وهناك مخلصون ومحبة متبادلة بيننا كمواطنين.
نشاط تجاري كبير
ما شهدته عدن خلال أيام العيد كان تظاهرة تجارية قبل أن يكون نشاطاً سياحياً، فقد ازدهر الجانب التجاري بشكل كبير جداً في المحافظة وخصوصاً على مستوى المحلات التجارية التقليدية كالبقالات والباعة المتجولين, إضافة إلى الأنشطة التي شهدتها المراكز التجارية الكبرى كعدن مول وقطاع الفنادق والمطاعم السياحية، فقد شوهد ازدحام كبير في المراكز التجارية وامتلأت مواقف الفنادق بسيارات مرتاديها.
من إحدى بقالات مديرية المعلا طلبنا علبة ماء معدنية لنروي عطشنا، فرد علينا بسام سالم صاحب البقالة إنه لا يوجد الماء الذي نريد كونه قد نفد في أول أيام العيد, ولأن موزع الماء في إجازة قال إنه لم يتمكن من جلب كميات إضافية منه.. فاستغربنا متسائلين: لماذا لم يأخذ كمية كبيرة قبل الإجازة وهو يعرف مسبقاً أن الموزع سيكون غير موجود؟ فحمل تعليقه على تساؤلنا توصيفاً دقيقاً لحجم النشاط التجاري الذي شهدته عدن بفعل تزاحم الزوار عليها خلال أيام عيد الأضحى المبارك قائلاً: في العيد السابق أخذنا نفس الكمية ولم نتمكن من تصريف سوى جزء منها خلال خمسة أيام, لم نتوقع هذه الحركة التجارية هذه المرة، فنفس الكمية نفدت في أول يوم ومثلها لبقية البضائع, بصراحة هذه المرة والحمد لله الحركة كبيرة جداً.
كرم الضيافة
انطباع جميل جداً خرج به الزوار عن أبناء عدن, فبطيبتهم أضافوا للمحافظة ميزة أخرى حققوا بها المأمول منهم في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي وبما أحاطوه الزوار من نبل تعامل وكرم ضيافة جعلوا من محافظتهم مثالا في المحبة والإخاء.
بدر سالم بانبيل من مواطني عدن يصف ما أبداه أبناء عدن تجاه الزائرين بالواجب وإعادة الاعتبار لقيم أبناء المحافظة السمحة تجاه من يدلف بابها, متمنياً أن تستمر هذه الحفاوة وألا يدخل عليها دخيل ليفسدها وخصوصاً لدى جيل الشباب.. مضيفاً بأن محافظة عدن عاصمة اقتصاديه وشتوية للبلد فيجب على أبناءها أن يقدموها بصورة رائعة للغير فالتجارة والاقتصاد تقوم على الأخلاق, داعياً الحكومة إلى تحقيق مطالب المواطنين الحقوقية والتفاعل معهم عبر عقد اجتماعاتها هنا في عدن لتلمس هموم المجتمع وسد حاجاته.
واعتبر جمال أحمد سعيد ـ من مواطني البريقة ـ الحشود الهائلة التي قضت أيام العيد في عدن بأنها تعزز من مكانة المدينة لدى قلوب اليمنيين, وكذا الأجانب والعرب وتأكيداً كبيراً على أنها مدينة جذب سياحية واقتصاديه, وهي المكانة التي تنبىء بمستقبل مشرق للمحافظة والبلد بشكل عام - حد وصفه.
وطالب في حديثة الجهات المختصة جعل هذه التطلعات حقيقة عبر تواصل جهودها لإيصال عدن لمكانتها المرموقة كمدينة اقتصادية وتجاريه يفخر بها اليمنيون عامه.
جهود رسمية
منذ اليوم الأول للعيد ينفذ محافظ محافظة عدن المهندس/وحيد علي رشيد زيارات ميدانية للمتنزهات والشواطئ ويوجه الأجهزة المختصة ببذل المزيد من الجهود لتوفير وسائل الراحة للزائرين والحرص على أمنهم.
وأثناء زيارته لكورنيش خور مكسر التقيناه وسألناه عن كيف كانت الاستعدادات لاستقبال زوار عدن؟ وهل حققت نتائج ملموسة؟ فرد بالقول: أولاً أشكر الإعلام الذي كان له دور كبير في نجاح الجهود وإزالة ما علق في نفوس الناس من تخوف سابق, وبخصوص الاستعدادات فنحن أشرفنا عليها شخصياً من أول يوم, وطبعاً الدور الأكبر في ذلك لمواطني المحافظة الشرفاء, ورجال الأمن الذين ضحوا بأوقاتهم لخدمة الناس ورغم حشود الزوار الهائلة والإرهاق والتعب، إلا أن جهود الجميع تواصلت وحققت نتائج كبيرة, وهاهو العيد يهدي عدن هذه المرة واقعاً مغايراً، كشف أنها تعيش حياة مطمئنة وأن العمل الجاد جاءت نتائجه.. وعليه ومن هنا أدعو حكومة الوفاق إلى النزول للمحافظة وعقد اجتماعاتها فيها, لتلمس حاجة المواطنين وحل قضاياهم طالما ونحن على أبواب الحوار الوطني القادم والذي يدرك الجميع أنه سيحقق نجاحاً كبيراً متى ما تمت التهيئة له بحل الكثير من قضايا المواطنين الحقوقية.