يطبخ الرياض على نار هادئة..

الراقص الجديد على رؤوس الثعابين باليمن

2022-08-19 22:56:34 أخبار اليوم/ خاص

 

إن إدراك الإمارات لحدود اللعب مع «الشقيق الأكبر في اليمن لا يعني الامتثال للإرادة السعودية أو التكيف مع سياساتها، وإيقاف حالة الحرب بالوكالة التي يشنها من وقت الآخر أتباعها في المجلس الانتقالي ضد الحكومة وبصورة غير مباشرة ضد السعودية، وإنما يعني المزيد من الحذر في إدارة العلاقة معها لتجنب انهيارها، بالتوازي مع محاولة استعادة زمام التأثير في السياسة السعودية التي من الواضح أنها لم تحسم بعد خياراتها بصورة نهائية في اليمن والمحيط الإقليمي.

  

* سياسة استئصالية:

 

تفسر ورقة بحثية، قُدِّمت بمنتدى السياسات العربية، ظهور الإمارات كعزاب فعلي للثورات المضادة في الوطن العربي، ونقطة ارتكاز في الحرب على الإسلاميين، منذ أحداث 2011 في المنطقة.

 

 ثمة مؤشرات توحي بتضاؤل قدرة الإمارات والسعودية على إدارة خلافاتهما وتنسيق مصالحهما بصورة غير تنافسية، ما يضع حدودا أمام الدور الإماراتي في المستقبل، وأهم تلك المؤشرات في الفشل المتكرر في تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو فشل يعكس في الحقيقة عجز السعودية والإمارات عن إنجاز تفاهمات نهائية لتقاسم النفوذ في جنوب اليمن؛ حيث تضغط الإمارات من أجل سحب القوات الحكومية، وتحديدا المحسوبة بنظرها على الإصلاح، من المحافظات الجنوبية، وفق استراتيجية تهدف لإيجاد جنوب يمني بلا إسلاميين كشرط لتأمين النفوذ الإماراتي وضمان استمراره في المستقبل. لقد عمدتا الإمارات في وقت سابق إلى التسليم بحق السعودية في التعامل بالطريقة التي تراها مناسبة مع الإصلاح» ولكن في حدود الشمال اليمن الذي يمثل ساحة نفوذ سعودية تقليدية إلى حد كبير، أما في جنوب اليمن الذي يضم مناطق النفوذ الإماراتي المكتسبة فاتبعت الإمارات سياسة استئصالية لا هوادة فيها مع «الإصلاح»، إذ أوعزت للمجلس الانتقالي إعلان «الإصلاح تنظيماً إرهابياً، وحظر أنشطته في محافظات جنوب اليمن في يوليو/ تموز 2017، كما أدارت مخطط اغتيالات واسعة لتصفية قيادات «إصلاحية»، وملأت السجون والمعتقلات السرية بالكثير من أنصاره، ثم ضغطت لتضمين اتفاق الرياض بنودا خاصة بسحب جميع القوات المحسوبة على الإصلاح من المحافظات الجنوبية بالنسبة للسعودية يعني إخلاء الجنوب من قوة الجيش والإصلاح الوازنة للانتقالي تسليم مقاليد الجنوب للإمارات، وهذا ما لا يمكن للرياض القبول به. أما من الناحية الواقعية فيمتلك الإصلاح مرتكزات وجود اجتماعي حقيقية تجعل من الصعب اقتلاعه من الجنوب. وهكذا فإن تحديد مستقبل الجنوب وترسيم دوائر النفوذ فيه لن يكون قراراً إماراتياً، وإذا ما تجرأت الإمارات وشجعت حلفاءها في المجلس الانتقالي على إعلان الانفصال فسيعني ذلك المخاطرة بالدور الإماراتي.

  

* منافسة هادئة على النفوذ:

 

تخوض الإمارات منافسة هادئة على النفوذ يتصادم مع المصالح السعودية في اليمن، إذ تظهر على السطح مسألة العلاقة بين الدور الإماراتي والمصالح السعودية في اليمن أكثر من أي وقت مضى.

 

ظل الدور الإماراتي في اليمن طيلة سنوات الحرب موضوعا للتحليل والنقاش على مستويات مختلفة؛ إذ يبدو ملغزا ومثيرا من زوايا عدة، أهمها علاقته بالمصالح والسياسات السعودية في اليمن، وهل كان يتكامل معها، أم يشكل منافسا قويا لها؟ وقد تزايد طرح هذه الأسئلة عقب انسحاب الإمارات من الحرب ضد الحوثيين منتصف يوليو/ تموز 2019م، مع تأكيد استمرار تحالفها مع السعودية في اليمن؟ وذلك كعنوان - فيما يبدو- للتوفيق بين الخروج من الحرب والاحتفاظ في الوقت نفسه بما تحقق لها من نفوذ، بل وربما التوجه لتكريس ذلك النفوذ وترسيمه بصورة نهائية، في وقت ترى السعودية أن حربها في اليمن لم تنته بعد، وأن تقاسم ما جمعه التحالف ربما لم يحن بعد، وهنا تظهر على السطح مسألة العلاقة بين الدور الإماراتي والمصالح السعودية في اليمن أكثر من أي وقت مضى، تبحث هذه الورقة إذا في علاقات واتجاهات التكامل والتنافس بين الدور الإماراتي في اليمن والسياسات والمصالح السعودية، وتحاول رسم حدود واضحة في الاتجاهين معا، في ظل ما تخوضه الإمارات من منافسة هادئة على النفوذ يتصادم مع المصالح السعودية في اليمن.

   

 دوافع المشاركة الإماراتية في عاصفة الحزم:

 

وفقا للورقة البحثية، يمكن القول إن قرار الإمارات المشاركة إلى جوار السعودية في حرب اليمن منذ العام 2015 م لم يكن سوى تتويج لدور إقليمي متصاعد بدأته الإمارات قبل ذلك بنحو عقد ونصف، وقد مرَّ هذا الدور بنقطتي تحول مفصليتين، شكلتا بوجه عام ملامح السياسة الإقليمية الإماراتية على النحو المثير للجدل الذي تبدو عليه اليوم برزت نقطة التحول الأولى في العام 2001 حين استغلت الإمارات حالة الحرب الأمريكية على الإرهاب للتقارب مع الولايات المتحدة فقامت بسحب اعترافها بحركة طالبان الأفغانية في سبتمبر ۲۰۰۱ م، والدخول في حوار استراتيجي مع واشنطن، ونشرت قوات إماراتية خاصة في أفغانستان مارست أدوارا متنوعة إنسانية ولوجستية وقتالية 

 

وقد بدت الإمارات أسرع في الاستجابة سيما في مجال التعاون الاستخباراتي المعلوماتي، وتدابير قطع مصادر التمويل عن الجمعيات الخيرية المشتبه بدعمها للإرهاب، وهكذا وفرت الحرب على الإرهاب فرصة لبلورة مواقف إماراتية غير مرتكزة على قاعدة التطابق الضروري مع السياسة السعودية. بدءا من العام 4 20 تمكن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي الحالي من إحكام قبضته الفعلية على مفاصل صنع القرار في دولة الإمارات تحت الحكم الإسمي لأخيه خليفة بن زايد أمير البلاد: لتظهر منذ ذلك الوقت توجهات تنافسية في السياسة الخارجية الإماراتية أخذت خلال الفترة من 4 2 ۰۰ م وحتى العام 2011 ثلاثة مسارات أساسية لعلها بدأت بالعمل على كسب ثقة الولايات المتحدة وإقناعها بإعطاء الإمارات دورا إقليميا محوريا في الحرب على الإرهاب على حساب السعودية، غير القادرة بنظر الإمارات على القيام بهذا الدور لأسباب موضوعية فالإرهاب في الرؤية الإماراتية هو نفسه الإسلام السياسي» وليس شيئا آخر، ومعنى ذلك أن محاربة الإرهاب تتطلب تجفيف منابع الإسلام السياسي بالعزيمة نفسها التي يتم بها دك أوكار القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ومثل هذه المهمة بحاجة لتدخلات جريئة متعددة المستويات نظرا لانتشار الإسلام السياسي في كل مكان في المنطقة، وبحاجة كذلك إلى التزام بالتحديث والعلمية، وإلى قيادة شابة ومتطلعة، وكل ذلك لا تقدر عليه السعودية لأسباب كثيرة عملت الإمارات على توضيحها للمسؤولين الأمريكيين خلال سلسلة طويلة من الزيارات واللقاءات لواشنطن، من بينها علاقة نظام الحكم السعودي العضوية بالمؤسسة الدينية المحافظة، وانتشار التطرف في المجتمع السعودي فهي مثلا (أي السعودية) غير قادرة على المشاركة في محاربة الإرهاب في أفغانستان كما تفعل الإمارات؛ لأن ذلك يثير القوى الدينية في المجتمع السعودي .وقد وجدت الإمارات من يصغي إليها من أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي صعد إلى الحكم في نوفمبر  ۲۰۰۸ م ويتفق مع رؤيتها هذه.

 

وحول إحراز نفوذ إقليمي بحري باستخدام الوسائل الاقتصادية الناعمة مع التأهب اللعب أدوار أخرى خشنة، يندرج تحت هذا الإطار-وفقا للورقة البحثية- دمج الإمارات لشركتي «سلطة موانئ دبي» وموانئ دبي العالمية» في شركة موانئ دبي العالمية العملاقة في العام 2 ۰۰ 5م، التي أصبحت تدير ۷۸ ميناء ومركزا ملاحيا في 4 دولة حول العالم. والتوقيع مع اليمن في العام ۲۰۰۸ م اتفاقية تأجير ميناء عدن لمدة 35 عاما قابلة للتمديد عشر سنوات أخرى؛ بغرض تجميد نشاط الميناء الذي يمثل مناقشا محتملا لميناء جبل علي الإماراتي (34) وكانت الإمارات قد وقعت مع اليمن في العام 2004م اتفاق تعاون أمني لتعزيز أمن باب المندب كما كانت من بين الدول العربية القليلة السعودية واليمن) التي قامت بدا من العام 2009 بتسيير دوريات في البحر الأحمر وخليج عدن لمواجهة القرصنة البحرية وترافق مع سعي الإمارات لبناء النفوذ البحري التوسع في تنويع مصادر الدخل والثروة بغرض تكوين فوائض مالية ضخمة فإلى جوار المنطقة الحرة بدبي، ومينائي جبل علي وزايد، اهتمت بدخول مجالات نوعية كالطيران المدني والطاقة المتجددة والتمويل الدولي. وبفضل الفوائض المالية البالغة ۱ ٫ ۳ تريليون دولار تمكنت الإمارات من امتلاك أسطول طائرات مقاتلة نوعية يعد من بين الأكثر تقدما خارج نطاق حلف الناتو نقطة التحول الثانية في السياسة الخارجية الإماراتية حدثت في العام ۲۰۱۱ م، وقد شكل هذا العام منعطفا مهما على أكثر من صعيد؛ فقد شهد ثورات شعبية في أكثر من نظام عربي فتح آفاقا جديدة أمام الإمارات لممارسة دور إقليمي أكثر اندفاعا، حيث بدت أوضاع عدم الاستقرار التي خلفتها الثورات مواتية للتدخل وتحقيق مكاسب إقليمية، وفي مارس 2011 .

  

* عرَّاب الثورات المضادة: 

 

وتشير الورقة البحثية إلى أن مشاركة الإمارات مع السعودية ضمن قوات الدرع الجزيرة لإعادة الاستقرار إلى البحرين وذلك في إطار التوجهات المشتركة المواجهة التهديد الإيراني في المنطقة، ثم شاركت منفردة في عمليات حلف الناتو في ليبيا خلال الشهر نفسه، وقدمت الدعم للعملية العسكرية التي شنتها فرنسا ضد الجماعة الإسلامية في مالي (كانون الثاني ۲۰۱۳ م)، وكذلك في إفريقيا الوسطى خلال العام نفسه، كما كان للإمارات الدور الأكبر في الترتيب للإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في يوليو ۲۰۱۴ م.

 

في المقابل كانت السعودية حذرة ومترددة مقارنة بالإمارات، وانصب تركيزها على مواجهة التهديد الإيراني في المنطقة، ويبدو أنها حتى العام 2014م تقريبا لم تكن مهتمة بمجابهة الإسلام السياسي أو الدورين القطري والتركي، فقد اشتركت مع قطر في دعم قوات الجيش السوري الحر وبعض الفصائل الجهادية للإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا واحتفظت بعلاقات جيدة مع تركيا. وعموما ظهرت الإمارات كعزاب فعلي للثورات المضادة في الوطن العربي، ونقطة ارتكاز في الحرب على الإسلاميين، لكنها مع ذلك كانت تدرك أن الحرب على الإسلام السياسي لن تأتي بالنتائج المطلوبة ما لم تكن السعودية بثقلها ووزنها الديني جزءا منها، لذا تعين عليها جزر الرياض إلى المربع الذي تقف هي فيه، لكن لم يكن واضحا للإمارات كيف يمكنها العثور على شركاء سعوديين حقيقيين في هذا المضمار، خاصة وأن العلاقات داخل الأسرة الحاكمة السعودية كانت غير مستقرة منذ مرض الملك عبدالله في العام ۲۰۰۱ م، ومفتوحة على احتمالات كثيرة في مسألة تولي العرش بعضها غير مرغوبة إماراتيا كان العام 2 ۰ 14م مفصليا في هذا السياق إذ شهد تغيرات مهمة في السياسة السعودية فتحت الباب لتقارب أعمق بين الرياض وأبوظبي، ففي مارس/ آذار أعلنت الرياض قائمة بالمنظمات الإرهابية ضمت جماعة الإخوان المسلمين، واستدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة، ثم أزيح عن المشهد في أبريل/ نيسان الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية الذي تبني سياسة إغراق الفصائل السورية المعارضة بما فيها الإسلامية بالمال والسلاح وذلك عقابا على فشل تعهداته بالإطاحة ببشار الأسد في وقت وجيز، وكان ذلك إيذانا بانتهاء دعم السعودية للثورة السورية. وهكذا قطعت الإمارات شوطا مهما للوصول إلى حليف موثوق في السعودية، اتضح أكثر بتنصيب الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز (يناير كانون الثاني ۲۰۱۵ م) ابنه الشاب والطموح وزيرا للدفاع

 

 وفرت المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن غطاء للتحركات الإماراتية حتى قبل عملية عاصفة الحزم، سيما وأن الإمارات كانت إحدى الدول العشر الراعية لمسار العملية السياسية الانتقالية، وبما أن اليمن أصبح واحدا من البلدان العربية المحتمل سقوطها كاملة في أيدي الإسلاميين نتيجة الثورة في العام 2011 كما تعتقد الإمارات، فقد استدعي ذلك تدخلها دون انتظار نضج السياسة السعودية التي لها حسابات معقدة في مسألة التعاطي مع الإسلاميين، وتحديدا حزب الإصلاح، في هذا البلد، ولكن أيضا بكثير من الحذر وللتخلص من وجود الإسلاميين في السلطة ومنع استحواذهم عليها، دعمت الإمارات الرئيس السابق صالح في مساعيه للعودة إلى السلطة بعد أن أجبر على الاستقالة أثناء الثورة، لكنها ذهبت أبعد من ذلك بدعمها للحوثيين المناوئين لحزب الإصلاح الإسلامية ويبدو أن قرار الحكومة اليمنية بإلغاء اتفاقية ميناء عدن الموقعة سابقا مع الإمارات في أغسطس ۲۰۱۳ م أسهم في دفع السياسة الإماراتية باتجاه تقوية خصوم السلطة الانتقالية والإصلاح معا، ويذكر اللواء أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية أن الحوثيين «وعدوا دولة من دول مجلس التعاون بأنهم سيضربون فئة معينة لحزب الإصلاح الذي تعده الإمارات فرعا لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن وأخذوا منها أموالا طائلة ولم يفعلوا شيئا ومن الواضح أن الدولة الخليجية المقصودة هنا في الإمارات، وهذا قد يعني أيضا أن الإمارات لعبت دور الممول والمحرض على التمدد العسكري الذي قام به الحوثيون منذ انتهاء مؤتمر الحوار الوطني (يناير 2014 م) وحتى سقوط صنعاء في أيديهم (سبتمبر 2014، وربما كانت أيضا وراء فكرة التحالف التكتيكي بينهم وبين الرئيس السابق صالح بهدف ضرب خصومهم المشتركين قبيل انطلاق عملية عاصفة الحزم بأيام قليلة، قدم أحمد علي صالح سفير اليمن في الإمارات نجل الرئيس صالح، على متن طائرة خاصة من أبوظبي إلى الرياضة ورغم تضارب المعلومات حول الغرض من تلك الزيارة، فإن ثمة رواية سعودية تقول إن أحمد صالح القائد السابق لقوات الحرس الجمهوري المدرج ضمن قائمة العقوبات الأممية، ذهب لإقناع ولي العهد السعودي بأن قواته يمكنها الانقلاب على الحوثيين إذا ما مكنت السعودية صالحا من أمواله وأمور أخرى، غير أن ولي العهد رفض ومن غير المستبعد أن تكون الإمارات قد حاولت إقناع السعودية بأن صالح هو رجل الساعة الذي يمكنه إيقاف زحف الحوثيين صوب عدن؛ فهذا يحقق لها إعادة نظام صالح الذي سيقوم برعاية مصالحها إلى السلطة، وتحجيم الإسلاميين في الوقت نفسه ، غير أن رفض السعودية ذلك العرض لعدم ثقتها بصالح وربما بسبب ارتفاع سقف مطالبه وميله للابتزاز، دفع بالرياض إلى اتخاذ القرار الصعب بشن عملية عاصفة الحزم كعملية عسكرية سريعة وبأهداف محدودة، وقد اضطرت الإمارات لمجاراة السعودية في ذلك لأسباب كثيرة أهمها دعم ولي العهد محمد بن سلمان الذي يلتقي معها في النظر للكثير من القضايا وتقوية مركزه في بقية الحكم العائلي السعودي، وضمان عدم تصرف السعودية على نحو يؤدي إلى إضعاف خصوم الإسلاميين خاصة الرئيس السابق صالح، في ظل تمسكها بخيار عودة صالح إلى السلطة وتوجيه التحالف الذي أطلقت عليه السعودية اسم «تحالف دعم الشرعية نحو مكافحة الإرهاب في اليمن، وهي مسالة وظيفية حيوية بالنسبة للإمارات وكذا إظهار التكامل مع الهدف السعودي العام المتمثل في مواجهة الخطر الإيراني والتهديد الذي يشكله الحوثيون على أمن المملكة وعلى أمن الملاحة الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب على نحو خاص وبطبيعة الحال لدي الإمارات أسبابها التقليدية للخوف من التوسع الإيراني خاصة في ظل مساعي إيران لامتلاك سلاح نووي ومحاولاتها الهيمنة على المنطقة، وأسباب أخرى اقتصادية وتجارية للشعور بالقلق على الأمن البحري في خليج عدن والمحيط | الهندي ومضيق باب المندب، فاقتصادها البحري يعتمد على أمن الخطوط الملاحية في تلك النطاقات، كما كانت بحاجة لإعادة | بناء نفوذها البحري وتأكيده في تلك المنطقة.

 

 إن الأهداف التي تصورت الإمارات أن بالإمكان تحقيقها بإعادة نظام صالح إلى اليمن، والتي لم يكن ممكنا التخلي عنها أعيد تكييفها للبدء بتحقيقها تحت عباءة التحالف مع السعودية، ولكن مع قيمة مضافة حصلت عليها الإمارات باجتراح موقف الدفاع عن أمن الشقيق الأكبر، وتلبية حاجته الحلفاء موثوقين، وقد تجسدت تلك القيمة بحصول الإمارات على صلاحية الإدارة العسكرية والمدنية لعدن بعد تحريرها بما في ذلك الميناء ومصافي تكرير النفط ومطار عدن الدولي، الأمر الذي أتاح لها تحويل عدن إلى مرتكز لمشروع نفوذ إماراتي أخذ ينمو ويتشعب بمرور الوقت. 

     

 * دوائر السيطرة:

 

 ما نطلق عليه الدور الإماراتي في اليمن هو مجموع السياسات والعمليات الموجهة لبناء نفوذ خاص بالإمارات في اليمن، وليس فقط المشاركة في عمليات تحالف دعم الشرعية، والتي لم يعد للإمارات دور فعلي فيها حتى خلال الأشهر القليلة التي سبقت إعلان سحب قواتها من اليمن في يوليو | تموز ۲۰۱۹ م،

 

وبالإمكان مقاربة الدور الإماراتي في اليمن من خلال ثلاث مراحل زمنية مرتبطة بديناميات النزاع ودشنت مرحلة تأسيس النفوذ مع بدء عاصفة الحزم مارس 2015 وانتهت بانتهاء مشاورات الكويت في أغسطس/ آب 2016؛ حيث أسهمت الإمارات بدور فاعل في تحرير عدن بمساندة المقاومة الجنوبية، وبمشاركة وحدة خاصة من الحرس الرئاسي الإماراتي في معارك عدن الصغرى والبريقة، ولما كانت مهام العمليات في عدن والمدن الجنوبية الأخرى المحررة خلال العام نفسه الحج، الضالع أبين) قد أوكلت إلى الإمارات، فقد اتخذت الأخيرة سلسلة من التحركات والخطوات - الأحادية في الغالب بقصد التأسيس لنفوذ خاص بها في المحافظات الجنوبية، كانت أهمها إنشاء وتدريب قوات الحزام الأمني في عدن وأبين ولحج والضالع) بذريعة مواجهة الفراغ الأمني في تلك المحافظات. وجدير بالإشارة أن الإمارات أنشأت تلك القوات بعيدا عن أنظار الحكومة، ودون التنسيق مع وزير الداخلية اليمني الذي كان قد وصل إلى عدن على متن طائرة سعودية في يوليو ۲۰۱۵ م، للإشراف فيما يبدو على ترتيبات الأمن في عدن ثم في المدن المحررة.

 

ومن خلال قرارات صادرة عن الرئيس هادي في ديسمبر ۲۰۱ 5م تمكن قادة جنوبيون موالون للإمارات من الوصول إلى هرم المواقع الإدارية والأمنية في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات جنوبية أخرى، وقد أسبغت قرارات التعيين بصورة غير مباشرة- قدوا من الشرعية على النفوذ الإماراتي في تلك المرحلة. وفي أبريل ۲۰۱۹ م تمكنت الإمارات من طرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا بساحل حضرموت دون مشاركة سعودية أكيدة، لتنشئ على إثر ذلك قوات تابعة لها في المكلا (النخبة الحضرمية) امتلكت الإمارات خلال هذه المرحلة زمام المبادرة على الأرض، وتحلت بقدر كبير من الحيوية العسكرية، فتولت فعلا مهام التخطيط والقيادة العملية تحرير المدن الجنوبية المتاخمة للعاصمة المؤقتة عدن، وشاركت في تحرير أجزاء من محافظة مأرب، وأنشأت مقرا للقيادة العسكرية الإماراتية هناك. وعلى الصعيد الإنساني نشط الهلال الأحمر الإماراتي في المحافظات الجنوبية المحررة، وبدأ بتنفيذ أعمال مساعدات وإغاثة واسعة أكسبت الإمارات سمعة جيدة في تلك المرحلة صفوة القول.. حققت الإمارات خلال هذه الفترة وجودا مهما على الأرض وفي بعض مفاصل السلطة في المحافظات الجنوبية ويبدو أنها كانت مطمئنة بأن هذا القدر من الوجود والحضور كافي لتأسيس قاعدة نفوذ ملائمة يمكن تعظيمها بوسائل سياسية وليس من خلال المزيد من التحركات الأحادية على الأرض، وفي يونيو ۲۰۱ ۶ م أعلنت الإمارات للمرة الأولى عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية أن الحرب قد انتهت بالنسبة لها، وأن دورها هو تمكين اليمنيين في المناطق المحررة( ۳۹) ، ومع أن هذا التصريح لم يكن يعني تخلي الإمارات عن نفوذها في اليمن فإنه من المرجح أنها كانت جادة في الإبقاء على نفوذها عند الحد الذي كان قد وصل إليها.

 

وتزامن الإعلان الإماراتي مع الجهود التحضيرية لإطلاق مشاورات شاملة في الكويت بين الحكومة الشرعية وتحالف الحوثيين وصالح، كما جاء في سياق النقاشات الأمنية بين السعودية والحوثيين في الظهران لإنهاء المواجهات على الحدود وهذا كاف لإقناع الإمارات بوجود حل سياسي شامل وقريب ينهي النزاع، ويرتب المسألة سحب القوات الأجنبية

 

ولم تشهد فترة انعقاد مشاورات الكويت أبريل - أغسطس ۲۰۱۹ م) تحركات إماراتية أحادية لتعزيز نفوذها أو خطوات يفهم منها تحدي السلطة الشرعية على الأرض،

 

ودعت الإمارات صيغة الحل السياسي المطروحة في مبادرة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، والقائمة على تفويض الرئيس هادي صلاحياته لنائب توافقي، وأيدت قيام نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد بحاح بهذا الدور وبقاء الرئيس السابق صالح في المشهد وحضوره بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أي تسوية سياسة كان عنصر اطمئنان إضافي للإمارات بشأن عدم تعرض نفوذها في اليمن للتقويض مرحلة تعظيم النفوذ، بدأت هذه المرحلة عقب فشل مشاورات الكويت وامتدت حتی إعلان الإمارات سحب قواتها العاملة في اليمن، وقد شهدت تصعيدا إماراتيا باتجاه توسيع دائرة السيطرة والنفوذ لتشمل المزيد من المحافظات الجنوبية ومناطق الساحل الغربي لليمن، واعتمدت الإمارات على أساليب متنوعة لتحقيق ذلك، منها افتعال الصدام مع الرئيس هادي والتصعيد ضد حكومته، وتوظيف ورقة انفصال الجنوب» عبر تشكيلها المجلس الانتقالي الجنوبي، وتكوين قوات تابعة لطارق صالح ونشرها في بعض مناطق الساحل الغربية كما نفذت إنزالا لقوات وآليات عسكرية في جزيرة سقطرى أثناء وجود الحكومة في الجزيرة ب داية العام 2018.

 

على الصعيد السياسي تمكنت الإمارات فعليا من إنهاء الدور القطري في تحالف دعم الشرعية بزعم تعامل الدوحة مع الميليشيات الحوثية والقاعدة، وبذلك أضعفت احتمالات إعاقة التوسع الإماراتي من قبل قوى محلية مقربة من قطر، كما رفضت التقارب مع حزب الإصلاح الإسلامي بعد تصفية الحوثيين حليفها الرئيس السابق صالح.

   

مثلت هذه المرحلة ذروة النشاط الإماراتي من أجل توسيع النفوذ وتدعيمه بأدوات محلية موالية، وأسفر نشاطها عن سيطرة إماراتية مباشرة أو شبه مباشرة على موانئ وجزر يمنية عدة، ونتج عنه أيضا سيطرة الموالين لها في قوات المجلس الانتقالي على أربع محافظات جنوبية في عدن ولحج وأبين وسقطرى، وتقويض كامل لسلطة الحكومة اليمنية في العاصمة المؤقتة وإضعاف مركزها السياسي على المستويين المحلي والدولي.

  

* مرحلة تثبيت النفوذ: 

 

نجحت بعض القوى الدولية (في طليعتها بريطانيا وروسيا) في منع سيطرة القوات اليمنية المدعومة من التحالف على مدينة الحديدة أقصى الساحل الغربي لليمن، وتوصلت الحكومة مع الحوثيين في ديسمبر ۲۰۱۸ م إلى اتفاق أنهى التصعيد في الحديدة (اتفاق ستوكهولم) وكانت من نتائجه غير المباشرة وضع حد الطموحات الإمارات في التوسع باتجاه الحديدة وبالتالي فقد تركز اهتمام الإمارات عقب اتفاق ستوكهولم على تأمين ما تحقق لها من مكاسب جيوسياسية خلال المرحلتين السابقتين، دون خوض معارك جديدة لتوسيع النفوذ في إطار حرب لم يعد من معنی للمزيد من التورط فيها بنظر الإماراتي حيث كانت قد وصلت إلى «نقطة تراجع المكتسبات .

 

نهاية يونيو ۲۰۱۹ م أعلنت الإمارات سحب قواتها وعتادها الحربي من اليمن، مع تأكيد بقائها ضمن التحالف، ولكن في إطار استراتيجية «السلام أولا» والتركيز على محاربة الإرهاب. وترددت تصريحات رسمية المسؤولين إماراتيين مفادها أن القوات التي دربتها الإمارات في اليمن، والتي وصل عددها إلى 40 ألف عنصر، قادرة على تثبيت الاستقرار. وفي أغسطس/ آب ۲۰۱۹ م شئت الإمارات غارات جوية ضد القوات الحكومية أثناء المواجهات مع مسلحي المجلس الانتقالي بزعم الدفاع عن النفس ضد هجمات إرهابية وشيكة )، وكانت الغارات إشارة واضحة إلى عزمها التدخل مباشرة ضد الحكومة رغم إعلان الانسحاب، في حال تعرض نفوذها للخطر. رابعا: الإمارات والسعودية في اليمن المصالح وسياسات النفوذ. 1-مصالح جوهرية متقاربة في مقدمة المصالح والأهداف السعودية من تدخلها العسكري في اليمن يقع منع التمدد الإيراني إلى اليمن، والحيلولة دون بروز قوة عسكرية يمنية موالية لإيران على غرار حزب الله اللبناني، تستطيع تهديد الأمن القومي للمملكة، والإضرار باستقرار المنطقة. وتلتقي الإمارات مع هذه المصالح السعودية من زوايا مختلفة، فالتمدد الإيراني في اليمن يعني بالنسبة للإمارات تهديد منطقة خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر حيث تكمن المصالح الاقتصادية والتجارية البحرية للإمارات، وتزدهر طموحاتها بتكوين نفوذ بحري واسع في الصراف والمضايق الواقعة على امتداد هذه المنطقة البحرية الهامة، ومن هذه الزاوية لا تقل المخاوف الإماراتية من النفوذ الإيراني في جنوب اليمن عن المخاوف السعودية من نفوذ إيراني مشابه في الشمال، بل تبدو مخاوف الإمارات أكثر عمقا ومدعمة بقدر هائل من الخبرة التاريخية السيئة مع النفوذ الإيراني في الخليج العربي، فمن المعلوم أن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث الواقعة على المدخل الشمالي للخليج العربي، حرم | الإمارات من النفاذ المباشر إلى مضيق هرمز الاستراتيجي، وربما كان من بين الأسباب الجيولولوتيكية التي دفعت بها إلى البحث عن نفوذ بحري في نطاقات مائية أخرى، وبالتالي فمن مصلحة الإمارات إبعاد إيران عن البحرين العربي والأحمر، وهذا لا يلتقي فقط مع المصالح السعودية وإنما كذلك مع السياسة الدولية لأمن هذا المجال المائي الحيوي علاوة على ذلك يحمل البلدان (السعودية والإمارات) تطلعات مشتركة لبناء النفوذ في منطقة القرن الإفريقي، وهذا يقتضي منهما القيام أولا بقطع الطريق على أي تمدد إيراني في خليج عدن والبحر الأحمر، لقد «كانت الأولوية بالنسبة إلى السعودية والإمارات إبعاد النفوذ الإيراني عن جوارهما القريب. بيد أن القرن الإفريقي اكتسب أيضا أهمية استراتيجية بسبب النزاع اليمني، وقد أظهر هذا الثنائي النافذ والطموح (السعودية والإمارات اهتماما مطردا بممارسة نفوذ جيوسياسي في المنطقة».

 

 في السياق نفسه تعارض الإمارات مساعي الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وبعد الحفاظ على أمن السعودية وبقاء كيانها متماسگا أمرا مهما لجهة عدم الإخلال بالتوازن الإقليمي بين أكبر قوتين إقليميتين في منطقة الخليج العربي (السعودية وإيران)، ولعل من المهم التذكير بأن موقف الإمارات كان حازما بالتدخل إلى جوار السعودية في البحرين دون أي حسابات إماراتية متعلقة باکتساب نفوذ في هذه الدولة الخليجية الصغيرة التي تعد جزءا لا يتجزأ من أمن السعودية القومي وانخرطت الإمارات في استراتيجية الضغوط القصوى من خلال العقوبات الاقتصادية التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منذ مايو/ أيار ۲۰۱۸ م كوسيلة الكبح التهديدات الإيرانية في المنطقة والحد من طموحاتها النووية، غير أن الإمارات لم تكن على ثقة بنجاعة هذه السياسة، وظل انخراطها محدودا رغم أن حجم تجارتها مع إيران انخفض في العام ۲۰۱۹ م إلى 3.5 مليار دولار.

 

وبينما ينظر إلى الاعتبارات الاقتصادية متمثلة في المصالح والمبادلات التجارية الضخمة التي تربط الإمارات بطهران کسبب وراء الحذر الإماراتي من المشاركة القشطة في سياسة الضغوط القصوى، يذهب البعض إلى أن السبب الأهم هو الخشية من أن يؤدي الانخراط الكامل في التصعيد مع إيران إلى عواقب مباشرة على أمن الإمارات، خاصة وأن الالتزام الأمريكي بحماية أمن دول الخليج كان غامضا ولا يحظى بالمصداقية. كما أن الهجمات الصاروخية المنفلتة تمثل خطرا محدقا بالإمارات في الإمارات أصغر وأكثر ضعفا من السعودية، أمام الهجمات الصاروخية تحديدا».

 

وقد تعمق هذا الاتجاه الإماراتي في حساب العواقب الأمنية من وراء التصعيد مع إيران، عقب الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط الأربع في ميناء الفجيرة مايو/أيار ۲۰۱۹ م، والتي رفضت الإمارات اتهام إيران بالوقوف وراءها، رغم أن تقارير أمريكية أكدت ذلك وفي أغسطس/ آب ۲۰۱۹ م وقعت الإمارات الاتفاق الأمني البحري مع إيران: ليزور ولي عهد أبوظبي الرياض بعد ذلك بأيام لتأكيد أن الإمارات تنشق خطواتها مع الرياض.

 

يخضع السلوك الإماراتي فيما يتعلق بالتعامل مع إيران لاعتبارات اقتصادية وأمنية معقدة، يعتقد أنها تلقى تعتيما سعوديا، وعليه يمكن القول إن الدور الإماراتي في اليمن لا يتصادم مع المصالح الحيوية للسعودية رغم اختلاف النظرة لصدي التهديدات الإيرانية وطريقة التعاطي معها فمنع التمدد الإيراني والحفاظ على أمن المملكة والخليج يمثل مصلحة أساسية مشتركة لكلا البلدين بدوافع ومستويات مختلفة بعض الشيء لكنها أساسية وأكيدة.

     

* سياسات نفوذ مشتركة:

 

عادة ما يجري تعليل ضعف الحضور السعودي في قيادة المعارك البرية خلال عمليتي السهم الذهبي ( ۲۰۱۰ م) والرمح الذهبي» ( ۲۰۱۷ ماء بعامل انشغال السعودية بتأمين حدودها الجنوبية مع اليمن. ومع تأكيد أن الإمارات جنت من كلا العمليتين مکاسب جيوسياسية واقتصادية هائلة بالسيطرة على موانئ هامة على البحر العربي وخليج عدن ومضيق باب المندب فإن من الصعب التسليم بكفاية هذا العامل في تفسير التوجه السعودي بإطلاق اليد الإماراتية في اليمن، سيما وأن الكثير من المكاسب الجغرافية آلت إلى نوع من السيطرة المشتركة بين البلدين، ففي سقطرى وميون ثمة سيطرة مشتركة إماراتية سعودية على الجزيرتين وهذا ينطبق أيضا على محافظتي شبوة وحضرموت النفطيتين.

 

إن تصدر الإمارات القيادة العمليتين العسكريتين المشار إليهما يعود إلى خشية السعودية من أن يثير وجود قواتها وسيطرتها على أجزاء من الأراضي اليمنية حساسية لدى اليمنيين جراء النزاع الحدودي التاريخي بينها وبين اليمن، أو أن يولد أحقادا على السعودية بسبب استحواذها على المزيد من الأراضي اليمنية تحت غطاء الحرب ضد الحوثيين. لقد كانت السعودية حذرة في مسألة الوجود البري لقواتها في اليمن منذ الوهلة الأولى للحرب، ففي حين شاركت قوة إماراتية في معارك تحرير عدن على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، فإن مشاركة السعودية في قتال الحوثيين بعدن اقتصرت على إنزال فرقة خاصة في مدينة كريتر مطلع مايو ۲۰۱۵ م مكونة من خمسين عنصرا يمنيا كانوا يخدمون في القوات المسلحة السعودية واكتفت السفن الحربية السعودية ومعها المصرية بدك مواقع الحوثيين من عرض البحر، إضافة للغارات الجوية السعودية الكثيفة بطبيعة الحال في الواقع لا تتوفر معلومات كافية يمكنها تعزيز ما تذهب إليه هذه الورقة من أن السيطرة الإماراتية على الموانئ والجزر اليمنية في سيطرة سعودية بالدرجة نفسها وان السعودية قررت لأسباب تاريخية أن تقف في خلفية المشهد العسكري البري، مستفيدة من ولع الإمارات بلعب أدوار استثنائية وطموحاتها الجامحة لتكوين النفوذ. مع ذلك تقدم محافظة المهرة صورة واضحة لنهج استخدام السعودية للإمارات کـ «مخلب قط» وليس فقط شريكا أصغر في السيطرة على الأراضي والموانئ اليمنية لمنافع مشتركة سعودية إماراتية، فقد شهدت نهاية العام 2015 طلائع الوجود الإماراتي في المهرة تحت ستار تدريب قوات الأمن في المحافظة لكن الغرض الفعلي من وصول الممثلين الإماراتيين إلى المهرة في ذلك الوقت المبكر كان التمهيد للسيطرة على المهرة المتاخمة لسلطنة عمان، وربما بالآليات نفسها المتبعة إماراتية في محافظات جنوبية أخرى إغداق الأموال لشراء الولاءات وتنظيم زيارات إبهار إلى الإمارات، وإنشاء حزام أمني أو قوات نخبة وما شابه)، غير أن الوجود الإماراتي أثار حساسية عمانية شديدة؛ نظرا للعلاقات التاريخية غير الودية بين البلدين، وترجم إلى استنهاض حملة تصعيد شعبية ورسمية في الوسط الاجتماعي الذي تمتلك فيه عمان نفوذا تقليديا اضطرت معه الإمارات لتصفية وجودها في المحافظة التبدا السعودية بممارسة النفوذ المباشر في المهرة بعد أن فشلت الإمارات، وذلك عبر نشر قواتها والاستيلاء على المواقع الحيوية في المحافظة كمطار الغيضة وميناء نشطون، ومعبري صرفيت وشحن الحدوديين مع عمان في نوفمبر ۲۰۱۷ م، إذ لم يكن بمقدور السعودية التخلي عن هدفه إقامة النفوذ في هذه المحافظة التي يمكن عبر أراضيها مد أنبوب نفط سعودي إلى موانئ بحر العرب يؤمن للسعودية | وللإمارات مفا استمرار تصدير نفطهما في حال أغلقت إيران مضيق هرمز.

 

تضيف جزيرة سقطرى مثالا آخر على نهج تبادل الأدوار السعودية الإماراتية في المراحل الأولى من الحرب، أي قبل الانسحاب الإماراتي من الحرب، فقد قبلت الحكومة اليمنية بعد إنزال الإمارات قواتها في الجزيرة وسيطرتها على الميناء والمطار في أبريل ۲۰۱۸ م، بوجود قوات سعودية كنتيجة للوساطة التي قادتها الرياض بين الحكومة والإمارات، وانتهت بتخفيف الوجود العسكري الإماراتي في الجزيرة بعد تقديم الحكومة شكوى لمجلس الأمن، ورغم ذلك استمرت الإمارات في ممارسة سياساتها الناعمة الاستقطاب السكان المحليين في الجزيرة وواصلت سياسات التجنيس، وكونت قوات تابعة للمجلس الانتقالي وساحتها بالآليات والمركبات المدرعة تحت نظر القوات السعودية، وفي يونيو/ حزيران ۲۰۱۹ م تمكنت قوات الانتقالي من طرد القوات الحكومية الموجودة على الجزيرة وإنهاء الوجود الرسمي للحكومة دون أن تحرك القوات السعودية المرابطة على بعد أمتار ساکنا نهج متماثل بتعبيرات مختلفة. في يوليو/ تموز 2019 أعلنت الإمارات على لسان بعض مسؤوليها سحب قواتها من اليمن، وكان الغريب في الأمر أن تصريحات المسؤولين الإماراتيين القائلة بأن بلدهم أنشأ ودرب الآلاف من العناصر المسلحة خارج إطار القوات النظامية لحكومة معترف بها دوليا لم يثر استهجان أي من القوى الدولية أو الأمم المتحدة أو يستدعي دهشتها، أما الأغرب من ذلك فهو صمت السعودية على قيام دولة أخرى بتشكيل جيش جرار من المقاتلين (نحو 90 ألف مقاتل) لا يتبع الحكومة المدعومة منها، ويوجد في نطاق مصالحها الحيوية، فهي إما أن تكون مغلوبة على أمرها إلى حد لا يمكن تخيله، أو أنها ضالعة في تشكيل تلك القوات، أو موافقة على ذلك بالحد الأدنى وهذا هو المرجح، فوفق استراتيجية توزيع النفوذ بين البلدين «تولت الإمارات تدريب وتمويل قوات عسكرية جنوبية، معظمها يطالب بالانفصال عن الشمال، فيما عمدتا السعودية إلى العمل مع بعض الوحدات العسكرية في الجيش اليمني، التي حاربت الحوثيين ورفضت سيطرتهم قبيل وبعد سقوط صنعاء.

 

في الواقع، لا يعد تشكيل قوات خارج الجيش النظامي اليمني نها إماراتيا جرفا فمنذ وقت مبكر عقب «عاصفة الحزم» شرعت السعودية في عملية تجنيد واسعة اليمنيين بغرض القتال في حدودها الجنوبية وأنشأت ألوية عسكرية غير تابعة لوزارة الدفاع اليمنية، أوكلت قيادتها السلفيين مدنيين لا خبرة لهم بالمجال العسكري، ومن هذه الألوية لواء الفتح المتمركز في منطقة کناف بصعدة بقيادة رداد الهاشمي، وفي العام 2016م

 

شرعت الإمارات والسعودية في خطة مشتركة التشكيل ألوية العمالقة الجنوبية خارج قوام الجيش الوطني اليمني، وهذه الألوية تمثل قوة ضاربة يصل تعداد ألويتها إلى ۱۲ لواء، وشكلت رأس حربة في عملية الرمح الذهبي التي لم يكن للجيش الوطني فيها سوى مشاركة رمزية، ومن الواضح أن لهذه الألوية ولاءات متداخلة سعودية وإماراتية فجزء منها خاضع من الناحية المراتبية العسكرية لقيادة طارق صالح رجل الإمارات في الساحل الغربي، بينما هناك ألوية أخرى في جبال الوازعية وموزع غرب تعز وفي الصبيحة بلحج تبدو أقرب للسعودية.

  

* مستقبل الدور الإماراتي في اليمن:

 

 ترتبط قدرة الإمارات على تحقيق نفوذ راسخ ومستدام في اليمن بمدى فاعلية | الإدارة المشتركة السعودية - الإماراتية للخلافات التي تتقاطع بصورة مباشرة مع تصوراتهما المستقبل تقاسم النفوذ في اليمن، إضافة لقدرة البلدين على تنسيق مصالحهما واحتواء التباينات في سياساتهما على المستوى الإقليمي، وبوجه عام ثمة مؤشرات توحي بتضاؤل قدرة البلدين على إدارة خلافاتهما وتنسيق مصالحهما بصورة غير تنافسية، ما يضع حدودا أمام الدور الإماراتي في المستقبل.

 

وحول تداعيات الانسحاب الإماراتي من اليمن منتصف العام 2019، وكما بات معلوما فقد انسحبت الإمارات من الحرب في اليمن لا من اليمن کساحة نفوذ؛ لذا فقد كان انسحابها يحصل نوعا من المطالبة الضمنية للسعودية بتثبيت صيغة التقاسم النفوذ المتحصل عن حرب وضعت أوزارها تماما من وجهة النظر الإماراتية، وباتت تستدعي توزيعا «عادلا وواضحا للمكاسب. أما السعودية فيبدو أنها تعارض هذا التوجه الإماراتي وترى أنه سابق لأوانه، خاصة وأن نهاية العمليات العسكرية الكبرى في اليمن لا تعني بالنسبة إليها نهاية الحرب، فهذه الأخيرة تنتهي فقط بتسوية سياسية تعكس رؤية المملكة الأمنية وتعيد علاقتها بكيان الدولة اليمنية الجديد إلى ما كانت عليه قبل الحرب والثورة في اليمن (فبراير ۳۰۱۱ م) من جهة ثانية، شكل الانسحاب الإماراتي من العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن نقطة البداية فيما يعتقد أنه شعور سعودي بتناقص الحاجة للإمارات.

 

 لقد نجحت السعودية في منع سقوط مدينة مأرب التي بدأ هجوم الحوثيين عليها بعد الانسحاب الإماراتي بأشهر قليلة (ديسمبر 2019م) علما أن مأرب في المحافظة اليمنية التي شهدت انسحابا إماراتيا فعليا وكاملا في يوليو 2019، تشمل تفكيك منظومة صواريخ الباتريوت الدفاعية، وإنهاء الوجود الإماراتي في معسكر صحن الجن الاستراتيجي الذي يضم غرفة العمليات الرئيسية للتحالف وإيقاف التمويل والإمداد المالي والمادي الجبهات مأرب وصنعاء المحاذية. 

 

وعلى الصعيد نفسه تمكنت السعودية من احتواء الضغوط الناجمة عن التغير في استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي بایدن تجاه الحرب في اليمن، ونجحت إلى حد بعيد في إعادة تأكيد دورها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة، دون الحاجة إلى الدبلوماسية الإماراتية التي لعبت في السابق دورا أساسيا في التقريب بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والإدارة الأمريكية السابقة

 

وتقدم السياسات الإقليمية السعودية المغايرة في الآونة الأخيرة كالمصالحة مع قطر، والتقارب مع تركيا رغم محدودية نطاقها، دليلا أولا على أن ولي العهد السعودي شب عن الطوق الإماراتي، أو أنه في الطريق إلى ذلك، وهذا نهج قد يتعزز مستقبلا في السياسة السعودية بعد تربع ولي العهد عرش المملكة رسميا. وعلى أية حال فإن دور المرشد الذي قام به ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد طيلة الأعوام السابقة يتعرض للتراجع، بالتزامن مع تراجع التأثير الإماراتي في أجندة السياسة السعودية.

 

ولعل التوجه السعودي لإقامة اقتصاد سياحي وخدمي منافس للإمارات، وطلبها مطلع العام 021 2م من الشركات الأجنبية العاملة في الخليج والشرق الأوسط نقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة بحلول العام 2024م ما ينذر بسباق محموم بينها وبين الإمارات على اجتذاب المستثمرين والشركات، إضافة للخلاف مع الإمارات حول توزيع حصص إنتاج النفط في إطار منظمة أوبك بلس إجمالا.. هناك الكثير من المصالح والتهديدات المشتركة التي لا تزال تحتم على البلدين الإبقاء على علاقاتهما بعيدة عن التوتر، لكن ما هو واضح أن البلدين بفقدان باطراد قدرتهما على إدارة الخلافات وتنسيق سياساتهما المتعارضة، لقد عملا لسنوات في اليمن من أجل تكوين نفوذ مشترك إلى حد ماء غير أن انسحاب الإمارات من الحرب في اليمن دون تفاهمات جذرية مع السعودية عجل بخلافات ذات علاقة بمستقبل نفوذ البلدين وتحديدا في جنوب اليمن، مع ذلك يمكن القول إن دور الإمارات واستقرار نفوذها في اليمن مرهون بالتفاهم على نحو خاص مع السعودية، فالأخيرة تملك ورقة الشرعية اليمنية التي ما يزال بالإمكان استخدامها في الوقت المناسب لإضعاف النفوذ الإماراتي، خاصة وأن الإمارات أوجدت لها خلال السنوات المنصرمة الكثير من الأعداء في اليمن والخليج والمنطقة العربية عموما، وهي بحاجة إلى المظلة السعودية لتجنب ويلات الانتقام، كما أن الدور الإماراتي في اليمن يرتكز في الغالب على أدوات هشة، فالفصائل المسلحة الموالية للإمارات بعضها منقسم وتخترقه ولاءات جهوية متعارضة ومحفزة للصراع الداخلي كما ثبت من مواجهات الشيخ عثمان في عدن بين فصائل الانتقالي (يونيو/ حزيران 2021 وبعضها الآخر يفتقر بشكل كامل إلى الحاضنة الاجتماعية في المناطق التي يسيطر عليها (قوات طارق صالح) ويسهل زعزعتها إذا ما أرادت السعودية ذلك.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد