الثورة في اليمن والقانون الدولي

2011-12-31 04:53:52 الدكتور السيد مصطفي أبو الخير


    ثورات الربيع العربي تنتقل من دولة لأخرى، وتسرى مسرى النار في الهشيم، بدأت بتونس وانتقلت لمصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم لسورية، وهناك دول مازالت الثورة فيها في طور التكوين ونار تحت رماد، رغم الدم والقتل والدمار، لم يتوقف أو يتعطل قطار الربيع العربي، ينتقل من محطة لأخرى ثم سرعان ما ينتقل لدولة أخرى، البداية تونس 16 ديسمبر 2010م، ثم مصر 25 يناير ثم اليمن بدأت الثالث من فبراير واشتعلت يوم الجمعة الموافق 11 فبراير عام 2011م، ثم ليبيا في 17 فبراير من ذات العام، ثم سوريا، ومازالت الثورة مستمرة في سوريا واليمن.
    وتجمعت عدة أسباب كانت هي المفجر للثورة، على رأسها وأهمها الفساد السياسي والاقتصادي للطبقة الحاكمة في اليمن، وفي مقدمتهم الرئيس اليمنى وعائلته، الذي أوصل اليمن إلى مستويات دنيا اقتصاديا، ورغم كثرة شهداء الثورة في اليمن، إلا أن إيجابيات الثورة جعلتها مستمرة، منها أنها وحدت القبائل اليمنية التي كان الرئيس اليمنى يلعب على خلافاتها ويعمل عليها، فضلا عن توحيدها الشعب اليمنى الشمالي والجنوبي، فالميادين لا فرق ولا مسافة بين قبيلة وقبيلة، أو بين شمالي وجنوبي، الكل في واحد هو اليمن شمالا وجنوبا قبيلة وقبيلة أسرة واحدة، الكل أنصهر داخل وفي اليمن.

  •          
    الرئيس اليمنى قام باستغلال منصبه في العبث بمال الشعب، وفتح الباب على مصراعيه لأولاده وأفراد عائلته لتولى الوظائف العامة المهمة والقيادية، وجعل المال العام دولة بينهم، وهذا مخالفة للدستور وجريمة فساد.

    إن ما حدث في اليمن باستخدام الجيش لضرب المتظاهرين يعد مخالفة لنص المادة (36) من الدستور اليمني التي نصت على( الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأية قوات أخرى، وهي ملك الشعب كله، ومهمتها حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها ولا يجوز لأي هيئة أو فرد أو جماعة أو تنظيم أو حزب سياسي إنشاء قوات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية لأي غرض كان وتحت أي مسمى، ويبين القانون شروط الخدمـة والترقيـة والتأديب في القوات المسلحة والشرطـة والأمـن.) يتبن من نص المادة السالفة أن مهمة القوات المسلحة اليمنية (حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها) وليس ضرب المتظاهرين وقتلهم في الشوارع، كما حدث ويحدث في اليمن حاليا.
    والمادة السادسة من الدستور أكدت على التزام الدولة في اليمن بقواعد القانون الدولي بصورة عامة فنصت على (تؤكد الدولة العمل بميثـاق الأمم المتـحـدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثـاق جـامعة الدول العربيـة وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصـورة عامـة.) وهذه المادة تفتح الباب للقانون الدولي ومواثيق المنظمات الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية للحكم على ما يحدث في اليمن، لذلك فإن الثورة في اليمن تجد سندها القانوني مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادى، وهو مبدأ عام وقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، ورد النص عليها في المادة الثانية والخامسة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، فضلا عن العديد من القرارات الصادرة من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي نصت على حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، كما أن هذا المبدا وارد في ميثاق جامعة الدول العربية وفي كافة مواثيق المنظمات الدولية الإقليمية. وقد فرض القانون الدولي حماية على حرية التعبير، وطالب المجتمع الدولي ممثلا في أشخاصه من الدول والمنظمات الدولية العالمية والإقليمية، باحترام حرية الرأي والتعبير، بل طالبهم بتسهيل مهمتهم، وأبرز ذلك ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م المادة الثامنة عشر والتي نصت على (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين) والمادة التاسعة عشر التي نصت على (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود).
     كما نص ذات الإعلان على حق كل مواطن في الاشتراك في أي من الجمعيات وحقه في التحدث ومناقشة الأمور العامة التي تهم مجتمعه، وذلك في المادة (20) منه التي نصت على (1. لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. 2. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.) والمادة (21) منه والتي نصت على (1. لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. 2. لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده. 3. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.).     كما فرض وأوجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16كانون/ديسمبر1966 ودخل حيز التنفيذ في 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة (49) وقد نص على حماية حرية الفكر والتعبير في المادتين (18) و(19) وقد نصت على (المادة 18) (1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. 3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.)

  • -    استخدام الجيش لضرب المتظاهرين في اليمن مخالفة لنص المادة (36) من الدستور التي نصت على( الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأية قوات أخرى، وهي ملك الشعب كله، ومهمتها حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها".
   كما نصت المادة(19) على (1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. 3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.).
     إن الحق في التظاهر السلمي مكفول ومعترف به في كافة المواثيق الدولية باعتباره دلالة على احترام حقوق الإنسان في التعبير عن نفسه وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية الصحيحة، حيث تنص المادة (٢١) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. وحيث أن اليمن صدقت على هذا الميثاق وعلى كافة المواثيق والاعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية التي تنص على حرية التعبير وحق التظاهر.
    فضلا عما سبق من وجوب احترام حرية التعبير والفكر لأي إنسان فإن القانون الدولي فرض حمايته على شخص الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان السالف في المادة (3) على (لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.) وفي المادة (5) التي نصت على (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.) كما أن المادة التاسعة نصت على تحريم الاعتقال وحجزه تعسفيا (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا) ونصت المادة العاشرة على (لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه.) كما أكدت المادة (11) على أن الأصل في الإنسان البراءة فقالت(1. كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2. لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي.) وفرضت المادة (12) حماية على الحياة الخاصة فنصت على(لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.) ونصت المادة (13) من ذات الإعلان على الحق في التنقل والسفر فنصت على(1. لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة. 2. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.) وهناك العديد من النصوص التي تؤيد على حرية الفكر والرأي والتعبير في العديد من الوثائق والاعلانات والاتفاقيات الدولية وهي:
1 - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م.
2 - الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1966م.
3 - الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1966م.
4 – البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م.
5 – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية الصادرة عن الأمم المتحدة.
6 – وإعلان حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة عام 1959م.
ومن المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الإقليمية التالي:
1 – الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أعد في إطار جامعة الدول العربية لعام 1945م وميثاق عام 1997م.
2 – الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
3 – الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (اتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوربا الصادر في روما في الرابع من نوفمبر عام 1950م.
4 – ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي.
5 – الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان عام 1948م.
6 – البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1999م.
7 – الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان(الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان المبرمة في سان خوسية بتاريخ 2/11/1969م)الذي أعد في إطار منظمة الدول الأمريكية.
     ترتيبا وتطبيقا على ما سبق بيانه، فإن حرية الرأي والتعبير مصونة بالقانون الدولي العام وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من النظام العام في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن القواعد الآمرة فيه، فلا يجوز الانتقاص منها أو الحد منها، كما أنها تعتبر حقوق طبيعية تلتصق بالإنسان، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، لأنها قاعدة عامة، ويقع كل اتفاق على ذلك منعدم وليس له أي آثار قانونية لذلك فإن قمع المظاهرات جرائم دولية تستوجب المحاكمة.
    تعتبر عمليات قمع المظاهرات التي حدثت في اليمن طبقا لقوانين العقوبات الوطنية في هذه الدول جرائم قتل عمد، وتشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية ومنها ترتقي إلي جرائم حرب وخاصة التي حدثت في ليبيا طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة السادسة التي نصت على جريمة الإبادة الجماعية (لغرض هذا النظام الأساسي تعني " الإبادة الجماعية " أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه, إهلاكاً كلياً أو جزئياً:-أ) قتل أفراد الجماعة. ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.)
والمادة السابعة التي نصت على الجرائم ضد الإنسانية فنصت على(1- لغرض هذا النظام الأساسي , يشكل أي فعل من الأفعال التالية " جريمة ضد الإنسانية " متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين , وعن علم بالهجوم أ) القتل العمد. ب‌) الإبادة.) والمادة الثامنة التي نصت على (ا -يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب, ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم..2- لغرض هذا النظام الأساسي تعني "جرائم الحرب":-أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949, أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص, أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة: 1"القتل العمد. 2"التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية, بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية. 3" تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة 4" إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة 5" إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية 6"تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية. 7" الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع. 8" أخذ رهائن. ب‌)

الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي, أي فعل من الأفعال التالية :-
1"تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
2"تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية, أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية. 3"تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ماداموا يستخدمون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة. 4" تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة. 5" مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت. 6" قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً , يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع.).
 لذلك فإن ما حدث ويحدث في اليمن تعتبر جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية تستوجب المحاكمة، لذلك يمكننا أن نقول أن الحكومة اليمنية بما فعلته وتفعله في الشعب اليمنى تعتبر حكومة احتلال، فلم تترك وسيلة من وسائل القهر والقتل إلا استخدمتها ضد هذه الشعب المغلوب على أمره، لأن هذا الشعب اليمنى قام باسترداد حقه الأصيل والدستوري في السلطة والسيادة من أفراد الحكومة الذين خانوا الامانة وسرقوا الاموال وقتلوا كل من يعترض عليهم.
يشكل جرائم إبادة جماعية طبقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948م في المادة الثانية من الاتفاقية التي نصت على (في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،) والمادة الثالثة التي نصت على (يعاقب على الأفعال التالية:(أ) الإبادة الجماعية، (ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، (ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية،(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، (هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.) وقد أشارت المادة الرابعة إلي عدم الاعتداد بالصفة الرسمية والحصانة للحكام فنصت على (يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي فعل من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا.).
  •  تعتبر عمليات قمع المظاهرات التي حدثت في اليمن طبقا لقوانين العقوبات الوطنية في هذه الدول جرائم قتل عمد، وتشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية في القانون الدولي والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تستوجب المحاكمة أمام القضاء الجنائي الوطني والدولي.
 علما بأن جريمة الإبادة الجماعية ترتكب في وقت السلم وأثناء الحرب وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من الاتفاقية السابقة، علما بأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم بمضي المدة طبقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي اعتمدت وعرضت للتوقيع وللتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2391 ألف (د-23) المؤرخ في 26 تشرين الثاني /نوفمبر 1968م حيث نصت في المادة الأولي بالفقرة الثانية فنصت على (لا يسري أي تقادم على الجرائم التالية بصرف النظر عن وقت ارتكابها:(ب) الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب / أغسطس 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 (د–1) المؤرخ في 13 شباط / فبراير 1946 و95 (د–1) المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالاً بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه.) وقد نص النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية على ذلك في المادة (29) منه على عدم سقوط الجرائم الواردة في المواد من الخامسة إلى التاسعة للتقادم.
     إن عمليات القتل التي ارتكبت ضد المتظاهرين تعتبر جرائم قتل عمدية طبقا لقوانين العقوبات الوطنية في اليمن، كما أنها تشكل جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي طبقا لنص المادتين السادسة والسابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويمكن محاكمة هؤلاء أمام القضاء الجنائي الوطني والدولي، ويستند اختصاص القضاء الوطني في محاكمة مرتكبي هذه الجرائم الدولية إلي مبدأ التكامل المنصوص عليه في ديباجة النظام الأساسي والمادة الأولي منه، والمتمثل في كون القضاء الوطني هو صاحب الاختصاص الأصيل في المحاكمة على ما أرتكب من جرائم في حق هذه الشعوب.
    ولا ينعقد الاختصاص للقضاء الدولي إلا في حالتين الأولي انهيار النظام القضائي الوطني تماما بحيث لم يعد يستطيع القيام بمهمة القضاء، والثانية إذا رفض هذا القضاء القيام بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة أمام القضاء الوطني، أمام المحاكم الوطنية في اليمن، وفي حالة رفض هذه المحاكم لذلك ينعقد الاختصاص للقضاء الدولي الجنائي، ويمكن محاكمة هؤلاء أمام محكمتين دوليتين تتمثل هما:
- الأولى: يمكن تشكيل محكمة جنائية دولية عن طريق جامعة الدول العربية أو عن طريق الاتحاد الإفريقي، أو عن طريق مجلس الأمن كما حدث في يوغوسلافيا ورواندا عامي 1993/1994م، يتكون كل قضاة هذه المحكمة من قضاة دول غير الدول الي ارتكبت فيها الجرائم سالفة الذكر، أو تشكيل محكمة جنائية ذات طابع دولي يكون بعض قضاتها من الدول التي ارتكبت فيها هذه الجرائم كما هو الحال في المحكمة المشكلة لمحاكمة قتلة الحريري ورفاقه في لبنان عام 2004م.
- الثانية: المحكمة الجنائية الدولية أما عن طريق مجلس الأمن طبقا للمادة (13/ب) التي نصت على (إذا أحال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلي المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد أرتكبت.)، ويمكن أيضا عن طريق إحالة حالة ما من قبل دولة طرف من نظام المحكمة التي نصت عليها المــادة (14) التي نصت على (1- يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم. 2- تحدد الحالة , قدر المستطاع , الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة.) أو عن طريق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طبقا للمادة (15) التي نصت على (1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.2 – يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاة ويجوز له, لهذا الغرض, التماس معلومات إضافية من الدول , أو أجهزة الأمم المتحدة , أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية , أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة , ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.)
 علما بأن الحصانة التي يتمتع بها حكام هذه الدول لا تقف حائلا دون محاكمتهم أمام القضاء الدولي، وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (27) التي نصت على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية فذكرت (1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية, وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص, سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً, لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها, سبباً لتخفيف العقوبة.2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي, دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.) وأكدت المادة (28) على مسئولية القادة والرؤساء الآخرين.
    لذلك فالثورة في اليمن على النظام الفاسد، شرعية ومشروعة في القانون الدولي، وتعتمد في ذلك على قاعدة عامة آمرة، من طبيعتها القانونية في القانون الدولي، أنه ليس لا يجوز مخالفتها فقط، بل لا يجوز حتى الاتفاق على مخالفتها من قبل أشخاص القانون الدولي، ويقع كل اتفاق على مخالفتها باطل بطلانا مطلقا أي منعدما، ويعتبره القانون الدولي فعل مادي أي لا يرتب عليه القانون الدولي أي آثار قانونية ويقف عند حد الفعل المادي المجرد ولا يتعبره القانون الدولي تصرف قانوني، كما أن مدونة المسئولية الدولية الصادرة عن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة تنص في المادة (3) منها على أن القانون الدولي هو صاحب الحق الوحيد في إطلاق المصطلحات على أفعال وتصرفات أشخاص القانون الدولي وهما الدول والمنظمات الدولية العالمية والإقليمية، وقد نصت المادة (36) من ذات المدونة على أن الدول لا يمكنها دفع مسئوليتها عن الأفعال الضارة أو انتهاكات القانون الدولي استنادا لقانونها الوطني، لأن القانون الدولي هو صاحب الاختصاص الأصيل هنا.  
    لذلك فإن ما يحدث في اليمن من قتل المتظاهرين، فضلا عن أنه يعد مخالفة دستورية فأنه يشكل جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية للمواد من الخامسة والسادسة والسابعة من النظام من المحكمة الجنائية الدولية، يسعى الرئيس اليمنى حاليا لضمان عدم ملاحقته هو أسرته جنائيا، عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب اليمنى على مدار (33) سنة، كشرط لترك السلطة، ويعد ذلك مخالفا للقانون الدولي الجنائي والقانون الجنائي الدولي، وقد أكد النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية على تقرير مسؤولية الأفراد عن ارتكاب الجريمة الدولية، فقد نصت على ذلك المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية التي ورد فيها ( 1- يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي. 2- الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وعرضه للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي. 3- وفقاً لهذا النظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضه للعقاب عن أية جريمة في اختصاص المحكمة حال قيام هذا الشخص بما يلي:
أ- ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع أخر أو عن طريق شخص آخر. بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً.
ب- الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
ج- تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
د- المساهمة بأي طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وان تقدم:
(1) – إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب الجريمة تدخل لدى هذه الجماعة.
(2) أو مع العلم بنسبة ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.
هـ - فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
و- الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة، ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص، ومع ذلك فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضه للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي.
4- لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي).
      وقد رفض القانون الدولي اعتبار الحصانة مانعا من المحاكمة والعقاب على الجرائم المرتكبة من قبل الرؤساء والقادة فقد نصت المادة السابعة من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ ((ان المركز الرسمي للمتهمين سواء بصفة رؤساء دول أو بصفة موظفين كبار لن يؤخذ بنظر الاعتبار كعذر او كسبب مخفف للعقوبة)).([1])
وقد تم تأكيد هذا المبدأ في ميثاق المحكمة وكذلك في الأحكام الصادرة منها، والتي صاغتها فيما بعد لجنة القانون الدولي ضمن سبعة مبادئ هي:
1- أي شخص يرتكب فعلاً يشكل جريمة وفقاً للقانون الدولي يكون مسؤولاً عنها ومعرضاً للعقاب عليها.
2- لا يعفي عدم وجود عقوبة، في القانون الداخلي عن الفعل الذي يعد جريمة وفقاً للقانون الدولي، الشخص الذي ارتكب الفعل من المسؤولية طبقاً للقانون الدولي.
3- لا يعفي الشخص الذي ارتكب جريمة وفقاً للقانون الدولي كونه قد تصرف بوصفه رئيساً للدولة أو مسؤولاً حكومياً، من المسؤولية بالتطبيق للقانون الدولي.
4- لا يعفي الشخص الذي ارتكب الفعل بناء على أمر من حكومته أو رئيسه الأعلى من المسؤولية وفقاً للقانون الدولي، بشرط وجود خيار معنوي كان متاحاً له.
5- لكل شخص متهم بجريمة وفقاً للقانون الدولي الحق في محاكمة عادلة بخصوص الوقائع والقانون.
6- يعد من الجرائم المعاقب عليها الجرائم التالية:
    أ- الجرائم ضد السلام
   ب- جرائم الحرب.
   ج- الجرائم ضد الإنسانية.
7- يعتبر جريمة وفقاً للقانون الدولي الاشتراك في ارتكاب جريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.([2])
ومن الجدير بالذكر أن لجنة القانون الدولي عندما صاغت مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة كسبب يمنع من المسائلة عن الجرائم الدولية ضمن مبادئ نورمبرغ على النحو السابق أثارت بعض الجدل، فاذا كان وصف رئيس الدولة واضح الدلالة، فان بعض الجدل، فان مصطلح المسؤول الحكومي يثير التسأول حول المقصود فيه، فهل المقصود به عضو الحكومة حصراً ام عضواً سابقاً في الحكومة، أم هو موظف من رتبة عالية جداً في إحدى السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية.
وقد درجت المحاكم الجنائية الدولية في كل من يوغسلافيا وراوندا على تقرير هذا المبدأ في النظام الأساسي لكل منها، فقد ورد في المادة (28) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا عام 1993م على انه (لا يعفي المنصب الرسمي للمتهم سواء أكان رئيس دولة أو حكومة أو مسؤولاً حكومياً، هذا الشخص من المسؤولية الجنائية أو يخفف من العقوبة ). وبالفعل تمت مسائلة الرئيس اليوغسلافي السابق ( سلوبدان ميلو سوفيتش ) أمام هذه المحكمة. كما أكدت محكمة راوندا لعام 1994م المبدأ ذاته في المادة (27) من نظامها الأساسي.
ومن الجدير بالذكر أن هاتين المحكمتين قد تضمنتا مفاهيم واضحة لمسؤولية القادة عن وحشية الجنود تحت امرتهم، وقد ضربت محكمة يوغسلافيا الامثلة للقضاء الوطني في كيفية التعامل مع المتهمين بارتكاب جرائم القتل الجماعي والتطهير العرقي، وعدم تركهم يظهرون بمظهر ((الابطال القوميين)). حتى بدأت المحاكم الصربية والكرواتية اعتباراً من عام 2005م بمحاكمة مواطنيها الضالعين في جرائم حرب. 
وبناءً على ذلك التقرير، وعملاً بتوصية لجنة الخبراء، أصدر مجلس الأمن في 22 فبراير 1993 قراراه رقم 808 بإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في أراضي يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991، وقد تطلب القرار 808 أن يُعِد الأمين العام تقريراً حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة خلال ستين يوماً . وتنفيذاً لذلك القرار قدم الأمين العام تقريراً تضمن مشروع النظام الأساسي للمحكمة وتعليقات على مواد النظام الأساسي .
وعلى أثر ذلك، وإعمالاً لسلطات مجلس المُخولة له بموجب الباب السابع من ميثاق هيئة الأمم المتحدة , والتي لم يسبق تفسيرها سلفاً وفقاً لذلك المفهوم أصدر المجلس القرار رقم 827 بإنشاء المحكمة مقراً لمشروع الأمين العام بدون تعديل، ومن ثم دخلت حيز التنفيذ في 25 مايو 1993 بمقرها في لاهاي بهولندا .
وقد نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة على أن من سلطاتها محاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والتي ارتكبت في يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991، بما يتلاءم مع نصوص النظام السياسي الحالي . ومن ثم اختصت المحكمة بنظر الجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة الجنس وجرائم الحرب .
كما نص النظام الأساسي أيضاً على المسؤولية الجنائية الفردية بما في ذلك مسؤولية رئيس الدولة بالنسبة لبعض الانتهاكات المحددة والتي ارتكبت خلال الاختصاص المؤقت للمحكمة . وتلك الجرائم هي الانتهاكات الجسيمة لمعاهدات جنيف عام 1994، وانتهاكات قوانين وأعراف الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
إن مجمع القانون الدولي ذهب في قراره الصادر في باريس عام 2001م إلى أن رئيس الدولة الذي لم يعد في مهامه الرسمية لا يتمتع بأي نوع من أنواع الحصانات الرئاسية في أي دولة من الدول الأجنبية، واستثناء على ذلك يتمتع الرئيس السابق بحصانات رئيس الدولة إذا تعلقت الدعوى المرفوعة ضده بعمل من الأعمال الرسمية التي قام بها أثناء ممارسة مهامه الوظيفية، كما نص القرار على أن الرئيس السابق لا يستفيد بأي نوع من أنواع حصانات رئيس الدولة ضد التنفيذ.
بقيام المحكمة الجنائية الدائمة ترسخ في القانون الدولي الجنائي مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة في الجرائم الدولية. فقد نصت المادة ( 27) من نظام روما الأساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية على انه (( 1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الاحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الاساسي. كما انها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الاجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في اطار القوانين الوطنية أو الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص )).
 لذلك وترتيبا على ما سبق فإن مبدأ عدم وجود حصانة لرؤساء الدول والقادة من المحاكمة أصبح من المبادئ العامة في القانون الدولي، مما يعنى بطلان وانعدام أي أتفاق على خلاف ذلك يقع من أي طرف من أطراف التصرف الدولي، لذلك محاولة الرئيس اليمنى عقد اتفاق بمنحه هو أسرته حصانة ضد الملاحقة والمحاكمة الجنائية على الجرائم التي أرتكبها في حق الشعب اليمنى على مدار ثلاثة وثلاثين عاما، على رأسها ما أرتكب من جرائم منذ بداية الثورة حتى تاريخه، يكون منعدما في القانون الدولي أي باطلا بطلانا مطلقا، ولا يعتد به أمام المحاكم سواء الدولية أو الوطنية، ولا يملك أي شخص أو سلطة منحه ذلك.
 ([1]) كانت المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة في أصلها تنص على أن صفة الشخص الوظيفية لا تعفي من المسؤولية ولكن قد تكون سبباً مخففاً للعقاب، إلا أن اللجنة عندما صاغت المبدأ حذفت العبارة الأخيرة وحلت محلها عبارة ( ولن يؤخذ بنظر الاعتبار كعذر أو كسبب مخفف للعقوبة) .
([2]) – قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 95/1 في 11 ديسمبر 1946م .

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد