الأعياد في اليمن بين الأفراح والقِراح

2012-10-29 23:13:59 كتب /ماجد البكالي


إجازات الأعياد مناسبات دينية أو وطنية تعني الفرح بأداء فرضٍ ما أو لذكرى حدث مُعين..وفي بلادنا ارتبطت المناسبات والأفراح بعادات وتقاليد أبرزها القَراح، حيث يحشد الأطفال منذ الأسابيع السابقة للأعياد، لاسيما الدينية كُل أنواع الألعاب النارية:(طماش,طليعات,صواريخ صوتيه,قنابل صوتية,مسدسات,تقليد الكلاشينكوف ,و..) ..بل يصل الأمر في عدد من مناطق اليمن إلى عدم قناعة الأطفال بالألعاب النارية على ضررها فيحاولون تقليد آبائهم في الرماية بالرصاص الحي وبالسلاح الحقيقي خصوصاً:(المسدس,والكلاشينكوف) ..نوع الأضرار التي تحدثها الألعاب النارية,وعلاقة الألعاب النارية بالمجتمع اليمني,ولماذا استمرار هذه العادة هذه وغيرها تمثل محاور للتقرير من واقع مجتمعنا وبالتزامن مع مناسبة عيد الأضحى المبارك ـ أحد المناسبات الأكثر علاقة بالألعاب النارية ـ فإلى الحصيلة:

واقع
لم أكُن أصدق أن الألعاب النارية التي يأخذها الأطفال من أجل التسلي قد تصل أضرارها حد الموت..لولا أني تابعت قصة واقعية لأحد الأطفال.. هذا الطفل من مديرية السلفية محافظة ريمة..وهو لم يُعد طفلاً بمعنى طفلاً فسنه تقترب من سِن الرُشد ـ السِن القانونية ـ وبينما كان يلعب بهذه الألعاب النارية تحديداً ما يُعرف بالقنبلة والتي تختلف عن الطماش في حجمها فهي أكبر من الطُماش ..
ما حدث أن المذكور أشعل القنبلة ولكن فتيلها كان قصيراً جدا ما أدى إلى انفجارها في يده.. تسبب عن ذلك جرح اليد ونزيف للدم فتم إسعافه إلى المركز الطبي بالمديرية, ويقابله سوء حظه بأن المركز ربما لا يحتوي على مختصين طبيين في الإسعافات الأولية,فبدون تنظيف للبارود الذي أختلط بدمه,ولا علاجات أولية مضادة للتسمم تم ربط يده بالشاش فقط وإخبار مرافقيه بضرورة إسعافه لإحدى المُدن، فتم إسعافه إلى مستشفى الثورة العام بأمانة العاصمة وبعد ساعات من وصوله فارق الحياة وأكد الأطباء أنهم عجزوا عن عِلاجه نظراً للتسمم الذي أصاب دمه كاملاً وفي كُل أعضاء جسمه نتيجة لعدم تنظيف الجرح من البارود,وعدم استخدام إسعافات أولية مضادة للتسمم..كان حادثاً مُذهلاً بحق ولم يكُن أحد يتوقع أن مُجرد جرح بلعبة نارية قد يؤدي إلى الوفاة ـ نتيجة لقِلة الوعي الصحي لدى المجتمع.
استقبال
في ليلة استقبال أول أيام العيد تبدأ تظاهرات الأطفال بل وحتى الكِبار في إطلاق الألعاب النارية في كل حارة وحي..وفي الأرياف تُطلق من كُل منزل غير مُقتصرة على الألعاب النارية,بل ويتم إطلاق الرصاص الحي إلى الهواء, كما يحدث في عدد من أحياء أمانة العاصمة مع مناسبات كهذه..كما أن في الريف عادة مُختلفة على المدينة تُرافق الألعاب النارية.. وهي ما يُعرف بالمِنارات ـالتي يتم خلطها من الرماد والقاز بشكل عجائن صغيرة يتم سردها بالتتابع على سطوح المنازل ثم إنارتها لتستخدم كوسيلة سهلة لإشعال الألعاب النارية وإطلاقها بالتتابُع..وتُعد هذه عادة ملازمة لليلة استقبال الأعياد الدينية في عدد من مناطق الريف اليمني وما تزال مستمرة..ـ وفيها مُخاطرة، حيث يتجمع الأطفال من المنزل على السطح وكل يشعل اللعبة النارية ويصاحب إحتكالهم ببعضهم خطأ في رمي اللعبة إما إلى وسط السطح ,ما يتسبب في فرار مفاجئ وتزاحم للأطفال أودى في بعض القُرى بإسقاط أطفال من سطوح المنازل ووفاتهم,أو تخوف أحد الأطفال من اللعبة النارية وتركها بجوار المِنارة فتنفجر اللعبة مُحدثة سقوط تلك المنارة إلى جوار المنزل..المنزل الريفي الذي يُحاط غالباً بأعلاف المواشي أو الحطب..ما يُحدث حريقاً هائلاً يستدعي نجدة كُل أبناء القرية..وفي كلا الحالتين تتحول الفرحة إلى مأتم وبُكاء وعويل؟؟
وقبل أن نخوض في أضرار الألعاب النارية يجب أن نشير إلى ما يعلمه الجميع وهو أن الألعاب النارية تستمر مع الأطفال طوال أيام العيد نهاراً وساعات من الليل قد تتجاوز ثُلثه الأول ويظل الأطفال في سباق دائم على سلب آبائهم وأمهاتهم المال لشراء الألعاب النارية وفي زِحام على البقالات وأي محلات,أو أماكن لبيع الألعاب النارية..
والمُلفت للانتباه أن الألعاب النارية من عام لآخر تشهد ظهور أنواع جديدة من الألعاب النارية مثل:قنابل وهي ضارة بصوتها وأثرها إن انفجرت بجوار طفل أو في يده, ومن الألعاب أيضاً:الطِليع (أعمدة مليئة بالمتفجرات الصوتية المُضيئة التي بمجرد إشعالها تبدأ الإنفجارات المتتالية بشكل طلقات نارية من10إلى 12طلقة وكُل طلقة تمر مضيئة لمسافة في الهواء),وصواريخ صوتية..
 وخلال أيام العيد تلاحظ أن عدداً من الأطفال لم يعودا مقتنعين بالألعاب النارية ويكررون طلباتهم لآبائهم بإعطائهم السلاح الحقيقي لاستخدامه كالمسدسات,والآلي(كلاشينكوف),والمؤسف أن ترى في الواقع بعض الآباء يستجيبون لطلبات أبنائهم هذه وينجم عن ذلك أخطاء ومخاطرة تصل حد إصابة أبرياء ووفاة أشخاص أحياناً كنتيجة طبيعية لاستخدام عشوائي لسلاح قاتل من قِبل أطفال لا معرفة لهم بالسلاح وأضراره.  

أسباب
الأسباب التي تكمن وراء استمرار ظاهرة الألعاب النارية واتساعها من عام لآخر عدة أبرزها:أنها أضحت عادة يتم من خِلالها التباهي بين الأُسر والأطفال وارتبطت في أذهان الناس بأنها فاتحة الأعياد والإشارة الحقيقية للعيد..بل إن البعض لا يرى أن هناك عيداً وفرحة بدون ألعاب نارية للأطفال ورماية حية للكبار..إذا لم يحدث ذلك لم يلمسوا العيد في حياتهم وواقعهم..فيما السبب الآخر والأهم في اتساع ظاهرة الألعاب النارية وانتشارها بشكل تصاعدي وغياب دور الجهات الأمنية في محاربة هذه الظاهرة من خِلال إيقاف الاستيراد للألعاب النارية وكذا التهريب من خِلال المنافذ البرية والبحرية والجوية والتي تتدفق عبرها كثير من السلع والمواد الضارة بالمجتمع اليمني والتي أفرزت عدد من الظواهر السلبية الضارة بالمجتمع (صحياً,وثقافياً,وأمنياً,واقتصاديا,و...)..,ومنها الألعاب النارية.
أضرار
تتنوع أضرار الألعاب النارية وبتأمل هذه السلعة منذ شرائها حتى انتهائها، ندرك حجم الأضرار التي تحدثها على المجتمع فبدءاً من شرائها نلمس الأضرار الاقتصادية في الطليعة حيث أن جميع الأسر اليمنية تقوم بشراء هذه الألعاب ويستخدمها الأطفال,ـ ذكور,وإناث ـ والشباب دون سِن العشرين وهي الفئة العُمرية التي تمثل النسبة الأكبر من عدد السُكان.
فإذا افترضنا كحد أدنى أن 8مليون هم من يشترون الألعاب النارية,وكحد أدنى ومعدل متوسط أن كُل شخص يشتري بمبلغ 1000ريال فإن قيمة ما يتم شراؤه من الألعاب النارية في الجمهورية تتجاوز مبلغ ثمانين مليار ريال,ولم تقتصر التبعات والأضرار الاقتصادية على شراء تلك الألعاب فقط بل إن ما ينتج عن استخدامها من جروح لمئات الأطفال مع كُل مناسبة تتطلب إسعافهم وتكاليف عِلاج ومواصلات واتصالات وإطمئنان على المُصاب من عشرات الأقارب والأصدقاء كل تلك تكاليف اقتصادية قد تفوق أو تتجاوز ضِعف قيمة الألعاب النارية..وإذا كان الحال كذلك في حده الأدنى الذى يعلم الجميع أننا لم نُبالغ فيه ومع مناسبة واحدة، فكم ستكون الأضرار الاقتصادية مع كُل المناسبات الدينية والوطنية كثيرة العدد في بلادنا؟ـ علها في مُجملها تتجاوز الموازنة المالية للدولة وإن استخدمت الاستخدام الأمثل في التنمية لحققت نهضة غير مسبوقة؟ وليس ما نقوله مُجرد شطحات وإنما حقائق يعلمها الجميع ويدركون أننا شعب قرح وأفرح, واُضطررنا لإفتراض الحدود الدُنيا للأضرار الاقتصادية الناجمة عن الألعاب النارية نظراً لعدم وجود جهة محددة معنية بقضايا الألعاب النارية وتشتت المهام بين:الأجهزة الأمنية,وجمعية حماية المستهلك,ووزارة الصناعة والتجارة ,والمهربين,لذا من الصعب الحصول على إحصائيات محددة ومضبوطة لدى أي من الجهات سالفة الذِكر.
فيما الأضرار الأُخرى تتمثل في الضوضاء وإزعاج الناس وإقلاق السكينة العامة وعدم احترام مشاعر الآخرين,ولا تقدير لظروف الجيران لا للنائم ولا للمريض؟ وهي بذلك تمثل وسيلة من وسائل تعويد الأطفال على العشوائية وعدم احترام الآخر ..ما يترتب عليه:جيل لا يختلف عما نعانيه اليوم في واقعنا,وعانيناه لعقود من الزمن من ثقافة: التسلط,والإقصاء,والتهميش للآخر,والصراعات المُسلحة.
علاوة على الأضرار البيئية للألعاب النارية، حيث ينجم عن استخدامها دُخان ونيران وغازات,ونفايات من القُمامة..وفي كُل ذلك إضرار بصحة المجتمع وموارده.. وتظل الأضرار الاقتصادية مرشحة للتزايد لترافقها مع كُل الأضرار البيئية,أو الصراع,والثقافة السلبية,ومع كُل نتيجة سلبية اجتماعية,أو ثقافية,أو صحية يظل الاقتصاد يدفع الثمن في حلقة مُفرغة مليئة بالمتاهات خالية من المقاصد مُكتظة بالتعقيدات,متسمة باستمرار السلبية وتتابع الخسائر وغياب الإيجابية والنفع.
ومن أبرز الأضرار الناجمة عن الألعاب النارية:الأضرار الأمنية، حيث يترتب على واقع لم تفارقه أصوات قوارح, وإنفجارات لألعاب نارية منها ما يُقلد البندقية, وآخر يُقلد صوت القُنبلة,وثالث يُقلد صوت رشاش,وواقع يجعل الجهات الأمنية غير مُبالية بأي أصوات نارية تُهدد المجتمع أو تستهدف شخص ما تصبح أجهزة غير حذرة؛لأنها تعمل في بيئة مليئة بالقراح أختلط عليها اللعبة بالحقيقي..وليست في بيئة مدنية حقيقية خالية من الألعاب النارية شأن باقي دول العالم؛كي تعرف أن أي انفجار أو صوت ناري..يعني:خطر يُهدد أحد ما أو يستهدف المُجتمع ككل؟؟.
وتكون الأضرار البشرية نتيجة حتمية لا تخلوا منها مناسبة تمر بها اليمن حيث يتعرض عدد من الأطفال لإصابات لا تكتفي بما تُلحقه بأُسرة المُصاب من آثار مادية بل تترك آثارها على المُصاب ليظل يُعاني من تشوه خُلقي:بتر أحد أصابعه,أو بعضها,أو حروق غائرة في وجهه,أو على جبينه,أو في أي جُزء من جسمه..آثار تظل شاهدة على جزءٍ من أضرار الألعاب النارية ليعتبر بها الآخرون..ولكن دون جدوى؟بل أن الأضرار البشرية تصل حد وفاة أشخاص نتيجة للإستخدام الخاطئ للألعاب النارية,أو لمضاعفات الجروح التي يُصاب بها بعض الأطفال والتي تُقابل بقِلة وعي صحي لدى المجتمع ـ وقد قمنا في بداية هذا التقرير بسرد مختصر لقصة واقعية للألعاب النارية انتهت بالوفاة ـ.
المطلوب
ومن خلال هذا الواقع الذي يعرفه كل يمني وندرك من خلال ما تم تناوله في التقرير بأن استخدام الألعاب النارية أضحى في اليمن بمثابة عادة ضرورية وملازمة للأعياد والمناسبات بل يرقى في بعض المناطق إلى مستوى المُعتقد ,ودليل ذلك أنه رغم كثرة وتنوع الأضرار الناجمة عن الألعاب النارية بين اقتصادية,وأمنية,وبيئية,و...ومع ذلك ما يزال الإقبال على الألعاب النارية في تزايد وهذه الظاهرة في توسع؛ لذا فأن ظاهرة مستأصلة كهذه لن يتم الحد منها في ظرف عام أو عامين ولا بجهود فردية,فتتطلب تضافر الجهود من قِبل الجميع جهات أمنية والمجتمع,ووسائل الإعلام تقوم بدورها التوعوي,ومنظمات مُجتمع مدني..ويحتاج تحقيق النجاح في الحد من هذه الظاهرة وتقليصها إلى وقت غير قليل تصدق فيه جهود الجهات الأمنية تحديداً في منع استيراد هذه الألعاب,ومنع تهريبها,وقيام كل بدوره وأن تعمل التوعية عملها..وتقديم بدائل من الألعاب تعين الأطفال على التفكير والابتكار والمشاركة في إيجاد اللعبة وتحقيقها وإدارتها كما كان حال الألعاب حتى قبل عقدين من الزمن..حيث كان الأطفال يبتكرون من بيئتهم وما يحيط بهم ألعاباً مثل:الوقل,والمدرهة,والطائرة الورقية,وكُرة القدم,والقيادة للسيارة عبر وسائل تقليدية,وإدارة معارك,وغزوات قراؤها في مناهجهم الدراسية أو شاهدوها في التلفاز,فيعكسونها بشكل تمثيلية ويحفظون الأدوار والشخصيات ويصنعون الوسائل من الأشجار,والطبيعة المحيطة بهم وبالتالي فتلك العاب تحقق إلى جانب المُتعة والمرح, فوائد ومهارات يكتسبها الأطفال ويفرغون طاقتهم ونشاطهم بدون أضرار بالغة بخلاف ما تحدثه الألعاب النارية اليوم من أضرار علاوة على أنها لا تدع مجالا للإبتكار والإبداع.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد