في ظل حالة الجمود والغموض التي تشوب عملية السلام، ما هو المصير الذي يُراد لليمن؟

2024-08-25 02:09:25 أخبار اليوم/بلقيس نت

   

تشهد الأزمة اليمنية درجة من الجمود غير المسبوقة منذ سنوات، حيث يبدو أن الوضع الراهن يفتقر إلى وضوح المعالم. فلا أحد يُدرك بدقة أين توقفت المساعي السلمية، أو من أين ستنطلق الجولة القادمة، سواء على صعيد الحل السياسي أو في إطار المواجهات العسكرية.

وضع محيِّر يبدو في نظر كثيرين بلا سبب، ولا هدف، لكن نتائجه قد تكون مخيفة؛ لأن هذا الوضع ينذر بانسداد كل المخارج التي كان البعض يلوِّح بها، ومنها المخرج الإجباري الذي كانت تشيّده السعودية عبر التسوية بينها وبين ميليشيا الحوثي الإرهابية.

- صفقة مع ميليشيا الحوثي

يقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الأستاذ عبد الغني الإرياني: "كانت السعودية تنوي أن تعقد صفقة مع ميليشيا الحوثي تخرج نفسها من الأزمة اليمنية وتترك اليمنيين لمصيرهم، وهذا كان يعني أن الحكومة الضعيفة والمنقسمة لن تستطيع التفاوض على اتفاق - بالشراكة في السلطة مع ميليشيا الحوثي - يؤدي إلى شراكة حقيقية، وهكذا كانت ميليشيا الحوثي سيّد المشهد في اليمن".

وأضاف: "وبما أن ميليشيا الحوثي غير مقبولة من غالبية اليمنيين فمعنى ذلك أن اليمن لم تكن في مسار يمكن يؤدي إلى استقرار دائم، بل وأظن أن أي دولة تحكمها ميليشيا الحوثي بعقليته (الطائفية المذهبية) يمكن أن تستمر لفترة طويلة".

وأوضح: "الاتفاق بين السعودية وميليشيا الحوثي كان سيؤدي إلى انهيار الدولة اليمنية على المدى البعيد".

وتابع: "ما قام به الحوثيون من أعمال حربية؛ نصرة لإخواننا في غزة، أدى إلى قلق كبير لدى المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي".

وزاد: "كان واضحا أن الاتحاد الأوروبي وأمريكا وغيرهم كانوا يعرفون أن الاتفاق بين السعودية والحوثي معناه تسليم الدولة اليمنية للحوثي، لكنهم لم يأبهوا لذلك الأمر".

وبيّن: "كانت المشكلة -في رأيهم- مشكلة السعودية، الآن بعد ما ظهر من أن الحوثي ممسك للتجارة الدولية في مخنق أصبحت المشكلة مشكلة في نظر الجميع، وبالتالي ستتوقف التفاهمات السعودية والحوثية".

وقال: "السبب هو أن السعودية لم تعلن توقفها"، مشيرا إلى أن "رغبة السعودية هي في تحييد الحوثي؛ في حال اتسعت الحرب أن لا يستهدفها بضرباته".

ويرى أنّ السعودية "بعد انتهاء حرب غزة ستضع شروطا لا يقبلها الحوثي، وسيتوقف مسار عملية المفاوضات هناك".

وأشار إلى أن "السعودية كانت قد أظهرت حماسا غير عادي، وقدَّمت تنازلات استثنائية للحوثيين للوصول إلى اتفاق".

واعتبر أن "الإرادة السياسية في السعودية هي تصفير المشاكل، وذلك يعني إقفال ملف الحرب في اليمن بأي ثمن كان، وهذا ما قدّمه السعوديون للحوثيين، والحوثيون استغلوا ذلك وانتزعوا تنازلات استثنائية".

واستطرد: "أما بالنسبة للإمارات فأنا أرى أنها لن تكون بناءة في الوصول إلى وضع مستقر في اليمن؛ لأن من صالحها أن تظل اليمن غير مستقرة، لكي تنشغل بها السعودية، فهذا يعيق قدرة السعودية على منافسة الإمارات في عدد من القضايا، سواء كانت إستراتيجية أو اقتصادية واستثمارية".

وأضاف: "بالنسبة للمجتمع الدولي، أثبت من خلال عشرات السنين من دعم محاولات الإصلاح السياسي والإداري أنه يدرك أن الاستقرار في اليمن في صالحه، وأن البديل عن الاستقرار في اليمن معناه قوى إرهابية ممكن أنها تحتل المساحات التي لا تتمكن الدولة من السيطرة عليها، وتكون مصدر قلق لأمن المجتمع الدولي والتجارة الدولية".

وأردف: "الشرعية -للأسف- منقسمة ومحكومة من الخارج، وقد أظهرت ضعفا ليس فقط في مواجهة الضغوط الداخلية، ولكن أيضا في مواجهة الضغوط الخارجية، ولا تستطيع أن تقول لا، وبالتالي ليست جزءا من المعادلة الآن".

ولفت إلى أن "الشرعية أخرجت نفسها من المعادلة بضعفها وانقسامها، وبالتالي المعادلة هي في الواقع الآن بين السعودية والحوثيين وبين السعودية والإمارات".

وقال: "في رأيي أن المثل اليمني الذي يقول [لا تقول بُم إلا بمشافر] يفسِّر ما حصل في موضوع البنك المركزي".

وأوضح أن "الإرادة السياسية لم تكن موجودة، ولا القدرة، ولا ضمان الدعم الحقيقي من السعودية"، مشيرا إلى أن "المحافظ والفنيين، عندما اتخذوا تلك الإجراءات، وجدوا أنفسهم وحيدين".

وأضاف: "المعركة بين الحوثي والولايات المتحدة الأمريكية لن تبدأ بشكل جاد إلا بعد انتهاء حرب غزة، وهناك عاصفة فيما يخص اليمن".

وتابع: "على مستوى الدولي، إذا توسعت الحرب فكل الاحتمالات قائمة، وقد يؤدي ذلك إلى دمار شامل في المنطقة".

- جمود أم تجميد؟

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء، الدكتور عبد الباقي شمسان: "هناك فرق بين الجمود والتجميد، هناك تجميد ليس تجميدا، وإنما هناك إستراتيجية في المنطقة لا تتعلق بالحوثي منفصلا".

وأضاف: "هنالك الملف الإيراني المتعلق بالبرنامج النووي، والمتعلق بإحلال إيران بديلا عن إسرائيل كعدو مهدد أول يتعلق بالممرات الدولية، يتعلق بكثير من القضايا".

وأوضح: "المملكة العربية السعودية -عندما أدركت أنها دخلت إلى مصالحها في اليمن، وهذه المصالح تضاربت مع سلطنة عُمان ومع الإمارات، وأيضا مع التوجُّهات الأمريكية التي تريد بقاء الوضع هشا وضعيفا- أرادت أن تخرج (من الحرب في اليمن)".

وتابع: "المجتمع الغربي يُراقب ما يحدث في اليمن وهو يريد أن يحمِّل دول المنطقة تبعات هذا الملف".

ويعتقد أن "السعودية لا تستطيع أن تنسحب من اليمن؛ نظرا لأنه لا بُد من إيجاد تسوية، أو إيجاد توافقات بين إيران وبقية بلدان المنطقة، رغم أن إيران وبقية بلدان المنطقة معروف ما هو المخطط له".

وأكد أن "المخطط له أن تكون إيران لاعبا فاعلا في المنطقة، وتضعف مجموعة من الدول، بحيث تصبح مهددا رئيسا، ومن هنا سندخل في تطبيع، وفي إقامة علاقات مع إسرائيل".

واعتبر أن ما تقوم به ميليشيا الحوثي هو "أفعال إرهابية هددت الشعب اليمني، وقامت بتدمير مقدراته، وبالتالي ما يحدث من تهديد للملاحة الدولية لا يخدم المسألة الوطنية والقومية".

وتابع: "أولا تم قصف اليمن وتدمير قدرات الشعب اليمني، ثانيا أوجدت الأساطيل العسكرية في البحر الأحمر، ثالثا ربطت هذا الملف بمصالح إيران".

وبيّن: "لا علاقة للشعب اليمني، ولا للشعب الفلسطيني، ولا كل هذه القضايا، بما تتحرَّك فيه ميليشيا الحوثي".

ويرى أن "الحوثي له مشروعه الواضح والصريح وهو استعادة الحكم؛ باعتباره صاحب الحق الإلهي بالحكم، هذا له إستراتيجية داخلية تقوم بالسيطرة على الجغرافيا، وعلى المؤسسات، وتغيير الذاكرة الوطنية، وإيجاد اقتصاد مستقل، ثم على المستوى الإقليمي هناك تحالفات مع إيران، وهناك توافقات حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية".

وقال: "الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية لا تريد القضاء على ميليشيا الحوثي، لأن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بقاء ميليشيا الحوثي".

وأضاف: "كل ما يقوم به الحوثي هو تدمير الشعب اليمني، وتجويعه، وانتهاك سيادته، وتقديم خدمة للدول الاستعمارية التي تسعى إلى السيطرة على الجغرافيا".

وأوضح: "عندما نستخدم كلمة طرف، فنحن أمام فخ ولغم؛ لأن المجتمع الدولي والإقليمي لعب دورا كبير جدا بحيث إنه جعل المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين طرفا من أطراف النزاع إلى جانب سلطة هشة".

وتابع: "لا يمكن لما يسمى بالسلطة الشرعية أن تتخذ قرارا سياديا له أبعاد وطنية وإستراتيجية؛ لأن الدليل على ذلك هو أن أي قرار وطني يتم إلغاؤه، ويتم تجميع هؤلاء في الرياض، ومن ثم يتم التراجع عن أي قرار متخذ".

ويعتقد أن "جعل الانقلابيين في اليمن طرفا من أطراف النزاع مرتبط بإستراتيجية ترتيب منطقة الشرق الأوسط، وتوجّه دولي وإقليمي لبقاء الوضع اليمني هشا".

وزاد: "إضعاف السلطة الشرعية حد الاختفاء، أو أنها مركب متعدد الانتماءات الهدف منه هو أن يوجد على المستوى البعيد سلام هش ضعيف قابل للاشتعال في أي لحظة وبالتالي يصبح لا بُد من رعاية دولية وإقليمية لأي اتفاق سلام، وهذا يعني أن القرار اليمني سيظل مصادرا لعقود".

                                          

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
صحفي من تهامة يروي تفاصيل مرعبة لعملية اختطافه وتعذيبه ولحظة مهاجمة الحوثيين لمنزله بالأطقم العسكرية

بينما كنت أمسح رأس طفلي، كانت أصوات المليشيات الحوثية تتردد في أرجاء منزلي الكائن في السلخانة الشرقية، بمديرية الحالي، في يوم 13 نوفمبر 2018. في سردٍ مأساوي مليء بالقهر والألم، يستعرض محمد علي الجنيد، تلك اللحظة الفارقة ال مشاهدة المزيد