قصص مأساوية وتبعات كارثية.. الحوثيون يضيّقون الخناق على العاملات في المجال الإنساني

2024-08-13 02:08:34 أخبار اليوم / قناة بلقيس

   

في أوقات النزاعات تلعب النساء دوراً حاسماً في تقديم المساعدات الإنسانية، وخدمات الرعاية الصحية.

وفي اليمن، الذي تقدّر الأمم المتحدة حاجة 18,2 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية، وتتعرض أكثر من 6.36 مليون امرأة وفتاة للخطر المتزايد بأشكاله، لا تستطيع منظمات الإغاثة الوصول إلى الفئات الأشد ضعفا، فمليشيا الحوثي الإرهابية التي تسيطر على مناطق يعيش فيها ما مجموعه 70 % من السكان، تقيّد حركة العاملات في المجال الإنساني، وتُحرم النساء والفتيات والأطفال من الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والحياة الكريمة.

فمنذ أبريل 2022، تطلب سلطات ميليشيا الحوثي محرمًا (قريب ذكر) لمرافقة العاملات اليمنيات في مجال الإغاثة عند السفر في مهام ميدانية، مما أدى إلى تقييد الزيارات الميدانية، وأصبحت العمليات والأنشطة، التي تتطلب سفر الموظفات الوطنيات صعبة للغاية لجميع الوكالات الإنسانية، وإعاقة تسليم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، خاصة النساء والأطفال.

وفي يناير 2021، أصدرت وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي تعميما لمدراء عموم مكاتب الصحّة في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، تضمن التوجيه بمنع وإلغاء 'قلاب المشورة' (اللولب) لتنظيم الأسرة من جميع المرافق الصحيّة.

وبحسب التعميم، فإن الوزارة عملت على إعداد دليل وطني في حزمة خدمات تنظيم الأسرة، يتماشى مع التوجيهات والسياسات الملائمة لعادات وتقاليد ما سمته "هُويتنا الإيمانية".

كما أصدر مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة حجة تعميماً يحظر على النساء الحصول على وسائل منع الحمل دون موافقة أزواجهن.

وقد أدت هذه القيود إلى انخفاض كبير في معدلات استخدام وسائل منع الحمل، ممّا زاد من حالات الحمل غير المرغوب فيه والولادات المبكرة.

"مريم "، التي تزوجت في سن 15 عاماً، توفيت في ديسمبر من العام 2021، في مستشفى حرف سفيان الريفي بمحافظة عمران شمال اليمن، بعد تعرضها لمضاعفات مرتبطة بالحمل.

تقول والدتها إن "مريم حملت بعد أسابيع من زواجها ولم يوافق زوجها على تأخير الإنجاب، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة، وتعرضت لنزيف في الشهر السابع من الحمل ما أدى إلى فقدانها الوعي، وتم نقلها إلى المستشفى؛ حيث توفيت هناك".

لقد حرمت من حقها في الصحة، وبلوغ سن الرشد بأمان، وحرمها الزواج المبكر من حقها في التعليم، وحرمتها قيود ميليشيا الحوثي من الحصول على وسائل منع الحمل بشرط موافقة الزوج، الذي لم يوافق، الأمر الذي جعلها عرضة للحمل المبكر، والوفاة المبكرة.

ثماني قابلات صحيات في محافظات صنعاء، عمران، صعدة، حجة، المحويت، ذمار، ريمة، والحديدة، يؤكدن أنّ وزارة الصحة في صنعاء ومكاتبها في هذه المحافظات والمديريات أوقفت، منذ العام 2021، تزويد المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية العامة بوسائل تنظيم الأسرة، التي كان يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، واستبدلت مسمى "قسم الصحة الإنجابية" في كل مرفق صحي بمسمى "قسم صحة الأم والطفل".

- نقص خدمات الصحة الإنجابية يهدد حياة النساء

وفي الوقت، الذي تُعاني اليمن من نقص حاد في الخدمات والكوادر الطبية، وتفتقر العديد من المستشفيات والمراكز الصحية إلى الأدوية والمعدات الأساسية، خاصة في المناطق المتضررة من الحرب، ينبّه صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن إلى أنّ "5.5 ملايين من النساء في سن الإنجاب بينهن مرضعات وحوامل يواجهن تحديات في الوصول لخدمات الصحة الإنجابية خاصة في المناطق الريفية والمديريات في الخطوط الأمامية للصراع، وفاقمت قيود الحركة على عاملات الإغاثة الإنسانية في كل المحافظات من الوضع في شمال اليمن".

مسؤول في وزارة الصحة في صنعاء يؤكد: "وجود تراجع مقلق في صحة النساء خلال السنوات الأخيرة، حيث تموت امرأة كل ساعتين أثناء الحمل والولادة، ويُعد معدل الوفيات هذا في اليمن هو الأعلى في المنطقة".

وما يجعل هذا الرقم مروّعا أكثر -بحسب المسؤول- هو أن "70% من هذه الوفيات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات، لأسباب يمكن والوقاية منها، وذلك بتوفير وسائل تنظيم الأسرة والمباعدة بين المواليد، التي كان يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان مجاناً، ومنعت الوزارة توزيعها بحُجة مخالفتها للهوية الإيمانية، كما معنت العاملات في المنظمات الإنسانية من القيام بأي نشاط توعية بالصحة الإنجابية".

- حرمان النساء من التخطيط الأسري يُفاقم الأزمة

يُعد حرمان النساء من فرص التخطيط الأسري من خلال وسائل تنظيم الأسرة عاملاً رئيسياً في ازدياد حالات الحمل غير المرغوب فيه والولادات المبكرة، ممّا يُشكل خطراً مباشراً على حياة الأمهات.

تقول الطبيبة أفراح -أخصائية في الصحة الإنجابية وتعمل مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن-: إن "الحصول على المعلومات والخدمات المتعلقة بوسائل تنظيم الأسرة هو ضرورة لتحقيق المساواة بين الجنسين".

وتُضيف أفراح: "تمكين النساء والأزواج من التخطيط للإنجاب يُتيح للنساء إكمال تعليمهن، ويساعد في بناء مستقبل أفضل لأنفسهن ولأسرهن ولمجتمعاتهن".

- قيود ميليشيا الحوثي تُعيد تفشي شلل الأطفال في اليمن

لم تنحصر قيود ميليشيا الحوثي على حرمان النساء والفتيات من حقهن في الصحة الإنجابية، فقد قيّدت ميليشيا الحوثي في صنعاء حملات التطعيم ضد الحصبة وشلل الأطفال إلى إطار المرافق الصحية الثابتة فقط، إلى جانب إيقاف خدمات التوعية الصحية لمتطوعات الصحة والتغذية في جميع المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرتها.

هذه القيود تسببت في عودة تفشي فيروس شلل الأطفال، منذ نوفمبر 2021، بعد أن كانت اليمن بلدا خالياً من تسجيل أي حالة إصابة بالفيروس وفق إعلان منظمة الصحة العالمية في 2006، وخلال الفترة من عام ٢٠٢١ إلى عام ٢٠٢٣م، أبلغ اليمن عن ٢٣٧ حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال تم رصد هذه الحالات في ١١٧ مديرية، ٩٠٪ من الأطفال المتضررين هم من فئة دون سن الخامسة، وتبيّن خريطة التوزيع الجغرافي لحالات الإصابة بفيروس شلل الأطفال تركز معظمها في المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، كما يظهر في الشكل لعدد حالات الإصابة المؤكدة في كل محافظة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

- حملات التطعيم متوقفة

تُحرم الطفلة نورا، البالغة من العمر ثلاث سنوات، من طفولتها بسبب شلل الأطفال الذي أصابها، أواخر عام 2022، لتقضي نورا أيامها حبيسة منزلها في قرية الجعملة غرب مدينة صعدة (شمال اليمن)، بينما يخيِّم الحزن على والدها لضياع مستقبل ابنته: "سأبقى أتألم طوال حياتي لرؤية ابنتي مشلولة، غير قادرة على اللعب أو الذهاب إلى المدرسة".

سنوياً، ومن عام 2015 إلى عام 2019، كان حميد صالح -أحد موظفي التطعيم في المستشفى الجمهوري بمدينة صعدة- يشارك في حملات التحصين ضد شلل الأطفال في القرى الريفية حول مدينة صعدة، وكان فريقه يغطي 40-50 أسرة يومياً خلال حملات التطعيم، التي تستمر لثلاثة أيام.

يقول حميد: "منذ عام 2021، تم وقف حملات التحصين من منزل إلى منزل، وتراجعت أعداد الأطفال الذين يتلقون جرعات التطعيم في المستشفى بشكل كبير".

يُؤكّد ذلك بالأرقام، فـ"خلال الفترة من يناير إلى مايو 2024، تم توثيق 4 حالات إصابة جديدة بشلل الأطفال في مدينة صعدة، كما استقبل المستشفى الجمهوري 97 طفلاً مصاباً بالحصبة والحصبة الألمانية، توفي منهم 5 أطفال وصلوا في حالة حرجة، ولم تفلح الجهود في إنقاذ حياتهم".

- معلومات مضللة تُعيق الجهود الصحية

يُشير حميد إلى أنّ جميع الأطفال المصابين لم يتم تطعيمهم، وأنّ أسرهم وقعت ضحية معلومات مضللة وشائعات في أوساط المجتمعات الريفية حول "عدم أمان اللقاحات"، و"تسببها بالعقم".

تزامن ذلك مع توقف مكتب الصحة العامة والسكان عن تنفيذ أنشطة التوعية الصحية، التي كانت تنفذها متطوعات الصحة والتغذية بالتعاون مع منظمات الإغاثة في قرى وعُزل محافظة صعدة.

- تواطؤ ميليشيا الحوثي في ترويج الشائعات ضد تحصين الأطفال

لم تقتصر مسؤولية نشر المعلومات المضللة على التعبئة الشعبوية في المجتمعات المحلية، بل شاركت حكومة ميليشيا الحوثي أيضاً في تغذية هذه الشائعات.

                              

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
رئيس منظمة الأسرى: الحوثيون حوّلوا السجون إلى "شركات استثمارية" ويُفشلون المفاوضات

في سجون مليشيا الحوثي الإرهابية، يتحول الأمل إلى يأس، والحياة إلى عذاب، حيث يتعرض آلاف الأبرياء لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات. تقرير جديد يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الأسرى والمختطفون في اليمن، حيث مشاهدة المزيد