لعدم توفر محلول كيميائي رخيص الثمن:

اليمن تستعد لفقدان أهم مومياء في تاريخها

2012-07-08 00:05:05 تحقيق/ صقر الصنيدي


كتبت إليه إحدى طالباته عقب قراءتها لأهم كتبه (لقد كنت منذ أشهر في اليمن وهناك وجدت مومياء مكتملة الشكل وتحديداً في جامعة صنعاء متحف قسم الآثار)، صدمت تلك الرسالة عالم الآثار هورد ريد الذي ذهب إلى كل مكان تقريباً يصنع المومياء: مصر، أمريكا الجنوبية، الصين، جزر الكناري، لكنه لم يفكر أو يسمع عن قيام حضارة سبأ بالتحنيط قال (لم أكن أتصور وجود مومياءات في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربي).
ورغم الحالة الأمنية غير المشجعة إلا أن هورد جمع فريقاً علمياً وجاء إلى جامعة صنعاء بحثاً عن تلك المومياء التي رأتها إحدى طالباته في زيارتها حدث هذا منذ سنوات قليلة مضت.
أما اليوم إذا فكر الفريق الأثري الذي وثق جزءاً هاماً من تاريخ التحنيط في اليمن فلن يسمح له حتى بمجرد الدخول إلى جناح الموميات في متحف قسم الآثار في صنعاء، وإن أصر الفريق على رؤية تلك المرأة المحنطة في الجناح فلن يضمن لهم أحد سلامتهم ونجاتهم من أكثر البكتيريا ضرراً على الإنسان والمعروفة ببكتيريا الموميات وأسبوعياً يتأكد شرف المختص بالمتحف من أن الباب مغلق بصورة جيدة وأنه لا أحد يفكر بالدخول.
لقد مرت سنوات منذ أن تم توفير محلول كيميائي خاص بالحماية، لكن يبدو أنه نفد وأن البكتيريا انتصرت وأحرمت الدارسين والزوار من الدخول إلى 500 عام قبل الميلاد والاكتفاء برؤية الآثار الإسلامية الموجودة هناك، هذا ليس كل شيء، لدينا ما هو أسوأ، عدم توفير المحلول خلال فترة قصيرة لا تتجاوز أسابيع سيدفع إلى قيام اليمنيين بتشييع أهم مومياء تم اكتشافها حتى اليوم قبل أن يصل اللصوص إليها (سنضطر إلى دفنها) متحسراً يتحدث الدكتور عبدالحكيم شائف أستاذ الموميات في الجامعة والأكثر معرفة بهذه المرأة، فتخصصه يقتضي أن يدرس تفاصيل حياتها قبل 2500 عام وما الذي كانت تتناوله وكيف ماتت وكم كان عمرها وتفاصيل أخرى (يبدو أن دفنها سيمثل له يوماً حزيناً كما لو أنها ماتت بالفعل ولم تمت قبل كل هذه القرون)، يصف أحد طلاب المستوى الثاني حالة أستاذه المتخصص في الموميات: تطغى أخبار الامتحانات وحركة اللجان والكنترول على هذه الكارثة التي تمر بصمت (نفقد الماضي كله مقابل الانشغال باليسير من حاضرنا)، قالت طالبة آثار تبحث عن اسمها في الجداول المعلقة:
بدا رئيس قسم الآثار الدكتور فهمي الأغبري متفهماً ومتعاوناً، لكنه غير قادر على عمل شيء لإنقاذ مومياء تتحلل وتموت وتصبح ذكرى (عجزنا عن المحافظة عليها لقد بعثنا برسائل لشراء المحلول الكيميائي الضروري للحفظ لكن لم يتم عمل أي شيء – ما زلنا في الانتظار من أي كان).
ويوضح الأغبري أن المحلول موجود في اليمن ويمكن توفيره بسهولة وليس مكلفاً.
أهم يمنية في علم الآثار.
يعود إلى هذه المرأة في الداخل الفضل كاملاً في إثبات قيام اليمنيين بالتحنيط نظراً لأنه تم الاحتفاظ بها بصورة جيدة دون أن تتعرض للعبث وفي عام 1982م كان مجموعة من أهالي شبام الغراس قد عثروا على مقبرة كهفية في أحد الجبال هناك وأسرع فريق من المختصين في الآثار من جامعة صنعاء وكانوا حديثي التخرج من القاهرة ومدركين لقيمة كل قطعة في المقبرة – حاولوا عمل حفرية إنقاذية وتم العثور على هذه المرأة وهي ما تزال تحتفظ بهيئتها وحتى بظفيرة شعرها – لم تمسسها يد من قبل غير تلك التي قامت بتحنيطها وكانت الموميات الأخرى قد تعرضت للنبش والعبث بحثاً عن الذهب الذي يعتقد الأهالي أنه موجود (لا نستفيد من المومياء التي يتم العبث فيها وتصبح مجرد جثة يجب دفنها إكراماً لها) يقول أستاذ الموميات:
عاد الفريق محملاً بتلك المومياء لتوضع في متحف خاص بقسم الآثار في صنعاء ويقوم بصيانتها علماء آثار مصريين وتزورها آلاف الأعين ويعجب بها المختصون – في حملة هورد ريد جاءت أيضاً جوان فيوتشر وهي خبيرة في صناعة الموميات المصرية وخبيرة دراسة شعر الأسلاف أثارها منظر شعر المرأة وهو ما زال مربوطاً في ظفيرة وقالت في فيلم توثيق الزيارة (إننا نقف وجهاً لوجه أمام يمنية قديمة ما تزال تحافظ على شكلها).
ثم بدأت في دراسة ما إذا كان اليمنيون يقومون بكسر عظم الأنف لإزالة الدماغ وتوصلت إلى أن هذا لم يحدث ولم يلجأ إليه السبئيون كما كان يتبع المصريون.
وخصيصاً جاء استيفن باكلي عالم كيمياء آثار بريطاني لأخذ عينات منها لإجراء تحليلات دقيقة عليها في أحدث مختبرات انجلترا وهناك تم تحديد عمر المومياء والمواد المستخدمة وما إذا كانت تشبه مواد استخدمها المصريون القدامى أو غيرهم في التحنيط وتبين بعد أشهر من التحليلات المعقدة أن هناك خصوصية في التحنيط اليمني وعوامل اشتراك وتشابه مع غيرهم خاصة مع المصريين، وهو ما فسره الدكتور عبد الغني الشرعبي أستاذ الآثار القديمة ومتخصص في العلاقات اليمنية المصرية القديمة إلى وجود تجارة التوابل المشتركة، حيث كان اليمنيون يجلبونها من بيئتهم المحلية أو من الهند أو غيرها ويسافرون بها إلى معابد مصر وحتى اليونان ولا غرابة في تشابه بعض المواد المستخدمة.
لكن هورد ريد توصل إلى اختلاف آخر أن اليمنيين وضعوا موتاهم في أكياس جلدية في وضعيات تشبه الأجنة في بطون أمهاتهم وهو ما يعني أن تصورهم للحياة الآخر كان يتم من خلال إيمانهم أن الناس يلدون من جديد وليس كمن يعتقد أنهم يبعثون في هيئتهم.
كل هذا كشفت عنه هذه المرأة المعرضة للزوال دون أن يعرف ريد أو فيوتشر أو استيفن أو غيرهم من عشاقها الأجانب والمشكلة يواجهها وحيداً قسم الآثار كما لو كان عليه أن يتحمل مآسي ماضينا كله لأنه يدرسه وعليه أن يحميه.
بفقدان أمل واضح يقول الدكتور عبدالحكيم شائف وصلت إلى قناعة أننا مادمنا غير قادرين على حماية هذه الحضارة، فلماذا نقوم باستخراجها، يفضل أن نتركها تحت الأرض مصانة حتى يأتي الجيل الذي يؤمن بها ويقدرها ويوفر لها الحماية ويستخرجها ليحفظها وليس ليهملها – إنه وضع مأساوي.
حتى أن هذه القناعة يمكن رؤيتها عند دارسي الآثار الجدد وتحدثوا إلينا عقب عودتهم من زيارة بحثية إلى مواقع قرب ذمار (نتمنى أن لا نزورها لأنه ما أن نغادر الموقع حتى يأتي الأهالي ويحفروا المكان بحثاً عن كنوز وهمية ويدمرون الموقع تماماً ونعود السنة التالية وقد أصبح في وضع صعب، وفيما ما يخص مومياء المرأة همس إليّ أحد الطلاب (لن يدفنوها ونحن أحياء).
إلى الثقافة والجامعة

سؤال وحيد يقف أمام جامعة صنعاء أولاً وأمام وزارة الثقافة قطاع الآثار: أليس باستطاعتكم توفير محلول يحمي جزءاً مهماً من تاريخ التحنيط في اليمن القديم؟.
 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد