2024-11-28
الانهيارات الأرضية في اليمن: كارثة إنسانية تتطلب حلولاً مستدامة
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها اليمن، لا تقتصر التغيرات على الجوانب السياسية والعسكرية فحسب، بل تشمل أيضًا البنية الثقافية والاجتماعية. وقد برزت الترندات الفيروسية كظاهرة تعكس تفاعلات معقدة تجمع بين القوة الناعمة والتأثير الكبير في تشكيل الرأي العام.
لم تعد الترندات مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار والآراء، بل أصبحت تعكس التفاعل الحيوي بين الأفراد والمجتمع في مواجهة تحديات وجودية معقدة.
من خلال هذه الظاهرة، نستطيع ملاحظة تجليات متناقضة؛ إذ تبرز الترندات من ناحية، رغبة جماعية في المشاركة والتضامن، بينما تكشف من ناحية أخرى، عن هشاشة التركيبة الاجتماعية والسياسية التي أصبحت معرضة للتلاعب والتضليل.
في مجتمع يُعاني من انقسامات حادّة وأزمات متراكمة، تحوّلت "الترندات" إلى ساحة معركة جديدة، لا تقتصر فيها المواجهة على الأفكار، بل تمتد إلى القِيم والمفاهيم التي تشكِّل أساس الهُوية الوطنية.
ومع تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كبديل للإعلام التقليدي، تزايدت قدرة هذه "الترندات" على تحديد مسارات النقاش العام، وإعادة تشكيل السلوكيات والمواقف، بما يخدم أحيانًا أجندات خفية تسعى لتعميق الفجوة بين فئات المجتمع المختلفة.
هذا التقرير يسعى إلى الغوص في أعماق ظاهرة "الترندات" اليمنية؛ لتفكيك أبعادها المعقَّدة، والكشف عن تأثيراتها المزدوجة؛ تلك التي تحمل في طياتها إمكانية التحوّل الإيجابي من جهة، ومخاطر الانزلاق نحو مزيدٍ من التشرذم والانقسام من جهة أخرى.
في هذا السياق، يصبح فهم "الترندات" ليس مجرد تحليل لظاهرة عابرة، بل استكشافًا لمستقبل مجتمع يمر بمرحلة تاريخية حرجة، حيث يتداخل الأمل مع الخطر، والرَّغبة في التغيير مع شَبح الانهيار.
- ساحة صراع وتأثير
وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تحولًا جذريًا في المشهد الإعلامي والسياسي في اليمن، وأصبحت تشكِّل ساحة حُرة للتعبير عن الآراء والأفكار، وتوجيه الرأي العام.
هذا ما أكده الكاتب الدكتور عارف أبو حاتم، الذي أوضح أن "هذه المِنصات لعبت دورًا محوريًا في تعبئة الشارع اليمني، وتسليط الضوء على القضايا المُلحة التي تواجه المجتمع، مثل الفساد والفقر والتهميش".
وأشار أبو حاتم، في حديثه لبلقيس إلى أن الدراسات التي أجراها أظهرت أن "العوامل السياسية والاجتماعية، الأخلاقية، الدينية، والوطنية تتفاعل بشكل معقّد لتشكيل الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تستغل الأحداث الاجتماعية المؤثرة، مثل مقتل الطفلة حنين البكري في عدن المشاعر الإنسانية؛ لتعبئة الرأي العام، في حين تلعب القضايا الدينية والوطنية دورًا حاسمًا في توحيد الصفوف وتوجيه السلوك الجمعي".
وفي سياق آخر، أكد أبو حاتم على أن "الحملات على مواقع التواصل يمكن أن تُحدِث فارقًا وتصنع قرارًا، خاصة إذا كانت مدعومة بوثائق صحيحة. على سبيل المثال: أثبتت حملة "وين الفلوس" نجاحًا جزئيًا في الضغط على المنظمات الدولية والحكومات لتقديم توضيحات حول صرف الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية، مما أجبر الأمم المتحدة على تبنِّي حملات مضادة ونشر بعض التفاصيل المالية، وهو ما يعكس قوّة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه السياسات العامة، إذا ما تم استخدامها بشكل صحيح وفعّال".
ومع ذلك، حذَّر أبو حاتم من استغلال هذه المنصات من قِبل بعض الجهات لنشر الشائعات والأخبار الزائفة وتضليل الرأي العام، مما يعزز العصبيات السياسية والاجتماعية والمذهبية، ويعمِّق الانقسامات المجتمعية، ويعطِّل جهود بناء الدولة. ودعا إلى ضرورة التحلِّي بالروح النقدية، والتثبّت من صحة المعلومات قبل نشرها، وتطوير إستراتيجيات فعّالة لمواجهة التحدِّيات التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي، مثل انتشار خطاب الكراهية والعنف.
- صُناع رأي أم مروّجو شائعات؟
"الترند"، كأي موضوع أو "هاشتاغ"، يكتسب شعبية واسعة، خلال فترة زمنية قصيرة، على مِنصات التواصل الاجتماعي، أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في اليمن، حيث يشكل قوَّة مؤثّرة في تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك الجمعي.
الخبير في مجال التسويق الرّقمي، أحمد مثنى، أشار في حديثه لـ"بلقيس" إلى أن "المشاهير اليمنيين يتمتّعون بنفوذ كبير في تشكيل الرأي العام بفضل قاعدة المتابعين الواسعة التي يمتلكونها. لكنه أوضح أن العديد من هؤلاء المشاهير استغلوا شعبيّتهم لنشر محتوى قد لا يكون دقيقًا أو موثوقًا، ممّا أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار الزائفة".
وأكد مثنى أن "ضعف الوعي لدى الكثير من اليمنيين، وخاصة الشباب، يجعلهم أكثر عُرضة للتأثر بآراء هؤلاء المشاهير، مما يعزز التعصّب والانقسامات الطائفية والسياسية، ويؤدي إلى تراجع مستوى الحوار والنقاش الرشيد".
ودعا مثنى إلى ضرورة رفع مستوى الوعي لدى الجمهور بأهمية التحقق من المعلومات قبل نشرها، وتشجيع التفكير النَّقدي والتحليل، وتفعيل دور الإعلام الرسمي في تقديم معلومات موثوقة ومحايدة، وتطوير مناهج التعليم؛ لتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الشباب.
- آثار سلبية للترندات
وفي سياق متصل، حذّرت دكتورة علم الاجتماع السياسي، فيروز الولي، من الآثار السلبية المتزايدة لانتشار الظواهر الشائعة (الترندات) في المجتمع اليمني.
وأرجعت الولي أسباب هذا الانتشار إلى مجموعة متداخلة من العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية، التي يعاني منها المجتمع اليمني، مثل: الشعور بالظلم والتهميش، وانخفاض مستوى الوعي، وتفاقم الأزمات الإنسانية، وتأجيج الصراعات.
وأوضحت الولي أن هذه الظواهر، رغم ما تحمله من جوانب إيجابية في بعض الأحيان، مثل تسليط الضوء على قضايا مهمة كحقوق المرأة، إلا أنها غالبًا ما تُستغل لتحقيق أغراض شخصية أو سياسية ضيِّقة، أو لنشر الكراهية والعنف، مما يؤدّي إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية، وتعميق الأزمات القائمة.
ودعت الولي إلى ضرورة التصدِّي لهذه الظاهرة الخطيرة من خلال تعزيز الوعي المجتمعي، ودعم التعليم، وتشجيع الحوار، ومكافحة خطاب الكراهية، والعمل على بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتسامحًا.
كما أكدت على أهمية دور الإعلام في نشر الوعي وتقديم محتوى إيجابي يُساهم في بناء مجتمع أفضل، ويُعزز مناعة المجتمع ضد التأثيرات السلبية للترندات الفيروسية.
ومما لا شك فيه، تمثل "الترندات" الفيروسية في اليمن ظاهرة مزدوجة الحوَاف، تحمل بين طياتها إمكانات مهمّة للتغيير الإيجابي، لكنها -في الوقت ذاته- تشكل تهديدًا حقيقيًا إذا ما أُسيء استخدامها.
إن هذه "الترندات"، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والإعلامي في اليمن، يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الجمعي ودفع النقاشات حول القضايا الحاسمة التي تواجه المجتمع. لكن لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر وعيًا نقديًا أكبر من قِبل المستخدمين، وإستراتيجيات أكثر حكمة في التعامل مع هذه الظاهرة.
ومع تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام، يصبح من الضروري أن يتم توجيه هذه القوّة نحو بناء جسور التفاهم وتعزيز الوحدة الوطنية، بدلاً من تعميق الانقسامات وإذكاء الصراعات.
يتطلب هذا التوجيه تعاونًا مستمرًا بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك الإعلاميون، والمثقفون، وصُناع القرار؛ لضمان أن تبقى "الترندات" أداةً للبناء لا للهدم.
حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد
2024-10-14 03:09:27
الرئاسي والحكومة.. أسود على الجيش نعام على المليشيات
2022-11-30 09:33:59
الوطن يغرق على نغم في ضفاف النيل
2022-11-14 05:01:41
في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد