تشتت الأولويات: كيف تُهمَّش القضايا المصيرية في اليمن؟

2025-02-19 02:25:52 أخبار اليوم/ بشرى الحميدي

   

في ظل التطور الرقمي المتسارع وهيمنة الإعلام، يواجه المجتمع اليمني تحديات جمة ناتجة عن انجذاب الجمهور نحو القضايا الثانوية، وانشغاله بها على حساب القضايا المصيرية التي تحدد مستقبله. هذه الظاهرة لا تقتصر على انعكاس لسطحية الإعلام أو أزمة في فهم أولويات المجتمع، بل هي نتاج لتداخل معقد لعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤثر بعمق في بنية المجتمع اليمني ومساراته.

تحليل الظاهرة:

يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، عبد الباقي شمسان، أن انجذاب الجمهور اليمني إلى القضايا الثانوية وتجاهله للمسائل المصيرية لا يعود إلى طبيعة الجمهور نفسه، بل إلى الوضع الاجتماعي والسياسي المعقد الذي يعيشه المجتمع اليمني في الوقت الراهن. يواجه اليمنيون تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، ويجدون صعوبة في إيجاد حلول فعالة للتحديات الجوهرية، مما يدفعهم إلى التركيز على القضايا الهامشية.

إن تهميش القضايا المصيرية في اليمن يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل المجتمع. يجب على النخب السياسية والثقافية والإعلامية أن تتحمل مسؤوليتها في توعية الجمهور بأهمية هذه القضايا، والعمل على إيجاد حلول فعالة لها.

في حديثه لـ"بلقيس"، يقول شمسان: "إن الوضع السياسي المتأزم في اليمن، بما في ذلك تحدِّيات مثل حكم مليشيا الحوثي الإرهابية والانقسامات الدّاخلية، يزيد من صعوبة تأثير المجتمع على مجريات الأحداث، مما يٌساهم في التفاف الناس حول قضايا ثانوية تمنحهم شعورًا بالوجود والاستمرارية.

القضايا الجوهرية مثل الوحدة الوطنية، وحل الانقسام، تتجاوز إمكانيات المجتمع في الوقت الراهن بسبب نقص التماسك الوطني، وغياب النخبة المتماسكة والجيش الوطني القادر على الدفاع عن تطلعات الشعب".

ويؤكد شمسان أن "المجتمع اليمني، في الوقت الراهن، بحاجة إلى إعادة تنظيم أولوياته"، موضحًا أن "هذا يمكن أن يحدث إذا وُجدت نخب وقيادات قادرة على التوحّد وتنظيم القوى الوطنية، مما قد يُساهم في توجّه المجتمع نحو القضايا الكبرى الجوهرية بدلا من الانشغال بالقضايا الثانوية".

- سياسة الإلهاء

بينما تزداد تحدِّيات الحياة اليومية وضبابية المستقبل، يتجّه العديد من اليمنيين في مِنصات التواصل الاجتماعي إلى قضايا قد تبدو بعيدة عن جوهر المشكلات الحقيقية، التي تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.

وفي هذا السياق، يؤكد الصحفي والباحث الاجتماعي، يعقوب السفياني، أن "ظاهرة انجذاب الجمهور اليمني إلى القضايا الثانوية هي ظاهرة متزايدة في البلاد".

يشير السفياني إلى عدد من الأسباب لتفاقم هذا السلوك، ومنها أن العديد من نشطاء الإعلام والصحافة، بالإضافة إلى صناع المحتوى ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، تسببوا في انتشار "محتوى هامشي وغير مهم"، حيث يميل هؤلاء الأفراد إلى نشر محتوى يحقق لهم تفاعلات أكبر من قِبل الجمهور، مما يعزز من انتشار هذه الظاهرة.

يعتقد السفياني أن هناك "عملا منظما" يعتمد على توظيف "سياسة الإلهاء"، التي تتبعها بعض الجهات، بما في ذلك المسؤولين في الدولة، لإبعاد الجمهور عن القضايا الهامة مثل القضايا الإنسانية، والفساد، والتزامات الدّولة، وهذه السياسة تهدف إلى إشغال الرأي العام عن النقاش حول القضايا الجوهرية، ممّا يسمح بدفع الجمهور إلى الاهتمام بقضايا لا تحمل تأثيرًا فعليًا على حياة المواطنين.

ويوضح السفياني أن "هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة جذرية من خلال رفع الوعي المجتمعي، وتحفيز الإعلام على تبنِّي القضايا الجوهرية التي تساهم في تطور المجتمع وتحقيق المصلحة العامة".

- التأثيرات النفسية للأزمات

في ظل تزايد انجذاب الجمهور اليمني نحو القضايا الثانوية، يرتبط هذا الاتجاه بالتحولات العالمية في الإعلام الرقمي، حيث تلعب وسائل الإعلام الحديثة دورًا كبيرًا في تشكيل اهتمامات الجمهور، مما يُسهم في تهميش القضايا الجوهرية مثل الوضع الإنساني والاقتصادي والتعليمي.

وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور مجيب الحميدي، مدرس التربية الإعلامية وأخلاقيات الإعلام في جامعة تعز، أن "جزءًا كبيرًا من أسباب هذه الظاهرة يرتبط بخصائص المجتمع الرقمي التواصلي في البيئة الإعلامية الرقمية الحديثة".

يرى الحميدي أن "غياب التربية الإعلامية والرقمية في العديد من الدول، وعلى رأسها اليمن، التي تصنّف من بين أدنى الدول من حيث مستوى حضور هذه التربية، من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار القضايا الهامشية على حساب القضايا الجوهرية في المجتمع".

وأوضح: "وهذا يشمل غياب الوعي بمفاهيم الإعلام والمعلوماتية حتى لدى النخبة، فضلاً عن غياب مهارات التربية الإعلامية لدى الجمهور بشكل عام".

يضيف الحميدي: "إذا كانت هناك خصوصية لهذه الظاهرة في اليمن، بخلاف المؤثرات العامة المرتبطة بعصر التفاهة والتفكير السطحي، فهي تتمثل في حالة تشتت الانتباه، التي يعاني منها الجمهور اليمني بسبب دوامة الأزمات المعيشية والسياسية، وظروف الحرب، وضغط الوضع الاقتصادي، إلى جانب تردي العملة وغياب الأمن الغذائي والعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية".

وتابع: "هذه التعقيدات، وما يترتب عليها من إحباطات، تؤدي إلى إرباك الجمهور وتشتت انتباهه، مما يجعله غير قادر على ترتيب الأولويات، وتدفعه نحو القضايا الهامشية التي توفر تسلية أو إثارة، أو يتجهون إلى متابعة قضايا خارجية لا تتعلق بالشأن اليمني".

في ظل التحدِّيات الراهنة، التي يواجهها المجتمع اليمني، تبرز أهمية إعادة توجيه الاهتمام نحو القضايا الجوهرية التي تؤثر بشكل مباشر على مستقبل البلاد، حيث إن الانشغال بالقضايا الثانوية، رغم ما تحمله من عوامل جذب، لا يمكنها أن تحقق التغيير المنشود، أو تقدِّم حلولاً عملية للمشكلات الأساسية التي تعاني منها البلاد.

  • نقلا عن بلقس نت
                      

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
استعدادات الحكومة للحسم العسكري: وزير الدفاع يكشف خطط المواجهة مع الحوثيين

وزير الدفاع في حوار مع “العين الإخبارية”: حربٌ لم ينطفئ لهيبها، وهدنٌ مكسورة، وسلامٌ يُغتال قبل أن يولد.. هنا اليمن.. هنا تُسرق أحلام شعب بقبضة مليشيا لا تعرف إلا لغة الدم.. وهنا قوات شرعية تقف كالطود الأشم، وشعبٌ يقس مشاهدة المزيد