الهدنة الأممية... ما بين فلسفات الساسة وتكهناتهم

2022-09-29 03:08:31 أخبار اليوم – متابعات خاصة (الحلقة الأولى)

 


بعد إعلان الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لدى اليمن، في أبريل/نيسان من العام الجاري، التوصل إلى هدنة بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، ومليشيات الحوثيين المتمردة، وهي الهدنة التي أعلن معها عدة أهداف منها وقف إطلاق النار بين الطرفين، وفتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة وفتح المنافذ الرئيسية ورفع حصار مليشيات الحوثيين عن مدينة تعز، مناطة بمدة زمنية تمتد لشهرين قابلة للتجديد.

نجحت الأمم المتحدة بتجديد الهدنة مرتين إضافيتين، وكانت الثالثة هي الأكثر صعوبة بحسب ما ذكره مركز أبعاد للدراسات والبحوث، وقال إنه "قبل يومين فقط من انتهائها تم إعلان تمديد الهدنة حتى الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022". مشيرا إلى أنها أطول فترة تتوقف فيها المعارك في البلاد منذ 2015.

نجحت الهدنة الأممية بتنفيذ جزء من أهدافها، وهي التي تصب في صالح مليشيات الحوثيين، مثل فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، فيما عكفت عند الأهداف المتعلقة بالجانب الإنساني قبل أن تكون في صالح الحكومة الشرعية، وهي تلك المتعلق بفتح المنافذ الرئيسية ورفع الحصار عن مدينة تعز، فيما لا يتوقف إطلاق النار سوى من الجانب الحكومي.

وفي السياق، نشر مركز أبعاد للدراسات والبحوث، دراسة تحت عنوان "هدنة حرب اليمن بين متغيرات جديدة تفرضها وواقع يهددها" وهي الدراسة التي تناقش مستقبل الهدنة في الأممية في اليمن، والانتهاكات التي حدثت خلال زمن الهدنة، والطرف المسؤول عنها، وتركز على المتغيرات خلال الهدنة والتي تؤثر على استمرارها ونقضها من قِبل الأطراف. كما توضح اشتراطات مليشيات الحوثيين والمتغيرات الإقليمية والدولية.

أهداف وسياسات.

في السياق، يقول مركز أبعاد: كانت صيغة الهدنة قصيرة لكن جزء منها غير واضح: وقف شامل لإطلاق النار، والتشاور لفتح طرقات مدينة تعز، فتح ميناء الحديدة، ومطار صنعاء الدولي نحو وجهات محددة. وخاض الطرفان مشاورات في العاصمة الأردنية عمّان، توقفت بعد هجوم مليشيات الحوثيين على مدينة تعز نهاية أغسطس/آب بتعليق الوفد الحكومي للمشاورات، وهو الهجوم الذي أدى إلى إدانة محلية ودولية أغضبت مليشيات الحوثيين. 

فيما يشير إلى أن: "الهدنة كانت بالنسبة للحكومة اليمنية طريق إجباري بسبب الضغوط القادمة من السعودية والإمارات والتي أدت في محصلتها لمرحلة انتقالية جديدة في معسكر التحالف/الحكومة بإعلان مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل/نيسان، فيما بدت للحوثيين فرصة لتحسين موقفهم وشروطهم وأخذ استراحة مع الضغط الدولي الذي حدث لهم في خضم التفاوض الإيراني بشأن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي".

وتعتقد الدراسة أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فشلوا في دفع الهدنة إلى حالة من الاستدامة، أو أن توسع مدتها لتكون أكثر من شهرين مع كل تمديد، وكان التمديد الثالث للهدنة الذي ينتهي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022 صعباً للغاية مع رفض مليشيات الحوثيين العودة إليها. ونشير إلى عديد من التطورات خلال نفس الفترة. 

أهداف الهدنة.

في حين تذكر الدراسة أن وقف إطلاق النار كان ضمن الأهداف المناطة بالهدنة الأممية، تعود للحديث عن إحصائيات كبيرة للخروقات العسكرية لمليشيات الحوثيين على جبهاتها مع الحكومة الشرعية الملتزم الوحيد بهذا البند.

يقول مركز أبعاد: "تبادلت الأطراف الاتهامات بخرق الهدنة العسكرية إما بتبادل إطلاق النار على بعض المواقع في الجبهات أو بالتحشيد العسكري أو بإطلاق القذائف والصواريخ على المدن أو بشن هجمات. وينص اتفاق الهدنة على "وقف العمليات الهجومية" وتجميد المواقع العسكرية على الأرض كما كان عليه الأمر صبيحة اليوم الثاني من أبريل/نيسان".

وبحسب الدراسة فإن الإحصائيات المستقلة حول انتهاك الهدنة بين "الثاني من أبريل/نيسان والتاسع من سبتمبر/أيلول 2022"، تبين أن مليشيات الحوثيين ارتكبوا أكثر من 94% من انتهاكات وقف الهدنة، و96% من حالات الوفاة: ارتكب الحوثيون 2382 انتهاكا من أصل 2527 انتهاكا، وتسببوا بـ431 حالة وفاة من أصل 450 حالة وفاة.

وذكرت: "جماعة الحوثي المسلحة مسؤولة عن 100% من الاشتباك المسلح بين الطرفين (333) هجوم مسلح، وسجل قيامهم بـ1796 انتهاك عبر القصف الصاروخي والمدفعي من أصل 1846، وانتهكوا الهدنة بالطائرات المسيرة 228 مرة من أصل 323 انتهاكا بالطائرات للتحالف والحكومة، وتسبب الحوثيون بـ25 حادثة ألغام (100%)".

وفيما يتعلق بفتح ميناء الحديدة، يشير مركز أبعاد، إلى أنه: "في سبتمبر/أيلول 2022 أعلنت الحكومة السماح لسفن المشتقات النفطية بالعبور إلى ميناء الحديدة دون الحصول على تصاريح، ويبدو أنه بدون تفتيش آلية الأمم المتحدة، بعد أن افتعل الحوثيون أزمة وقود في مناطق سيطرتهم واتهموا التحالف باحتجاز الناقلات. في وقت إعلان مليشيات الحوثيين أزمة وقود كانت خزانات الوقود التي تم إصلاحها في ميناء الحديدة مليئة بالكامل، والسفن التي كانت في طريقها ستبقى في الغاطس حتى تفريغ الخزانات".

وقال: "كان هذا التنازل الجديد من الحكومة اليمنية تأكيد على ضعف ووهن أصابها أكثر من كونه حاجة ماسة للسكان في مناطق مليشيات الحوثيين، وكان ذلك واحد من شروط مليشيات الحوثيين كامتياز لإعادة التفاوض مع الأمم المتحدة بشأن تمديد الهدنة".

ومن جهة أخرى، أشارت الدراسة إلى أنه: "بالنسبة لمطار صنعاء الدولي، كان الاتفاق على منح المطار وجهتين رئيسيتين نحو عمّان العاصمة الأردنية، والقاهرة العاصمة المصرية، وافقت الحكومة اليمنية على السماح بجوازات السفر الصادرة من مليشيات الحوثيين للسفر إلى الوجهتين، وقَبلت الحكومة الأردنية تحت ضغط من الأمم المتحدة الجوازات القادمة من مليشيات الحوثيين".

وأضافت: "وافقت القاهرة تحت ضغط من الأمين العام للأمم المتحدة على السماح بالرحلات من مطار صنعاء لكن بعد رحلة واحدة تراجعت الحكومة المصرية على المنح، اشترط المصريون آلية تفتيش خاصة بهم من خلال لجنة من جانبهم في مطار صنعاء. وفي سبتمبر/أيلول قال الحوثيون إنهم حققوا نجاحاً في التفاهم مع المصريين بشأن عودة الرحلات الجوية إلى القاهرة".

وأكدت على أن الحكومة اليمنية والتحالف نفذوا هذا الشق من اتفاق الهدنة، بالمقابل لم ينفذ الحوثيون الطلب الوحيد للحكومة وهو فتح طرقات مدينة تعز.

وأشارت دراسة أبعاد إلى أنها: "ليست المرة الأولى التي يتم فيها مناقشة رفع الحصار المفروض على مدينة تعز، هي المرة الثانية التي يقوم الحوثيون برفض رفع الحصار المفروض على المدينة منذ اتفاق ستوكهولم 2018م والذي أوقف هجوم القوات الحكومة على مليشيا الحوثيين في مدينة الحديدة الساحلية".

وقالت: "في نهاية المطاف ساهم فشل الأمم المتحدة في تقديم صيغة واضحة لبنود الاتفاق إلى تفسيرها من قِبل مليشيا الحوثيين بما يخدم أهدافهم والذي وصل في النهاية إلى عدم تنفيذ أي بنود من الاتفاق".

متغيرات.

في السياق، تستعرض الدراسة متغيرات الهدنة الأممية ما بين المتغيرات الداخلية على المستوى المحلي، وأخرى متغيرات خارجية على المستوى الإقليمي والدولي، ففي حين يأتي متغير الشق الداخلي بتوسيع الهدنة، ووفد مفاوضات عمان، والعروض العسكرية، يأتي أيضا متغير أزمة معسكر الحكومة الشرعية.

وهناك الشق الخارجي المرتبط بحسب الدارسة بالمفاوضات السعودية مع مليشيا الحوثيين، ثم مفاوضاتها مع طهران برعاية الولايات الأمريكية المتحدة ومراكز قوى أوروبية أخرى، وكذلك التهديد الإيراني، والمخاوف الدولية بشأن الأزمة الأوكرانية وحاجة الغرب للطاقة من الخليج والتي تعود بالتأثير على الملف اليمني.

وذكرت الدارسة الدور السلبي للأمم المتحدة، وإدراك البيت الأبيض الحاجة إلى حل دائم للحرب في اليمن، وأدى ضغط بايدن على السعودية إلى تمكين مليشيا الحوثيين وحلفاءهم الإيرانيين في المنطقة.


فرضيات.

ترى دراسة مركز أبعاد، أن وقف إطلاق النار في اليمن، هو الطريق الوحيد الإجباري للطرفين في الوقت الحالي. لكن نجاحها في التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب مرتبط بعدة أمور.

منها التجديد المستمر للهدنة، حيث تعتقد أنه كلما طالت مدة التفاوض والتجديد فإن موقف الطرفين يظل أكثر حدة؛ لذلك يفترض عدم تكرار تجديد الهدنة دون تنفيذ بنودها بشكل دقيق وجازم.

فيما ترى أنه لا يبدو أن الأمم المتحدة تستفيد من تجاربها، حيث تمكن مليشيا الحوثيين من التفوق عليها مراراً وتكراراً وأشارت في ذلك إلى أمرين رئيسيين، أحدهما أن تكون لغة أي اتفاق دقيقة وواضحة، حيث تعتقد أن غروندبرغ لا يبدو أنه استفاد من تجربة "اتفاق ستوكهولم" حيث استغل الحوثيون عدم دقة الاتفاق لصالحهم بشأن الانسحاب من مدينة الحديدة وتسليم إيرادات الميناء لحساب خاص في البنك المركزي. 

وفي الجانب الحكومي، تشير الدراسة إلى أنه لا بديل عن التئام مجلس القيادة الرئاسي والأطراف المكونة له، ولا يتم ذلك إلا باستعادة ثقة الجيش والأمن بقيادته وتوحيد القوات وقبل ذلك كله إقرار الآلية المنظمة لعمل المجلس الرئاسي.

وذكرت الدراسة أن: "وجود قوة جاهزة لردع مليشيا الحوثيين وحماية المناطق التابعة للحكومة ضرورية لإجبار مليشيا الحوثيين على تنفيذ التزاماتهم، بدون ذلك لا يوجد ما يجبر مليشيا الحوثيين على تنفيذها؛ ويجبر الحكومة والتحالف على تقديم التنازلات لأنها بحاجة للهدنة بسبب تشتت القوات والجهود".

وعلى الصعيد الدولي، أكدت الدراسة على أهمية التعامل مع الأزمة اليمنية خارج إطارات العداء مع إيران وإرضاء دول الخليج العربي.

وقالت: "يجب عدم تشجيع الميليشيات والكيانات ما دون الوطنية بسبب أطماع أو مصالح تخصها". ومن ذلك "توقف شركات النفط والغاز التي تنشط في المحافظات الجنوبية تحت حماية ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، وأن يكون أي تنقيب أو عقود بعد انتهاء الوضع الحالي للبلاد والوصول لمرحلة توافق واستقرار سياسي وأمني". بحسب الدراسة.

وتابعت: "تسبب هذه العقود في تحول الحرب في البلاد إلى حروب صغيرة بميليشيات متعددة الولاءات للخارج وتخرجها من الحالة الوطنية".

فيما أضافت أن من ذلك أيضًا: "التوقف عن منح جماعة الحوثي الامتيازات والاعتراف الدبلوماسي بسبب المخاوف من هجماتهم على منشآت النفط في الخليج العربي والملاحة البحرية؛ يعزز ذلك من سلوكهم المنهجي العنيف الرافض لتقديم أي تنازلات".

مستقبل الهدنة.

وفي هذا السياق، يقول مركز أبعاد للدراسات والبحوث: "يبدو أن استمرار الهدنة خيار إجباري بالنسبة للأطراف المحلية والدولية، ورغم أن مليشيا الحوثيين لا يرون أن هناك حوافز مناسبة لاستمرارها، إلا أن العودة إلى الحرب تهدد مفاوضاتهم مع السعودية، وتنعكس سلبا على المفاوضات السعودية الإيرانية أيضا، في وقت تحتاج طهران لتفاهمات الرياض لتمرير الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي".

فيما قال إن: "الحكومة اليمنية والتحالف على ما يبدو غير قابل لأي اشتراطات للحوثيين جديدة في وقت لم ينفذ الحوثي لأي بند من البنود الأممية التي وضعت لتحقيق الهدنة الأولى والثانية وقبل ذلك اتفاق السويد".

ويرى أنه وبالتالي: "من الصعب قبول هدنة بشروط مليشيا الحوثيين، وأي تحرك عسكري لفرض ما يعتقدون أنه شروط المنتصر سيضع الهدنة برمتها أمام الفشل، في وقت تصطدم الحرب في اليمن برفض دولي وإقليمي لأسباب أبرزها الحاجة الأمريكية والأوربية والإقليمية لاستمرار الهدنة".

وقال: "فإلى جانب حاجة الإيرانيين لاستمرار الحوار مع السعودية، تستضيف قطر مونديال كأس العالم في نوفمبر/تشرين الثاني ويريد مجلس التعاون الخليجي أن تكون في بيئة إقليمية هادئة، فيما تدخل الولايات المتحدة الانتخابات النصفية وتريد إدارة بايدن أن تحقق تقدماً في واحد من ملفات الحملة الانتخابية والترويج لإنهاء الحرب في اليمن بعد أن فشلت في جعل السعودية أكثر عزلة".

فيما تعتقد دراسة أبعاد، أن الأوربيون بحاجة لتأمين تدفقات النفط والغاز من المنطقة دون عراقيل مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي هددت مصادر الطاقة في توقيت حساس والشتاء يطرق الأبواب.

وبحسب الدراسة فإنه: "إذا ما فشلت الهدنة وعادت الحرب فإن العودة إلى وقف إطلاق النار والوصول إلى اتفاق سلام سيكون أكثر صعوبة، وتداعيات ذلك لن تكون يمنية فحسب، بل تأثيرها سيكون إقليمياً ودولياً".

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد