مستقبل العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية السياسية في اليمن إلى الهاوية..

دراسة بحثية تدق جرس إنذار لتنبيه الأطراف اليمنية إلى خطورة الوضع وضرورة العمل على استعادة العملية الديمقراطية قبل فوات الأوان

2024-02-19 05:26:20 أخبار اليوم/ متابعات خاصة

 

  

أشارت دراسة بحثية جديدة أن مستقبل العملية الديمقراطية والتعددية الحزبية في البلاد لا يزال قاتما، معتبراً إياها مهددة بعوامل ذاتية وظرفية متشابكة.

وأظهرت الدراسة التي أعدها الباحث اليمني أنور الخضري، أن العملية الديمقراطية والتعددية الحزبية في اليمن تواجه صعوبات بسبب عوامل داخلية وخارجية متعددة، ما يشكل خطراً على العملية السياسية برمتها إذا لم يتم التصدي لهذه التحديات بفعالية.

وركزت الدراسة على تحليل المسار الديمقراطي والتعددي في اليمن منذ عام 2014، مُسلطة الضوء على الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد والتي أثرت بشكل كبير على البنية الديمقراطية.

وشدد المركز في دراسته على أهمية استعادة نشاط الأحزاب اليمنية على الساحة السياسية، مع تعزيز العمل الحزبي والتعبئة الميدانية لتحقيق تقدم في مجال الديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية.

وذكرت الدراسة عوامل ذاتية أدت إلى إفراغ العملية الديمقراطية من محتواها.

وقالت إن حزب المؤتمر الشعبي العام، وعجز الأحزاب التاريخية عن استقطاب جماهير جديدة، وتوجه بعض الشباب نحو القوة أو المال كوسائل للوصول إلى الحضور السياسي، وسيطرة الميليشيات والفلتان الأمني على المناطق المحررة، بالإضافة إلى تجميد وتعطيل مجلس النواب.

 

أما على صعيد العوامل الظرفية، فتسلط الدراسة الضوء على الردة العامة عن ثورات الربيع العربي، والصراعات الإقليمية، خصوصًا بين السعودية وإيران، والمخاوف من الحركات والجماعات الإسلامية، وهيمنة القوى المستبدة على المشهد العام.

 

وحذرت الدراسة من أن انخراط بعض الأحزاب في الاحتراب، وفشلها في كسب ثقة المجتمع، يُهدد مستقبلها بشكلٍ مباشر.

 

ولم تقتصر الدراسة على رسم صورة قاتمة فحسب، بل قدمت مجموعة من التوصيات لإنقاذ العملية الديمقراطية، فقد حثت الأحزاب السياسة على إعادة بناء مناهجها وأدبيَّاتها بما يتناسب مع المرحلة القائمة بكلِّ أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية واستعادة نشاطها الإعلامي وحضورها على وسائل الإعلام، والاتصال بالجماهير في الداخل عبر منافذ وقنوات إعلامية مختلفة.

 

كما أكدت الدراسة على أهمية استعادة دور مجلس النوَّاب بشكل عاجل، وتفعيله على مستوى المسار الديمقراطي والسياسي، والاتِّفاق على صيغة انعقاد مقبولة دستوريًّا وقانونيًّا في ظلِّ الظروف الاستثنائية.

 

وشددت الدراسة على ضرورة نبذ خطاب الكراهية واستنكار ممارسات الميليشيَّات المسلَّحة بشكل واضح وصريح ومستمر، من خلال ثقافة حزبية تعمَّم على الأعضاء والمناصرين.

 

ودعت الدراسة الأحزاب إلى الضغط على الدول الكبرى، والدول الإقليمية المتدخِّلة في اليمن، في سبيل استعادة العملية الديمقراطية والتعدُّدية السياسية، والتزام هذه الدول بتعهداتها بهذا الشأن.

 

وتسعى الدراسة إلى تقديم خارطة طريق للأحزاب اليمنية للعب دور فاعل في إعادة بناء الدولة وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، كما يُمكن اعتبارها بمثابة جرس إنذار يدق لتنبيه الأطراف اليمنية إلى خطورة الوضع، وضرورة العمل على استعادة العملية الديمقراطية قبل فوات الأوان.

 

أخبار اليوم تعيد نشر الدراسة للأهمية

في 22 مايو 1990م، جرى الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية، وذلك باتِّحاد كياني الجمهورية العربية اليمنية (شمال) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب) في كيان واحد، مِن خلال اتِّفاق وقَّعت عليه قيادة النظامين في الشطرين، بزعامة علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض، ونصَّ على تشكيل مجلس رئاسي مِن خمسة أعضاء، ومجلس نوَّاب يضمُّ مجلسي: الشورى (شمال) والشعب (جنوب)، بالإضافة إلى (31) عضوًا يقوم بتعيينهم المجلس الرئاسي؛ وعلى أن تكون الفترة الانتقالية عامين وستَّة أشهر.

وفي 15- 16 مايو 1991م، جرى الاستفتاء على دستور دولة الوحدة، والذي نصَّ في المادَّة (4) على أنَّ: "الشعب مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعن طريق المجالس المحلِّية المنتخبة". كما نصَّ في المادة (39) على أنَّ "للمواطنين في عموم الجمهورية، بما لا يتعارض مع نصوص الدستور، الحقُّ في تنظيم أنفسهم سياسيًّا ومهنيًّا ونقابيًّا، والحقُّ في تكوين المنظَّمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتِّحادات الوطنية، بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحقَّ، كما تتَّخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكِّن المواطنين مِن ممارسته، وتضمن كافَّة الحرِّيات للمؤسَّسات والمنظَّمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية" .

وهو ما مثَّل خطوة نحو العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية، التي جرى اعتمادها بشكل أوضح ومباشر في التعديلات الدستورية (1994م)، في المادة (5)، حيث نصَّت على أن "يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعدُّدية السياسية والحزبية، وذلك بهدف تداول السلطة سلميًّا، وينظِّم القانون الأحكام والإجراءات الخاصَّة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية، وممارسة النشاط السياسي، ولا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصَّة بحزب أو تنظيم سياسي معيَّن".

غير أنَّ "قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية"، رقم (66)، صدر في وقت مبكِّر على التعديلات، وذلك في 17 أكتوبر 1991م، ما أسهم في الدفع بنشوء وتأسيس أحزاب وتنظيمات سياسية عديدة في الساحة اليمنية. وقد مثَّل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية في تلك المرحلة مكسبًا ديمقراطيًّا وسياسيًّا للمجتمع اليمني، والنظام السياسي في اليمن، بما يخلقه مِن بيئة تنافسية حرَّة ونزيهة بين أحزاب وتنظيمات تأخذ الطابع الوطني اليمني، وتتقيَّد بالعمل السياسي السلمي لصالح تقديم برامج وأنشطة ومشاريع تخدم المصلحة العامَّة وعموم المواطنين.

غير أنَّ هذا الواقع اليمني شابته عدَّة اختلالات، ومظاهر قصور في التطبيق مِن قبل الحزب الحاكم وبقيَّة الأحزاب، ما دفع إلى انسداد الأفق السياسي ودخول اليمن في حرب شاملة عام 1994م، ثمَّ لاحقًا قيام ثورة شعبية في عام 2011م. وعوضًا عن الحفاظ على المسار الديمقراطي باعتباره مكسبًا سياسيًّا أجمعت عليه مختلف القوى اليمنية، واستكمال المرحلة الانتقالية عقب الانتهاء مِن مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013م/2014م)، عمدت قوى الانقلاب على وأد المسار السياسي السلمي واعتماد العنف المسلَّح كوسيلة ونهج لتحقيق الأهداف السياسية في 21 سبتمبر 2014م.

هذه الورقة تستعرض واقع المسار الديمقراطي والعمل الحزبي في اليمن منذ عام 2014م، وتستشرف مستقبل العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية في ظلِّ نتائج الصراع الذي طغى على المشهد اليمني منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014م.

 

الديمقراطية والتعدُّدية السياسية قبل الوحدة:

حُكم اليمن الشمالي قبل قيام النظام الجمهوري، برؤية "ثيوقراطية"، تصبغ الحاكم بنوع مِن القداسة الدينية، وبنظرة "مذهبية" تستند إلى الدين، ولا ترى بأحقِّيَّة الشعب في السلطة، أو بتمثيل نفسها فيها، وبالتالي فلم يعرف اليمن الشمالي مفهوم الحقوق والحرِّيات السياسية المعاصر، ولم يشهد وجود أحزاب وتنظيمات سياسية في ظلِّ حكم الأئمَّة الزيديين، في المملكة المتوكِّلية.

ومع قيام ثورة 26 سبتمبر وإعلان النظام الجمهوري، بمساندة جمهورية مصر العربية، بدأ الحديث عن الشعب كمالك أصيل للسلطة، وعن حقوقه وحرِّياته، العامَّة والخاصَّة، في إطار دساتير حاكمة صدرت تباعًا في ظروف متحرِّكة ومضطربة. وبدأ النصُّ على أنَّ اليمن دولة ديمقراطية، وعلى مسألة تمثيل الشعب في مجلس نيابي، يندرج في تلك الدساتير.

أمَّا اليمن الجنوبي فقد عرف في ظلِّ الاحتلال البريطاني قدرًا مِن الترتيبات الدستورية والقانونية، كفل بعضها شيئًا مِن الحقوق والحرِّيات، العامَّة والخاصَّة، التي لا تتعارض مع شرعية الاحتلال القائم وسلطاته. وقد عرَفت عدن في وقت مبكِّر النقابات والاتِّحاد والصحافة والنشر والمظاهرات والمجالس التشريعية.

في الشمال، نصَّ دستور الجمهورية العربية اليمنية الدائم، والصادر عام 1964م، على ديمقراطية الدولة في المادة (1)، الباب الأوَّل، على أنَّ: "اليمن دولة إسلامية عربية، مستقلَّة، ذات سيادة، وهي جمهورية ديمقراطية،.." ؛ لكنَّه نصَّ في المادة (154) على أنَّ: "يشكِّل المواطنون تنظيمًا شعبيًّا للعمل على تحقيق الأهداف التي قامت مِن أجلها الثورة، ولحثِّ الجهود لبناء الأمَّة بناءً سليمًا" . كما نصَّ الإعلان الدستوري المؤقَّت للجمهورية العربية اليمنية، والصادر عام 1965م، على ذات المعنى، في المادة (1)، الباب الأوَّل، على أنَّ: "اليمن دولة عربية إسلامية، مستقلَّة، ذات سيادة، وهي جمهورية ديمقراطية، برلمانية،.." ؛ كما نصَّ في المادة (23) على أنَّ: "يؤلِّف المواطنون تنظيمًا شعبيًّا سياسيًّا، يتولَّى حشد القوى الشعبية لحماية الثورة والمبادئ الأساسية للدستور وتحقيق أهداف الثورة في تقدُّم الشعب وحرِّيَّته ووحدته ورفاهيته"؛ و"يسمَّى التنظيم الشعبي السياسي (المؤتمر الشعبي العام)"، بحسب المادة (24) . وكفل الإعلان حقَّ إنشاء النقابات (مادة: 61)، وحقَّ التجمُّعات والتظاهرات (مادة: 62)، وحقَّ إنشاء المنظَّمات الثقافية والاجتماعية والتعاونية والعلمية (مادة: 63) .

الأمر ذاته تقريبًا تكرَّر في الدستور المؤقَّت الصادر عام 1967م.

أمَّا دستور الجمهورية العربية اليمنية، الصادر عام 1970م، فقد خلا مِن مصطلح "الديمقراطية"، في المادة (1)، على أنَّ: "اليمن دولة عربية إسلامية، مستقلَّة، ذات سيادة، وهي جمهورية شوروية نيابية،.." ، وحظر في مقابل ذلك "الحزبية بجميع أشكالها" (المادَّة: 37) . وقيَّد حريَّة تشكيل الجمعيات والنقابات كما في المادة (38)، حيث نصَّ على أنَّ: "حرِّية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية سليمة، مكفولة وفقًا للشروط والأوضاع التي يبيِّنها القانون"، وجرى تغيير في مفهوم المظاهرات والاحتجاجات، كما جاء في نصَّ المادة (39): "للأفراد حقُّ الاجتماع دون حاجة لإذن، أو إخطار سابق، والاجتماعات العامَّة والمواكب والتجمُّعات مباحة، وفقًا للشروط والأوضاع التي يبيَّنها القانون" .

في الجنوب، صدر دستور "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، عام 1970م، وقد جاء في الباب الأوَّل، المعنون بـ"أسس النظام الوطني الديمقراطي الاجتماعي ونظام الدولة"، في الفصل الأوَّل، المادة (1)، ما يلي: "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية جمهورية ديمقراطية شعبية، ذات سيادة، وتسعى لتحقيق اليمن الديمقراطي الموحَّد". وفي المادة (7)، نصَّ الدستور على أن يمارس الشعب الكامل كلَّ السلطة السياسية، مانحًا الطبقة العاملة وصف "الطبقة القيادية في المجتمع"، ومعتبرًا "تنظيم الجبهة القومية"، قائد النشاط السياسي بين الجماهير وضمن المنظَّمات الجماهيرية "على أساس الاشتراكية العلمية"، بطريقة تستكمل فيها "الثورة الوطنية الديمقراطية المنتهجة الطريق غير الرأسمالي. كما نصَّ في المادة (9) على أن: "يمارس الشعب العامل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سلطته السياسية، بواسطة مجالس الشعب المنتخبة بطريقة ديمقراطية وحرَّة. وتشكَّل مجالس الشعب على أساس انتخابات حرَّة عامَّة ومتساوية ومباشرة، وبمقتضى قانون الانتخابات"، و"يخضع تنظيم سلطة الدولة وإدارتها لمبادئ المركزية الديمقراطية" (المادة: 11)، و"تعمل الدولة على إيجاد ظروف مناسبة لإقامة يمن ديمقراطي موحَّد،.." (المادة: 12). وفي العموم فقد كان مصطلح "الديمقراطية" حاضرًا بكثرة في ذلك الدستور.

غير أنَّ الشطرين -الشمال والجنوب- مارسا الحكم الشمولي، رغم حديثهم عن الديمقراطية، وعن جملة مِن الحقوق والحرِّيات المتَّصلة بالتعليم والعمل والرأي وتشكيل المنظمات والنقابات والتنقُّل وغير ذلك، على تفاوت في الصياغة والحدود. فلم يسمح نظاما الشطرين -الشمال والجنوب- بتعدُّد الأحزاب والتنظيمات السياسية، وبالتالي فلم تكن هناك معارضة سياسية حزبية وتداول سلمي للسلطة.

 

مكسب سياسي وحل نظري:

تواطأت تصريحات معظم رموز وقيادات القوى السياسية والاجتماعية اليمنية على اعتبار العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية مكسبًا لليمن، وذلك في ظلِّ التعدُّد السياسي والفكري الذي ساد اليمن منذ منتصف القرن العشرين، وخلق طيفًا واسعًا مِن التباينات والاختلافات التنظيمية والفكرية والحركية، وغلبة الصراعات ودوَّامات العنف في التنافس بينها، والتي بلي اليمن بها، منذ عام 1962م وحتَّى عام 1990م. فقد حَسَم هذا الخيار السلمي -نظريًّا- الرؤى الشمولية لدى تلك القوى والأحزاب باعتمادها الطرق السلمية وسيلة للوصول إلى السلطة، وجعل التنافس الحزبي يقوم على مبدأ العلنية والحركة الحرَّة واختيار الجماهير لمـَن يمثِّلها عن قناعة ورضا، بعيدًا عن العنف والتصفيات ونزاع الأجنحة.

وقد نصَّ "قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية"، رقم (66) لعام 1991م، على أنَّ "الحرِّيات العامَّة، بما فيها التعدُّدية السياسية والحزبية القائمة على الشرعية الدستورية، حقٌّ وركن مِن أركان النظام السياسي والاجتماعي للجمهورية اليمنية، ولا يجوز إلغاؤه أو الحدُّ مِنه أو استخدام أيَّة وسيلة تعرقل حرِّية المواطنين في ممارسة هذا الحقِّ، كما لا يجوز لأيِّ حزب أو تنظيم سياسي إساءة ممارسة هذا الحقِّ بما يتعارض مع مقتضيات المصلحة الوطنية في صيانة السيادة والأمن والاستقرار والوحدة الوطنية"، مادة (3). وأكَّد على أنَّ "لليمنيين حقُّ تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية،.. وحقُّ الانتماء الطوعي لأيِّ حزب أو تنظيم سياسي، طبقًا للشرعية الدستورية وأحكام هذا القانون"، مادة (5).

وقيَّد القانون ممارسة هذه الأحزاب والتنظيمات بالوسائل السلمية والديمقراطية، "يمارس الحزب أو التنظيم السياسي نشاطه بالوسائل السلمية والديمقراطية لتحقيق برامج محدَّدة ومعلنه تتعلَّق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجمهورية، وذلك عبر المساهمة في الحياة السياسية والديمقراطية، لضمان تداول السلطة أو المشاركة فيها سلميًّا، عن طريق الانتخابات العامَّة الحرَّة النزيهة"، مادة (6). وأكَّد في المادة (7) على أنَّ الأحزاب "تنظيمات سياسية وطنية وشعبية وديمقراطية، تعمل على تنظيم المواطنين وتمثيلهم سياسيًّا".

واشترط القانون لتأسيس أيِّ حزب أو تنظيم سياسي، ولاستمراره في ممارسة أنشطته ما يلي :

أوَّلًا: عـدم تعارض مبادئه وأهدافه وبرامجه ووسائله مع:

1-     الدين الإسلامي الحنيف.

2-     سيادة واستقلال الوطن ووحدته أرضًا وشعبًا.

3-     النظام الجمهوري وأهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر ودستور الجمهورية.

4-     الوحدة الوطنية للمجتمع اليمني.

5-     الحرِّيات والحقوق الأساسية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان.

6-     الانتماء القومي العربي والإسلامي للمجتمع اليمني.

 

ثانيًا: عدم تطابق برنامج الحزب أو التنظيمات السياسية مع برامج الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى عند التقدُّم بطلب تأسيسه، وذلك فيما يتعلَّق بالسياسات التي يعتمد عليها في تحقيق أهدافه في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

ثالثًا: أن يكون له نظام داخلي، وبرنامج عمل سياسي، مقرَّين مِن أعضائه عند التقدُّم بطلب التأسيس.

 

رابعًا: عدم قيام الحزب أو التنظيم السياسي على أساس مناطقي أو قبلي أو طائفي أو فئوي أو مهني أو التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون.

 

خامسًا: عدم قيام الحزب أو التنظيم السياسي على أساس مناهض للدين الإسلامي، أو على أساس تكفير الأحزاب أو التنظيمات السياسية الأخرى، أو المجتمع وأفراده، أو الادِّعاء بالتفرُّد بتمثيل الدين أو الوطنية أو القومية أو الثورة.

 

سادسًا: يحظر على الحزب أو التنظيم السياسي الآتي:

1-     ‌إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، أو المساعدة في إقامتها.

2-     استخدام العنف بكل أشكاله، أو التهديد به، أو التحريض عليه.

3-     أن تتضمَّن برامجه أو نشراته او مطبوعاته ما يحرِّض على العنف، أو إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، علنية او سرِّية.

 

سابعًا: ألَّا يكون الحزب أو التنظيم السياسي تابعًا لأيِّ حزب أو تنظيم سياسي أو دولة أجنبية، ويحقُّ لأيِّ حزب أو تنظيم سياسي إقامة علاقات ثنائية متكافئة مع أيِّ حزب أو تنظيم سياسي غير يمني، وبما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، ونصوص الدستور والقوانين النافذة.

 

ثامنًا: علانية مبادئ وأهداف ووسائل الحزب أو التنظيم السياسي وتشكيلاته وقيادته.

 

تاسعًا: قيام الحزب أو التنظيم السياسي على أساس وطني، بحيث لا تحصر العضوية في منطقة جغرافية معينة.

 

تطوُّر الخارطة الحزبية حتَّى 2011م:

في ضوء دستور الوحدة وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، شهدت اليمن إعلان وظهور عدد كبير مِن الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت تعمل بالخفاء والسرِّ. وأفرزت الساحة طيفًا واسعًا مِن تلك الأحزاب المختلفة على مستوى اليمن عمومًا. وقد بدأ الإعلان عن الأحزاب والتنظيمات السياسية في وقت سابق لصدور قانون الأحزاب (1991م)، فقد كانت معظم الأحزاب السياسية موجودة بالأساس منذ عقود، ونشطة في مجال الحركة والتنسيب. وكان إعلان تلك الأحزاب عن وجودها مِن منطلق فرض التعدُّدية السياسية في ضوء التحوُّل الذي دشَّنه اتِّفاق الوحدة، حيث جرى طرح عدَّة خيارات لمعالجة الوضع الحزبي القائم، وهي:

-       دمج الحزبين الحاكمين في حزب واحد، سواء بوجود التعدُّدية السياسية أو بدونها، فقد صرَّح الرئيس الأسبق، علي عبدالله صالح، في حينه، أنَّه فيما يخصُّ اندماج الحزبين "فإنَّ ذلك متروك للقرارات التي سيفرزها المؤتمر العام الخامس للمؤتمر الشعبي العام، والمؤتمر القادم للحزب الاشتراكي اليمني، وفي إطار العملية الديمقراطية التي يمارسها أعضاؤهما، ويبقى مثل هذا الأمر محتملًا وقائمًا على ضوء المداولات والمناقشات التي ستدور في المؤتمرين" .

-       بقاء الحزبين الحاكمين وفتح المجال لتعدُّدية حزبية شاملة.

-       حلُّ الحزبين الحاكمين "المؤتمر" و"الاشتراكي"، وترك الحرِّية لقيام أحزاب وتنظيمات سياسية جديدة.

-       تأليف جبهة وطنية عريضة تضم "المؤتمر" و"الاشتراكي" والقوى الوطنية المؤمنة بأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر، في إطار تنظيم سياسي واحد، مع احتفاظ كلِّ هذه القوى باستقلالها ضمنًا .

"لكنَّ التيَّار الشمالي في الحزب الاشتراكي اليمني عارض الدمج، وقاتل للدفاع عن التعدُّدية" .

وكان مِن أبرز تلك الأحزاب التي أعلنت عن كياناتها في تلك الفترة :

1-     المؤتمر الشعبي العام:

تأسَّس الحزب في 24 أغسطس 1982م، كمظلَّة جامعة لكلِّ القوى السياسية في الشطر الشمالي (قبل الوحدة)، وتنظيم سياسي حاكم في الشطر الشمالي حتى 22 مايو 1990م.

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 26 نوفمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 31 ديسمبر 1995م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى في 1993م وفاز بـ(123) مقعدًا مِن إجمالي مقاعد مجلس النوَّاب (301)؛ كما شارك في الانتخابات النيابية الثانية في 1997م وفاز بـ(226) مقعدًا في مجلس النوَّاب. كما شارك في الانتخابات النيابية الثالثة في 2003م وفاز بـ(229) مقعدًا.

تقاسم الحزب السلطة مع الحزب الاشتراكي اليمني منذ قيام الوحدة في 22 مايو 1990م وحتَّى 27 أبريل 1993م، ثمَّ شارك في حكومة ائتلاف ثلاثية مع الحزب الاشتراكي اليمني والتجمُّع اليمني للإصلاح، مِن مايو 1993م وحتَّى يوليو 1994م، ثمَّ شارك في حكومة ائتلاف ثنائية مع التجمُّع اليمني للإصلاح مِن يوليو 1994م وحتَّى أبريل 1997م؛ ثمَّ استفرد بالسلطة والحكم حتَّى عام 2011م. وللحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الميثاق"، بالإضافة إلى صحف أخرى.

2-     الحزب الاشتراكي اليمني:

وهو حزب يساري تأسَّس عام 1978م كامتداد للجبهة القومية وفصائل يسارية أخرى، مؤمنة بالفكر الاشتراكي الماركسي في الساحة اليمنية؛ وكان هو الحزب الحاكم في الشطر الجنوبي حتَّى عام 1990م. وقد تعرَّض الحزب في مسيرته لموجات مِن صراع الأجنحة، كان أخرها في 13 يناير 1986م.

أسهم الحزب في قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، وتقاسم السلطة مع المؤتمر الشعبي العام منذ 22 مايو 1990م وحتَّى 27 أبريل 1993م، ثمَّ شارك في السلطة منذ 27 أبريل 1993م مع كلٍّ مِن المؤتمر الشعبي العام والتجمُّع اليمني للإصلاح؛ وسرعان ما خطَّط للانقلاب على الوحدة عام 1994م، بتفجير الأوضاع العسكرية في 7 يوليو 1994م، وإعلان انفصال الجنوب في الذكرى الرابعة للوحدة.

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 11 ديسمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 15 سبتمبر 1996م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م وفاز بـ(56) مقعدًا في مجلس النوَّاب. ولم يشارك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، وأعلن مقاطعته لها. وشارك في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م، وفاز بـ(7) مقاعد في مجلس النوَّاب. للحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الثوري".

3-     التجمع اليمني للإصلاح:

وهو حزب إسلامي، تشكَّل امتدادًا للحركة الإسلامية في اليمن، والتي برزت منذ عام 1948م في المشهد السياسي.

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 23 ديسمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 20 يناير 1996م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابيَّة الأولى عام 1993م وفاز بـ(62) مقعدًا، كما شارك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م وفاز بـ(54) مقعدًا؛ ثمَّ شارك في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م وفاز بـ(45) مقعدًا.

شارك الحزب في حكومة ائتلاف ثلاثية عقب انتخابات عام 1993م وحتَّى يوليو 1994م، كما شارك في حكومة ائتلاف ثنائية مع المؤتمر الشعبي العام من يوليو 1994م وحتَّى أبريل 1997م. وللحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الصحوة". 

4-     الأحزاب الناصرية:

مثَّل الرئيس المصري، جمال عبدالناصر، رمزية لكثير مِن القوميين العرب، ومع صعود نجم مصر في زمنه أصبح الكثير مِن اليمنيين ينظرون لجمال عبدالناصر كزعيم قومي، خصوصًا بعد تدخُّله في اليمن لدعم الثورة ضدَّ حكم الأئمَّة الزيديين، وبدأ يتشكَّل تيَّار "ناصري" في اليمن منذ ستينيَّات القرن الماضي، خصوصًا في صفوف ضبَّاط الجيش. وقد تمكَّن المقدَّم إبراهيم الحمدي، ذو الميول الناصرية، مِن الوصول للسلطة في 13 يونيو 1974م، غير أنَّه جرى اغتياله في 11 أكتوبر 1977م. تلقَّى التنظيم لاحقًا ضربة قاصمة بعد صعود علي عبدالله صالح للحكم، وضربه للتنظيم تحت مبرِّر محاولة الانقلاب عليه. ومِن أهمِّ الأحزاب الناصرية التي جرى الإعلان عنها عقب الوحدة:

أ‌-       التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري:

تأسَّس الحزب في ستينيَّات القرن الماضي، وتقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 25 ديسمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 4 فبراير 1996م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م وفاز بمقعد واحد، وشارك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م وفاز بثلاثة مقاعد، كما فاز في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م بثلاثة مقاعد في مجلس النوَّاب. وللحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الوحدوي".

ب‌-     الحزب الناصري الديمقراطي:

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 28 نوفمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 31 ديسمبر 1995م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م وفاز بمقعد واحد في مجلس النوَّاب، ولم يفز بأيِّ مقعد في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، والانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م.

5-     الأحزاب البعثية:

تأسَّس حزب البعث العربي في المنطقة في خمسينيَّات القرن الماضي، وتمكَّن مِن الوصول إلى السلطة في كلٍّ مِن العراق وسوريَّا، وتشكَّل نظامان بعثيَّان حاكمان في كلٍّ مِن بغداد ودمشق. ومع وجود ضبَّاط وجنود يمنيين مبتعثين في كلٍّ مِن العراق وسوريا انتقلت أفكار الحزب لليمن وتشكَّل تيَّار بعثي عريض، عبَّر عن نفسه بعد قيام الوحدة عام 1990م في حزبين هما:

أ‌-       حزب البعث العربي الاشتراكي القومي:

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 18 أكتوبر أغسطس 1996م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 10 فبراير 1997م. شارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م، قبل أن ينقسم، وفاز بسبعة مقاعد في مجلس النوَّاب. ثمَّ شارك عقب الانقسام في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، ولم يفز بأيِّ مقعد، وكذلك شارك في انتخابات عام 2003م النيابية الثالثة ولم يفز بأيِّ مقعد. كان للحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الإحياء العربي". ويتبع حزب البعث العربي الاشتراكي القومي في اليمن حزب البعث العربي في الجمهورية العراقية.

ب‌-     حزب البعث العربي الاشتراكي:

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 26 أغسطس 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 31 ديسمبر 1995م. وشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م، قبل أن ينقسم، وفاز بسبعة مقاعد في مجلس النوَّاب. كما شارك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، وفاز بمقعدين اثنين. كما فاز في انتخابات عام 2003م النيابية الثالثة بمقعدين اثنين. كان للحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الجماهير". ويتبع حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن حزب البعث العربي في الجمهورية السورية.

6-     الأحزاب الزيدية:

ظلَّ المذهب الزيدي مذهبًا سياسيًّا بامتياز، فقد كان الأئمَّة الزيديُّون ينادون إلى الخضوع إلى سلطانهم، ويعملون على تشكيل دولهم مِن منطلق أحقِّيَّتهم في الحكم. ومع نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962م، وقيام نظام جمهوري، أصبحت الأسر الهاشمية خارج السلطة، ما دفع كثيرًا مِن هذه الأسر للعودة إلى ممارسة العمل السياسي عقب إطلاق الحرِّيات السياسية والتعدُّدية السياسية، وهنا برز خطَّان في البيئة الزيدية والأسر الهاشمية، خطٌّ تقليدي وخطٌّ تقدُّمي، وكان لكلٍّ مِنهما حزبه الخاص به. فمن ذلك:

أ‌-       اتِّحاد القوى الشعبية:

يتبع الحزب أسرة آل الوزير الهاشمية الزيدية، لكنَّه قدَّم نفسه كحزب تقدُّمي غير تقليدي. وقد تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 27 فبراير 1997م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 24 يوليو 2000م. وقد شارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م ولم يفز بأيِّ مقعد في مجلس النوَّاب؛ وقاطع الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، ثمَّ عاد ليشارك في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م، لكنَّه كذلك لم يفز بأيِّ مقعد في مجلس النوَّاب. كان للحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "الشورى".

ب‌-     حزب الحق:

وهو حزب زيدي تقليدي، ضمَّ عددًا كبيرًا مِن الشخصيات المرجعية في المذهب ورموز الأسر الهاشمية الزيدية . تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 25 ديسمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 15 سبتمبر 1996م. شارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م وفاز بمقعدين في مجلس النوَّاب. كما شارك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، ولم يفز بأيِّ مقعد. وشارك في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م، ولم يفز بأيِّ مقعد أيضًا. كان للحزب صحيفة ناطقة باسمه هي "الأمَّة".

7-     رابطة أبناء اليمن (رأي):

تقدَّم الحزب للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 30 ديسمبر 1995م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 4 فبراير 1996م. شارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م، لكنَّه لم يفز بأيِّ مقعد في مجلس النوَّاب؛ ثمَّ قاطع الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، وظلَّ على هامش المشهد السياسي.

8-     التجمُّع الوحدوي اليمني:

وهو حزب يساري، أسَّسه عمر الجاوي. تقدَّم للتسجيل في لجنة شئون الأحزاب في 21 مايو 1999م، وحصل على قرار التسجيل مِن اللجنة في 24 يونيو 1999م. لم يشارك الحزب في الانتخابات النيابية الأولى عام 1993م، وكذلك في الانتخابات النيابية الثانية عام 1997م، وشارك في الانتخابات النيابية الثالثة عام 2003م ولم يفز بأيِّ مقعد في مجلس النوَّاب. كان للحزب صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "التجمُّع".

وفضلًا عن هذه الأحزاب كانت هناك أحزاب أخرى عديدة ثانوية، جرى الإعلان عنها، وبعضها رخِّص وبعضها لم يرخَّص له. وهو ما عبَّر عن فاعلية كبيرة في المشهد السياسي، وحضور واسع لثقافة المشاركة في الشأن العام والانتماء للأحزاب والتنظيمات السياسية، وقبول بالعمل الديمقراطي والانتخابات كوسيلة للتعبير عن الإرادة الشعبية والوصول للسلطة وإدارة الخلافات السياسية والفكرية.

 

انسداد الأفق السياسي وثورة 2011م:

شهدت الجمهورية اليمنية في ظلِّ دستور عام 1991م، والمعدَّل في عام 1994م، ثمَّ في عام 2001م، عدَّة دورات انتخابية، نيابية ورئاسية وبلدية، ساهمت فيها الأحزاب المختلفة، وشهدت تنافسًا على الصعيد الميداني بين معظم الأحزاب، وتحوُّلات في التحالفات والولاءات، وتغيُّر في المواقف والاتِّجاهات. وقد عبَّرت تلك الدورات الانتخابية في مجملها، رغم وقوع حوادث صدام وعنف في عدد مِن المحطَّات، عن حراك سياسي ومشاركة شعبية واسعة. وقد أعطى ذلك انطباعًا أنَّ اليمن تجاوزت حالات الانقلاب، ودورة العنف وصراع الأجنحة، والصدام المسلَّح بين القوى السياسية، والتي باتت تحتكم إلى صندوق الانتخاب.

غير أنَّ نتائج حرب عام 1994م أدَّت إلى القضاء على قوَّة "الحزب الاشتراكي اليمني"، وهروب كثير مِن قياداته إلى خارج اليمن، وضعف بنيته التنظيمية وموقعه السياسي والوظيفي بعد خروجه مِن الائتلاف السياسي الحاكم؛ وهذا بدوره أسهم بدورها في سعي "المؤتمر الشعبي العام" عام 1997م إلى تهميش وإقصاء "التجمُّع اليمني للإصلاح" باعتبار الحزب الأكثر منافسة له، ما جعل "المؤتمر" يخوض عمليَّات تزوير وأعمال عنف عدَّة في عدد مِن الدوائر الانتخابية لحسم النتائج لصالحه ، وهو ما تمَّ وقاد لحصول "المؤتمر" لأغلبية مريحة خرج "الإصلاح" على إثرها مِن الائتلاف الحاكم الثنائي.

كما أنَّ تمسُّك علي عبدالله صالح بالحكم لفترة طويلة، حيث حكم الشطر الشمالي منذ 17 يوليو 1978م، والجمهورية اليمنية منذ 22 مايو 1990م، جعله يسعى للتفرُّد بالسلطة واحتكارها، والتخطيط لتوريث السلطة لنجله "أحمد"، بعد أن عمد إلى تمكين قرابته مِن المناصب القيادية في الجيش والأمن، وتهميش القوى الأخرى لصالح استبداده بالقرار. وفي ضوء هذه النوايا اتِّجه "صالح" إلى إفراغ العملية الديمقراطية مِن محتواها، وجعلها في حدودها الشكلية، موظِّفًا المال العام والسلطة في إطار التغلُّب على المنافسين مِن القوى الأخرى. وقد أخذ هذا التوجُّه لدى "صالح" يبرز بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في 23 سبتمبر 1999م، وكرَّستها الانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 سبتمبر 2006م، حيث شعر علي عبدالله صالح بوجود منافس فعلي في ظلِّ وقوف أحزاب "اللِّقاء المشترك" خلفه، ألا وهو مرشح الانتخابات الرئاسية فيصل بن شملان.

ومع بروز هذا التوجُّه لدى علي عبدالله صالح أصبحت أحزاب المعارضة، في "اللِّقاء المشترك"، مدفوعة بمخاوف القضاء على المسار الديمقراطي والتعدُّدية الحزبية إلَّا بالقدر الذي "يلمِّع" واجهة النظام الحاكم؛ وهو ما قادها للتصدِّي لهذا التوجُّه والعمل على مواجهة التعديلات الدستورية التي سعى المؤتمر الشعبي العام لفرضها منفردًا، ومخطَّط "صالح" لـ"تصفير العدَّاد" وتوريث السلطة. وقد جاءت نتائج ثورتي تونس ومصر عام 2011م لتمنح أحزاب المعارضة أملًا في التغيير، ما جعلها تنخرط في الاحتجاجات الشعبية الشبابية التي انطلقت في 11 فبراير 2011م، وتلتحق بمطالب الثوَّار المحدَّدة في "إسقاط النظام".

شكَّلت ثور 11 فبراير 2011م صدمة للرئيس "صالح"، ودفعته لمواجهتها بعنف ودمويَّة، رافضًا أيَّ حديث عن مغادرة السلطة وتسليمها، ومؤكِّدًا تمسُّكه بها. وفي ظلِّ تعنُّت نظامي معمَّر القذافي في ليبيا، وبشار الأسد في سوريا، وترجيحهم للحلِّ المسلَّح في مواجهة الثوَّار، أصبح انزلاق الثورة الشعبية في اليمن إلى صدام مسلَّح أمرًا محتملًا، خصوصًا وأنَّ "صالح" أخذ بخيار العنف والمواجهة الأمنية. هنا، وفي ظلِّ الواقع اليمني المشبع بالسلاح وثقافة العنف والمجتمع القبلي الآخذ بثقافة الثأر، مالت الأحزاب والقوى السياسية إلى الحلول السلمية للخروج مِن الأزمة التي دخلت البلاد فيها، وقبلت على مضض "المبادرة الخليجية" كتسوية سياسية ومخرج للأزمة، بالرغم أنَّها منحت "صالح" وفريقه حصانة قانونية، وتركت له مجالًا للحضور في الميدان السياسي، رغم تنازله عن السلطة.

 

ثورة 11 فبراير وتصحيح المسار الديمقراطي:

بتوقيع "المبادرة الخليجية" بين أحزاب المعارضة والمؤتمر الشعبي العام، في 23 نوفمبر 2011م، انتهت الأزمة السياسية، وبات اليمنيون على أمل جديد لاستعادة العملية الديمقراطية والتعدُّدية السياسية والتداول السلمي للسلطة دون تزييف أو إكراه، حالمين في بناء دولة مدنية، يسودها الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، خاصَّة وأنَّ "المبادرة الخليجية" مكَّنت مِن تجاوز الصراع المسلَّح، وأتاحت للجميع خوض مرحلة انتقالية تمهيدًا لعملية سياسية جديدة يشارك فيها الجميع دون استثناء. وهو ما شجَّع عددًا مِن الأطراف السياسية لتشكيل أحزاب جديدة رغبة في المشاركة في المرحلة القادمة في العمل الديمقراطي والتنافس الانتخابي.

مِن ذلك، جرى تشكيل أحزاب تنتمي للتيَّار السلفي، والذي كان معرضًا ومعارضًا للعمل الحزبي والتعدُّدية السياسية، حيث تشكَّل "اتِّحاد الرشاد اليمني" و"حزب السلم والتنمية" وباتا ضمن الأحزاب الجديدة التي جرى الإعلان عنها بعد ثورة 11 فبراير 2011م. كما جرى الإعلان عن "حزب العدالة والبناء"، في 16 مارس 2013م، مِن قبل منشقِّين عن حزب "المؤتمر الشعبي العام"، ممَّن أيَّدوا ثورة الشباب في 11 فبراير، برئاسة محمَّد علي أبو لحوم، والأمين العام للحزب عبدالعزيز جباري. كما أعلن في صنعاء عن تأسيس "حزب الأمَّة"، في 5 يناير 2012م، وتشكَّلت معظم رموزه مِن قيادات منشقَّة عن "حزب الحق" . وقد بعث زعيم ميليشيا الحوثي، عبدالملك الحوثي، برقية تهنئة للحزب في حفل الإشهار . عدا عن أحزاب صغيرة أخرى مختلفة.

وقد جاء تشكيل هذه الأحزاب على أرضية حراك نخبوي وشعبي شهدته الساحة اليمنية في سبيل تعزيز المشاركة الشعبية في الشأن العام مِن مختلف الأطياف، حيث بدأ التنافس يشكِّل ملمحًا مِن ملامح المرحلة التي أعقبت التغيُّرات التي فرضتها ثور 11 فبراير.

وقد شكَّل مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي ضمَّ جميع الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية، بمختلف أطيافها، بما في ذلك ميليشيا الحوثي والحراك الجنوبي، أرضية مناسبة لرسم قواسم مشتركة وخارطة طريق يتَّفق عليها الجميع للتوجُّه نحو المستقبل، على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ومبدأ لا غالب ولا مغلوب. وخرجت تلك القوى بمخرجات شاملة، لامست مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والمذهبية والاجتماعية والأمنية والعسكرية .

وقد أقرَّ فريق بناء الدولة ضمن الأسس السياسية "أنَّ النظام السياسي نظام ديمقراطي، يقوم على التعدُّدية السياسية والحزبية، بهدف التداول السلمي للسلطة، والأحزاب السياسية عماد العمل السياسي الديمقراطي، وحرِّية تكوين الأحزاب مكفولة دون حاجة إلى الحصول على ترخيص مِن أيِّ جهة إدارية، ويكتفى بوجود هيئة مستقلَّة يتمُّ إيداع وثائق التأسيس والإشهار لديها، وتتولَّى الهيئة إصدار وثيقة بذلك، ويكون مِن حقِّ أيِّ متضرِّر مِن قيام هذا الحزب اللجوء للقضاء، ولا يجوز حلُّها أو وقف نشاطها إلَّا بحكم قضائي بات مِن محكمة مختصَّة، ويحظر تغيير حرِّية تأسيسها أو نشاطها، أو التدخُّل في شئونها، ولا يجوز قيام حزب على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو مذهبي، أو أن يكون له تشكيل عسكري أو شبه عسكري، ويجب أن ترتكز أنظمتها الداخلية على مبادئ الديمقراطية، وتلتزم الأحزاب بعلنيَّة قراراتها المتعلِّقة بشأن أنشطتها، وعلنيَّة حساباتها ومواردها وممتلكاتها واستثماراتها، وكيفية صرفها واستعمالها، ولا يجوز لها الحصول على مصادر تمويل خارجية، ولا يجوز للأحزاب السياسية المساس بأسس النظام السياسي الديمقراطي أو العمل على إزالته أو تهديد كيان الجمهورية، ويعتبر ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون" .

وهذا يعني أنَّ جميع القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية رأت في النظام الديمقراطي، والتعدُّدية الحزبية، والعملية الانتخابية، والتداول السلمي للسلطة، كأساس في بناء الدولة اليمنية القادمة، وبشكل يعزِّز هذه المفاهيم، وينفي عنها القيود التي تحدُّ مِن جوهرها أو تناقضه.

لقد كان تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل كفيلًا مع التزام جميع القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية بها أن تؤسِّس لمرحلة جديدة لليمن باتِّجاه الأمن والسلم، لما يفضي إليه التنافس السليم مِن إبداع وابتكار وتطوُّر وتقدُّم على صعيد بناء الدولة، وتوفير الخدمات العامَّة، وعمران البنى التحتية، والنهوض التنموي، واستقطاب الاستثمارات، وتوفير أسباب العيش الكريم، ورعاية الحقوق وضمان الحرِّيات.

وقد انعكست مخرجات الحوار الوطني الشامل على مسوَّدة الدستور اليمني الجديد (2015م)، والذي جرى إعداده لاحقًا ، فقد نصَّ في الفصل الأوَّل (الأسس السياسية)، مِن الباب الأوَّل (الأسس العامَّة)، بشأن النظام السياسي، في المادَّة (8)، على ما يلي:

"يقوم النظام السياسي على أساس:

1-     الفصل بين السـلطات، والتعدُّديـة السياسـية والحزبيـة، والتـداول السـلمي للسـلطة، وحظـر تغيير النظـام السـياسي أو تحقيـق أهـداف سياسـية أو اقتصاديـة أو اجتماعيـة أو ثقافيـة بالعنـف أو القوَّة المسلَّحة أو الانقلابـات العسـكرية.

2-     ضمان المشاركة السياسية وفق ما تقتضيه الديمقراطية التمثيلية والتشاركية والتداولية".

غير أنَّ وجود الأطماع الداخلية، والمؤامرات الخارجية، قضى على آمال اليمنيين، حيث تظافرت إرادة هذه الأطراف على وأد الأحلام الوليدة في مهدها، وإعادة دوَّامة العنف والصراع إلى الواجهة مجدَّدًا، عبر قوى مذهبية ومناطقية ومتطرِّفة. وقد مثَّلت ميليشيا الحوثي الناقمة على النظام الجمهوري، وقوى الحراك الجنوبي الناقمة على الوحدة، وتنظيم القاعدة الناقم على العملية الديمقراطية، أدوات مناسبة لتعويق مسيرة اليمن نحو مرحلة جديدة، خاصَّة وأنَّ هذه الأطراف جميعًا تؤمن بالعنف والقوَّة المسلَّحة كنهج لفرض آرائها ومواجهة الطرف المقابل. 

 

انقلاب 2014م ومحاولة إجهاض النظام الجمهوري:

في 21 سبتمبر 2014م، اقتحمت ميليشيا الحوثي صنعاء، بالتحالف مع بقايا النظام السابق بزعامة علي عبدالله صالح، وقادت انقلابًا مكتمل الأركان على الدولة؛ وهو ما فتح باب الصراع المسلح داخليًّا، وأفضى إلى انهيار الدولة واستدعاء التدخُّل الخارجي مِن قبل رئيس الجمهورية، عبدربِّه منصور هادي، لتتحوَّل اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة، عن قوى إقليمية ودولية. ففي 26 مارس 2015م، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل "التحالف العربي"، وانطلاق عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، استجابة لطلب قدِّم مِن رئيس الجمهورية لقادة مجلس تعاون دول الخليج العربية، وحماية لليمن مِن التهديدات الإيرانية.

لقد مثَّل انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة انقلابًا على النظام السياسي برمَّته؛ إذ أنَّ الميليشيات لا تؤمن أساسًا بالجمهورية والعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة باعتبار ذلك ينافي أفكارها وعقائدها المذهبية في الجذر والأصل مِنها. فميليشيا الحوثي تقوم على مبدأ الاصطفاء الإلهي لـ"آل البيت"، وأحقِّيَّة العلويين مِنهم بالسلطة وفق "نظرية البطنين" ، وتأخذ بالمذهب الزيدي باعتبار أنَّ الولاية العامَّة منصب ديني وليس دنيويًّا، ولا يخضع للشورى. وبرغم رؤيتها هذه، فالميليشيات لم تعلن حتَّى اللحظة عن قرار إلغاء النظام الجمهوري، لكنَّها تروِّج حاليًّا ما يمكن اعتباره مؤشِّرات نحو ذلك، فمن ذلك:

-       وصفها في منابرها الإعلامية والتثقيفيَّة ثورة 26 سبتمبر بالانقلاب، ومحاولتها إماتتة الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية المقدَّرة عن عموم اليمنيين.

-       تكريسها رؤيتها المذهبية للسلطة واستحقاق أبناء البطنين مِن آل البيت بالحكم، وأنَّها مسألة دينية لا اختيار فيها للناس، وهو ما يمهِّد لقبولهم بإلغاء النظام الجمهوري مستقبلًا.

-       إفراغ النظام الجمهوري والديمقراطي مِن محتواه في مقابل إبراز زعيم ميليشيا الحوثي، عبدالملك الحوثي، كقائد لما يصفونه بالثورة، ومرجعًا أعلى حتَّى للحكومة والرئاسة. وهو ما يخالف الدستور صراحة وفي صلب مبادئه ومقرَّراته الثابتة.

-       محاربة القوى السياسية الجمهورية والأحزاب الديمقراطية على أرض الواقع، وإضعاف حضورها إلَّا بالقدر الذي يتيح سياسة ذر الرماد في العيون في هذه المرحلة. لهذا فالميليشيات تسعى لتخوين هذه المكوِّنات والطعن فيها، واتِّهامها بالخيانة الوطنية، والعمالة للخارج، ومِن خلال نصب محاكم لرموزها في القضاء الخاضع لها.

تاليًا، فتح الصراع المسلَّح الذي دفع الحوثيون اليمنيين إليه لتشكُّل قوى مسلَّحة جديدة على الساحة اليمنية بدعم إقليمي، ومع بروز هذه القوى الميليشاوية المسلَّحة على الساحة انحسر وجود الدولة، وتعطَّلت مؤسَّساتها السيادية، وتوقَّفت العملية الديمقراطية، رغم الحديث عن تحرير 85% مِن المساحات اليمنية. فمنذ عام 2014م لم تشهد اليمن أيَّ انعقاد لمجلس النوَّاب المنتخب بكامل أعضائه، ولم تجر أيُّ عملية انتخابية، ومعظم مقار الأحزاب والتنظيمات السياسية خالية مِن أيِّ نشاط سياسي.

فضلًا عن ذلك، دفعت الضغوط الخارجية الرئيس عبدربِّه منصور هادي، المنتخب شعبيًّا في 21 فبراير 2012م، إلى الخروج عن المشهد السياسي لصالح مجلس قيادة رئاسي، جرى تعيينه وتفويض كامل الصلاحيَّات الرئاسية له، مِن خلال إعلان رئاسي صدر في 7 أبريل 2022م، ليبقى مجلس النوَّاب -المعطَّل عن الاجتماع- هو الهيئة المنتخبة الوحيدة حتَّى الآن .

وحتَّى اللحظة فإنَّ مجلس القيادة الرئاسي لم يدع إلى إقامة سلطات الدولة في العاصمة المؤقَّتة عدن، رغم وعود "التحالف العربي" بتأمين عدن واستعادة الدولة، في حين يتوجَّه بضغوط خارجية -أيضًا- نحو تسوية سياسية مع ميليشيا الحوثي، في ظلِّ تغييب مجلس النوَّاب واغتراب الحكومة وغياب معظم قادة الأحزاب، حيث لا يتوفَّر لهم الأمان في المناطق المحرَّرة؛ في حين أنَّ ميليشيا الحوثي تحافظ على بقاء مجلس النوَّاب منعقدًا في صنعاء بالعدد الحاضر هناك، وتُبقِي شكل الدولة قائمًا.

ويمكن تلخيص المشهد الديمقراطي والحزبي في اليمن خلال هذه الفترة في النقاط التالي:

1-     توقُّف العملية الديمقراطية، المتمثِّلة في الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلِّية، وتعطيل مجلس النوَّاب، وانتزاع الشرعية المنتخبة (ممثَّلة في الرئيس عبدربه منصور هادي) لصالح شرعية معيَّنة (ممثَّلة في مجلس القيادة الرئاسي). 

2-     تسيُّد الجماعات المسلَّحة، المتمرِّدة على الدولة، على المشهد العام، وسيطرتها على معظم الجغرافيا اليمنية: واتِّباع تلك الجماعات سياسة القضاء على الخصوم والمنافسين السياسيين؛ حيث عمدت تلك الجماعات إلى تغليب قبضتها الأمنية وحكمها الشمولي، واحتكار تمثيلها للشعب في مناطق نفوذها. فواجه حزب "الإصلاح" في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى غلق مقارِّه أو تدميرها، أو احتلالها، أو نهبها، واستهداف قياداتها بالاعتقال أو المطاردة أو الاغتيال. كما واجه حزب "المؤتمر" في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي للتهميش والإقصاء، وأغلقت مقارُّه في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة. والأمر لا يتوقَّف عند هذين الحزبين، لكنَّهما باعتبار حجمهما وحضورهما الأبرز في هذا السياق.

3-     إقصاء الرموز والكوادر الحزبية عن الوظائف الحكومية للشرعية مِن خلال تسكين كوادر الجماعات المسلَّحة، المتمرِّدة على الدولة، في كيان الشرعية ومؤسَّساتها: جرى ذلك مِن خلال "اتِّفاق السلم والشراكة" الذي وقِّع عشية الانقلاب في صنعاء بين ميليشيا الحوثي والأحزاب والتنظيمات السياسية، وجرى ذلك مِن خلال "اتِّفاق الرياض" الموقَّع بين الحكومة الشرعية (المعترف بها دوليًّا) والمجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتيًّا)، ومِن خلال الإعلان الدستوري الخاص بنقل السلطة مِن الرئيس عبدربِّه منصور هادي إلى مجلس قيادة سياسي، والذي ضمَّ في تكوينه ممثِّلي الجماعات المسلَّحة الخارجة عن السلطة. ويجري حاليًا رعاية مفاوضات تهدف إلى استكمال دمج ميليشيا الحوثي في السلطة الشرعية كجزء مِن التسوية السياسية القادمة.

4-     حصر دور الأحزاب في إطار مساندة ودعم "الشرعية" فقط، وتأييد مسارات التحوُّلات التي تمضي عليها مِن خلال الضغوط الخارجية، في حين أنَّ أغلب قياداتها خارج أرض الوطن.

 

محاولات إجهاض النظام الجمهوري والديمقراطية:

مثل قيَّام النظام الجمهوري في اليمن مطلع الستينيَّات مِن القرن الماضي تحدِّيًّا سياسيًّا لدول المنطقة، ما دفع بعضها للوقوف ضدَّه وضدَّ القوى الجمهورية، والانخراط في دعم القوى الملكية الزيدية بقوَّة لإسقاط هذا التوجُّه السياسي الجديد في المنطقة، وقد استمرَّت الحرب بين القوى الجمهورية والملكية لأكثر مِن سبع سنوات خسرت فيها اليمن الأرواح والاستقرار. وظلَّ التآمر على النظام الجمهوري ومحاولة إفشاله قائمًا. 

ومع قيام الوحدة اليمنية سعت بعض الأطراف الإقليمية لإفشال هذه الوحدة، سواء بمحاولة إقناع الطرف الجنوبي بعدم الوحدة مع الشطر الشمالي، أو بخلق توجُّه "ديني" رافض للوحدة وبقوَّة، حيث جرت معارضة الوحدة مِن قبل شريحة واسعة مِن العلماء والدعاة بذريعة "علمانية" الطرف المقابل، وعلمانية الدستور الذي سيقرُّ لاحقًا. وقد ذكر المرجع السلفي، الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، في أحد محاضراته المسجَّلة، أنَّه أتى إليه أفراد دعوه إلى إعلان الجهاد في اليمن في تلك الفترة، فرفض هذا العرض واعتبره إثارة للفتنة في اليمن . ومع نشوء الأزمة بين الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام بات هناك اهتمام مِن بعض دول الإقليمي لتعزيز الخلاف، وتصعيد الأزمة حدَّ تفجير الوضع، وهو ما جرى في أبريل 1994م، باشتعال حرب عسكرية واسعة نحى فيها الحزب الاشتراكي اليمني لإعلان الانفصال في الذكرى الرابعة للوحدة. لقد "قدَّمت كلُّ دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر، الدعم المالي والسياسي للانفصاليين، لكنَّ اليد العليا كانت لصالح الذي كسب الحرب في نهاية المطاف" .

لقد رأت بعض الأنظمة الإقليمية، الملكية والسلطانية والأميرية، في وجود نظام جمهوري ديمقراطي تعدُّدي، تُتداول فيه السلطة سلميًّا وفق قاعدة الانتخابات العامَّة الحرَّة والمعبِّرة عن اختيار وإرادة الشعب، تهديدًا نظريًّا لطبيعة تلك الأنظمة الملكية والسلطانية والأميرية، إلى الحدِّ الذي جعل كثيرًا مِن دول الخليج ترفض انضمام اليمن لمجلس تعاون دول الخليج العربية، رغم رغبته وتقدِّمه لذلك. وما وقوف بعض هذه الدول في الضدِّ مِن ثورات الربيع العربي، والسعي لوأدها مِن خلال ثورات مضادَّة، إلا تجسيدًا لهذا الموقف مِن الأنظمة الجمهورية الديمقراطية التي تؤسس لدولة مدنية يتمتَّع فيها المواطنون بقدر متساوٍ بالحقوق والحرِّيات الدستورية المستندة لسيادة الشعب وإرادته.

ورغم كلِّ ما واجهه اليمنيون خلال الفترة الماضية إلَّا أنَّ تطلُّعهم للحرِّيات والحقوق والكرامة وسيادتهم على وطنهم ظلَّ حاضرًا بقوَّة، وموجِّهًا لتطلُّعاتهم وتحرُّكاتهم وصولًا لثورة 11 فبراير 2011م. وقد سعت معظم الأحزاب اليمنية إلى التمسُّك بكيان الدولة والشرعية، والوقوف إلى جانبها، وإلى جانب "التحالف العربي"، الذي تشكَّل عام 2015م بهدف استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب لاستعادة شرعية السلطة المنتخبة ممثَّلة بالرئيس، عبدربِّه منصور هادي، في حينه. فقد أعلنت هذه الأحزاب، في 14 أبريل 2019م، عن تشكيل "التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية"، وذلك بهدف "دعم مسار استعادة الدولة، وإحلال السلام وإنهاء الانقلاب، واستعادة العملية السياسية السلمية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبناء الدولة الاتحادية" .

ورغم هذا الموقف السياسي المساند للدولة ولـ"التحالف العربي"، إلَّا أنَّ هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية فوجئت عقب تحرير مدينة عدن بتوجُّه داعم للقوَّات المسلَّحة التي تشكَّلت خارج وزارتي الدفاع والداخلية، ثمَّ انضوت تحت "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي بات رافضًا لوجود الأحزاب والقوى السياسية الأخرى بمبرِّرات مختلفة. وهو ما اضطرَّ هذه الأحزاب إلى إصدار بيان بهذا الشأن جاء فيه، "يدين التحالف الوطني خطاب الكراهية الذي تشنُّه تلك الأطراف ضدَّ القوى السياسية الوطنية المشاركة في مقاومة الانقلاب والمشروع الإيراني الداعم لتلك الميليشيات، الأمر الذي يجعلنا أمام كارثة وطنية حقيقية ومنزلق خطير يتوجَّب محاصرته وكشف خيوط الواقفين خلفه ومحاسبتهم، لأنَّ معركتنا اليوم هي مع الانقلاب والقوى الإرهابية"، ودعا التحالف الوطني الحكومة لفتح ملفٍّ للتحقيق حول كافَّة جرائم الاغتيالات والإخفاءات القسرية التي "طالت كوادر الأحزاب السياسية والناشطين السياسيين"، وتقديم الجناة للعدالة، ومعتبرًا أنَّ "أساس المشكلة الأمنية في المناطق المحرَّرة هو وجود تشكيلات مسلَّحة خارج سيطرة وزارتي الدفاع والداخلية، وأنَّ استمرار هذه الظاهرة يمثِّل تهديدًا خطيرًا لوجود الدولة الوطنية، وأمن واستقرار المنطقة"، طالبًا مِن القيادة السياسية والحكومية و"التحالف العربي" إنهاء هذه المشكلة مِن جذورها، بـ"توحيد كافَّة الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية، وإعادة بنائها على أسس وطنيه وبقيادات أمنية وعسكرية مهنية ومحترفة، تحت سلطة الحكومة الشرعية".

 

حالة الأحزاب السياسية اليمنية في الوضع الراهن:

مِن الضروري هنا استعراض حالة الأحزاب السياسية اليمنية وخصوصًا الأحزاب ذات الثقل الجماهيري أو البعد التاريخي، فضلًا عن الأحزاب الناشئة حديثًا.

1-     المؤتمر الشعبي العام:

تحوَّل المؤتمر الشعبي العام مِن مظلَّة جامعة للقوى السياسية المختلفة في الشمال (فترة التشطير)، إلى حزب سياسي يتبع الرئيس علي عبدالله صالح ويمثِّل سنده السياسي في العملية الديمقراطية. ونظرًا لتحوُّل هذا الحزب تدريجيًّا إلى حزب حاكم مستفرد بالسلطة، عقب حرب 1994م وانتخابات 1997م، فقد ضمَّ طيفًا واسعًا مِن شبكات النفوذ والمصالح. غير أنَّ ثورة 11 فبراير التي شكَّلت قوَّة لإزاحة هذا الحزب عن السلطة أوجدت انقسامًا في بنية الحزب، حيث خرجت كتل مختلفة مِن الحزب للإعلان عن نفسها حزبًا بشكل مستقل (ككتلة حزب العدالة والبناء). ومع انتخاب عبدربِّه منصور هادي رئيسًا للجمهورية في 21 فبراير 2012م، تولَّد صراع بينه وبين علي عبدالله صالح على رئاسة "المؤتمر" وقيادته، ما أوجد تيَّارين داخل الحزب، تيَّار موالي لـ"صالح" وآخر موالي لـ"هادي". ونتيجة تحالف علي عبدالله صالح مع ميليشيا الحوثي للانقلاب على السلطة في 21 سبتمبر 2014م، شهد "المؤتمر" انقسامًا جديدًا في بنيته، حيث انسحبت أطراف مؤيِّدة للجمهورية والديمقراطية عن "المؤتمر" وانحازت لاحقًا لتيَّار "هادي" والوقوف إلى جانب "التحالف العربي". وعقب مقتل علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر 2017م، تشكَّل تيَّار جديد خارج عن تحالفه مع ميليشيا الحوثي ومنحاز للعميد طارق محمَّد صالح (ابن شقيق الرئيس "صالح")، والذي فرَّ مِن صنعاء وشكَّل قوَّات خاصَّة به بدعم إماراتي، وأوجد منطقة نفوذ له في الساحل الغربي. وفي حين يتَّجه "طارق" إلى إيجاد كيان سياسي خاص به مِن خلال استقطاب المؤتمريين الموالين له ولعمِّه "صالح"، لا يزال هناك فريق مِن "المؤتمر" متحالف مع ميليشيا الحوثي بصنعاء، وفريق موال لأحمد علي عبدالله صالح (المقيم في أبو ظبي)، وفريق في الجنوب بدأ يأخذ منحى مختلفًا عن تيَّار "المؤتمر" في الشمال وينسج تحالفاته الخاصَّة.

2-     الحزب الاشتراكي اليمني:

بعد إعلان علي سالم البيض الانفصال في 22 مايو 1994م، بات "الاشتراكي" في حالة انقسام بين تيَّار جنوبي موال لـ"البيض" ومتطلِّع للانفصال، وتيَّار آخر مع بقاء الوحدة وتصحيح مسارها. ومع هزيمة الحزب في الجنوب خرجت الكثير مِن كوادره مِن المشهد السياسي والعمل الحزبي، ما أضعف الحزب وأفقده العديد مِن رموزه وكوادره. ومع صعود الحراك الجنوبي وتشكُّل حركات حقوقية وانفصالية -مسلَّحة وغير مسلَّحة- باتت العديد مِن الكوادر تتسرَّب مِن الحزب "الاشتراكي" في ظلِّ انسداد العملية الديمقراطية والتغيير السياسي السلمي. وبدأت قوى الحراك تمثِّل البديل على أرض الواقع للحزب، وتفرض خطابها ومطالبها. ومع انطلاق ثورة 11 فبراير تحوَّلت قوى الحراك إلى قوى مسلَّحة، بقيادة عيدروس الزبيدي، وبدأت تنادي بانفصال الجنوب. ومع تدخُّل "التحالف العربي"، عقب 26 مارس 2015م، وجدت الإمارات في هذا الفصيل بديلًا مناسبًا لتغيير المشهد وفرض أجنداتها على الساحة في المحافظات الجنوبية والشرقية. وفي حين تراجع حضور الحزب "الاشتراكي" كغيره مِن الأحزاب السياسية في ظلِّ الظروف الراهنة بات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الحاضن البديل لكوادر الحزب ورموزه.

لقد ساد التنازع والصراع على التيَّار اليساري في وقت مبكِّر مِن ظهوره، وبات سمة بارزة له، وهو ما غلب على واقع الحزب منذ خسارته في 1994م، وبروز فصائل الحراك الجنوبي. إلَّا أنَّه وبالرغم مِن ذلك ظلَّ التنسيق بين فصائل الحزب والحراك قائمًا ومستمرًّا، حيث يجري تبادل الأدوار بينها أحيانًا. وهذا لا يمنع أنَّ هناك خلافات عميقة بشأن مواقفها مِن الوحدة والانفصال، والتعددية السياسية، وشكل الجنوب في حال الانفصال؛ حيث لا تزال خلافات الماضي وتخوُّفاته حاضرة في مسارات الحزب حاليًّا.

3-     التجمُّع اليمني للإصلاح:

شقَّ "الإصلاح" طريقه في العمل السياسي مِن خلال تحالفات متعدِّدة، محقِّقًا حضورًا جماهيريًّا متناميًا مع الوقت، حتَّى بات منافسًا فعليًّا لكل مِن الحزبين الحاكمين، "المؤتمر" و"الاشتراكي"، وهو ما أكسبه عداء الفريقين ومحاربتهم له. ورغم تقيُّد "الإصلاح" بالعملية السياسية والمسار الديمقراطي إلَّا أنَّ قوَّته المتصاعدة شكَّلت عامل قلق للدول الإقليمية والغربية، خصوصًا بعد نجاح ثورة 11 فبراير 2011م، حيث كان مِن المتوقَّع أن يتصدَّر "الإصلاح" المشهد السياسي في ضوء تراجع "المؤتمر" و"الاشتراكي". ونتيجة لذلك بدأ في تلقِّي الضربات الموجعة، وخصوصًا مِن قبل ميليشيا الحوثي التي مثَّلت رأس الحربة في الثورة المضادَّة في اليمن، و"صالح" وقواه الموالية له في الدولة، ثمَّ مِن قبل المجلس الانتقالي الجنوبي في مرحلة تالية. ورغم تلك الضربات ظلَّ "الإصلاح" إلَّا أنَّه ظلَّ داعمًا للحكومة الشرعية، ومِن ورائها "التحالف العربي" الداعم لها، كما ظلَّ متماسكًا ومرنًا في حركته ومواقفه، لكنَّه بات محاصرًا في المشهدين السياسي والحزبي.

4-     أحزاب البعث:

شهدت أحزاب البعث في اليمن تراجعًا كبيرًا منذ عام 1990م، ويعود ذلك إلى انتهاء أو تراجع دور أحزاب البعث الحاكمة في كلٍّ مِن العراق وسوريا عن الحضور في المشهد العربي نتيجة عوامل مختلفة، وقد كانت هي الداعم والمموِّل للأحزاب البعثية في اليمن. لهذا ظلَّت أحزاب البعث في اليمن خلال الفترة الماضية لافتة لقيادات حزبية أكثر مِنها أحزابًا حاضرة على المستوى الجماهيري والرأي العام. وهي رغم ذلك تحافظ على تسجيل حضورها ومواقفها مِن خلال التحالفات السياسية التي تدخل فيها. وقد انقسمت أحزاب البعث بين مؤيِّد لتحالف ميليشيا الحوثي- "صالح"، ومؤيِّد للشرعية.

5-     الأحزاب الناصرية:

مع انتهاء عهد جمال عبدالناصر فقدت الأحزاب الناصرية بريقها، وحلَّت بها الخلافات والنزاعات الداخلية. وفي اليمن تلقَّى الناصريُّون ضربات عديدة أضعفت مِن حضورهم وتأثيرهم، ما جعل هذه الأحزاب نخبوية وذات حضور جماهيري محدود، وقد عكست الانتخابات المختلفة حجم ذلك الحضور الضئيل. وقد لعب نظام "صالح" دورًا كبيرًا في تفريخ الأحزاب المنشقَّة عن الأحزاب المعارضة، بما في ذلك الناصريين، وبالتالي فقد توزَّعت الأحزاب الناصرية على خارطة التحالفات السياسية. وفي ظلِّ عجز هذه الأحزاب عن التأثير اقتصر الأمر على توظيفها مِن القوى الإقليمية والدولية في المشهد السياسي.

6-     الأحزاب الزيدية:

مع غلبة ميليشيا الحوثي على المشهد العام في معظم المحافظات الشمالية تراجع حضور الأحزاب السياسية وانخرط العديد مِن كوادرها ضمن السلطة القائمة في تلك المناطق. فقد عملت ميليشيا الحوثي على استقطاب كافَّة العوائل والأسر الهاشمية إلى حركتها والوظائف التابعة لسلطة حكومة صنعاء التابعة لها، وسعت تلك الأسر والعوائل مِن جهتها للإفادة مِن تمكُّن ميليشيا الحوثي مِن السلطة .

7-     الأحزاب السلفية:

تعدُّ الأحزاب السلفية جديدة على المشهد السياسي اليمني بإطلاق، ولم تتح لها الظروف منذ تشكِّلها مِن خوض نشاط حركي في أوساط المجتمع لتعزيز حضورها الجماهيري، لذا ظلَّت محصورة في مكوِّناتها التأسيسيَّة. وهي برغم وقوفها إلى جانب الحكومة الشرعية، ومِن ورائها "التحالف العربي" الداعم لها، إلَّا أنَّها لم تفرض حضورها على المشهدين العسكري والسياسي، بل بدا واضحًا أنَّها مِن ضمن المستهدفين في الحرب على "الإسلام السياسي"، حيث جرى إجهاض قواها الاجتماعية وحصارها في الموارد التمويلية. ورغم تسجيل هذه الأحزاب لمواقفها ضمن البيانات والمؤتمرات إلَّا أنَّها فاقدة للتمثيل النيابي في مجلس النوَّاب، والقوى العسكرية في الميدان.

في المقابل هناك دعم وتمويل وإسناد للتيَّار السلفي "الجامي" الذي يعمل ضدَّ هذه الأحزاب السلفية، ويهاجم رموزها وجماعاتها الحاضنة، متحالفًا مع بعض القوى المسلَّحة، المتمرِّدة على الشرعية سابقًا، كالمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية التابعة للعميد طارق محمَّد صالح.

وفي العموم فإنَّ بقيَّة الأحزاب تعدُّ أحزابًا هامشية وثانوية وغير وازنة، وإن كان لها حضور في المواقف ووسائل الإعلام.

هذا الواقع الذي أضعف الأحزاب والتنظيمات السياسية وأنهكها، وحاصرها، وغيَّبها، أعطى للقوى المسلَّحة المليشاوية حيِّزًا كبيرًا مِن الحضور والحركة والتأثير، خصوصًا وأنَّه جرى تسكينها في هيكل الشرعية على حساب تلك الأحزاب رغم تمسُّكها بقوَّاتها وأسلحتها الخاصَّة خارج سلطة الدولة.

 

مستقبل العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية:

بعد أكثر مِن تسع سنوات على انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر 2014م، وأكثر مِن ثمان سنوات على انطلاق "عاصفة الحزم" لاستعادة الشرعية في 26 مارس 2015م، لا تزال العملية الديمقراطية في اليمن متوقِّفة، ولا يوجد أيُّ اتِّفاق بين الأطراف المتصارعة على استعادتها؛ وهذا يفرض سؤالًا جوهريًّا عن مدى مستقبل العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية في اليمن.

وهنا يمكن القول: إنَّ مستقبل العملية الديمقراطية والتعدُّدية الحزبية بات قاتمًا لعدَّة أسباب وعوامل، داخلية وخارجية، ذاتية وظرفية. ويمكن التطرُّق إلى هذه الأسباب والعوامل على النحو التالي:

-       الأسباب الذاتية:

1-     دفع نهج المؤتمر الشعبي العام، بزعامة علي عبدالله صالح، خلال الفترة مِن 1993م وحتَّى عام 2010م، إلى إفراغ العملية الديمقراطية مِن محتواها، ما أفقد الناخبين الثقة بها وبجدواها، وأدَّى إلى عزوفهم عنها. وهذا ما تؤكِّده حالة تراجع المشاركة الشعبية مع كلِّ عملية انتخابية جديدة، والتي عبَّرت عنها نسبة المشاركين في الانتخابات.

2-     كثير مِن الأحزاب التاريخية فقدت بريقها، وأصبحت عاجزة عن استقطاب جماهير تابعة ومناصرة لها، وذلك في ظلِّ انكشافها الفكري والسياسي، منذ عام 1990م. فالأحزاب الناصرية والبعثية واليسارية فقدت بريقها السياسي في ظلِّ فشلها وإخفاقاتها في المنطقة. وقد عكست نتائج مشاركاتها في العمليَّات الانتخابية المتعاقبة حجم هذا التراجع المتزايد فترة بعد أخرى. وهو ما دفع بعض رموز وقيادات وناشطي هذه الأحزاب للتحوُّل إلى مسارات جديدة تعتمد القوَّة أو المال كنهج في الحضور السياسي.

3-     مثَّل التحوُّل مِن العملية الديمقراطية إلى العمليات القتالية المستندة على القوَّة والعنف سمة للمرحلة منذ عام 2003م، وخاصَّة لشريحة الشباب الذين نشؤوا في ظلِّ فشل التغيير السلمي، ما جعل كثيرًا مِنهم عازفًا عن الأحزاب السياسية ومنخرطًا مع القوى المسلَّحة، أو منسحبًا مِن المشهد العام.

4-     أدَّى الانقلاب على الدولة في 21 سبتمبر 2014م، وتهديد القيادات السياسية الرافضة له، وملاحقة الناشطين السياسيين، وغلبة الفوضى الأمنية، إلى خروج أعداد كبيرة مِن القيادات الحزبية والناشطين الحزبيين، مِن اليمن، ومِن ثمَّ توقُّف الأعمال والمناشط الحزبية على مستوى الخارطة اليمنية، إلَّا في حدود ضيِّقة.

5-     أدَّى غياب الدولة عن المناطق المحرَّرة، وتغييب سلطاتها، إلى هيمنة القوى الميليشاوية وغلبة الفلتان الأمني، وتوقُّف عجلة النشاط السياسي، بما في ذلك العملية الديمقراطية برمَّتها. فالعمل السياسي السلمي لا يمكنه النهوض والاستمرار في ظلِّ غلبة الكراهية والعنف ولغة السِّلاح.

6-     أدَّى تجميد وتغييب وتعطيل مجلس النوَّاب إلى تعطيل أهمِّ مؤسَّسة سيادية معنية بالعملية الديمقراطية والحقوق والحرِّيات والتعدُّدية السياسية. ومِن ثمَّ فلا يتصوَّر استئناف العملية الديمقراطية في ظلِّ تعطيل أهمِّ مؤسَّسة ديمقراطية منتخبة، وبقاء القرار السيادي مرتهنًا لموازين القوى الداخلية والإقليمية والدولية.

-       الأسباب الظرفية:

1-     لا تزال المنطقة العربية تعيش حالة الرِّدَّة العامَّة عن ثورات الربيع العربي، وعن العملية الديمقراطية والتعدُّد السياسي، على مستوى مصر وتونس وليبيا وسوريا والسودان وغيرها. واليمن كبقيَّة هذه الدول تتعرَّض لذات المستوى مِن التآمر الهادف إلى تعطيل تقدُّمها نحو بناء دولة مدنية تستند للإرادة الشعبية والسيادة الوطنية المستقلَّة. فقد اجتاحت المنطقة منذ عام 2013م ثورة مضادَّة تسعى للقضاء على آمال الشعوب في دول مدنية ديمقراطية آمنة وتنموية، وعملت بذات الأدوات في تمكين جماعات متمرِّدة مسلَّحة مِن المشهد العام.

2-     لا تزال الصراعات الإقليمية، خصوصًا بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، تطغى على المشهد الإقليمي، وتحيل القوى المختلفة إلى أدوات للحرب بالوكالة ضدَّ الآخر. وهي حالة ستظلُّ قائمة وإن على نار هادئة حتَّى يجري تقاسم النفوذ في المنطقة بحسب موازين القوى.

3-     لا تزال المخاوف مِن الحركات والجماعات الإسلامية ذات الرؤى السياسية غالبة على القوى العالمية والإقليمية، نظرًا لما تحمله مِن مخاطر وتحدِّيات لهذه الدول (بحسب منظورها). وبالتالي، فإنَّ إعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، والسماح بعودة العملية الديمقراطية في ظلِّ تعدد سياسي، سيعطي لهذه الحركات والجماعات مجدَّدًا فسحة للحضور والصعود إلى مقدِّمة المشهد السياسي، كما حدث عقب ثورات الربيع العربي، لذلك يجري تعويق أيُّ تقدُّم لحلحلة الأمور في دول الربيع العربي، وإبقائها في حالة فوضى أو هيمنة لقوى غير ديمقراطية.

4-     القوى المتغلِّبة على المشهد العام اليوم في معظمها لا تؤمن بالجمهورية والديمقراطية والتعدُّدية السياسية، وتاريخها وفكرها حافل بالخصومة والقطيعة مع هذه المعاني، وهذا ما يجعلها تتمسَّك بخيار القوَّة والتغلُّب وإقصاء الآخرين عن أيِّ مشاركة سياسية. فهي لم تنشأ كأحزاب أو تنظيمات سياسية مِن رحم العملية الديمقراطية وخيارات الشعب الحرَّة، ولم تشارك في العمل السياسي ولم تخضع لخيارات الشعوب وإرادتها.

في ظلِّ هذه الأسباب والعوامل يمكن القول إنَّ اليمن سيبقى رهين الفوضى وغلبة الميليشيَّات المسلَّحة والقوى المستبِّدة المعتمدة على منطق الاستبداد والإقصاء والعنف، وإنَّه لا مجال لعودة التعدُّدية السياسية بعد أن أصبح الشعب في حالة أمنيَّة واقتصاديَّة سيِّئة، لا يرتقي فيها تفكيره عن مستوى فوق توفير الاحتياجات المعيشية الضرورية وتأمين بقائه في الحياة دون اعتداء. كما أنَّ انخراط كثير مِن الأحزاب السياسية في الاحتراب، وفشلها في كسب ثقة المجتمع، يحتاج إلى معالجات واسعة وعميقة لاسترداد حضورها وتحسين صورتها بعد التشوُّه الذي لحق بها.

 

التوصيات:

إنَّ هذا التحدِّي الخطير الذي يعيد اليمنيين إلى دوَّامة العنف والصراع والاحتراب يفرض أن تفكِّر النخب السياسية والاجتماعية في معالجة هذا الواقع وآثاره قبل أن يتحوَّل الأمر إلى حالة ردَّة كاملة عن التعدُّدية السياسية والعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، خاصَّة في ظلِّ تراجع الأحزاب السياسية لصالح ميليشيَّات مسلَّحة وظيفية، تقوم على شعارات طائفية ومناطقية، وخطاب ديماغوجي عدائي وأحلام ثورية موهومة، في سبيل إبقاء حالة العسكرة السائدة في الحياة العامَّة.

وهنا يمكن وضع التوصيات التالية:

1-     على الأحزاب اليمنية استعادة نشاطها على مستوى الخطاب والتعبئة والنشاط الميداني بقدر ما تسمح به ظروف الواقع. وأن تعيد بناء مناهجها وأدبيَّاتها بما يتناسب مع المرحلة القائمة بكلِّ أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

2-     على الأحزاب اليمنية والسلطة الشرعية استعادة دور مجلس النوَّاب بشكل عاجل، وتفعيله على مستوى المسار الديمقراطي والسياسي، والاتِّفاق على صيغة انعقاد مقبولة دستوريًّا وقانونيًّا في ظلِّ الظروف الاستثنائية.

3-     على الأحزاب اليمنية نبذ خطاب الكراهية واستنكار ممارسات الميليشيَّات المسلَّحة بشكل واضح وصريح ومستمر، ومِن خلال ثقافة حزبية تعمَّم على الأعضاء والمناصرين.

4-     على الأحزاب اليمنية استعادة نشاطها الإعلامي وحضورها على وسائل الإعلام، والاتصال بالجماهير في الداخل عبر منافذ وقنوات إعلامية مختلفة.

5-     على الأحزاب اليمنية الضغط على الدول الكبرى، والدول الإقليمية المتدخِّلة في اليمن، في سبيل استعادة العملية الديمقراطية والتعدُّدية السياسية، كالتزام سياسي وأدبي تعهَّدت به هذه الدول. والقيام بحراك دبلوماسي للمطالبة بهذا الشَّأن، وتعبئة الرأي العام الدولي بهذا الاتِّجاه.

6-     على الأحزاب اليمنية الضغط على مجلس القيادة الرئاسي لتفعيل مجلس النوَّاب واستعادة سلطات الدولة المختلفة في العاصمة المؤقَّتة عدن، باعتبار أنَّ الجميع ممثَّل في المجلس ولا يوجد ما يوجب تعطيل الدولة وتغييبها.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد