محادثات الرياض والحوثيين... وليمة على مائدة الرجل المريض

2022-11-01 23:48:57 أخبار اليوم – تقرير خاص

 

ما أن يخفت صوتها، حتى تعود لتثير التكهنات حولها من جديد، ذلك هو حال المفاوضات "السرية" المتعثرة بين السعودية ومليشيا الحوثيين، والتي يعتبرها البعض جزءًا من مؤامرات الرياض وتخبطها في اليمن ضمن مساعيها الإمساك بجميع خيوط اللعبة.

 

لكن وفي الواقع، لم يتحقق للرياض أيًا من ذلك سوى مزيد من الخيبة، رغم أن تلك المفاوضات بدأت منذ العام 2016، وما زالت مستمرة بشكل متعثر ومتقطع حتى الآن، حيث يشكل أمن الحدود السعودي والهجمات الحوثية على أراضي المملكة والعلاقات المستقبلية بين الطرفين أهم محاور تلك المفاوضات، وفق ما يتسرب لوسائل الإعلام من معلومات بشأنها.

 

ربما ثمة محاور أخرى تدار بسرية تامة ولم تجرؤ الرياض بعد على كشف النقاب عنها، ولا يستبعد أن يكون لجحافل النظام الإمامي الملكي، الذين استضافتهم المملكة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 ومنحتهم جنسيتها، دور في تلك المفاوضات، ومحاولة التوسط لدى مليشيا الحوثيين بأن يغيروا ولاءهم للمملكة ويبتعدوا عن إيران، مقابل وعود من الرياض بإبقائهم طرفاً فاعلاً في اليمن.

 

ما خفي أعظم

 

في السياق، قال القيادي في مليشيا الحوثي إن مفاوضات جماعته مع السعودية تشمل وقف الحرب ورفع الحصار وإعادة الإعمار، في تلويح بانتقال الحوار بشأن الأسرى إلى ملفات أخرى. 

 

وقال ممثل المليشيا في فريق التفاوض عبدالملك العَجري، إن المرحلة السياسية من الحوار ستشمل الأطراف اليمنية الأخرى في إشارة للحكومة. 

 

وفي منتصف الشهر الحالي، جرت زيارات متبادلة بين مليشيا الحوثي والسعودية، في إطار محاولات التوصل لاتفاق بشأن الأسرى كما جاء في بيانات الطرفين. 

 

إلى ذلك، جددت مليشيا الحوثي التلويح بالخيار العسكري في حال لم تصرف الحكومة مرتبات مقاتليها من عائدات النفط والغاز، ولم تمدَد الهدنة وفق شروطها. 

 

وقال وزير الدفاع في حكومة المليشيا غير المعترف بها محمد العاطفي، إن دول التحالف والحكومة أمام خيارين، إما هدنة ومرتبات أو صواريخ ومسيّرات، حد تعبيره. 

 

وزعم القيادي الحوثي بأن الثروة النفطية والموارد السيادية اليمنية لا سيادة لأحد عليها إلا لصنعاء، في إشارة إلى جماعته. 

 

وفي سياق آخر اتهمت مصادر غربية إيران بالوقوف خلف فشل الأمم المتحدة في إقناع مليشيا الحوثيين بالموافقة على تمديد الهدنة الإنسانية. 

 

وقالت "إليزابيث كيندال" الخبيرة في شؤون اليمن بكلية جيرتون في كامبريدج، إن قرار مليشيا الحوثي بعدم تجديد الهدنة قد يكون مدفوعاً جزئياً بمؤازرتها الرئيسية لإيران. 

 

وأوضحت أن إعادة تصعيد الصراع باليمن يُستخدم ورقة للإلهاء عن ارتفاع وتيرة الاضطرابات الداخلية في إيران، وفرصةَ ضغط محتملة لتحقيق المزيد في المحادثات المتعثرة بشأن الاتفاق النووي. 

 

ورجحت "كيندال" استمرار إيران في دعم الجماعات المسلحة بالمنطقة على رأسها مليشيا الحوثي باليمن.

 

تصور آخر

 

المحادثات التي تجريها المملكة العربية السعودية قائد التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، مع مليشيا الحوثي الانقلابية، تدور تحت غطاء مشدد وغاية في السرية، فلا يمكن الخروج بتصور كامل لمجريات هذه المفاوضات، غير أنها مفاوضات مريبة وقد تصب بصدمة كبيرة للجانب الحكومي الغائب عنها فعليًا. 

 

من جانبه، يقول الكاتب والصحفي يعقوب العتواني، إن: "لا أحد يستطيع أن يجزم تماماً بما يمكن أن تنتهي إليه هذه المحادثات طالما أنها سرية بشكل كبير، وطالما أن المعلومات المحدودة التي رشحت عنها خاضعة للصراع الدعائي بين الطرفين". 

 

وأوضح العتواني في حديثه لـ"أخبار اليوم": أنه "منذ السنوات الأولى للحرب بدأت المفاوضات السرية بين مليشيا الحوثيين والرياض، وفي كل مرة كانت تصل إلى طريق مسدود، وكان ذلك يتكشف من خلال عودة التصعيد على الأرض". 

 

وأشار إلى أنه: "منذ اتفاقية "ظهران الجنوب" السرية بين الطرفين عام 2016، ظهرت الكثير من الأنباء عن استئناف التواصل عبر القنوات الخلفية، وبرز خلال السنوات الأخيرة حديث المنطقة الحدودية العازلة التي تطالب بها السعودية من مليشيا الحوثيين".

 

وأضاف: "لكن ذلك لم يمنع عودة الحرب بين الطرفين التي استمرت حتى مطلع أبريل الماضي عند إعلان الهدنة الأممية".

 

وقال العتواني: "هناك معطيات جديدة، نعم، ولكن هذا لا يعني أن الواقع أصبح موائماً بما يكفي لإنجاز صفقة سياسية تحسم الحرب بين الطرفين، والعامل الأكبر في ذلك هو خضوع مليشيا الحوثيين الكبير للإملاءات الإيرانية، وعدم قدرتهم على البت في اتفاق كامل وحاسم مع المملكة اعتماداً على مقاربتهم" 

  

وأشار إلى أن: "حديث مليشيا الحوثيين عن معادلة لـ" إنهاء الحرب مقابل إعادة الإعمار" هو إلى حد كبير حيلة دعائية لإظهار أن قدرتهم على فرض أجنداتهم في هذه المفاوضات غير محدودة، وحتى وإن كانوا فعلاً هم الطرف الأقوى في المحادثات، إلا أن للسعودية أوراقها رغم كل شيء". 

 

وفيما يتعلق بخطورة هذه المفاوضات على الجانب الحكومي، يقول العتواني: "بشكل عام، خطورة هذه المحادثات على الحكومة اليمنية قد تحققت مسبقاً بمجرد تجاهلها من قبل السعودية، وعدم وضعها في صورة ما يجري". 

 

بداية المفاوضات

 

بدأت أول جولات المفاوضات السرية المباشرة بين السعودية ومليشيا الحوثيين في مارس 2016 في مدينة ظهران الجنوب السعودية، أي بعد نحو تسعة أشهر من بدء عملية "عاصفة الحزم". 

 

اتسمت تلك المدة بمعارك ميدانية ضارية في جبهات الداخل وهجمات جوية مكثفة ومركزة على مواقع مليشيا الحوثيين والقوات العسكرية الموالية لعلي صالح ومخازن أسلحتها.

 

لكن تلك المفاوضات السرية بدأت بعد اشتداد المواجهات في المناطق الحدودية، وأفضت إلى تهدئة مؤقتة للمواجهات، وتبادل الأسرى بين الطرفين، ووصف الجانب السعودي تلك المفاوضات بأنها تمت استجابة لوساطات قبلية في المناطق الحدودية، وتهدف إلى التهدئة وإدخال المساعدات والأدوية إلى سكان المناطق المتضررة من الحرب.

 

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، فالمغزى السياسي لتلك المفاوضات كان له تأثيره، على العلاقة بين مليشيا الحوثيين وحليفها علي عبد الله صالح، حين اتخذ علي صالح من مليشيا الحوثيين ورقة لابتزاز السعودية.

 

لكن الرد السعودي كان بإجراء مفاوضات مباشرة مع مليشيا الحوثيين واستبعاد حليفهم وشريكهم في الانقلاب علي صالح، وهو ما يعني اعتراف السعودية بمليشيا الحوثي كممثل عن الطرف الانقلابي والتهميش المتعمد لعلي صالح وجناحه في حزب المؤتمر.

 

تثير المفاوضات السرية بين السعودية ومليشيا الحوثيين، غضب أنصار الحكومة الشرعية وغضب الشارع اليمني الرافض للحوثيين بشكل عام، كون تلك المفاوضات بمنزلة مؤشر على محاولة السعودية الانفراد بإدارة ملف الحرب والسلام وتقرير مصير اليمن. 

 

كما تعمد من خلال هذه المفاوضات إلى تهميش السلطة الشرعية وإضعافها وتصفيتها، مقابل التواصل المستمر مع مليشيا الحوثيين رغم أنها الطرف الرئيسي في إشعال الحرب والانخراط ضمن المشروع الإيراني المهدد للمنطقة والإقليم.

 

وبعد أول مفاوضات في مارس 2016، لم يشهد العام 2017 أي تواصل مباشر بين السعودية ومليشيا الحوثيين، رغم أنه شهد تصاعد هجمات مليشيا الحوثيين على أراضي المملكة بواسطة الصواريخ البالستية، ثم استؤنفت المفاوضات السرية في مارس 2018، أي بعد نحو ثلاثة أشهر من أحداث ديسمبر 2017 التي شهدتها العاصمة صنعاء وانتهت بقتل مليشيا الحوثيين لعلي صالح وانفرادهم بإدارة جميع المحافظات غير المحررة.

 

وفي حين نفى مسؤولون سعوديون الأنباء التي تحدثت في ذلك الوقت عن مفاوضات سرية بين المملكة ومليشيا الحوثيين، لكن وكالة رويترز كشفت حينذاك أن المتحدث باسم مليشيا الحوثيين، محمد عبد السلام، تواصل مباشرة مع مسؤولين سعوديين في سلطنة عمان بشأن "حل شامل للصراع" دون حضور ممثل عن الحكومة الشرعية.

 

وفي سبتمبر 2019، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة الرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، تدفع السعودية لإجراء محادثات سرية مباشرة مع قادة مليشيا الحوثيين في سلطنة عمان.

وبعد أيام قليلة، أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر، في تصريح صحفي خلال زيارة له إلى السعودية، أن واشنطن تجري محادثات مع مليشيا الحوثيين من أجل التوصل لحل ينهي النزاع في اليمن. وربما أن تصريح المسؤول الأمريكي، من داخل الأراضي السعودية، كان محفزًا للرياض على استمرار التواصل وإجراء المفاوضات مع مليشيا الحوثيين بشأن إنهاء الصراع في اليمن.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد