2024-11-28
الانهيارات الأرضية في اليمن: كارثة إنسانية تتطلب حلولاً مستدامة
مقدِّمة:
بعد مضي عام على الحرب الإسرائيلية ضدَّ غزَّة، وفي ظلِّ فشل تحقيق أهدافها المعلنة بتلك الحرب، اتَّجهت إسرائيل بالحرب شمالًا نحو جنوب لبنان؛ فقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 30 سبتمبر الماضي (2024م) عن بدء عملية عسكرية برِّية في لبنان، و"أنَّها تأتي بالتزامن مع عملية متواصلة في قطاع غزَّة وساحات أخرى".
وجاء هذا الإعلان عقب ضربات موجعة ومتتابعة وجَّهتها إسرائيل لـ"حزب الله"، بلغت ذروتها في 27 سبتمبر الماضي عندما استهدفت بصواريخ وقنابل نوعية المركز الرئيس لـ"حزب الله"، في الضاحية الجنوبية مِن بيروت، وأدَّت إلى مقتل أمين عام الحزب، حسن نصر الله، وقادة آخرين في الحزب، ومسئول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في لبنان. كلُّ ذلك فتح المجال للتصعيد بشكل أكبر في المنطقة، في ظلِّ حالة الإرباك الذي ظلَّ يعاني مِنه "حزب الله" لأيَّام، وتحسُّبٍ إيراني لمواقفها قبل أن تُقرِّر شنَّ هجوم واسع على إسرائيل، وعدم جدوى الضغوط الأمريكية في الحدِّ مِن تهوُّر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وحكومته المتطرِّفة.
أحدثت هذه الضربات في بداية الأمر حالة إرباك كبيرة في معسكر حلفاء إيران، بمَن فيهم جماعة الحوثي، قبل أن يتراجع هذا الإرباك بعد الهجمات الصاروخية التي شنَّتها إيران على إسرائيل عشيَّة الثاني مِن أكتوبر الجاري، ومقتل ما يزيد على (8) جنود إسرائيليين وجرح ما يقرب مِن (30) آخرين، مع محاولتهم التقدُّم في الأراضي اللبنانية، في اليوم التالي للهجوم الإيراني على إسرائيل. وبعد يومين مِن مقتل "حسن نصر الله" أطلقت ميليشيا الحوثي صاروخًا باتِّجاه مطار "بن غوريون" في مدينة "تل أبيب"، بالتزامن مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي مِن الولايات المتَّحدة الأمريكية، حيث ألقى هناك خطابًا في الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة. وتعليقًا على ذلك قال الجيش الإسرائيلي -السبت 28 سبتمبر: إنَّ وقت ميليشيا الحوثي سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على "حزب الله" اللبناني.
وكانت الطائرات الإسرائيلية شنَّت -في 29 سبتمبر- غارات جوِّية استهدفت محطَّات توليد الكهرباء في منطقة الحالي وميناء الحديدة، كما استهدفت الغارات خزَّانات النفط في ميناء رأس عيسى، ما أسفر عن تدمير في المنشآت وسقوط قتلى وجرحى.
فهل ستقوم إسرائيل بشنِّ ضربات إضافية أخرى على ميليشيا الحوثي أسوة بما حدث مع "حزب الله"؟ وما هو السياق الذي يحكم ذلك؟ هذه الورقة تحاول أن تجيب على ذلك.
تصاعد الاشتباك:
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزَّة، منذ السابع مِن أكتوبر 2023م، أعلنت جماعة الحوثي مشاركتها في الحرب في إطار ما يُعرف بوحدة الساحات، وتعني بذلك الجماعات المسلَّحة المنتشرة في المنطقة والتابعة لإيران. وتمثَّل دور جماعة الحوثي في شنِّ هجمات على سفن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وإرسال عدد مِن المسيَّرات والصواريخ باتِّجاه إسرائيل.
وفي مواجهة هذه الهجمات حشدت الولايات المتَّحدة الأمريكية عددًا مِن الدول، في إطار تحالف بحري أطلق عليه "حارس الازدهار"؛ غير أنَّ هذه التحالف فشل في منع هجمات ميليشيا الحوثي، في ظلِّ رفض دول المنطقة الانضمام إلى هذا التحالف، وربط ما يحدث في البحر الأحمر بالحرب الإسرائيلية على غزَّة، وأن توقُّف الحرب الإسرائيلية على غزَّة سيوقف الاشتباكات في المنطقة، بما فيها جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
أمام استمرار هجمات ميليشيا الحوثي على السفن التجارية، شنَّت القوَّات الأمريكية والبريطانية عددًا مِن الضربات على المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، وأعلنت أنَّها تستهدف أماكن تخزين الأسلحة والطائرات المسيَّرة والرادارات ومنصَّات إطلاق الصواريخ، دون أن تمتدَّ تلك الضربات إلى قيادات جماعة الحوثي، أو مقاتليها أو معسكراتها، ولم يكن لتلك الضربات تأثير كبير على قدرات ميليشيا الحوثي الهجومية.
وخلافًا للاشتباك الذي كان يتمُّ بين "حزب الله" وإسرائيل، والذي انضبط بقواعد اشتباك محدَّدة، اتَّجه هذا الاشتباك إلى تجاوز تلك القواعد، فقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى اغتيال "فؤاد شكر"، قائد كتائب الرضوان التابعة لـ"حزب الله"، وتطوَّرات الوضع -يوم الثلاثاء، 17 سبتمبر- بتفجير آلاف أجهزة النداء الآلي (البيجر)، والتي كانت تحملها عناصر "حزب الله"، في وقت واحد، في لبنان. وفي اليوم التالي تمَّ تفجير أجهزة اتِّصالات "ووكي توكي"، مِن نوع "أيكوم ف82"، واغتيال عدد كبير مِن قيادات الصفِّ الأوَّل والثاني، مِن المستويين السياسي والعسكري، بما فيهم أمين عام الحزب "حسن نصر الله".
أعلنت جماعة الحوثي أنَّ "العدو الصهيوني لن يحقِّق أمنه واستقراره باغتيال قادة المقاومة"، وأنَّها "لن تخذل الشعبين العزيزين"، ومَن أسمتهم "رفاق الدرب المجاهدين في لبنان وفلسطين"؛ وبالفعل أطلقت الميليشيات في 28 سبتمبر، صاروخًا بالستيًّا على مطار "بن غوريون" الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو" إلى "تل أبيب" عبر المطار ذاته، على نحو ما ذكرنا.
وأعلنت قياماها بشنِّ عدد مِن الهجمات على سفن في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وفي المقابل أعلنت هيئة البث العبرية، في 28 سبتمبر، أنَّ الجيش الإسرائيلي يقول: إنَّ وقت جماعة "أنصار الله" اليمنية سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على "حزب الله" اللبناني. وفي اليوم الذي يليه شنَّ الجيش الإسرائيلي غارات جوِّية استهدفت محطَّات توليد الكهرباء في منطقة الحالي وميناء الحديدة، كما استهدفت الغارات خزَّانات النفط في ميناء رأس عيسى، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
ويعدُّ هذا الهجوم الثاني عقب هجوم قام به الطيران الإسرائيلي في .................
وساد لأيَّام، ما بدا أنَّه تدشين لمرحلة الهيمنة الإسرائيلية، وأنَّ إسرائيل ستتفرَّغ للتنكيل بالأطراف التي اشتبكت معها خلال المرحلة السابقة؛ إلَّا أنَّ الهجوم الإيراني وتعثُّر الهجوم البرِّي الإسرائيلي على جنوب لبنان والخسائر الفادحة التي مُنيت بها قوَّاته هناك غيَّر مِن تلك الأجواء، وأعاد المنطقة إلى مناخ الاشتباك بين إسرائيل ومعها الولايات المتَّحدة وإيران وأذرعها.
الانتقام مِن القيادات الحوثية:
يُوحي توعُّد الاحتلال الإسرائيلي لميليشيا الحوثي بأنَّ هناك احتمالية لشنِّ ضربات تجاه قيادات جماعة الحوثي، غير أنَّ مثل هذا الأمر يعتمد على عدد مِن المتغيِّرات، يأتي في مقدِّمتها مسار العمليَّات البرِّية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، ومدى استمرار هجمات ميليشيا الحوثي على إسرائيل، ونوع هذه الهجمات إن تمَّت، وطبيعة وحدود الاشتباك بين إيران وإسرائيل، والموقف الأمريكي مِن كلِّ ذلك، على النحو التالي:
1- مسار العمليات العسكرية البرية في جنوب لبنان:
فقد أعلن الجيش الإسرائيلي -في 30 سبتمبر- بدء عملية برِّية "محدَّدة الهدف والدقَّة"، ضدَّ أهداف لـ"حزب الله" في جنوب لبنان؛ وقالت الإذاعة الإسرائيلية: إنَّ وحدات "كوماندوز" خاصَّة مِن الجيش توغَّلت في الجانب اللبناني، وعلى الأرجح ألَّا تكو هذه العملية محدودة، وأنَّ الجيش الإسرائيلي يعلن أنَّها كذلك تحسُّبًا لعدم نجاحها. ويعدُّ النجاح في هذه العملية أمرًا حاسمًا بالنسبة لإمكانية شنِّ ضربات موجعة ضدَّ ميليشيا الحوثي في اليمن، لأنَّها ستخلق التفافًا شعبيًّا حول "نتنياهو" وحكومته في الداخل الإسرائيلي، وستفتح شهيَّتهما لشنِّ المزيد مِن العمليَّات ضدَّ أطراف في المنطقة، بما فيهم ميليشيا الحوثي، الذي سبق أن توعَّدهم بذلك. وبخلاف ذلك فإنَّ تعثُّر عملية الاجتياح البرِّي، وانتكاستها، ستحدُّ مِن فرص قيام إسرائيل بهجمات موجعة على ميليشيا الحوثي.
وقد بدا واضحًا أنَّ فرص نجاح هذه العملية في تراجع في ظلِّ الخسائر التي مُني بها الجيش الإسرائيلي منذ اليوم الأوَّل مِن التدخُّل، فقد فَقَدَ (8) مِن جنوده وجُرِح ما يقرب مِن (30) مِنهم. وفي نفس الوقت بات الجيش مشغولًا بالردِّ على الهجوم الذي شنَّته إيران عليه، وما يمكن أن يترتب عليها مِن تداعيات ومآلات.
2- الاختراق الأمني لإيران وحزب الله:
أظهرت عمليَّات جرت خلال السنتين الأخيرتين في إيران، وعمليَّات تفجير آلاف أجهزة النداء الآلي (البيجر) اللتي تحمله عناصر "حزب الله" في وقت واحد في لبنان، يوم الثلاثاء 17 سبتمبر، وأجهزة اتِّصالات "ووكي توكي" مِن نوع "أيكوم ف82"، واغتيال عدد كبير مِن قيادات الصفِّ الأوَّل والثاني، مِن المستويين السياسي والعسكري في "حزب الله"، وجود اختراق أمني واسع في كلٍّ مِن إيران و"حزب الله".
وكان لهذا العامل تأثير كبير في النجاحات التي حقَّقتها إسرائيل، ومِنها الاغتيالات التي تمَّت داخل إيران، وتفجير المصانع، وشلِّ الاتِّصالات داخل "حزب الله"، وإرباكه، واغتيال عدد كبير مِن قيادته. ولا يُعرف حجم الاختراق الإسرائيلي في "حزب الله" على وجه التحديد.
وتُعدُّ عملية الاختراق مِن العوامل المؤثِّرة في مسار العملية البرية، فإذا ما كان اختراق الموساد الإسرائيلي لـ"حزب الله" واسعًا إلى حدِّ معرفة أمكان مرابض الصواريخ، ومخطَّطات الأنفاق، ومواقع التجُّمعات العسكرية، فهذا سيجعل استهدافها سهلًا، وحجم التكلفة بالنسبة للجيش الإسرائيلي أقل؛ وبالتالي فرص نجاح العملية أكبر، وهو ما يعني فتح شهية إسرائيل للقيام بعمليَّات انتقامية تجاه أطراف آخرين في المنطقة، بمَن فيهم ميليشيا الحوثي.
والعكس صحيح، فإذا اقتصر الاختراق على رصد تحرُّكات القيادات العليا دون أن يصل إلى المستويات العسكرية الأدنى سيكون حجم المجهول بالنسبة للجيش الإسرائيلي أكبر، وإمكانية أن يتعرَّض لكمائن أعلى، وبالتالي تكون خسائره ضخمة، ومعه تكون فرص فشل العملية العسكرية أكبر مِن فرص نجاحها، وبالتالي تقلُّ معه فرص توجيه ضربات لميليشيا الحوثي.
2- نطاق الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل:
أطلقت إيران نحو (180) صاروخًا باتِّجاه إسرائيل عشيَّة الثاني مِن أكتوبر، خلافًا لما كان متوقَّع، وهذا مِن شأنه أن يجعل الهجوم أكبر قليلًا مِن هجوم أبريل الماضي، والذي شهد إطلاق نحو (110) صواريخ باليستية و(30) صاروخًا مِن طراز "كروز"، باتِّجاه إسرائيل. ويبدو أنَّ معظم الصواريخ أسقطتها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بينما أصاب بعضها القواعد العسكرية. كما أنَّ الصواريخ أصابت مطاعم ومدارس.
عقب الهجوم الإيراني، قال الجيش الإسرائيلي -يوم الثلاثاء: إنَّه سيختار وقتًا مناسبًا كي "نثبت قدراتنا الهجومية الدقيقة والمباغتة"، في إشارة إلى أنَّ إسرائيل ستقوم بالردِّ على هجمات إيران. وبات هذا الردُّ في حكم اليقين، كما أنَّه يحظى بموافقة أمريكية؛ وعلى الأرجح أنَّ المؤسَّسات الإسرائيلية والنقاشات التي تتمُّ بين إسرائيل والولايات المتَّحدة تتَّصل بحدود هذا الردِّ وأهدافه.
ويبدو أنَّ القيادة الإسرائيلية تميل إلى توسيع هذا الردِّ بما يُعزِّز مِن نظرية الردع، في حين يرفض الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، أن يكون موجَّهًا نحو المفاعل النووي الإيراني، ويطالب بأن يكون الردُّ متناسبًا مع الهجوم الإيراني، الذي وُصِف مِن قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي بأنَّه غير فاعل.
بدوره شدَّد الرئيس الإيراني، "مسعود بيزشكيان"، ومسئولون آخرون، مِن أنَّ أيَّ ردٍّ مِن قبل إسرائيل سيواجه بردٍّ مدمِّر، ما يعني أنَّ الطرفين قد ينزلقا إلى هجمات متبادلة قد تتَّسع وتنذر بحرب إقليمية شاملة.
وقد يؤدِّي الاشتباك مع إيران لإشغال إسرائيل عن توجيه ضربات إلى ميليشيا الحوثي، بحكم اهتمامهم بالأطراف الأكثر تأثيرًا مِن جهة، وهامشية الدور الذي تقوم به ميليشيا الحوثي في هذا الاشتباك مِن جهة أخرى. لكنَّه قد يوفِّر مسوِّغات لتوجيه ضربات لميليشيا الحوثي، لا مِن قبل إسرائيل، وإنَّما مِن قبل البوارج والسفن الحربية الأمريكية والغربية، إذ مِن المرجَّح أن تهاجم ميليشيا الحوثي -بإيعاز مِن إيران، وربَّما مِن دون ذلك- البوارج الأمريكية، وهو ما سيجبر واشنطن على التعامل الخشن معهم، بما في ذلك استهداف قياداتهم، خلافًا لما كانت تتحاشاه في السابق.
3- هجمات الحوثيين ودورهم في الاشتباك الإقليمي:
تمثِّل الهجمات التي تقوم بها ميليشيا الحوثي ضدَّ إسرائيل والملاحة الدولية في البحر الأحمر السبب الرئيس لإمكانية قيام إسرائيل بضربات انتقامية تجاههم، كما أنَّ الهدف مِن أيِّ ضربات محتملة هو منع ميليشيا الحوثي مِن الاستمرار في الهجمات، إضافة إلى ترميم صورة الردع التي تعرَّضت للكثير مِن الضرر، وإظهار أن لإسرائيل اليد الطولى في المنطقة. ويبدو أنَّ الضربات الإسرائيلية المحتملة ستكون بمستوى الهجمات التي تقوم بها ميليشيا الحوثي، أي أنَّ استمرار هجمات ميليشيا الحوثي يستلزم بالضرورة عمليَّات عسكرية انتقامية مِن قبل إسرائيل؛ وأنَّ توقُّف هجمات ميليشيا الحوثي قد يؤدِّي إلى امتناع إسرائيل عن القيام بعمليَّات انتقامية.
كما أنَّ العمليات الانتقامية الإسرائيلية تتأثَّر أيضًا بنوعية هجمات ميليشيا الحوثي، فإذا ما أضرَّت الهجمات بالمصالح الإسرائيلية كانت إمكانية الردِّ أكبر وأكثر عنفًا، أمَّا إذا كان تأثير تلك الهجمات هامشيًّا وغير مؤثِّر فستكون فرص الردِّ ومستواه في حدود أقل، وقد تكون منعدمة.
ويبدو أنَّ ميليشيا الحوثي سيوازنون بين استمرار ما يطلقونه مِن صواريخ وطائرات مسيَّرة باتِّجاه إسرائيل بما يُبقيهم حاضرين في المشهد، وبين ألَّا تضرُّ تلك الهجمات بمصالح حيوية لإسرائيل، تجنُّبًا لانتقامها.
4- الموقف الإيراني:
يؤثِّر الموقف الإيراني في أيِّ عملية انتقامية ستقوم بها إسرائيل ضدَّ ميليشيا الحوثي، فهو مِن المحدِّدات الإقليمية لسلوك إسرائيل وحربها في المنطقة بشكل عام. فإيران تتحسَّب لأيِّ ردِّ فعل مِن قبلها حفاظًا على نظامها نظرًا للمخاطر التي تحيط به، ولاستشعارها برغبة أطراف لجرِّها إلى حرب واسعة مع إسرائيل والولايات المتَّحدة.
وقد حاولت إيران التملُّص مِن الردِّ العسكري على اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، والذي تمَّ على أراضيها وهو في ضيافتها أثناء مشاركته بمراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الحالي "مسعود بزشكيان"، في 31 يوليو الماضي، ولم تُظهر موقفًا حاسمًا مِن اغتيال "حسن نصر الله"، ومعه "عباس نيلفروشان"، قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" في لبنان، في 27 سبتمبر الماضي، وقد بدا عدم الردِّ الإيراني هذا وكأنَّه إذعان لإسرائيل. وقد تغيَّر الأمر بشكل كبير مع الهجوم الذي قامت به إيران في ليلة الثاني مِن أكتوبر الحالي.
وبشكل عام يمكن القول: إنَّ ردَّ إيران قد يحدُّ مِن العمليَّات العسكرية التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل تجاه أطراف إقليمية، ومِنها جماعة الحوثي، وعلى العكس مِن ذلك فإنَّ تراخي الموقف الإيراني سيشجِّع إسرائيل على القيام بالكثير مِن العمليَّات؛ مع ملاحظة أنَّ الموقف الإيراني مِن أيِّ ضربات إسرائيلية ضدَّ ميليشيا الحوثي قد لا يكون كبيرًا بفعل تواضع مكانة ميليشيا الحوثي في المليشيات التابعة لإيران، وربَّما قد يختلف ذلك في حالة توجيه إسرائيل ضربة نحو زعيم الميليشيات، عبدالملك الحوثي، لما في ذلك مِن أثر إعلامي ونفسي على ما يُسمَّى محور المقاومة الذي تقوده إيران.
5- الموقف الأمريكي:
يظلُّ دعم الاحتلال الإسرائيلي وتوفير الحماية لها نهجًا أمريكيًّا ثابتًا بالنسبة للمؤسَّسات الأمريكية العميقة، بما في ذلك الجيش والمخابرات، والكونجرس بمجلسيه (النوَّاب ومجلس الشيوخ)، وهو كذلك نهج مطَّرد في الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع اختلاف في مستويات ذلك الدعم؛ وغالبًا ما يكون هذا الدعم في أعلى مستوياته في مواسم الانتخابات الرئاسية، بفعل الحرص على استمالة التيَّار الصهيوني في الداخل الأمريكي لما له مِن تأثير كبير على نتائج الانتخابات.
وقد أظهرت إدارة الرئيس الحالي "جو بادين" دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا هائلًا لإسرائيل في مواجهة عمليَّة طوفان الأقصى، وحشدت إلى المنطقة قوَّة عسكرية رادعة لمنع أي طرف في المنطقة مِن التدخُّل في الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ومع هذا فقد تبنَّت سياسة تقوم على الاحتواء ومنع التصعيد في المنطقة، ومارست ضغوطًا على إسرائيل لمحاولة إيقاف الحرب، وبشكل أكبر لعدم توسيع دائرة الصراع في المنطقة، ومع هذا قاومت الحكومة الإسرائيلية، بقيادة "نتنياهو" وأحزاب اليمين المتطرِّفة، مطالب الإدارة الأمريكية، ورفضت الانصياع لضغوطها، وعمدت إلى إحراجها، والإصرار على استمرار الحرب، مع إدراكها أنَّ استمرار الحرب وتوسُّعها يصبُّ في مصلحة المرشَّح الجمهوري "دونالد ترامب".
وعلى الأرجح أنَّ شنَّ حرب على "حزب الله"، في جنوب لبنان، تمَّ خلافًا لإرادة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وفريقه؛ ومع هذا اضطرَّت الإدارة الأمريكية إلى مجاراة إسرائيل. ويبدو أنَّ الحكومة الإسرائيلية تجرجر الإدارة الأمريكية إلى مواقف خلافًا لإرادتها، بما في ذلك الاشتباك المحتمل مع إيران.
وفيما عدا محاذير مِن إمكانية تدخُّل إيران، وانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة، فإنَّ توجيه إسرائيل لضربة انتقامية لميليشيا الحوثي قد تكون مقبولة مِن قبل الأمريكيين، وذلك دون أن تصل إلى استنفار الحاضنة الخاصَّة بهم، بما يغرق اليمن في حالة مِن الفوضى. وهذا يعني أنَّ الإدارة الأمريكية الحالية قد لا تقبل بضربة تودي بحياة زعيم الميليشيات، لكنَّها قد تتغاضى عن أيِّ ضربة توجَّه إلى قيادات عسكرية أو سياسية حوثيَّة أخرى، لأنَّ هذا الانتقام سيكون على يد الاحتلال الإسرائيلي، نظرًا للقيوم التي تقبل أمريكا بفعل حرصها على إتمام تسوية سياسية في البلاد.
الخلاصة:
في ضوء ما سبق، فإنَّ إمكانية توجيه ضربات انتقامية مِن قبل إسرائيل تجاه ميليشيا الحوثي ستكون في أدنى حدودها، في حال: حدوث تعافي نسبي لـ"حزب الله" وانغماس إسرائيل في حرب استنزاف جنوبي لبنان، إضافة إلى الحرب الدائرة في غزَّة، وفي حال تصعيد جدِّي مِن قبل إيران وانخراطها في ضربات متبادلة مع إسرائيل، وتراجع الهجمات التي يقوم بها ميليشيا الحوثي، ومحدودية الأضرار التي يمكن أن تنجم عنها.
وتزداد فرص العمليَّات التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل تجاه ميليشيا الحوثي في حال: حقَّقت إسرائيل نجاحًا عسكريًّا على "حزب الله"، وفي ظلِّ تراجع إمكانية الاشتباك العسكري المباشر مع إيران، أو في حال حدوث اشتباك واسع في المنطقة وتعرَّضت البوارج الأمريكية لضرر مِن قِبل ميليشيا الحوثي.
وإذا ما حدثت ضربات فإنَّها ستبقى في مستوى المصالح الاقتصادية التي تحدث صدى إعلاميًّا، على غرار الضربتين السابقتين اللتين تعرَّضت لهما مدينة الحديدة؛ وقد تمتدُّ إلى محاولة اغتيال قيادات عسكرية أو سياسية مِن الصفِّ الأوَّل أو الثاني لدى ميليشيا الحوثي، لكنَّها لن تصل إلى محاولة اغتيال زعيم الميليشيات، إلَّا في حالة اتِّخاذ قرار متهوِّر مِن قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو في حال تعرَّضت إسرائيل لأضرار جسيمة نتيجة هجمات ميليشيا الحوثي.
حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد
2024-10-14 03:09:27
الرئاسي والحكومة.. أسود على الجيش نعام على المليشيات
2022-11-30 09:33:59
الوطن يغرق على نغم في ضفاف النيل
2022-11-14 05:01:41
في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد