ما هي السبل الممكنة والمتاحة لإنقاذ التعليم في اليمن من التردي والتجريف؟

2024-10-07 02:30:52 أخبار اليوم / بلقيس نت

   

يُعتبر الخامس من أكتوبر من كل عام اليوم الدولي للمعلم، وهو مناسبة لا تقتصر على التعبير عن تقديرنا وامتناننا لمعلمينا، بل تدفعنا أيضًا لتسليط الضوء على معاناة القطاع التعليمي، الذي يواجه صعوبات جمة سواء من جانب الطلاب أو المعلمين.

ويأتي ذلك في ظل استمرار سنوات الحرب، وما تترتب عليه من آثار سلبية على الجيل الجديد، بدءًا من تغيير المناهج وانقطاع الرواتب، وصولاً إلى مشكلات لا تنتهي.

الحكومة، والمنظمات الممثلة للمجتمع الدولي، ورأس المال الوطني، جميعهم مطالبون بإيجاد حلول عاجلة للمشاكل الآنية والتخطيط لتجاوز المشكلات الأعمق، غير أن الدور الذي يقوم به كل هؤلاء يظل غير كافٍ لمواجهة حجم الكارثة.

فالحاجة قائمة إلى وجود تنسيق أكبر بين الجهات المختلفة لضمان وصول المساعدات التعليمية إلى مستحقيها، وتوجيه هذه الجهود نحو بناء بيئة تعليمية شامله، تستفيد من الفرص وتواجه التحدّيات.

وعند الحديث عن التحدّيات والفرص تأتي حالة الحرب والانقسام على رأس التحديات، فيما تأتي التكنولوجيا وتجارب التعليم عن بُعد على رأس تلك الفرص، خاصة إذا ما تمكّنت الجهات ذات الصلة من استثمار الإنترنت الفضائي، والأجهزة الحديثة في تعويض نقص الموارد، وإيصال التعليم إلى المناطق النائية، والمتضررة من الحرب.

- يوم حزين

يقول الباحث السياسي والأكاديمي الدكتور يحيى الأحمدي: "نحن اليوم نستقبل اليوم الدولي للمعلم بحرج كبير، ونحن نعاني من مشكلة كبيرة، ولا أعزّي اليمنيين في ضياع الأرض، ولا في ضياع الأموال، ولا في ضياع الممتلكات والمكتسبات، فكل شيء سيعوّض، لكنني أعزيهم اليوم في هذا الجيل الذي يُعلم الجهل".

وأوضح: "هناك منهجية لتجهيل الجيل القادم الذي -للأسف الشديد- يجرع الجهل اليوم بطرق مختلفة، وبأساليب متعددة لتكوين وتشكيل جيل يغرق في الجهل، وفي الخرافات، وفي التخلف".

وأضاف: "في هذا اليوم، الذي يحتفي به العالم، نحن في اليمن نعزّي اليمنيين في ضياع أهم عنصر من عناصر البناء من عناصر التنمية، وهو المعلم، الذي يعاني من التهميش والتجهيل، ومن كل مخلفات الاستبداد الفكري والسياسي، وكل الممارسات التعسفية بحقه هنا وهناك في الطرفين".

وتابع: "المعلمون اليوم يناضلون منذ عشر سنوات، إما برواتب زهيدة لا تغني عنهم شيئا، أو بحرمان مطلق لكل حقوقهم، ويحركهم الضمير، وتحركهم العواطف الصادقة، وتحركهم النيات الخالصة للعمل".

وزاد: "أما ما تسمى بالمرتبات، التي هي في العالم كله عبارة عن تحصيل مضمون ومكتسب مشروع، أصبحت في اليمن -للأسف الشديد- بعيدة المنال، وأمنية يتمناها كل المعلمين، ومنهم من قضى نحبه وهو على هذا الحال، ومنهم -للأسف الشديد- من زُج بهم في المعارك، ومنهم خلف القضبان".

وأردف: "هذا اليوم هو يوم حزين في حق اليمنيين، حزين في حق المعلم والمتعلمين، وحزين في حق الأجيال، فإذا ما سألنا عن المعلم، على طول البلاد وعرضها، سنجده منتهكا، حقوقه لا توجد، لافتة اليوم للمعلمين تتحدث عنهم".

واستطرد: "الممارسات والشعارات، التي كانت أيام وجود الدولة الشكلية، اختفت جميعها، واتجه الجميع للبحث عن مصادر الاستقرار الخاصة والمشاريع الخاصة، وتُرك المعلمون يعانون الأمرّين، وكثير منهم كما سمعنا وتسمعون جميعا إما انتحروا أو لجأوا إلى أعمال بسيطة وأعمال ثانوية، وهناك من لزموا بيوتهم، وهناك -للأسف الشديد- من يؤدون هذه المهنة بدون مقابل وبدون عائد".

وقال: "في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، نحن نتحدث عن طمس معالم، ليس فقط الهوية اليمنية، إنما هناك محاولة لغرس أفكار دخيلة على اليمنيين، وهناك -للأسف الشديد- عبث بهذا الجيل".

وأضاف: "الأمم تبذل أموالا طائلة، وميزانيات ضخمة لكي تنقى هذه الأفكار الصغيرة، وأفكار الأجيال القادمة من أن تكون متذبذبة، من أن تكون متشرذمة، إلا في هذا البلد -للأسف الشديد- هناك عمل ممنهج لتشكيل جيل متذبذب ومتطرف، يعيش بهويات متعددة".

وتابع: "إذا كنا -نحن الكبار- اليوم نعاني من عزوف كلي عن القضية اليمنية، وعن الهوية اليمنية، وعدد كبير من السياسيين والمثقفين والمفكرين، الذين -للأسف الشديد- نجدهم بهويات مختلفة، ذاب فيها اليمن، وضاع هذا البلد، وضاعت الأجيال".

وأردف: "الحوثي عندما جاء إلى المناطق، التي سيطر عليها، جعل عينيه على المدارس، بدأ بالمدرسين، واستهدف المدارس؛ لأنه يعلم أنها فرصته، وترك هذا الميدان الكبير -للأسف الشديد- ليس فقط بترك المباني الدراسية وبترك البنية التحتية تحت تصرفات هذه المليشيا، وإنما أيضا ترك المعلمون، الذين لم يتقاضوا رواتبهم، تخلت عنهم الشرعية التي كان يعوّل عليها أن تمنح المعلمين جميعا رواتبهم؛ ليؤدوا دورهم، وليبقوا في المدارس".

وزاد: "الكثير من المعلمين لم يتمكنوا من الحضور ومواصلة التعليم، فاستبدلت مليشيا الحوثي بمدرّسين على طريقتها، يحملون الفكر الحوثي، وفي كل عام يتم زحزحة المعلمين الذين هم معلمو الدولة، ويتم استبدالهم، وبهذا سينشئ جيلا متخلفا فكريا، ومعاقا فكريا، وسيبقى البلد بُؤرة للصراع، وبؤرة للتخلف، وليس على مستوى اليمن، وإنما على مستوى المنطقة".

وقال: "هناك حلول ممكن أن تكون عبر التعليم عن بُعد، وكانت هناك فرص، حيث كان لدينا قناة تعليمية، كانت نشأت هذه القناة، وبدأت تغذي المفاهيم الوطنية والجمهورية والثورة، وكل هذه المسميات السامية، والمعاني النبيلة، فتم السيطرة عليها من قِبل مليشيا الحوثي، ولم تستبدل، وتنطلق حتى من مناطق الشرعية حتى اليوم، لأسباب لا ندري عنها؛ هل بسبب عدم الدعم، أو عدم المتابعة من قِبل المعنيين".

- بُؤس شديد

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، الدكتور فيصل الحذيفي: "عندما سمى فيكتور هيجو روايته الشهيرة "البؤساء" كأنه سماها لتكون مسمى لحالة المعلم، الذي يعيش هذه الحالة، ونحن في هذا اليوم -بعد عشر سنوات من الحرب تقريبا- ووضع المعلم في اليمن يعيش حالات متنوعة من العذابات".

وأضاف: "هناك بُؤس شديد، وهناك بُؤس أقل شدة لا أقل ولا أكثر، فلا توجد صورة وردية يمكن أن نقدمها للمعلم، فنحن نعتبر المعلم -في مثل هذا اليوم- مناضلا كبيرا يحافظ على دوره في الحفاظ على عقل المجتمع، على إعادة بناء الأجيال".

وتابع: "وضع المعلم تحت رحمة الحوثي، الذي يعمل بدون راتب، ويزيد أيضا يخسر من جيبه مواصلات ومصاريف شخصية حتى يؤدي دوره".

وأردف: "أعتقد بأن استجابة المعلم أو عمله دون راتب في ظل حكم الحوثيين هو ليس خوفا بقدر ما هو نضال يترتب عليه انعتاق الشعب اليمني ذات يوم بتنوير هذا الجيل الذي يحاول أن يُطيف تعليميا".

وزاد: "التعليم في مناطق مليشيا الحوثي يعيش المعلم فيه بُؤسا شديدا، وخوفا شديدا، ورُعبا شديدا، وبدون راتب، وبنفس الوقت تقوم المليشيا بتغيير المناهج، وتحاول طمس العقول، أو على الأقل تغييبها في تعليم طائفي فقط".

وقال: "مليشيا الحوثي تحرص ليس على التعليم الحقيقي وإنما على التعليم الآل، وأفضلية الآل، وحكم الآل، ومخاطبة هؤلاء الناس بسيدي، وهي عادات قبيحة لم يعد يستسيغها المواطن اليمني بعد 60 سنة من الثورة اليمنية".

وأضاف: "في الوضع الآخر، هناك معلم يسمى أنه يصرف له راتب، وهي أضحوكة، فالراتب الذي يسلم في مناطق الحوثي هو أشبه بأضحوكة؛ لأن تقريبا صندوق الطماط قد يتجاوز سعره راتب المعلم، حتى نقيم ما يتقاضاه المعلم".

وتابع: "في جميع الحالات، سواء في مناطق الحوثي، أو في مناطق الشرعية، نجد أن المعلم يمارس نضالا متميزا، ليس الجميع،؛هو فقط من لديه القدرة والتميز في الأداء، يحرص في المدرسة على أن يقدم شيئا لطلابه، بالرغم من الظروف، وهو يعلمها".

وأردف: "كذلك هناك مدراء ومديرات مدارس يحاولون التميّز بإدارة مدارسهم حتى لا يستسلموا بالرغم من الصعوبات الكثيرة".

وزاد: "للأسف، إن كان هناك في مناطق الشرعية إهمال للعملية التعليمية، ولإصلاح التعليم، وترميم المدارس المهدمة، أو لإعادة بناء مدارس تستوعب الزيادة السكانية، فإن الوضع في مناطق الحوثي لا ينظر له بهذا الشكل إطلاقا، وإنما يعاد طمس العقل اليمني، ويحاول تطييف هذا المجتمع؛ ليتحول إلى حاضنة شيعية، بحيث يصبح الحوثي يتصرف بأريحية دون معارضة"

وقال: "نحن سنفيق بعد كم سنوات على جيل شيعي في مناطق حكم الحوثيين، تحكمه الخرافة، وبالتالي يطمئن الحوثي لعدم الانتفاضة ضده أو تغييره، وهو يسعى جاهدا إلى تغيير المناهج، وإلى تغيير المعلمين، وإلى تغيير الخطاب والشعارات، وتبقى الخرافة هي الشيء المقدس عنده".

وأضاف: "نحن اليوم نجد عاملا جديدا داخل في هذه المعركة؛ وهو وسائل الإعلام اللا محدودة، كالتعليم الإلكتروني أو التواصل عبر الإنترنت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه تحاول تخترق الحواجز التي تريد أن تهدم العقل اليمني في مناطق الحوثي، أو تحاول أن تسجنه في إطار خطاب طائفي عفن لم يعد ممكنا القبول به في ظل القرن الـ21، وبعد الثورة اليمنية المجيدة 26 سبتمبر".

                                 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
صحفي من تهامة يروي تفاصيل مرعبة لعملية اختطافه وتعذيبه ولحظة مهاجمة الحوثيين لمنزله بالأطقم العسكرية

بينما كنت أمسح رأس طفلي، كانت أصوات المليشيات الحوثية تتردد في أرجاء منزلي الكائن في السلخانة الشرقية، بمديرية الحالي، في يوم 13 نوفمبر 2018. في سردٍ مأساوي مليء بالقهر والألم، يستعرض محمد علي الجنيد، تلك اللحظة الفارقة ال مشاهدة المزيد