معاناة مستمـرة لنازحي مخيـم الجفينـة في مـــأرب.. أمل ضئيل في ظل غياب فعّال للإغاثة الدوليـــــة

2024-08-23 21:49:18 أخبار اليوم - خاص/ محمد العياشي

   

تتواصل معاناة النازحين في مخيم الجفينة غرب مدينة مأرب، حيث تنكشف بجلاء ظروفهم القاسية التي يعيشونها في مخيماتٍ عشوائية، بعد أن فروا من ويلات الحرب والملاحقات التي تقوم بها ميليشيا الحوثي الإرهابية.

يعاني سكان هذه المخيمات من نقص حاد في الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تحدياتٍ اقتصادية واجتماعية وصحية متزايدة، مما يضعهم أمام خيارات صعبة تلوح في الأفق. فيما يسعى البعض لرفع أصواتهم واستثمار الابتكار في كسب الدعم، يبقى الأمل معقودًا على استجابة المجتمع الدولي والإغاثي لحل هذه الأزمة الإنسانية المتصاعدة.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على تجارب النازحين وقصصهم في مواجهة التحديات اليومية وسبل البحث عن الحياة الكريمة في تجارب مليئة بالمعاناة والأمل.

يعيش النازحون في مخيم الجفينة غرب مدينة مأرب ظروفًا قاسية في مخيماتٍ عشوائية تحولت إلى مأوى مؤقت لأولئك الذين فروا من اشتداد الحرب والملاحقات التي تنفذها ميليشيا الحوثي، المصنفة دوليًا ضمن قائمة الإرهاب.

بين قصص النزوح والصعوبات اليومية، يكافح سكان هذه المخيمات للبقاء، وسط غياب الدعم الحكومي والمنظمات الإنسانية، وتحدياتٍ اقتصادية واجتماعية وصحية هائلة.

الحياة في المخيم

عبده علي، أحد سكان مخيم الجفينة، يروي قصته لـ "أخبار اليوم": “نعيش في أكواخ وخيام بدائية دون توفر الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. نعاني من انعدام الخصوصية والاكتظاظ السكاني، كما نتعرض لظروف جوية قاسية في الصيف والشتاء”.

ويضيف علي: “نواجه انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة سوء الصرف الصحي ونقص المياه النظيفة. حالات سوء التغذية منتشرة، خاصةً بين الأطفال، بسبب صعوبة الحصول على الرعاية الصحية المناسبة”.

على صعيد التعليم، لا توجد مدارس داخل المخيمات، مما يضطر الأسر إلى إرسال أطفالهم إلى المدارس في المجمع وسط مدينة مأرب، حيث يواجهون صعوبات في المواصلات. ويقول علي: “نفضل ترك أطفالنا دون تعليم لتجنب ضياعهم ولعدم وجود المال للمواصلات”.

اقتصاديًا، يعتمد سكان المخيمات بشكلٍ كبير على المساعدات الإنسانية نظرًا لصعوبة إيجاد فرص عمل. يقول علي: “نحن بحاجة إلى دعمٍ مالي لتلبية احتياجاتنا الأساسية”.

قصص من المخيمات

هايل محمد، من سكان مديرية وصاب، نزح في عام 2017 بسبب انتهاكات وجرائم ميليشيا الحوثي وملاحقتها للمخالفين في الفكر والسياسة. بعد فقدان منزله، اضطر إلى النزوح إلى محافظة مأرب التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، وعاش في مخيم النازحين بالجفينة، إلا أنه وجد صعوبةً في تأمين فرص عمل.

يقول لـ "أخبار اليوم": “الحياة في المخيم كانت جيدةً من الناحية النفسية، نشعر بالتضامن معًا، لكنها صعبة من الناحية المعيشية والخدمية. نواجه صعوبات في تأمين احتياجاتنا الأساسية نتيجةً لغياب الدعم الحكومي وضعف دور منظمات الإغاثة”.

ويضيف: “نعاني من ظروفٍ قاسية، خاصةً في فصلي الصيف والشتاء”.

ويشير الرجل إلى أن المجتمع المستضيف ينظر إليهم كفئة هامشية، مما يزيد من معاناتهم النفسية والاجتماعية، قائلًا: “نأمل أن يدرك الآخرون أننا مثلهم بالعادات والتقاليد، وأننا اضطررنا للجوء إلى المخيمات بسبب تداعيات الحروب”.

يُطالب سكان المخيم بتوفير مأوىً لائق يشمل الماء والصرف الصحي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى مساعداتٍ مالية وغذائية منتظمة، وفرص عمل لتحسين أوضاعهم المعيشية.

"منظمة الهجرة لم تعطنا شيئاً"

في خطوة تعكس معاناة النازحين، اقترح النازح محمد يوسف ضرورة اتخاذ إجراء جماعي في مخيم الجفينة للفت انتباه منظمة الهجرة والمجتمع الدولي. حيث دعا جميع النازحين إلى شراء متر واحد من القماش الأبيض وكتابة العبارة التالية عليه: "منظمة الهجرة لم تعطنا شيئاً". بموجب هذا الاقتراح، سيتم إنشاء عصا تحمل هذا القماش مثل العلم، ورفعها على أسطح المنازل في المخيم، لتظل مرفوعة حتى تُلبى مطالبهم المشروعة.

وأكد محمد يوسف لـ"أخبار اليوم" أن هذه المبادرة تهدف إلى تسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية القاسية التي يواجهها النازحون، معبراً عن أملهم في أن تستجيب منظمة الهجرة لمطالبهم وتوفر الدعم الشهري المحدد بـ 300 دولار، والذي وضعته الأمم المتحدة لكل نازح.

كما دعا يوسف جميع النازحين في مخيم الجفينة للمشاركة في هذه الحملة، مشدداً على أهمية رفع الأصوات المطالبة بحقوقهم، ولتكون هذه الراية رمزاً لمطالبهم المستمرة بتحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

نأمل أن تجد هذه المبادرة صداها في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، لتسليط الضوء على معاناتهم وتسريع الاستجابة للمطالب الإنسانية التي يواجهونها.

وضع مأساوي

محمد عبدالقدوس، ناشط، يصف الأوضاع التي يعيشها السكان بـ “المأساوي”. ويقول: “غالبية سكان المخيمات نزحوا قسراً من مناطقهم الأصلية، إما بسبب الحروب أو الملاحقات الأمنية”.

وأفاد لـ "أخبار اليوم" بأن "الإغاثة العالمية" توقفت عن صرف سلة غذائية شهرية منذ نصف عام، مما زاد من معاناة النازحين إلى حالةٍ مأساوية.

يناشد عبدالقدوس المجتمع الدولي والمنظمات المحلية والدولية بتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة، بما في ذلك توفير المأوى والغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية. كما يدعو إلى تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية في المخيمات، وإنشاء وحدات سكنية مؤقتة آمنة وشبكات مياهٍ نظيفة وخدمات صرف صحي، بالإضافة إلى توفير فرص عمل مناسبة وبرامج تدريبية مهنية.

شدد عبدالقدوس على الحاجة إلى إنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي، وتنظيم برامج توعوية وأنشطة ترفيهية لمعالجة الآثار السلبية للظروف المعيشية.

ختاما.. تعكس معاناة النازحين في مخيم الجفينة الواقع غرب مأرب الأبعاد الإنسانية المؤلمة للأزمات التي تتسبب بها انقلاب ميليشيا الحوثي المصنفة دوليا في قائمة الإرهاب عام 2014م.

 إذ يجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم في مواجهة تحديات حياتية يومية لا حصر لها، تتراوح بين نقص الخدمات الأساسية وغياب الرعاية الصحية، إلى قلة الفرص الاقتصادية. ومع تزايد الضغوط وغياب الدعم الكافي من الجهات المعنية، يتحد النازحون في سعيهم لإيصال أصواتهم ومطالبهم العادلة، كما يظهر من مبادراتهم الإبداعية التي تحمل رسائل أمل واحتجاج.

من المهم أن تستمر جهود المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة في دعم هذه الفئة المهمشة، وأن تجد قصصهم مكاناً في نشرات الأخبار العالمية، ليس فقط لتسليط الضوء على معاناتهم ولكن أيضاً لتحفيز استجابة فعالة تعكس التزام المجتمع الدولي بالإنسانية.

الوقت يمر، والأمل يبقى معلقاً على شرفات المخيمات، حيث يتطلع النازحون إلى غدٍ أفضل وحياةٍ كريمة. فهل ستتحرك آليات الدعم الدولي لتلبية احتياجاتهم وتسهم في تخفيف هذه المعاناة المستمرة؟ هذه الأسئلة تظل بلا إجابة، ولكن الأمل يتجدد مع كل صوت يُرفع من تلك الخيام.

                             

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
رئيس منظمة الأسرى: الحوثيون حوّلوا السجون إلى "شركات استثمارية" ويُفشلون المفاوضات

في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد