الأمريكان ونماذج السلام... مفارقات واشنطن بين أوكرانيا واليمن.

2022-10-09 23:45:41 أخبار اليوم – تقرير خاص

  

ما بين ملف الأزمة اليمنية والأزمة الأوكرانية، تباين كبير للدور الأمريكي فيما يخص دعاوى السلام وإنهاء الحرب المستعرة في البلدين، ففي حين تسعى الولايات الأمريكية المتحدة لفرض نموذج سلام غير متكافئ في اليمن، ترفض وبشدة تنفيذ النموذج نفسه في أوكرانيا مع الروس

 

ذلك التباين في الدور الأمريكي بين ملفات الأزمتين الأوكرانية واليمنية، يضع العديد من التساؤلات حول أهداف ومساعي الأمريكان في اليمن، وما الذي تسعى لتحقيقه من خلال ما تصفه بالسلام وإنهاء الأزمة اليمنية، طالما ترفض التسليم به في أراضي حليفتها كييف التي تواجه حرب الروس منذ أشهر؟ 

 

نماذج السلام

 

في مراحل الأزمات والحروب، يتحول مفهوم السلام إلى غاية حتمية أمام البلدان المتعبة، غير أن للسلام نماذج ومفاهيم مختلفة، تحدد مفاهيمه المتباينة سياسة البيت الأبيض في واشنطن، فتعمد الأمزجة السياسية للولايات الأمريكية المتحدة لتحديد أي نوع من أنواع السلام مناسبًا لبلد ما، ويختلف الحال من بلد لآخر، بحسب ما تقتضيه حاجة الأمريكان

 

في الواقع هناك ثلاثة نماذج مختلفة للسلام، ففي الأول سلام يعتمد على احتكار السلاح والقوة العسكرية للدولة الرسمية في البلاد، ويلزم باقي الأطراف التحول إلى مكونات سياسية في إطار الدولة ذاتها، وهو النموذج الذي يفرض على باقي الأطراف المناهضة للحكومة بالقوة وبدعم إقليمي إن لزم الأمر، ويمكن من خلاله إنهاء الحرب بشكل نهائي وتحقق سلام مستدام في البلاد، غير أن البيت الأبيض، لا ترى هذا النموذج صالحًا لتطبيقه في اليمن، وتسعى بشدة لفرضه وتحقيقه في أوكرانيا التي تخوض حربها مع الروس والأقاليم الانفصالية

 

أما النموذج الآخر للسلام، فيعتمد على انتصار أحد أطراف الصراع، أما الحكومة الشرعية للبلاد، أو الطرف الآخر المتمرد والذي يمتلك القوة العسكرية والسلاح، ويعتمد هذا النموذج من السلام على قوة التسليح لأحد الأطراف التي تقوم بحسم المعركة بشكل نهائي لصالحها، فتعمل على فرض السلام رغمًا عن باقي الأطراف

 

وعلى الرغم من رفض واشنطن لهذا الشكل من أشكال السلام أن يكون في أوكرانيا، إلا أنها تتصالح مع هذا النموذج وتسعى لتحقيقه في اليمن، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها لا تريد أن يتم فرضه من قبل للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا على حساب مليشيا الحوثيين الانقلابية، بل أن سياستها على ما يبدو تتصالح مع فكرة أن يكون هذا الحسم لصالح مليشيا الحوثيين على حساب الحكومة واليمنيين

 

في هذا النموذج، تواجه الولايات الأمريكية المتحدة صعوبات عدة في حال أرادت حسم المعركة ضد الحكومة الشرعية وإنهاء الحرب لصالح مليشيا الحوثيين الانقلابية، ففي حين قبل التحالف العربي بهذه النتيجة بعد أن أرهق الحكومة اليمنية خلال الثمانية أعوام من الحرب، تدرك واشنطن جيدًا أن المعركة ليست معركة الحكومة وحدها، بل أنها معركة اليمنيين ولن يقبلوا بنهاية مؤسفة كهذه

 

وفيما يتعلق بالنموذج الثالث للسلام والذي ترفض أيضاً فكرة تطبيقه على ملف الأزمة الأوكرانية، فيعتمد في الحقيقة على حلول توافقية لا يمكن أن يكون أكثر من كونه خديعة كبيرة كثيرًا ما انطلت على الشعوب والساسة

 

هذا النموذج هو الأكثر تشوهًا من سابقيه، حيث تسعى واشنطن من خلاله لفرض حلول توافقية عرجاء، بهدف تمكين جميع الأطراف الحفاظ على قوتها العسكرية وإن كانت موازية لقوة الدولة والحكومة، ثم المضي في محادثات سلام بين الحكومة والفصائل المسلحة المناهضة للحكومة .

 

في هذه الحالة، يحظى الطرف الأقوى بامتيازات أفضل، وسواءً كانت الحكومة هي الأقوى عسكريًا وميدانيا، أو الطرف المتمرد، حيث تأتي النتيجة النهائية لهذا السلام من خلال تقييم المفارقات الميدانية لأطراف الحرب

 

هذا النموذج الأخير للسلام، هو بالتحديد ما تسعى واشنطن والبيت الأبيض لتنفيذه في اليمن، وهو ما تراه مناسبًا لسياساتها في الشرق الأوسط عمومًا، حيث تريد الإبقاء على الحكومة اليمنية في حالة ضعف، وإدراج مليشيا الحوثيين كشريك سياسي في الحكومة، مع الحفاظ على القوة العسكرية لهذا الأخير

 

النموذج اليمني

 

السلام الذي تريده واشنطن في اليمن، يختلف تمام عن السلام الذي يريده اليمنيون لأنفسهم، حيث يعتمد مفهوم السلام بالنسبة لليمنيين على هزيمة ودحر الانقلاب الحوثي الملشاوي، واستعادة مؤسسات الدولة، وبسط سيطرتها على كامل تراب اليمن، تحت كنف دولة اتحادية مدنية، يتساوى اليمنيون فيها في الحقوق والواجبات، بينما السلام في اليمن لدى الأمريكان، هو تأمين حلفائها في الخليج العربي، من أي مخاطر تهددها .

 

تريد الولايات الأمريكية المتحدة، فرض سلام شكلي ومؤقت، ذلك النموذج الملغوم للسلام، هو تحديدا ما تسعى لفرضه على ملف الأزمة اليمنية، وقد كشفت حرب الثمانية أعوام حقيقة السياسة الأمريكية المنادية بالسلام في اليمن

 

النموذج نفسه الذي جاء بموجبه تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بعد أن خسرت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا وجودها في الشقي الجنوبي للبلاد، بعد تعرضها لانقلاب مواز في عدن نفذ برعاية خليجية رسمية، وتحديدا دول التحالف العربي على رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي للأمريكان ومنفذ مشاريع واشنطن في المنطقة

 

بعد تمويل دولة الإمارات لانقلاب آخر ضد الحكومة الشرعية في عدن، نفذته فصائل مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بتعاون سعودي، ليكون موازيًا لانقلاب الحوثيين في العاصمة صنعاء، وجدت الحكومة الشرعية نفسها مشردة من صنعاء ومطاردة للمرة الثانية في عدن، فيما لا يمكنها ممارسة صلاحياتها السيادية بشكل نهائي

 

في هذا التوقيت، جاءت دعوى دول مجلس التعاون الخليجي بتمويل سعودي إماراتي للخوض في مشاورات وصفت بمشاورات السلام، تحت مسمى مؤتمر الرياض، وكانت النتيجة حلول ترقيعية توافقيه، لا ترقى لمستوى الحدث نهائيًا، وكانت مخرجاته تشكيل مجلس قيادة رئاسي لحل الأزمة في جانب الحكومة

 

هذا السلام الذي جاء بموجبه تشكيل مجلس قيادة رئاسي نسف المضامين الديمقراطية في اليمن أولا، ثم سلب حكومة هادي شرعيتها دون أن تحظى بأي تأييد شعبي أو استفتاء، فكانت نتيجة هذه الخديعة تحقيق سلام شكلي تحت شعارات توافقية، لم يلبث حتى انهار من جديد

 

هذا النموذج تحديدا، ما تسعى لتحقيقه البيت الأبيض في اليمن، والذي تسعى إلى أن تنتهي الأزمة اليمنية بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين إليه، وبذلك تضمن بقاء اليمن في دوامة الصراع الأبدي، دون التوصل لأيًا من مظاهر الاستقرار السياسي ولو بشكل بسيط، بل هو سلام شكلي مؤقت لا يضمن للحكومة أدنى مظاهر السيادة السياسية

 

  ما يهم الأمريكان في اليمن، هو التوصل لسلام يحفظ أمن ومصالح حلفائها الإقليميين وأعيانهم المدنية أو العسكرية، من أي مخاطر يمكن أن تؤثر على خطوط إمدادات الطاقة، فيما لا تكترث واشنطن بخطر مليشيا الحوثيين على الشعب اليمني وما تمارسه من تدمير له ولمقدراته، بقدر ما يعنيها خطر الميليشيات الحوثية على أمن حلفائها وتهديدها لمنابع الطاقة في الخليج العربي

 

  بل إنها ترى أن الحفاظ على توازن الضعف، بين القوى العسكرية داخل اليمن صار أمرًا ملحًا، ليستمر تدخل واشنطن في المنطقة، وهو التدخل الذي يضمن لها الاستمرار في ابتزازها هذه الدول

 

بالمجمل تنظر أمريكا للسلام بمنظور انعكاسات الحرب عليها وعلى حلفائها، بغض النظر عن تحقيق السلام الأهلي والمجتمعي في اليمن من عدمه، أو زعزعة أمن اليمن أو استقراره، فتلك أمور ثانوية لا تعني واشنطن من قريب أو من بعيد، بقدر تأثيرها على أجندتها وأهدافها لا غير

 

تباين الأمريكان

 

ما تقبل به الولايات الأمريكية المتحدة في اليمن، غير مقبول لديها في أوكرانيا، تلك هي شهية السياسة لدى واشنطن، فبحسب ما تقتضيه مصالحها هنا وهناك، تختلف مجريات سياستها، لتفرض شيء على اليمن وترفض تطبيقه على كييف

 

ففي أوكرانيا، تختلف الأهداف الأمريكية تمامًا عن ما هي عليه في اليمن، حيث تمثل الأزمة الأوكرانية امتداد للنفوذ الأمريكي في أوروبا، وهي التي تسوق لنفسها كقائد رئيسي لحلف الناتو

 

كما أن المساعي الأمريكية في الأزمة الأوكرانية، ترتبط بمخاوف البيت الأبيض من التواجد الروسي، كما أنها توفر لها العذر لخوض حرب ضد أوكرانيا دون أن تكون الخاسرة فيها مهما كانت النتائج، سواءً لصالح الكرملين أو كييف .

   

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد