ماريا: بابا مشلول والسبب آلة النظام العسكرية

2011-11-20 04:08:33 رصد/ هشام الزيادي


"هذا مش عيد" قالتها ماريا ذات العشر سنوات ونبرات الحزن تمتزج بابتسامتها المصطنعة, محاولة بجهدها الطفولي مقاومة تلك الدموع المتساقطة على خديها وذلك عندما سألتها كيف تشعرين بهذا العيد يا ماريا..؟
ماريا هي اكبر بنات مالك محمد البعداني الذي أصيب برصاص قناصة في شارع هائل الشهر الماضي, في وقت كان فيه قناصة صالح يقنصون كل شيء يتحرك، لم تكن تعرف ماريا وملاك وبراء والرضيعة دعاء البنات الأربع لمالك, أن والدهم في ذلك اليوم لن يعود لهن ماشياً على قدميه معافى, مبتسماً كعادته يحمل الحلويات ويحتضن براء بعد عودته مرهقاً من العمل.
تعود ماريا بذاكرتها إلى ذلك اليوم المشؤوم وهي تحاول جاهدة منع دموعها من الخروج, تقول: "تغدينا في ذاك اليوم وخزن أبي وخرج " سكتت قليلاً ثم انفجرت باكية، لم أوقفها بل جعلتها تخرج ما في جعبتها من ألم, علَّ هذا العالم الذي ضاق بها ووالدها يرى هذه الدموع ويشعر بالخجل من نفسه.
هدأَت... ثم تابعت " بعد عشر دقائق من خروجه جاءت له رصاصة، فأسعفه صديق ابن خالتي إلى المستشفى الميداني في الساحة وتم إبلاغ بيتنا بعدها ".. وكحال أي أسرة تستقبل أخبار سيئة لأشخاص تحبهم.
دوت قنبلة الخبر في البيت وبدت أثارها تظهر بين أفراد أسرته الذين أخذهم البكاء طويلاً وأحيانا يصل حد الإغماء, مخلفة تلك القنبلة جرحاً عميقاً أهداه صالح الذي زعم انه عاد وهو يحمل غصن الزيتون وحمام السلام.
أشارت إلى ابن عمتها فارس ابن الاثني عشر ربيعاً ليكمل وقائع إسعاف والدها وعن رؤيته له في المستشفى الميداني ومن ثم مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا وكيف كانت حالته سيئة جداً و الأجهزة الطبية تغطي جسده.
عبارات الغضب بدت واضحة جداً على وجهه عندما تحدث عما صنعه قناصة صالح بزوج عمته وهو يقول "الله يزيلهم, وعليهم أن يأخذوا العبرة ممن يظلمون الناس ويقتلونهم"..
أصابت الرصاصة كتف مالك لتخترق جسده فعموده الفقري ليصاب بشلل نصفي. مارياً أيضاً بكت طويلاً عندما سمعت ما جرى لوالدها، وسرت في مخيلتها الدقائق الأخيرة التي تناول فيها أباها وجبة الغداء معهم ليودعهم بابتسامته الحنونة كالمعتاد, مستدركة في الحديث عن تلك اللحظات, قائلة: " بعد إسعاف بابا انتقلنا إلى بيت خالي وجلسنا هناك يومين, وبعدين نقلنا إلى بيت آخر في شارع 16 بسبب خطورة المكان الذي كنا نعيش فيه ".. تتحدث ماريا عن شارع هائل حيث يسكنون، كيف أصبح الرعب والليالي المخيفة ضيفاً ثقيلاً على حيهم الهادئ،
الذي تحاول فيه قوات الحرس الجمهوري التوغل والتمترس ووضع قناصتها على أسطح البنايات ليقوموا بقنص المارين فيه.. لعلكم تتذكرون تلك الأسماء: أنس ومرام وتوفيق وكفاية ورجل أعمى لم نعرف اسمه بعد، كغيرهم سقطوا برصاصات صالح الذي أوغل في قتل أرواح الناس الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى كلمة جمعت أربعة أحرف لتُقال في وجهة وهي " إرحل"..
حاولتُ أن أتمشى قليلا داخل مشاعرها وارى والدها بداخلها وهو في كامل صحته يمسك بأيدي بناته الصغار وهو يقبِّل براء ودعاء وملاك وأيضا ماريا، فسألتها كيف كان بابا بالنسبة لك وهل يختلف هذا العيد عن الأعياد السابقة..؟ تفاجأت بها تبكي مرة أخرى اشد من قبل،
وأختها براء ذات العامين تنظر إليها بدهشة تكاد تبكي معها وهي في حضن ابن عمتها فارس " أحسن أب في الدنيا، أحبه جداً، كان يعتني فينا واصل، يمشينا، ويجعل لنا، كنا نتمشى أول العيد وثاني العيد نسافر مع بابا البحر.
لكن هذا العيد زعلانه واشعر بالاكتئاب، ما رحناش أي مكان لان بابا ما يقدرش يمشي، إذا يشتي يجلس نحن من نجلسه، ما يقدرش يحرك إلا رأسه ويده فقط ". عندما سألتها ايش رأيك في الذي سوا كذا في بابا..؟ ردت بغضب: " الله يحرقهم ويحرق صالح مرة ثانية، حرمني من التمشي مع بابا وهو يمشي على رجله الله يحرمه من أولاده" هكذا قالتها ماريا.
ذكريات تمخر رأسها الصغير ذو الشعر الأسود الطويل تاركاً أثاراً زمانية مؤلمة لا تنسى إلا بعد أن يحرق الله صالح تارة أخرى كنوع من أن ينصف القدر ماريا. بعد أن أكملت حديثها ابتسمت لها وقبّلت أختها براء ذات السنتين وودعتهم بصورة التقطها لهم زميلي عزام المقطري.. في وسط الصورة تظهر ماريا.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد