متضرري القصف العشوائي بتعز.. في انتظار التعويض

2012-07-14 03:50:41 عبد العليم الحاج



قبل تسعة أشهر أعلنت السلطة المحلية بمحافظة تعز عن تشكيل لجنة لحصر الأضرار التي لحقت بمنازل وممتلكات المواطنين والتي تضررت نتيجة القصف العشوائي لقوات النظام السابق في حربها على تعز وثوارها مخلفة المئات من الشهداء والجرحى وتدمير مئات المنازل والمحلات التجارية وتشريد الكثير من المواطنين الذين يعيشون اليوم أوضاعاً مأساوية في انتظار التعويضات، حيث ما برحوا ديوان عام المحافظة علهم يجدون الخبر اليقين يحملونه إلى أسرهم التي فقدت الأمل من طول انتظار، لكنهم في كل مرة يعودون بوعود ما عادوا يطيقون سماع تكرارها."أخبار اليوم" اقتربت من معاناة المتضررين ووقفت على الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم وخرجت بهذه الحصيلة: 



استطلاع/ عبد العليم الحاج

بعد أن فشلت كل محاولاته التي استخدمها لترويع الثوار في تعز - معقل الثورة- من هجوم على المسيرات والاعتقالات للثوار وصنوف الانتهاكات التي ختمها حينها بمحرقة ساحة الحرية ذلك الهولوكست المرعب في 29/5/2011، بدا النظام السابق بدراسة وسائل عنف جديدة دشنها منتصف يوليو 2011 وفي تلك الليلة استباح النظام السابق الأمن والسكينة في تعز وهتك الهدوء والاستقرار وعاشت المدينة المسالمة على وقع الإنفجارات وقذائف الدبابات والمدفعية بشكل عشوائي توالى في كل ليلة.. حينها لم يجد الطفل لؤي البشيري ذو الثلاثة ربيعاً وهو يسمع دوي الانفجارات وأزيز الرصاص من وسيلة سوى البكاء عله من خلاله يقنع أسرته على مغادرة منزلها المقابل للمجمع الحكومي الذي اتخذه النظام السابق موقعاً يقصف منه أحياء المدينة، غزارة دموع الطفل وإصراره على ترك المنزل دفع بأسرته إلى نقله إلى شقة جارهم في الدور الأرضي، لكن لؤي ما أنفك يتوقف عن البكاء إلا بمغادرة الأسرة كاملة لمنزلها، لم تمض سوى نصف ساعة من مغادرة الأسرة شقتها حتى اخترقتها قذيفة دبابة حولتها إلى ركام ومزقت كل محتوياتها ووجدت هذه الأسرة نفسها في وضع مأساوي.

ومع عودة الهدوء إلى المدينة عاد لؤي إلى شقته، لكن الأمن والطمأنينة لم يعودا إليه، هنا كل شيء تغير حتى ألعابه وسريره تحولا إلى أثر بعد عين هو اليوم يعيش في منزل مدمر بلا أبواب ولا نوافذ عرضة للرياح والأمطار، فيما لم تبرح أسئلته لسانه وشفتيه وبلكنته الطفولية من الذي دمر منزلنا ومتى سيتم إصلاحه. يقول مختار البشيري: دفعنا للبحث الجنائي فلوساً من أجل تصوير الأضرار ورفع تقريربها ومع هذا رفضوا إعطائنا صورة من التقرير، ثم نزل مهندس من مكتب الأشغال وأعطيناه 10 آلاف ريال مقابل نزوله، بعدها جاء مهندس آخر من قبل المحافظة وألغى تقرير مهندس الأشغال ومنذ ذلك الحين وكلما نذهب إلى المحافظة للاستفسار عن موعد تسليمنا التعويض يقولون لنا "عاده ما نزلش وأول ما ينزل سنعطيكم"..

البشيري أشار إلى أن مقدار التعويض في تقرير مهندس الأشغال بلغ مليون ومائة ألف ريال وحصل له بعض التعديلات البسيطة من قبل مهندس المحافظة.

فقدان الأمل

مئات المنازل والمحلات التجارية التي تعرضت للقصف والدمار على أيدي قوات النظام السابق ما تزال في انتظار التعويضات التي مضت عدة أشهر منذ تشكيل آخر لجنة من قبل السلطة المحلية في عهد المحافظ السابق حمود الصوفي لحصر الأضرار وتعويض المتضررين كما قيل حينها، إلا أن طول الانتظار وكثرة الوعود جعل البعض يفقد الأمل في مصداقية المسؤولين في المحافظة، حيث بدأ القادرون منهم بإصلاح الدمار الذي لحق بممتلكاتهم كما هو الحال مع حميد المحلي الذي تعرضت عمارته الكائنة بحي المسبح للقصف مرتين يقول: في المرة الأولى قصف الدور الخامس وتعرضت العمارة لأضرار فادحة وبعد إصلاح بعض الأشياء الهامة فيها تم قصفها للمرة الثانية بعد شهر من القصف الأول وقد تم نزول مهندسين من المديرية ثم مكتب الأشغال ثم إلغاء كل هذه التقارير ونزول لجنة هندسية من المحافظة ورفعت تقارير، لكنها حتى اللحظة حبيسة أدراج المحافظة ولم نعرف عنها شيء ومتى سيتم تعويضنا؟. المحلي طالب محافظ المحافظة شوقي هائل سرعة العمل على صرف التعويضات العادلة، معتبراً أن المبلغ المرفوع له في التعويض يعتبر زهيداً مقارنة بحجم الأضرار التي سببها القصف لعمارته.

الرئيس سيعوضكم

هنا في حي الروضة وبجوار مدرسة زيد الموشكي تقع عمارة فرحان قاسم هي الأخرى كانت شاهدة على مدى همجية قوات النظام السابق ولذلك قدرت الأضرار التي لحقت بها بمبلغ سبعة ملايين ريال وبعد طول انتظار باشر مالك العمارة في إصلاح ما دمرته آلة الحرب العدوانية ليس على منزله فقط بل على مئات المنازل التي ينتظر أصحابها بفارغ الصبر حصولهم على تعويض لا يزال علمه عند الله والراسخين في الروتين الإداري. يقول نجله محمد :ترددنا على المحافظة أكثر من مرة إلا أنهم كانوا يقولون لنا حتى الآن لم نعط أحداً. مهدداً في الوقت نفسه إذا لم يتم تعويضنا، فقد نلجأ إلى قطع الطريق مثلنا مثل غيرنا.. مضيفاً : العمارة كانت تضرب عمداً ومن كل الاتجاهات وعندما كنا نذهب إلى المواقع العسكرية التي يتم منها الضرب كانوا يقولون لنا نحن نتلقى أوامر من الرئيس السابق وهو الذي سيعوضنا.. كما أن كل موقع كان يحمل الأخر وكانوا يوعدوننا بعدم الضرب ثم يعيدون الكرة مرة آخري لأن صدورهم كانت مليئة بالحقد والإجرام وانتقاماً من كل شيء جميل وخصوصاً من المستثمرين لأننا كنا ننوي تأجير العمارة ابتداء من شهر يوليو2011م بحسب الاتفاقية مع المقاول المنفذ ـ حد قوله.

أحياء كثيرة في مدينة تعز تعرضت للدمار وأبرزها : حي المرور، والحصب، والروضة، والموشكي، وعصيفرة، ومنطقة الهشمة، والمناطق القريبة من شارعي الخمسين والستين

 هنا في جبل الجنيد القريب من حي الروضة المشهد يختلف عن سابقيه طلقة رشاش خارقة اخترقت شقة أحد المواطنين وحولته إلى رماد ودخان حينها منعت القوات المتمركزة في المعهد الصحي وجبل جرة ومعسكر الأمن المركزي المواطنين من التدخل لإطفاء الحريق وباشرت بإطلاق النيران صوبهم حتى أتت النيران على كل شيء وأصيب صاحبها الذي كان هو وأسرته خارج المنزل بالذعر الشديد وقد غدا شريداً طريداً يعيش اليوم على أمل ما ستقره لجنة التعويض.

جعجعة بلا طحين

بدوره طالب المجلس الثوري بمحافظة تعز بسرعة الشروع في تقديم التعويضات للمتضررين نتيجة ما تعرضت له منازلهم وممتلكاتهم من قصف ودمار على أيدي قوات النظام السابق وأنهم قد صبروا بما فيه الكفاية. وقال الأستاذ/ بليغ التميمي رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس :لا يخفى على أحد ما تعرضت له تعز من أضرار كبيرة نتيجة الحرب التي شنتها بقايا نظام العائلة على هذه المحافظة التي كان لها شرف السبق في إشعال شرارة الثورة السلمية المباركة وهذه الحرب ألحقت أضراراً كبيرة على أبناء المدينة سواء كانت أضراراً بشرية أو أضراراً مادية و معنوية وكنا نتمنى من رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق أن يكونوا أكثر جدية في تعويض المتضررين عما لحق بهم من خسائر فادحة أثناء القصف العشوائي على منازلهم. وأضاف التميمي سمعنا مراراً وتكراراً عن لجان شكلت لحصر الأضرار بهدف التعويض لكنها أشبه بالمثل القائل" نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً" وندعو الحكومة أن تكون أكثر جدية وفاعلية وأن لا تخيب أملنا فيها وكان يحدونا الأمل النسبي بحكومة الوفاق أنها ستقدم التعويضات لهؤلاء المتضررين ورغم أننا لم نرى أشياء ملموسة في هذا الجانب لا زلنا نحسن فيهم الظن علهم يتداركوا التقصير ويسعوا لتعويض هؤلاء الناس في القريب العاجل حسب قوله.

لجنة حصر الأضرار توضح  

من جانبه أشار المهندس أحمد الغولي رئيس لجنة حصر وتقييم الأضرار بمدينة تعز إلى أن اللجنة تشكلت في 17/9/2011م  لتعويض كل المواطنين الذين طالتهم الأحداث ومن أي جهة كانت، للتخفيف عنهم من سوء الأوضاع المعيشية والأمنية والنفسية التي مر بها الشعب، وبدون أي ابتزاز أو ظلم أو مجاملة أو اشتراط أي مقابل على المواطن بطريقه مباشرة أو غير مباشرة، حتى المواصلات وهذا عن نفسي فقط. مضيفاً بقوله : بدأ النزول الميداني لحصر كافة المباني الخاصة بالمواطنين والمحلات التجارية والاستثمارية والمباني الحكومية دون استثناء ولأربع مراحل متتالية حيث بدأت المرحلة الأولى من تاريخ القرار حتى 25/09/2011م لتقييم الأضرار التي حدثت قبل هذا التاريخ، ثم أتت الأحداث الأشد قسوة وتدميراً خلال شهري 11,12/2011م لنبدأ النزول الميداني في الأول من شهر يناير/2012م كمرحلة ثانية حتى بدء الانتخابات الرئاسية المبكرة وتسليم السلطة. لافتاً إلى أن الحياة عندما بدأت تعود إلى طبيعتها وعودة المواطنين المتأخرين إلى منازلهم من قراهم واغترابهم واطمئنانهم بعودة الأمن والاستقرار بدأوا يتوافدون على مكتب وكيل المحافظة المساعد للشؤون الفنية الأخ/ مهيب الحكيمي رئيس اللجنة الرئيسية للحصر والتقييم والتعويض لتسجيل حالاتهم، فأعدنا النزول إلى المواقع حسب تلك البلاغات لتكون هذه المرحلة هي الثالثة والتي استمرت مع تولي المحافظ الحالي شوقي أحمد هائل إدارة المحافظة, فاستمر المواطنون بالتوافد على المحافظة لتبدأ المرحلة الرابعة والتي لازلنا نتلقى فيها بلاغاتهم حتى اليوم حد قوله.

إرشادات وقائية

رئيس لجنة حصر وتقييم الأضرار أحمد الغولي دعا وسائل الإعلام للقيام بواجبها لتقديم ما وصفه بالجوانب الإرشادية والوقائية والتي أجملها بالنقاط التالية:

-    بعض المنازل تم تقييمها من قِبل المنظمات المختلفة ومن لجان الساحة وكونهم جهات غير حكومية وغير مرخصة إلا أن المواطن يظن بأنه قد تم زيارته ومنتظر التعويض من المحافظة، وهذا خطأ كبير تقوم به المنظمات لأغراض سياسية ومالية خاصة بهم ولا تعود للمواطن بنفع، وكونهم لا يخبرون المواطن عن طبيعة عملهم ولا يوجهونه إلى اللجنة، فبذلك يتحملون مسؤولية خطأهم.

-    كل مواطن تقدم بشكوى إلى إدارة البحث الجنائي أو الأمن العام ولم يأتي بصورة من شكواه أو أحجمت عنه الإدارة، فيعتبر خارج نطاق لجنة التعويض حتى وإن تم تأكيد وتوثيق حالته لديهم، وهذا ما جعل المواطن أيضا ضحية، حيث ظن أن اسمه تم إدراجه ضمن التعويضات ولا يفيد كثيراً إذا ما أحضر ملف حالته إلينا متأخراً وقد رمم منزله بنفسه قبل أن ننزل إليه عياناً.

-    الأخ المحافظ والحكومة تتحمل النصيب الأكبر من الظلم والتهاون بالمواطنين بقصد أو غير قصد كلما تأخر تعويضهم، خاصة في موسم الأمطار والتي ستتلف ما تبقى لهم من أثاث وديكور، وتزيد من تحطيمها للجدران والأسقف وتوسيع الشقوق والميول والتفكك، ناهيك عن الرياح والحشرات واللصوص، خصوصاً من له بيت قديم أو بناء شعبي، فنتيجة الارتجاج يبقى البيت كأنها مسقى عند المطر، فكيف إذا بدأ الجدار أو السقف بالتساقط على ساكنيه، وهذا ما يُـنتَـظر حدوثه لكثير من الأُسر؟!.

-    رؤساء وأعضاء اللجان ذنبهم أعظم، فما تم تقييمه اليوم بألف ريال مثلاً سيتـطلّب تقييمه غداً بعشرة آلاف ريال وأكثر بسبب العوامل الطبيعية والوقت لمن لم يستطع الترميم، ولم يُـسمح لنا كلجنة أن نأخُذ هذا الاحتياط، فمن سيُـعوِض المواطن المعسر بعد توسع ضرره أو إصابته بمكروه ؟

مستوى الأضرار

 وقدم الغولي صورة تقريبية لمستويات الأضرار التي لحقت بالمواطنين ونسبة الأُسر الفقيرة المتضررة من الأحداث وليس بإمكانهم ترميم منازلهم وهي على النحو التالي:

 نسبة الأُسر الفقيرة المتضررة من الأحداث وليس بإمكانها ترميم منازلها 25%. ونسبة من ستر حاله بسلفة أو قرض أو بيع ثمين ليؤمِّن مضجعه 45%.,ونسبة من له القدرة على الترميم. 30%. وما تم تقييمه كان شاملاً الأضرار المادية للمباني والمواد المتلفة والـمُعبث بها والقليل من المنهوبات المثبتة جنائياً فقط، وكذا مواد المحال التجارية المتلفة والمنهوبة أو المحروقة والتي بقي لها دليل مادي أو لديه نظام محاسبي موثق فقط، وأيضاً أضرار وسرقات ونهب السيارات والموترات والمعدات، وكذا حالات الإصابة بين المواطنين والشهداء جميعهم المثبتة أمنياً طوال الأحداث الأمنية، ولا يتم التقييم للتعويض أو البت بمن تضرر بسبب التوقيف القهري له من أي جهة، أو المتوقف المضطر خوفاً، أو المتوقف إفلاساً. وأختتم رئيس لجنة حصر وتقييم الأضرار بتعز بالتأكيد على أن قيمة التعويضات للأضرار المختلفة التي حدثت ليست بتلك المبالغ الطائلة، وإنما مقدور عليها من الموازنة العامة للدولة ولا داعي إلى الانتظار ومد يد العون والمساعدة من الدول العربية والأجنبية التي هي أساس الدمار والخراب لهذا الوطن - حسب تعبيره. 

الوكيل مشغول

ولحرصنا في "أخبار اليوم" على معرفة رأي السلطة المحلية في موضوع التعويض الذي طال أمده في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المتضررون توجهنا إلى مكتب وكيل المحافظة للشؤون الفنية رئيس لجنة التعويضات المهندس مهيب الحكيمي ونظراً لانشغاله بحسب مدير مكتبه وتوالت المواعيد من قبل مكتب الوكيل إلى أن تواصلنا مع الوكيل نفسه والذي بدوره أبدى تفاعلاً مع الموضوع ووبخ مساعديه في المكتب، مرجعاً التقصير إليهم، بعدها اتصل بنا أحدهم وقال نحن في المحافظة في انتظار دعم المانحين كما تعلم مواردنا لا تسمح لنا بهذه التعويضات. كما وعد بموافاتنا برد وكيل المحافظة على استفساراتنا بهذا الخصوص ومنذ ذلك الحين وكلما تواصلنا معهم برروا ذلك بانشغال الوكيل.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد