مكاسب الحلفاء... صراع وتنافس إقليمي في ساحة اليمن المفتوح

2023-02-09 03:09:50 أخبار اليوم – تقرير خاص

 

يرتفع سقف التنافس السعودي الإمارات في محافظات جنوب وشرق اليمن، والتي تشهد تصاعدًا متزايدا بين أقطاب التحالف العربي على حساب نفوذ الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، إذ تسعى الدولتان إلى تعزيز حضورهما عبر فصائل مسلحة تتقاسم الولاء بينهما في تلك المناطق.

في الوقت الحالي تحث الرياض خطاها نحو كسب مزيد من المصالح وتعزيز نفوذها السياسي وحضورها العسكري جنوب اليمن، يأتي ذلك بعد نجاح الإمارات في كسب حضورها في المناطق الساحلية اليمنية عند خطوط الملاحة البحرية الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب ناحية القرن الأفريقي.

حالة التنافس بين السعوديين والإماراتيين طفت مؤخرًا على السطح، وانعكست على وحدة المجلس الرئاسي المنقسم بين الولاء للدولتين الخليجيتين، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام تساؤلات كثيرة بشأن مآلاته .

تنافس إقليمي

يبدو أن المفاوضات الثنائية بين السعودية وميليشيا الحوثي، والتي تسير باتجاه تحسين علاقة الرياض بالميليشيا الحوثية أو على الأقل تحييد دورهم في تنافسها التقليدي مع طهران، أدت إلى تصاعد حِدَّة التنافس السعودي الإماراتي وطفوه إلى السطح.

من الواضح أن رياح المشاورات التي تتوسط فيها سلطنة عُمان، أتت بما لا تشتهي سفن الإمارات ووكلائها في اليمن، لا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان ينتظر أن يؤول الصراع في اليمن إلى مفاوضات بين شمال تمثله ميليشيا الحوثي، حليف طهران، وجنوب يمثله الانتقالي، حليف أبو ظبي.

ترفض الرياض هذه المتغيرات، إذ تحرص على إنهاء التنافس الإقليمي لاستقطاب القوى المحلية في اليمن، لتظل هي صاحبة اليد الطولى فيها، سواء من خلال دولة موحدة تدين بالولاء لها قبل غيرها عبر علاقة أقرب إلى التبعية، أو بوجود كيانين سياسيين مواليين للرياض، أي دولة زيدية في الشمال تقف موقف الحياد من التنافس السعودي الإيراني، مقابل الحصول على اعتراف المملكة العربية السعودية ودعمها وتبادل المصالح معها.

أما الكيان الثاني فهو دولة في الجنوب التي تضم مختلف الفصائل المشاركة في الحكومة المعترف بها دوليًا، بما فيها حلفاء السعودية من أحزاب وجماعات سياسية وقادة فصائل عسكرية.

في الوقت الحالي، تصب المملكة العربية السعودية كامل جهودها وتركيزها على مساعيها في الخروج باتفاق يؤول لحوار سياسي بين طرفي الحرب الرئيسيين، وهما ميليشيا الحوثي من جهة والحكومة اليمنية بكل مكوناتها وأطيافها من جهة ثانية.

لكن في حال تعذر تنفيذ هذا السيناريو فسيحافظ الاتفاق السعودي الحوثي على الحدّ الأدنى من البنود، أي استمرار الهدنة، والاكتفاء بمقاربة ميليشيا الحوثي للحل، أي الاستجابة للملف الإنساني، المتضمن مشاركتهم في تقاسم عائدات النفط والغاز، وإزالة القيود أمام دخول سفن النفط إلى موانئ الحديدة...، وتوسيع الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء.

وفي حال تمكنَت ميليشيا الحوثي من فرض تنفيذ هذا السيناريو دون ربطها بملفات أخرى، ومنها "التسوية السياسية الشاملة" التي تريدها الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، بين شمال حوثي وجنوب انتقالي، بما يضمن سيطرة أبو ظبي على بعض الموانئ والجزر ومنها سقطرى في المحيط الهندي قبالة سواحل اليمن الجنوبية وميون باب المندب وميناء بلحاف شبوة، الجنوب الشرقي وقشن المهرة، شرقا وغيره.

في السياق، يشير الصحفي محمد المياس إلى أن هذا السيناريو: هو تحديدًا ما ترفضه الرياض، وإن لزم الأمر تصاعد التوتر مع حليفتها الإمارات، كون السعودية ترى أن اليمن منطقة نفوذها بلا منازع، لا سيما المحافظات الشرقية، أي حضرموت والمهرة.

وقال المياس في حديثه لـ "أخبار اليوم": "لذا من الطبيعي أن تظهر الخلافات على السطح، بين السعودية وحلفائها في المجلس الرئاسي والحكومة، والإمارات وحلفائها في المجلس الرئاسي بتشكيلاته العسكرية".

وأوضح: إن عودة رئيس مجلس الرئاسة برفقة عضو المجلس المحرمي إلى عدن، جاءت بعد يومين من ظهور الزبيدي وطارق صالح في أبو ظبي، وذلك في سياق الصراع السعودي الإماراتي.

وأفاد بأن أبو ظبي تخوض غمار هذا الصراع بترميم التصدعات التي حدثت بين حلفائها في اليمن، فقبل أيام جمعت أبو ظبي لقاء وديًا بين عيدروس الزبيدي وطارق صالح، وهي المرة الأولى منذ حادثة اعتداء قوات الانتقالي على حراسة الأخير في قصر معاشيق بعدن ردًا على قيامهم بالاحتفال بعيد الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو الماضي.

ولم يستبعد تصاعد الصراع السعودي الإماراتي، متوقعًا أن تعمل الإمارات عبر حلفائها المحليين في عدن ووادي حضرموت ومأرب والساحل الغربي على توتير الأوضاع، سعيًا منها لإفساد أي تسوية تسعى السعودية لإبرامها في اليمن، دون أن تضمن لأبو ظبي نصيب الأسد من كعكة المصالح الجيوسياسية.

وقال: "في الغالب لا يظهر الفصيل الموالي للإمارات موقفه الفعلي أو معارضته لأي اتفاق دون إذن حليفه الإقليمي"، مشيرًا إلى أنه في ظل الخلاف الإماراتي السعودي غير المعلن فمن المتوقع أن يجد هذا الاتفاق المزمع إبرامه بين السعودية وميليشيا الحوثي معارضة قوية من الفصيل الموالي لأبو ظبي، وقبولا بدرجات متفاوتة من جانب الفصيل الحكومي الموالي للسعودية.

وبين أن ذلك الاتفاق من شأنه نزع الغطاء عن مشروع الإمارات في اليمن، الأمر الذي يفسر الحملات الإعلامية التي تشنها قنوات ومواقع إخبارية ممولة منها، ضد قرارات الحكومة وتبرز عيوب الوحدة اليمنية، في وقت لا تخفي فيه رفضها للاتفاق السعودي الحوثي.

ويتوقع ازدياد التصعيد السياسي بين الفصائل اليمنية الموالية للإمارات في مواجهة رئيس مجلس الرئاسة والفصيل الحكومي الموالي للسعودية، في محاولة لبسط المزيد من السيطرة على الأرض وإعاقة التوصل لاتفاق سلام.

قنبلة موقوتة

على مدار ثمانية، عمل خلالها التحالف العربي بقيادة الرياض وأبو ظبي على تحويل اليمن إلى ساحة للانقسامات، إذ ازدهرت الفوضى الأمنية في معظم المحافظات الجنوبية المحررة من ميليشيا الحوثي الذين وضعوا قبضتهم على معظم المحافظات الشمالية، باستثناء محافظتي حضرموت والمهرة، اللتين حافظتا على هدوء نسبي حتى الآن.

لكن المحافظة الأكبر في البلاد تعيش مؤخراً وقتاً عصيباً، حيث صعّد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا من خطاباته وتحركاته العسكرية ضد أبنائها، في محاولة لإجبارهم على تبني مشروع انفصال جنوب اليمن الذي يسعى إليه، والذي يستهدف في الحقيقة ضمان مصالح أبو ظبي في الجنوب.

وفي سبيل مواجهة تهديدات الانتقالي ذي التركيبة العنصرية، والقادم من خلفية مناطقية داخل الجنوب، لجأت قبائل حضرموت للاعتصام بذاتها عبر الإعلان عن نفسها ككيان ودولة مستقلة، مستعينةً بواقعها قبل ستينيات القرن الماضي، في خطوة يرجح كثيرون أن تكون مناورة غرضها ضرب "الانفصال بالانفصال".

من جهتها، قالت الصحفية والناشطة السياسية اليمنية منى صفوان: "إن هناك أكثر من أجندة خليجية في اليمن"، مضيفة "أن هناك صراع أجندات ظهر بعد السيطرة على مدينة عدن، وإخراج ميليشيا الحوثي أو القوات الشمالية منها، في العام 2015".

وتابعت صفوان في حديث لوسائل إعلام: "إنه حينها، ظهرت هناك رغبة للإمارات في التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية في كل الجنوب اليمني، وهو أمر لا تفضله السعودية".

وأشارت إلى أن المملكة لا تؤيد الانفصال وقيام دولة الجنوب العربي، وهو المشروع الذي تدعمه الإمارات، في إشارة إلى المشروع الذي يرفعه المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكل عام 2017 بدعم من أبو ظبي.

واستطردت الصحفية بالقول: "السعودية لديها مشروع آخر وهو اليمن الاتحادي المتمثل بتقسيم اليمن إلى أقاليم"، مؤكدة أنه يمكن القول إن الصراع بين مشروعين الأول تقوده أبو ظبي "الجنوب العربي"، والثاني تقوده الرياض وهو "اليمن الاتحادي".

ووفق الصحفية والناشطة السياسية اليمنية فإن الرياض لا تفضل الانفصال لأنه سيؤثر على أمنها القومي... وسيعني التشظي ومزيدا من الانفلات الأمني وفقدان السيطرة على الأمور والذي سيؤثر سلبيا على المملكة.

ولفتت إلى أنه من الواضح أن السعودية ذهبت إلى اتفاق الرياض (2019) لاحتواء المجلس الانتقالي، ثم ذهبت بعد ذلك في إدخال الانتقالي وطارق صالح حلفاء الإمارات في المجلس الرئاسي ليكونوا جزءا من الشرعية الجديدة في محاولة منها لاحتوائهما.

لكن محاولة السعودية، بحسب الناشطة صفوان، لم تنجح حتى الآن، في حين أن أبو ظبي ماضية في مشروعها في اليمن.

وبالعودة إلى العام 2016، تقول الصحفية اليمنية: "إن الإمارات عندما وجدت أن السعودية تمنع تواجدها العسكري الاستراتيجي في هذه المنطقة (الجنوب اليمني) فقد هددت بالانسحاب من التحالف".

وأردفت: "وهي أكثر من مرة هددت بذلك، في عملية ابتزاز سياسي للعربية السعودية التي تصر على وجود أبو ظبي حتى لا تبدو وحيدة في مواجهة ميليشيا الحوثي".

وذكرت أن حرب السعودية في اليمن هي ضد "ميليشيا الحوثي" أو لنقل الأذرع الإيرانية، لذا فهي تذهب لاحتواء ميليشيا الحوثي.

وأكدت صفوان أن التنافس بين أبو ظبي والرياض سيفرز صراعًا كبيرًا جدًا، وقد يقود إلى تفجر الأمور بينهما، والذي سبق أن انفجر في أكثر من مرة.

لكنها توقعت أن تكون ميليشيا الحوثي في هذه المرة، جزءًا من اللعبة، قائلةً: "ممكن أن يشترك الحوثيون مع السعودية في ضرب النفوذ الإماراتي ومواجهة مشروعها، لأن من مصلحتهم إبعاد طارق صالح من منطقة الساحل الغربي".

وأكملت: "وربما سيكون هذا الثمن لجماعة الحوثي، أن تفجر معركة في تلك المنطقة المهمة في الحديدة، كونها لا ترغب في وجود هذا المنافس الشمالي لها في منطقة استراتيجية وحيوية. ويقوم الآن طارق صالح، بتثبيت أركان حكمه ويفتتح مطارا وقاعدة عسكرية ومدينة سكنية، ويغير في البنية السكانية، وهو أمر لا تريده ميليشيا الحوثي".

ومضت بالقول: "ربما سيتفجر الصراع بهذا الشكل، إذ إن طارق صالح لم يستطع البقاء على الحياد بين السعودية والإمارات".

وبخلاف رغبته، وفقًا للصحفية صفوان، فإن "أبوظبي تلزم طارق صالح بموقف قوي وجدي معها مقابل دعمه عسكريًا وماليًا وأمنيًا وما إلى ذلك".

وأوضحت أن اليمنيين اليوم، غير قادرين على التحرر من هذه الأجندة؛ فالحرب في اليمن خليجية وليست يمنية يمنية.

وأشارت إلى أن الحلقة الأضعف في هذا الصراع هي "الطرف الجنوبي" المتمثل في المجلس الانتقالي، وذلك عسكريًا وأمنيًا وإعلاميًا وتنمويًا، بسبب انعدام الدعم الحقيقي.

وقالت، إن هذا واضح من مقدار قوتهم على الأرض، في مقابل المجلس الرئاسي، الذي يعد هو الأقوى، إضافة إلى الأحزاب الأخرى كالإصلاح، والتي ما زالت أقوى جنوبًا من الانتقالي.

والسبت الماضي، عاد رئيس المجلس القيادي، رشاد العليمي، إلى العاصمة المؤقتة عدن، برفقة عضو واحد من المجلس الرئاسي، في حين يقيم عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في أبوظبي.

وبعد يوم من وصوله عدن، أصدر العليمي قرارا بإنشاء وحدات عسكرية جديدة باسم "درع الوطن"، وهي قوات تشرف عليها السعودية تدريبًا وتسليحًا، في واحدة من تجليات التصدع المتزايد مع الإمارات، وفق مراقبين.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد