ثورة الـ26 من سبتمبر... حدثًا تنويريًا ووهج ثوري يقلق أحفاد الأئمة.

2022-09-25 01:06:54 أخبار اليوم – تقرير خاص


 


بعد قرابة ألف عام من التخلف والاستبداد، عاشتها اليمن تحت ظل الإمام والخرافة، وفيها فقد الإنسان اليمني قيمته الوجودية، ليتحول بذلك إلى عبد فاقد للحيلة، جاءت ثورة الـ26 من سبتمبر، لتعيد ترجمة واقع الحياة اليمنية، ولترسم مجدًا جمهوريًا مازال وهجه يتجدد.

فبعد سنوات من الرجعية والضياع، مثلت ثورة الـ 26 من سبتمبر المجيد، محطة سياسية ملهمة، نقلت اليمنيين من حياة الضعف والهوان، إلى واقع مغاير شكل نقطة انفراج للحضارة اليمنية التي ظلت عالقة تحت جلباب الإمام ورجعيته المريضة، ليجد الناس أنفسهم أمام واقع جديد أعاد لهم كرامتهم وانتصر لإحباط الألف عام.

حينها، انطلقت ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة، بزخمها الشعبي النخبوي، تحدوها الرغبة الجامحة في التحرر والانعتاق من أسر التخلف المزري، الذي أذاقهم وابل الجهل والفقر، وعاشت بها اليمن مريضة لا تشفى، بعد تخلف ضارب الأغوار في أعماق الفكر - علمياً وثقافياً واجتماعياً.

غير أنه وقبل سيطرة الحركة الحوثية على البلاد وإجهاضها لحلم اليمنيين، كان أغلب من ولدوا بعد ثورة الـ26 من سبتمبر/ أيلول 1962، يقللون من أهمية ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ويجهلون بشاعة ورجعية نظام الإمامة الذي ثارت عليه.

 لكن بعد أن أعادت مليشيا الحوثيون ذلك النظام الرجعي بكل بشاعته وجنائزيته ودمويته، أدرك اليمنيون أهمية سبتمبر ‏والنقلة التاريخية التي أحدثها في حياة اليمنيين.

ثورة تنويرية.

شكل الجهل والتخلف في العهد الإمامي أهم الدوافع والمبررات لقيام ثورة الـ26 من سبتمبر المجيد ولإنجاز التغيير الهام في تاريخ اليمن، وإحداث نقلة حقيقية في التعليم ونشر المعرفة في مواجهة الأمية.

اعتمد الحكم الإمامي الكهنوتي على نشر الخرافة بين أوساط المجتمع اليمني، ليظل جاثمًا على الشعب متمترسًا خلف مكامن التخلف بهدف تأمين استمرارية وديمومة بقائه في الحكم متسلطا، متبعا فلسفة تعليمية وتربوية ترتكز على مجموعة من الكتاتيب تدرس فيها وبأساليب بالية ما يعزز ويؤكد مشروعية الإمامة في الحكم وحقها الإلهي المزعوم في احتكار السلطة.

قامت ثورة الـ26 من سبتمبر لتمثل حدثاً مناهضاً لمختلف أشكال الجهل والتخلف والمرض، فجاءت بما يفرض واقعاً جديداً ساهم في تطوير الوعي العام لدى اليمنيين، حيث عمل بشكل سريع على بناء سلسلة من المدارس في ربوع الوطن وعملت في سبيل تحقيق هدف اجتثاث الأمية والجهل في أكثر من اتجاه أولوية الثورة لنفض تخلف وجهل الإمامة.

أكثر ما سعت إليه الثورة بعد تخلصها نهائيا من الحكم الإمامي هو التعليم ونشر الفكرة الواعية البناءة، لا سيما بالنظر إلى ما كانت تعيشه اليمن في عهد الأئمة من جهل وتخلف، فكانت الثورة هي البداية الحقيقية لمسيرة العطاء والبناء.

أحفاد الإمامة

لا يوجد هناك تأريخًا شديد الثُقل على أحفاد الإمامة، مثل تاريخ السادس والعشرين من سبتمبر المجيد، هذا اليوم الذي يتمنى عبدالملك الحوثي وجحافله شطبه من الزمن، وهو يوم ميلاد الجمهورية المختطفة تحت قبضة مليشياته في صنعاء.

الجمهورية لا تريدها مليشيا الحوثيون ولا يرغبون ببقائها، المعنى السياسي لقيمة الإنسان اليمني الذي رفض خرافة الإمامة وخرج ثائرا ضد كل من وضعوه تحت سلاسل الجهل والتخلف، تلك الثورة الحية التي تحمل ضدها مليشيا الحوثيون ضغينة تأريخية دفينة، ولا يردُ ذكرها على ألسنتهم قط، بل يتمنون لو أن بمقدورهم حذفها من على الذاكرة اليمنية، وهم أضعف من أن ينجحوا بفعل ذلك.

تلك هي الحقيقة الراسخة والتي لا مجال لتجاهلها، وهي الفرضية الوجودية التي لا يمكن لمليشيا الحوثيين وأحفاد الأئمة التغاضي عنها، فمهما كان وضع الجمهورية باعث للأسى، ومهما بدت مخالب خصوم الداخل وأعداء الخارج ينهشونها من كل مكان، فالجمهورية بكل هشاشتها تظل قيمة سياسية خالدة وإطار راسخ يصعب تجاوزه من قبل الجميع.

نظريًّا ما تزال المليشيات الحوثية تشتغل تحت راية الجمهورية بصورة شكلية، تحت العلم الجمهوري الحديث وتحت الطير الذي جليته ثورة الـ26 من سبتمبر، وعمليًّا تنتهج الجماعة كل الطرق لتعميم الأفكار الإمامية في كل سلوكياتها ونشاطاتها الثقافية والمجتمعية وصولًا لمناهج التربية.

لم تبقي المليشيات الحوثية من الرمزيات الجمهورية سوى اسم الدولة في المعاملات النقدية الرسمية والعلم الجمهوري والنشيد الوطني في المناسبات، كضرورات إكراهية تبقيها الجماعة، لكونها عاجزة عن إعلان انقلاب تأريخي وتبديل نظام الحكم كليًّا في البلاد، فثمة حراك شعبي لا ينبض مازال حاضرًا وبمقدوره مقاومتها.

في السياق، يقول الكاتب والصحفي صلاح مراد: "قد يقول قائل، أن الجماعة الحوثية ليست بحاجة لقلب نظام الحكم الجمهوري وإعلان شكل جديد للدولة، ملكية سلالية مطلقة أو حتى دستورية، فهي الآن تسيطر على الدولة وتتحكم بكل مفاصلها، وهذه هي الغاية من الحكم وليس مهمًا نوعية النظام السياسي للبلد أو شكل الدولة".

وأضاف مراد في حديثه لأخبار اليوم: "بالطبع، هذا أمر صحيح نسبيًّا، لكنه بالمقابل، سلوك يؤكد رسوخ الفكرة الجمهورية كمكسب متأصل في الوعي الجمعي اليمني وغير قابل للإلغاء أو التجاوز، كما لا ينفي عن الجماعة كفرها بالجمهورية".

وتابع: "بل يؤكد أنها تشتغل بطريقة منافقة، وإذا استخدمنا المفهوم الديني نفسه الذي تستخدمه الجماعة، فلا هي التي قبلت بالنظام الجمهوري وأعلنت ولاءها له واعتنقت كل الأفكار المتعلقة به وواصلت العمل تحته قولًا وفعلًا، شكلًا وجوهرًا، ولا هي استكملت انقلابها العملي بانقلاب نظري تفرض به تصورها السياسي للحكم والمتناقض مع التصور الجمهوري المعمول به في البلاد".

وقال مراد: "لو لم تكن مليشيات الحوثي حركة منافقة، لكانت أكثر شجاعة في إعلان موقفها الواضح تجاه الجمهورية، تسليمًا بها أو رفضًا لها، وإذا ما كانت عاجزة عن طمس فكرة الجمهورية، لأسباب كثيرة، فلماذا لا تتقبلها كوجود راسخ ولتخرج للاحتفال بها وإيقاد شعلتها في ميدان التحرير أو على الأقل فلتترك للجماهير حرية الاحتفال بها في مناطق سيطرتها".

وأردف: "لتجرب الجماعة ذلك ولتنظر كيف سيفاجئها الجماهير بالخروج، دونما حشد منظم، بل تداعي عفوي لإعلان تمسكهم بموروثهم الحضاري الكبير ومكسبهم السياسي الأبرز طوال العقود الأخيرة من التاريخ اليمني الحديث".

محطة الهام.

يمثل الموروث الثوري ليوم الـ 26 من سبتمبر المجيد محطة الهام بالنسبة لليمنين، تعمل على إذكاء روح الثورة المناهض لبقايا الأئمة في اليمن، لتظل حدثا تاريخيا يعيد نفسه في مراحل الضعف السياسي الذي تشهده البلاد.

تسعى المليشيات الحوثية التي تعتبر نفسها الوريث الحصري لعمامة الإمامة في اليمن، للنيل من ثورة الـ26 من سبتمبر بمختلف الطرق والوسائل، إلا أنها دائما ما تترك سببا لعودة اليمنيين إلى سبتمبرهم مدافعين عن ثوريته، ورافعين شعار الجمهورية في وجه الأئمة بقوة وصلابة أكبر.

في السياق يقول الكاتب ماجد زايد: "أعظم قرار قامت به سلطة صنعاء، إلغاؤها رسميًا لأعياد 26 سبتمبر و22 مايو".

وقال ماجد في صفحته على فيسبوك: "دعونا نتعامل بوضوح، هذا فعل جريء أشكرهم عليه، لطالما تظاهروا خلال الأعوام السابقة باحتفائهم بالمناسبتين. وهذا نفاق سياسي ودهاء خطير. الدهاء السياسي بمثابة حرز وتمائم نجاة، والوضوح في التعاطيات السياسية يكون ذا عاقبة غير متوقعة".

وأشار إلى أنهم بذلك: "أعلنوا للشعب بوضوح: هكذا نحن، وأنتم أيها الناس كونوا كيفما شئتم. لكنني لا أتوقع أبدًا بأن الشعب سيتخلى عن منجزاته العظمى بمجرد حديثين ورواية مزيفة. لا أعتقد هذا مطلقًا، الوضوح السياسي الجريء في فترات الانتقال التاريخي أخطر ما يحدث، وهي الممارسات التي تهد السدود وتكسر الظهور من أعناقها، هي بمثابة فأر سد مأرب، وشعرة البعير بينما تكسر ظهره من عنقه".

وتابع: "قد يكون كلامي هذا خاطئًا، لأنهم يثقون بنشوة القوة، ولكني أثق بقوة الله فوق كل القوى والإنشاءات، ألم يقل المفكرون قديمًا بأن قوة الله هي الشعب؟!

فمن هو الشعب اليوم يا ترى؟

من يدري ليخبرني". !

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد