مسالخ متهالكة ومؤسسة لا عمل ها

2012-10-27 21:31:57 استطلاع/ فيصل عبدالحميد


زيارة واحدة فقط للمسالخ المركزية في بلادنا كفيلة بأن تجعلك لا تفكر بذلك مرة أخرى.. الاختلالات كثيرة والنظافة معدومة، ولم يعد هناك مسالخ نموذجية، تهتم بصحة المواطن وسلامته من حيث استهلاكه اللحوم منها، ولم يعد للجهات المسؤولة عنها أي دور تقوم به تجاهها، من إشراف ورقابة ومتابعة، ناهيك عن معرفة مدى سلامة وصحة عمل تلك المسالخ، وبعكس التطور تجد هذه المؤسسة العامة تعاني الإهمال وبدأ العد التنازل لها نحو الانهيار لخدماتها الهامة المرتبطة بصحة المواطن.
وما تجده اليوم في تلك المسالخ، لا يعد سوى مقالب لقمامات وروائح كريهة، لبقايا هياكل أبنية ـ ينبؤك منظرها العام من الخارج بأنها أصبحت فعلاً خارج الخدمة، تنتظر الإغلاق أو هدمها في ساعات وأصبح المواطن يتحاشى حتى المرور بجانبها فما بلك الذهاب إليها من أجل الذبح.

مؤسسة بلا موازنة
بعمر الوحدة تقريباً هو عمر المؤسسة العامة للمسالخ في بلادنا فقد أنشئت بقرار جمهوري في عام 93م، وكانت عبارة عن مؤسسة مستقلة مالياً وإدارياً، تتبع وزارة الأشغال، وفي 2004م، صدر مشروع قرار مجلس الوزراء بإحالتها إلى الإدارة المحلية، وهنا بدأ العد التنازلي للانهيار، بعد أن أصبح لها فروع في معظم محافظات الجمهورية، وتم تسليم عدد من هذه الفروع للمحافظين وسلطات المجلس المحلي وأصبحت بعض هذه الفروع، مستقلة مالياً وإدارياً عن إدارة مؤسستها العامة.
ولم يعد للمؤسسة العامة أي دور تمارسه لا رقابياً ولا فنياً.. بل إنها ومنذ 2/2011م وحتى الآن بلا موازنة تشغيلية، والعاملون فيها ينتظرون المجهول القادم لهم، كما أصبح المواطن مهدداً بالأمراض الفتاكة الآتية من لحوم تلك المسالخ..
متى تعالج مشاكل المسالخ؟
المواطن/ سمير الحمادي ـ يقول ـ لا ندري لماذا ـ وحتى الآن ـ لم تتخذ أية إجراءات عملية من قبل الحكومة لتصويب أوضاع العديد من المسالخ، التي أصبحت تفتقر لشروط الصحة والسلامة العامة للمواطن، مع أن مراكزها باتت تشكل خطراً على صحة المواطن بروائحها الكريهة والتي باتت أيضاً مصدر قلق لسكان المنطقة المتواجد فيها تلك الفروع والمراكز، وتجد البعوض والحشرات والكلاب تنتشر حولها، وكأنها في مقالب للقمامة، وليست أماكن لذبح الحيوانات، وبيع اللحوم.
وأضاف: إننا ومنذ تأسيسها، لم نلاحظ أي تحديث طرأ على هذه المسالخ، بل وغابت عنها الرقابة الصحية، ولم تعد تقوم بدورها كمسالخ آمنه، يأمن فيها المواطن على نفسه من سلامة وصحة اللحوم المذبوحة فيها أو المبتاعة منها.
اختلالات تصدر الأمراض
فيما يؤكد صالح محسن بأن الاختلالات في مسالخ بلادنا باتت واضحة للعيان ولم تعد مسالخنا نموذجية كما يقال عنها، وحماية المواطن والبيئة من الأمراض بات متساوياً مع محلات الجزارة العشوائية وبيع اللحوم في كل مكان وفي أي مكان وأصبح كل شخص يمارس مهنة الجزارة يعمل وفق هواه بلا رقيب أو حسيب أو قانون ولم نعد نرى الأطباء البيطريين هناك في المسالخ، من أجل فحص الحيوانات الآتية للذبح هناك أو في محلات الجزارة، بل إن هذه المراكز غيبت تماماً من الإعلام أو التوعية للمواطن وأصبحت الأغنام والأبقار تذبح خارج مناطق المسالخ بغض النظر عن عيوبها، واستغل بعض ضعفاء النفوس هذا الاختلال، حيث سمعنا في عيد الفطر في الحديدة عن بيع لحوم لحيوانات غير صالحة للأكل كالحمير والكلاب غيرها وقد تكون ميتة.. وما تمتلكه تلك المسالخ من آلات قديمة ولم تعد تفي بالغرض، والدليل انتشار الأمراض والحمى المختلفة بين الناس، لما تسببه بعض اللحوم الموجودة في الأسواق ـ التي لم تخضع للمعايير الصحية ـ أو لأن أماكن الذبح وطرقه غير مهيأة صحياً، برغم ما تسمعه بأن مهمة القائمين على هذه المسالخ مرتبطة بصحة المواطن.
وأضاف: أماكن بيع اللحوم منتشرة في أماكن غير مخصصة كالحارات والشوارع الرئيسية والفرعية، وتعمل بشكل فردي ولا أحد يعلم ما يذبحون ولا أين؟ ويتساءل ما دور المؤسسة إذاً حيال كل هذا؟
أصبح هناك غش وذبح تقليدي وعشوائي وهذه سمات ـ قال عنها صالح ـ بارزة لأغلب الأماكن ومحال البيع.
غياب التوعية
فيما قال عبدالله سليمان ـ من أبناء الحديدة ـ لا يمكن أبداً أن تسأل شخصاً أين تذبح أضحية العيد؟ ويرد عليك في المسلخ.. بل تجد الجواب سريعاً عند الجزار أو أتي به إلى البيت.
ويضيف هناك غياب لدور التوعية والتثقيف عبر وسائل الإعلام، حتى نسهم في توعية المواطن، وغياب الرقابة والأوضاع ساعدت في تفشي الكثير من العيوب والاختلالات فقد يشتري المواطن من خلال هذه اللحوم داءً بماله، وأكد بأن مستشفياتنا تعج بأمراض لا يعلم بمصدرها سوى الله.
هناك من يموت
الدكتور/ عباس الإمامي ـ من المستشفى الجمهوري ـ أكد بالقول:
إن حالات التسمم الغذائي يزداد توافدها إلى المستشفى أيام الأعياد وفي رمضان، وهذا أحد أبرز الأدلة على أن أماكن الذبح "المسالخ" وطريقة ذبحها أو فحص الحيوانات هي من أسباب هذا التسمم الغذائي والذي ـ لا قدر الله ـ هناك من يموت بسببها.
وطالب عباس الإدارات المعنية بالقيام بدورها المطلوب في الحفاظ على حياة المواطن.
وطالب أيضاً بالعمل على إنشاء مسالخ نموذجية فعلاً، وتطبيق القانون الصارم لكل مخالف إن وجد، وتوفير أماكن لهذه المسالخ تستوعب كافة المذبوحات وفق شروط الصحة والسلامة وصحة البيئة.
المستهلك يقتل بقطعة لحم.
أما أم أيمن ـ التي وجدناها أمام أحد محلات الجزارة بالعاصمة ـ تقول إلى أين نذهب؟ أصبح شراؤنا للحوم عادة في أوقات المناسبات الضرورية، وحمّل الله الجزارين وما يبعونه لنا، ونحن تأقلمنا مع كل تلك المظاهر، من قمامة أمام محلات الجزارة، والذباب، والغبار، أين البديل حتى ندع هؤلاء؟!
وتضيف: إن في هذه المحلات ـ وإن دفعت فلوساً لذبح أضحيتك ـ على الأقل تشعر بأمان لبعض الشيء، فالمسالخ لم يعد أحد يذهب إليها، إما لبعدها أو لعدم وجود النظافة بشكل أفضل، وما نعانيه نحمله الحكومة، هي من سمح لهؤلاء الجزارين بفتح محلات في كل مكان دون رقيب أو قانون.
ولديها أمل بأن الثورة الشبابية ستطور البلد، وتحاسب كل من أوصلنا إلى هذا الوضع، حتى أن الناس تقتل بقطعة لحم ـ حسب قولها ـ لأنها لا تجد حتى مستشفى يرقى بمسؤوليته تجاه صحة المواطن.
فأين دور حماية المستهلك.. لماذا لا يقدمون خدماتهم لحماية المستهلك من هذه الأوكار العفنة.
أضرار تؤذي الآخرين
الغريب في تلك المسالخ أن أضرارها تصل إلى جيرانها من مدارس ومنازل وفرزات ومواقف وباتت بيئة للعديد من الأمراض، لا نعرف مصدرها في مراكزنا الصحية من خلال فحوصات الأطباء، الذين عجزوا أيضاً عن توفير صحة آمنة للمواطن المغلوب على أمره، جراء فساد القائمين على أماكن خداماتنا المختلفة، أضف إلى ذلك قلة الوعي لدى الناس بأهمية الاعتناء بهذه المسالخ، ونشر الوعي لدى العاملين فيها أيضاً بضرورة التوجه إلى هذه المسالخ عندما ترقى بمهامها وخدماتها كما نراه لدى دول الجوار ومسالخها الخاضعة للرقابة والنظافة ومهمته بصحة المواطن.
غياب الرقابة والتقاعس الإداري يخلف الكثير
فيما يؤكد أحد العاملين في هذه المسالخ، أن الجميع يتحدث عن رداءة المسالخ لافتقارها لأدنى الخدمات الصحية، ويكشف للصحيفة عن مخالفات بالجملة، محملاً بذلك غياب الرقابة والتقاعس الإداري في معظم الأحيان.
ويقول: المسالخ لا تمتلك أي تجهيزات حديثة كالثلاجات وأدوات الذبح المتطور وسيارات نقل، وكذا فإن بعض الجزارين يذبحون في محلاتهم، لأنه ـ حسب قوله ـ إن هذه المسالخ باتت خارجة عن الخدمة، وتذكر الكثيرين من بالمبالغ والرسوم التي يدفعونها في هذه المسالخ.
وأضاف بأن وضع المسالخ أنفسها كارثياً حيث أصبحت تشكل خطراً على وضع المستهلكين، كون عمرها الافتراضي قد انتهى وخلت من الترميمات وهو ما يؤكده لك في زيارة مقتضبة لمسلخي باب اليمن وشعوب تكتشف مدى الإهمال الذي يكتنف هذه الأماكن، وبمجرد الدخول إلى المسلخ يتضح الإهمال الذي يسود المكان أكثر، والذي تفوح منه رائحة نتنة، ويفتقر لأبسط درجات السلامة الصحية.. وإيرادات تلك المسالخ ـ إن استثمرت بالشكل المطلوب ـ ستصنع الشيء الكثير، إلا أن تلك الإيرادات ـ حسب قول العامل ـ تورد للجيوب دون أي خدمات راقية صحية للمستهلك.
لا تجاوب أورد
وللاقتراب أكثر من هذه المشكلة حاولنا التواصل مع عمليات أمانة العاصمة التي بدورها أعطتنا الرقم الخاص بـ مدير مسالخ الأمانة إلا أن ذلك الرقم وجدناه مغلقاً وحاولنا التواصل عبر تلفون الإدارة العامة للمؤسسة ولم يرد علينا من الطرف الآخر أحد حتى حصلنا على تلفون أحد المعنيين في الإدارة العامة ليجيب عن أسئلتنا.. الأستاذ/ عادل البروي ـ نائب رئيس المؤسسة العامة للمسالخ ـ بالقول: المؤسسة في إنهيار، منذ أن تم إحالة المؤسسة إلى الإدارة المحلية بدأت بالإنهيار ومنذ ذلك الحين ونحن في حيرة على أوضاعنا نحن كموظفين فيها، لا هم أحالونا على المحليات وحلوا المشكلة، ولا خلوا مشكلة المسالخ على المؤسسة لحلها.
ويضيف إنه ومنذ 2/2011م وحتى الآن ـ وبسبب الأحداث ـ المؤسسة لم تعد تمارس أي دور لها لا رقابياً ولا فنياً على فروعها بالمحافظات، التي أصبح معظمها يتبع المحليات ومستقلاً مالياً وإدارياً عن المؤسسة، وأوقفت منذ بدابة الأحداث موازنة المؤسسة.
وعن وضع هذه المسالخ أكد البروي أن وضعها الحالي أصبح متخبطاً في الضياع بسبب غياب الرقابة والإشراف، وأصبح كل جزار يذبح في منزله، ويعمل لنفسه، في ظل غياب شبه تام للدكاترة البيطريين ـ حسب قوله.
وأضاف بأن غياب الإشراف الفني والبيطري والصحي، جعل العشوائية تصنع ما تشاء، وأصبح الهم الأكبر الآن في التوجه القيادي أكثر مما هو خدمي.
وأكد النائب أنهم تقدموا بعدة مقترحات وبيانات لحل هذه المشاكل لكنه ـ وحسب قوله ـ الكل يشتكي موظفاً ووزارة من غياب الموازنة والاعتماد لها من المالية، التي رفضت اعتماد موازنة للمؤسسة منذ 2011م، وحسب الوعود فإنها ستكون بداية العام القادم.
ويتذكر البروي دور المسالخ الخدمي، السابق وما كانت تقدم المؤسسة ـ حسب قوله ـ في رفد الاقتصاد الوطني، مما تقوم به من خدمات وتسهيلات للمواطن والمستهلك بسيطة لا تساوي ـ حسب قوله ـ ثمن الماء والنظافة والكشف البيطري ورفع المخلفات، وتلك التسهيلات التي وصفها بالرائعة لحال المواطن وظروفه.
وقال كانت هناك موازنة تشغيلية للتحرك والرقابة والإشراف وكانت هناك إيرادات بملايين الريالات شهرياً وحتى 97م والمؤسسة تدخل في هذه الملايين كعملة صعبة للبلاد بالدولار من مخلفات الذبح فقط من جلود وغيرها، وكانت تقدم دوراً خدمياً ورقابياً وفنياً، وإشرافاً صحياً على أعلى مستوى ـ حسب قوله.
وأضاف ما تعانيه المؤسسة من غياب الموازنة انعكس سلباً على الاهتمام بهذه المسالخ التي أصبحت تدار عشوائياَ قد تقود المستهلك للموت فعلاً.
وهذا ـ حسب رأيه ـ لغياب الجهود الصادقة والمخلصة المتوجهة لمصلحة البلاد والمواطن، داعياً الجميع بالتوجه لمصلحة الوطن والابتعاد عن الصراعات القيادية والحزبية الطائفية.
وطالب الحكومة أن تعمل على حل مشاكل المؤسسة بأن توضح عملها، حسب القانون قبل أن نترحم على الناس بسبب عبث المسالخ والقائمين عليها مما ينذر بأخطار وأمراض ناتجة عن اللحوم، وعشوائية الذبح لحيوانات مريضة ومختلفة كالحمير دون وازع وضمير، مستغلين الظروف التي تعيشها البلاد، وغياب القانون والرقابة.. إلى هنا ونضع الأمر على طاولة المعنيين بأن المواطن لن يصمت حيال استهداف حياته، ومحتاج إلى مسالخ نموذجية آمنة.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد