أثار امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار وقف إطلاق النار في غزة، جدلا واسعا بسبب تغيّر سياستها تجاه الكيان الإسرائيلي.

ويأتي تبنّي مجلس الأمن الدولي الذي صدر أمس الأول الإثنين25 مارس، قرارا يطالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، بعد أكثر من خمسة أشهر من العدوان الإسرائيلي المدمّر على قطاع غزة.

وامتنعت واشنطن عن التصويت بعدما عطّلت محاولات سابقة لإصدار قرار عبر اللجوء إلى حق النقض، لكنها أظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات تدل على تحوّل موقفها من حكومة نتنياهو.

التصويت والقطيعة

صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة للمرة الأولى منذ بدء الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس، بعد أن أسقطت الولايات المتحدة تهديدها باستخدام حق النقض، مما دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى عزلة شبه كاملة على المسرح العالمي.

وتمثّل نتيجة التصويت أقوى مؤشر على تنافر علني بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ بدء الحرب.

ورغم امتناع الولايات المتحدة، صوّت أعضاء المجلس الـ14 الآخرون لصالح قرار وقف إطلاق النار قدّمه أعضاء المجلس العشرة المنتخبين الذين أعربوا عن إحباطهم إزاء الجمود الذي دام أكثر من خمسة أشهر بين القوى الكبرى.

وعقب إعلان تبنّي القرار اندلع التصفيق في القاعة بعد التصويت.

وطالب النص بـ”وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان يؤدّي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار”.

ومباشرة بعد التصويت، علّق رئيس وزراء الكيان نتنياهو بالقول إنّ واشنطن “تخلّت عن سياستها في الأمم المتحدة” مع امتناعها عن التصويت يوم الاثنين.

وأضاف أنّ هذه الخطوة أعطت الأمل لحماس بالتوصّل إلى هدنة دون التخلّي عن الرهائن، وبالتالي “الإضرار بكلّ من المجهود الحربي والجهود المبذولة لإطلاق سراح الرهائن”.

وفي أول ردّ عملي، ألغى مكتب نتنياهو زيارة لاثنين من وزرائه إلى واشنطن، بهدف مناقشة الهجوم الإسرائيلي المخطط له على مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، والذي تعارضه الولايات المتحدة.

وقال البيت الأبيض إنّه يشعر “بخيبة أمل كبيرة” إزاء القرار.

من جانبه، أكّد المتحدّث باسم البيت الأبيض جون كيربي أنّ تصويت الأمم المتحدة لا يمثّل تحوّلا في سياسة الولايات المتحدة، لكن القرار يشير إلى قطيعة كبيرة بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية.

المحتل في عزلة

في معرض تعليقها على القرار الأمريكي وتداعياته على علاقة واشنطن بتل أبيب، قالت الغارديان إنّ عزلة الحكومة الإسرائيلية تأكّدت بشكل أكبر، عندما نشرت صحيفة إسرائيل هايوم، الاثنين، مقابلة مع دونالد ترامب، الحليف السياسي المقرّب لنتنياهو، قال فيه متوجّها إليه بالقول: “عليك إنهاء حربك”.

وأضاف ترامب: “على إسرائيل أن تكون حذرة للغاية، لأنك تخسر الكثير من العالم، وتخسر الكثير من الدعم”.

ووفق الغارديان، جاء امتناع الولايات المتحدة عن التصويت بعد ثلاث مرات من استخدام حق النقض ضد قرارات سابقة لوقف إطلاق النار (أكتوبر ديسمبر فيفري).

وحسب المصدر ذاته، يمثّل الامتناع عن التصويت اتّساعا كبيرا في الخلاف مع حكومة نتنياهو، ويعكس الإحباط المتزايد في واشنطن من إصرار رئيس الوزراء المتحدي على أنّ القوات الإسرائيلية ستمضي قدما في هجوم رفح، ومن العوائق الإسرائيلية المستمرة لإيصال المساعدات الإنسانية.

وبعد قرار مجلس الأمن، من المتوقّع أن يقدّم خبير حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء، تقريرا يدعو إلى فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، على أساس أنّها ارتكبت أعمال “إبادة جماعية” في غزة.

وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، في تقريرها، الذي اطّلعت عليه صحيفة الغارديان، إنّ هناك “أسبابا معقولة” للاعتقاد أنّ إسرائيل تنفّذ ثلاثة من الأعمال الخمسة التي تم تعريفها على أنّها إبادة جماعية.

صوت أمريكي يزداد “قسوة”

وعن الفيتو الأمريكي، كشفت قناة “كان الإسرائيلية” عن “مصدر مطّلع” على المحادثات بين الإدارة الأمريكية و”إسرائيل” أنّه خطوة بمثابة رفع “بطاقة صفراء.

وأضافت أنّ امتناع واشنطن عن استخدام “الفيتو” يعكس انتقادا آخذا بالتزايد بشأن السياسة الإسرائيلية، في ظل الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من 5 أشهر.

بدورها، نقلت صحيفة “معاريف” عن رئيس حزب “نوعام” آفي ماعوز قوله: “نحن في أيام مصيرية، الأمم المتحدة والولايات المتحدة اختارتا الوقوف في طريق إسرائيل في حربها”.

وتقول تقارير إنّ الخلافات بين الولايات المتحدة وحكومة الاحتلال بشأن غزّة تتزايد في ظل غياب رؤية لتحديد تاريخ إنهاء الحرب، بالإضافة إلى تصاعد المخاطر باتساع رقعة الصراع إقليميا.

وكانت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس كشفت في مقابلة مع شبكة “ABC News” عن “نفاد صبر الرئيس جو بايدن” من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

وفي سياق تحوّل الموقف الأمريكي، قال الكاتب غيوم دي ديولوفو في مقال نشر بصحيفة لوفيغارو إنّ “إسرائيل” المنخرطة في أطول حرب في تاريخها تتعرّض بشكل متزايد لخطر العزلة على الساحة الدولية.

وأوضح الكاتب أنّ المحتل الإسرائيلي أصبح يلوم بشدة الحلفاء الغربيين خاصة أمريكا التي يزداد صوتها قسوة.

ويقول الكاتب إنّ واشنطن أظهرت في البداية تعاطفا كبيرا مع الإسرائيليين بعد هجوم السابع من أكتوبر كما قدّمت دعما عسكريا حيويا، لكن مع مرور أيام الحرب خاصة بعد ما يعرف بمجزرة الطحين التي استشهد فيها حوالي 100 شخص أحاطوا قافلة مساعدات إنسانية في غزة على يد القوات الإسرائيلية، تغيّر الموقف الأمريكي.

ويؤكّد غيوم دي ديولوفو إنّ عددا متزايدا من الدول الغربية تسير في خطى واشنطن، فبريطانيا التي سبق لها أن اتّخذت إجراءات ضد المستوطنين، تهدّد الآن إسرائيل بفرض حظر عسكري، وهو ما قرّرته كندا وكذلك إيطاليا وهولندا وفرنسا ثم قبل أيام الاتحاد الأوروبي.