قبل ثلاثة أشهر بشرت السلطة المحلية الناس بتحويلها إلى مدينة مثالية تشبه دبي وفي رواية أخرى باريس.. فما الذي يحدث الآن؟

تعز تغرق في القمامة

2012-07-25 01:59:42 استطلاع/ عبدالعليم الحاج



تعيش مدينة تعز هذه الأيام أوضاعاً بيئية صعبة لم تشهدها المدينة من قبل نتيجة إضراب عمال النظافة احتجاجاً على عدم تثبيتهم في وظائفهم بعد وعود متكررة قطعتها السلطة المحلية لهم والتزمت بتثبيتهم وبموجبها رجعوا لمزاولة أعمالهم في المرة السابقة ما لبثوا أن عادوا إلى إضرابهم، تاركين المدينة تغرق في القمامة في ظل صمت مطبق لصندوق النظافة والتحسين وعلى رأسه هرم السلطة المحلية التي بشرت الناس قبل ثلاثة أشهر بتحويل إلى مدينة مثالية تشبه في جمالها ونظافتها دبي الإماراتية وفي رواية أخرى باريس الفرنسية وفقاً لما تداولته بعض وسائل الإعلام واستبشر به الناس حينها، فهل لا يزالون يحلمون بالمدينة الفاضلة التي بشرهم بها محافظ المحافظة وهم يغرقون اليوم في وحل المجاري، تحفهم القمامة من كل مكان وتظلهم غمامة الدخان؟ هذا ما سنجيب عليه من خلال هذا الاستطلاع الذي رصدنا فيه الواقع البيئي للمدينة وردة فعل المواطنين.

هنا في شارع المغتربين عند تصورينا لأكوام القمامة القريبة من إحدى البوفيات التي هجرها مرتادوها نتيجة الروائح الكريهة وتجمع الذباب وتصاعد أعمدة الدخان نتيجة حرقها، اقترب مني بائع الطرمبا المتجول ويدعى طاهر عبده علي، وبدأ ممتعضاً من تكدس القمامة في الشوارع، حيث صب جام غضبه على عمال النظافة والمراقبين علهم ومن خلفهم مشروع النظافة وعلى رأس هؤلاء السلطة المحلية.. محملاً إياهم مسؤولية ما قد يحدث للمواطنين من أضرار.
بائع الطرمبا استغرب عن سبب بقاء المخلفات طالما والأنباء تتحدث عن تثبيت عمال النظافة، إلا إذا كان الهدف هو معاقبة تعز وأبنائها..
وأضاف متسائلاً: إذا كانت السلطة المحلية عاجزة عن رفع القمامة من المدينة، فكيف ستحقق مطالب الناس من ماء وصحة وتعليم وأمن واستقرار؟، سألته عند مغادرته المكان ما هي رسالتك للسلطة المحلية؟
أجاب بقوله : أتمنى من الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم أن يوفقهم ، أقل شيء يحترموا هذا الشهر ويرفعوا هذه المخلفات من الشوارع ويعطوا للناس مستحقاتهم حتى يعودوا لعملهم بنية وإخلاص.
قسيمة مخالفة
على مقربة من الأكوام المتراكمة والأدخنة المتصاعدة جلس عامل البوفية علام سعيد يضرب أخماس في أسداس وحوله تحوم أسراب من الذباب، فيما أصيب عدد من عمال البوفية بحمى الضنك والملا ريا ولم يعد أحد يتردد عليها ومع هذا لم يسلموا من ابتزاز إدارة صحة البيئة بمديرية القاهرة عندما قطعوا لهم قسيمة مخالفة بمبلغ 8000ريال بحجة تواجد الذباب داخل البوفية. وهو ما اعتبره علام عذراً أقبح من ذنب لأن الأحرى بهم رفع القمامة أولاً ثم المحاسبة على انتشار الذباب باعتباره ناتجاً عن تراكم المخلفات حد تعبيره. يقول علام الشعب يدفع مقدماً ثمن رفع القمامة وليس منة من أحد، نحن ندفع رسوم نظافة ورسوم تحسين وصرف صحي ومع هذا نعاقب . وأضاف ساخراً هذه هي باريس التي وعد بها المحافظ , إذا كان الضباب يغطي سماء باريس فإن الأدخنة المتصاعدة نتيجة حرق القمامة تغطي سماء تعز ، سعادة ما بعدها سعادة .
لا حياة لمن تنادي
 أما محمد مهيوب سعيد صاحب مكتبة فيقول: بعد اليوم لا يحق لأي مسؤل أن يتحدث عن النظافة وهذا هو حال المدينة. في البداية حاولوا تنظيف الشوارع الرئيسية على حساب الشوارع الفرعية والأحياء الداخلية وقد قمنا بمراقبة بوابير ترحيل القمامة فوجدنا أنها تأتي إلى المطاعم فقط، تاركة كل مخلفات المنازل والمحلات والسبب حصولهم على وجبات غذائية مقابل رفع المخلفات من أصحاب المطاعم . وأشار سعيد إلى أن الرقابة على نظافة المدينة من قبل السلطة المحلية هي منعدمة تماماً مقارنة مع الفترة السابقة . سعيد وصف مجرد مرور سيارات ترحيل القمامة من الشوارع هذه الأيام تبعث السعادة في نفوس المواطنين علها تنتشلهم من وسط ركام المخلفات الذي يحاصرهم ويكتم أنفاسهم لكن فرحتهم سرعان ما تنتهي بمجرد اكتشافهم أن الوضع لا يزال كما هو عليه وأن لا حياة لمن تنادي .
النزوح خيارنا الأخير
 هنا في حارة السلخانة الوضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة، المواطنون يفكرون بترك منازلهم والعودة إلى قراهم يقول فؤاد محمد زايد عامل في محل لتصنيع المعاوز :ما هو حاصل من تراكم للقمامة كما تلاحظون أدى إلى تكاثر الذباب ولا نستطيع النوم في المحل بسببه إضافة إلى الروائح الكريهة، وما يزيد الطين بلة هو إحراق القمامة من قبل الأهالي وهو ما يضاعف معاناتنا . زايد دعا إلى تضافر جهود المواطنين، فيما بينهم للقيام بحملة نظافة بدلاً من انتظار السلطة المحلية حتى تصحو من سباتها فيما ستتضاعف المخاطر أكثر فأكثر وبالتالي سيكون الثمن باهضاً حدقوله. زايد اختتم حديثه بالقول : إذا استمروا يتعاملون مع الواقع البيئي بأذن من طين وأخرى من عجين فلن يكون أمامنا سوى النزوح حفاظاً على صحتنا وحياتنا.
محاصرون بالقمامة  
أما عمار ياسين فيقول : نحن في هذا الحي نعيش وضعاً صعباً نتيجة القمامة والدخان المتصاعد منها وانتشار الذباب والبعوض ولذلك تحولت منازلنا إلى ما يشبه الزنازين، فلا نستطيع فتح الأبواب أو النوافذ، خاصة أننا في موسم الحر ولذلك نفكر بمغادرة منازلنا حتى رفع القمامة .ياسين أشار إلى أن سكان الحي قد قاموا بنقل القمامة ثلاث مرات على حسابهم الخاص وعن طريق عمال النظافة وفي سيارات الترحيل التابعة لمشروع النظافة .مخاطباً محافظ المحافظة إذا كنت لا تهتم بالمواطنين فهناك أطفال يتعرضون للمخاطر والأمراض بعضهم تعرض لحمى الضنك ألا يستحقون أن تمد لهم يد العون والمساعدة .
بيع الشعب بالأوبئة
الإعلامي حمود المخلافي يرى أن المجتمع لا يتحمل أي مسؤولية في تراكم القمامة إلا في الأمور الطبيعية عندما تكون المدينة نظيفة لكن في ظل الظروف الاستثنائية و انعدام الدور الرقابة من قبل الجهات المسؤولة تصبح المدينة كلها مكان لرمي المخلفات كما هو حاصل اليوم . ويدلل المخلافي بقوله : أمام المنزل الذي أسكنه تتراكم أكوام القمامة ولا تمر سيارات أو شاحنات رفع هذه الملفات فكيف تحملني المسؤولية فالمواطن في هذه الحالة يرمي بالقمامة في أي كان لأنه لم تعد تفرق لديه أن يرميه في هذا المكان أو غيره لأن تعز أصبحت كلها مكاناً مفتوحاً للقمامة وهي مهددة بكارثة بيئية حقيقية ولم يعد يفرق عندي أن أرمي بكيس القمامة أمام منزلي أو في شارع رئيسي أو أمام منزل جاري في ظل هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه المدينة حسب وصفه . مضيفاً سمعنا مراراً وتكراراَ تصريحاتً تتحدث عن تحويل تعز في خدماتها ونظافتها إلى ما وصلت إليها مدينة دبي الإماراتية، لكنها تحولت بكاملها إلى مقلب للقمامة . المخلافي في ختام حديثه خاطب السلطة المحلية وعلى رأسها محافظ المحافظة بالقول: أنتم أناس جيدين ولم تصلوا إلى درجة السوء التي من خلالها يمكن أنكم تبيعوا الشعب وتقضوا عليه بالأوبئة تساموا عن الصغائر وقوموا بمسؤلياتكم على الوجه المطلوب لأن تعز إذا استمر الوضع البيئي فيها على ما هو عليه فإن الكارثة قادمة لا محالة .
عقاب جماعي
بدوره استغرب الزميل الصحفي عبد القوي شعلان من استمرار طفح المجاري في منطقة بئر باشا منذ ما يقارب ثلاثة أشهر دون أن تحرك الجهات المعنية ساكناً وغدا المواطنون مهددين بكارثة بيئية نتيجة فيضان المجاري الذي غطى كل الشوارع والأحياء الخلفية للشارع الرئيسي متسائلاً في الوقت ذاته عن دور مؤسسة المياه والصرف الصحي لا سيما وهي تضيف مبالغ في فواتير المياه تزيد عن قيمة استهلاك المياه بحجة الصرف الصحي، شعلان لم يستبعد سعي أطراف بعينها لإبقاء الوضع على ما هو عليه انتقاماً من المدينة باعتبارها مهد الثورة الشبابية السلمية هذا أولاً . وثانياً محاولة تسويق هذا الوضع على انه نتاج للثورة ومن ثم سعيها لتحقيق أهداف سياسية ـ حسب قوله.
تعليق الإضراب
بدوره يشير وديع حسان القائم بأعمال مدير عام مشروع النظافة إلى أنه قٌد تم الاتفاق مع عمال النظافة بخصوص تعليق إضرابهم بعد تكليف محافظ المحافظة لنائبه أمين عام المجلس المحلي لمتابعة إجراءات تثبيت العمال في صنعاء أسوة بزملائهم في المحافظات الأخرى ولمتابعة اللجنة المشكلة من قبل الخدمة المدنية والمالية.. مؤكداً أن العمال قد باشروا عملهم في رفع القمامة من أحياء وشوارع المدينة، إلا أن كميات القمامة تحتاج إلى وقت أطول لترحيلها نتيجة تراكمها خلال فترة الإضراب، ناهيك عن زيادتها بشكل مضاعف خلال شهر رمضان حد قوله .وفي رده على سؤالنا له من أن القمامة ما تزال تراوح مكانها ولا يوجد أي أثر لعمال النظافة ، برر حسان ذلك بقوله : المشكلة أن العمل في فترات الليل يكون العمل عادة فيها ضئيل يختلف عن وضع النهار لأن حركة المرور والازدحام تعيق وصول المعدات الثقيلة إلى المواقع . ولفت القائم بأعمال مدير عام مشروع النظافة إلى أن عدد عمال النظافة المتعاقدين لدى صندوق النظافة والتحسين يبلغ 1486عاملاً يتوزعون مابين إداريين وسائقين وميكانيكيين وعمال وجميعهم يعمل بالأجر اليومي . وعن سؤال آخر ما الذي يدفع عمال النظافة أن يصدقوا وعود صندوق النظافة والسلطة المحلية طالما ولم يتم تنفيذ وعود سابقة بهذا الخصوص كلها ذهبت أدراج الرياح ؟، أجاب حسان الوعود السابقة كانت غير الوعود الحالية وأنا أشعر أنها شبه جدية . وعن مقدار كميات الترحيل اليومي للقمامة في مدينة تعز أوضح حسان أن الترحيل العادي الطبيعي اليومي بحدود 420طناً، لكن مع زيادة المخلفات في الفترة الأخيرة نتيجة إضراب عمال النظافة يصل مقدار الترحيل إلى 700طن يومياً.


المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد